بعد شهور من المفاوضات العسيرة.. تاسك يقدم مزايا لبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي

كاميرون يشيد بمقترحات الاتحاد.. لكنه يأمل بمزيد من الامتيازات

بعد شهور من المفاوضات العسيرة.. تاسك يقدم مزايا لبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي
TT

بعد شهور من المفاوضات العسيرة.. تاسك يقدم مزايا لبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي

بعد شهور من المفاوضات العسيرة.. تاسك يقدم مزايا لبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي

أعلن دونالد تاسك، رئيس الاتحاد الأوروبي، أمس عن المقترحات التي سيعرضها الاتحاد على بريطانيا في محاولة لتلبية «طلباتها»، وحثها على البقاء داخل التكتل الموحد.
وقال تاسك إن الحفاظ على وحدة الاتحاد الأوروبي هو أكبر تحدٍّ يواجه الدول الأعضاء، ومن هذا المنطلق وضع تاسك مقترحات للرد على المخاوف التي سبق أن طرحها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قبيل الاستفتاء المقرر في بريطانيا حول بقائها في الاتحاد الأوروبي، وذلك حسب ما جاء في رسالة تاسك إلى الأعضاء في مجلس الاتحاد الأوروبي، ونشرت أمس في بروكسل. وأوضح تاسك أن لديه «إيمانا قويا بأن ما يجمع ويقوي الاتحاد الأوروبي هو أكثر بكثير مما يفرق بين دوله.. وأن نكون أو لا نكون معا، هذا هو السؤال الذي يجب الإجابة عنه، ليس فقط من جانب الشعب البريطاني في الاستفتاء، ولكن أيضًا من جانب الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي الموحد خلال الأسبوعين المقبلين».
واعترف تاسك بأن المفاوضات مع لندن كانت صعبة، وستكون هناك مفاوضات صعبة في المستقبل، في إشارة إلى اجتماع 18 و19 من الشهر الحالي في بروكسيل حول نفس الموضوع، وقال بهذا الخصوص: «لا يوجد شيء متفق عليه حتى يتم الاتفاق على كل شيء»، مشيرا إلى أن مقترحاته هي أساس جيد للتوصل إلى تسوية، وأن هذه المقترحات جرى وضعها في إطار تعاون وثيق وجيد من المفوضية الأوروبية لتسهيل العملية.
وأشار تاسك في رسالته إلى النقاط الأربع الأساسية في مقترحاته، وتتعلق الأولى بالإدارة الاقتصادية، حيث سيتم إعداد مشروع قرار لضمان الاحترام المتبادل بين الدول الأعضاء لضمان مزيد من تعميق الاتحاد النقدي والاقتصادي، وتمهيد الطريق لمزيد من التكامل في منطقة اليورو، مع الحفاظ على حقوق وصلاحيات الدول غير الأعضاء فيها.
والنقطة الثانية تتعلق بالقدرة التنافسية، حيث سيكون هناك مشروع قرار لزيادة الجهود المبذولة لتعزيز القدرة التنافسية، وتقييم منتظم للتقدم في مجال تبسيط التشريعات وخفض الروتين. أما النقطة الثالثة فتتعلق بالسيادة، حيث سيكون هناك مشروع قرار يعترف بالوضع الخاص لبريطانيا، بموجب المعاهدات ودراسة تعامل البرلمانات الوطنية مع بعض القضايا، وذلك في إطار احترام التبعية، وأهمية احترام نظام الانسحاب من البروتوكولات 21 و22، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسؤوليات الأمنية الوطنية.
وبخصوص النقطة الرابعة، المتعلقة الفوائد الاجتماعية وحرية الحركة، فقد أوضح تاسك أن دول الاتحاد «بحاجة إلى احترام كامل للمعاهدات الحالية، ولا سيما حرية التنقل وعدم التمييز، وستقوم المفوضية بتوضيح وتفسير القواعد الحالية في إطار مشروع يتضمن بعض القضايا للتعامل بشكل أفضل مع آلية حرية الحركة. هذا إلى جانب مقترحات أخرى للمفوضية تتعلق بسن تشريعات جديدة لتنقل العمال، وإنشاء آلية وقائية للاستجابة إلى حالات استثنائية من تدفق العمال على الدول الأعضاء الأخرى».
وستعرض هذه المقترحات خلال اجتماع الجمعة المقبل لسفراء الدول الأعضاء المعتمدين في بروكسل، لبدء النقاشات حولها، قبيل طرحها على القادة في قمة مقررة ببروكسل يومي 18 و19 من الشهر الحالي.
من جانبه، أشاد كاميرون بمقترحات تاسك لكي تظل بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، ورحب بالمقترحات بقوله: «لقد حددنا في بداية هذه العملية أربع قضايا نحتاج إلى أن نرى إجراء تغييرات كبيرة فيها، وهذه الوثيقة تقدم هذه التغيرات الكبيرة، لكن بالطبع هناك بعض التفاصيل التي لا تزال بحاجة إلى العمل عليها، وهناك أمور مهمة ينبغي تأمينها، بالإضافة إلى مزيد من العمل. وبالطبع هناك التفاوض في المجلس الأوروبي، لكنني أعتقد أننا حققنا تقدما حقيقيا».
وتابع كاميرون موضحا أن هدفه الرئيسي يتمثل في «إعطاء بريطانيا الفرصة لتكون ضمن اتحاد أوروبي تم إصلاحه، وهذا لأن بريطانيا بلد تجاري، وعندنا مدخل على سوق أوروبية موحدة مؤلفة من 500 مليون شخص... سوق تشكل ربع اقتصاد العالم. وقد كانت بريطانيا دائمة بحاجة لإبقاء هذه السوق مفتوحة وأن تكون جزءا منها».
وسبق الإعلان عن تفاصيل المقترحات تسريبات تحدثت عن «نجاح» لندن في الحصول على ما كانت تطمح إليه بخصوص حق البرلمانات الوطنية في استخدام ما يسمى «بطاقة حمراء» لتعطيل أي مقترح تشريعي تتقدم به المفوضية الأوروبية، على اعتبار أن «لندن تريد تفادي التشريعات غير المفيدة»، حسب مصادر مطلعة.
وكشفت تقارير إعلامية في بروكسل أنه «لو صح هذا الأمر فسيصبح بإمكان 55 في المائة من برلمانات الدول الأعضاء استخدام البطاقة الحمراء لإيقاف أي مقترح تشريعي أوروبي»، ويرمي كاميرون من وراء هذا الأمر» إلى التصدي لما يعتبره إهمالاً من قبل المفوضية الأوروبية لرأي شعوب الدول الأعضاء.
كما أكدت المصادر نفسها أن «تاسك قبل أن تعلق بريطانيا مؤقتًا منح الامتيازات الاجتماعية للعمال الأجانب المقيمين على أراضيها»، ويتعلق الأمر بالعمالة القادمة من دول شرق أوروبا، وهو ما شكل أيضًا طلبًا هامًا من طلبات كاميرون.
وتريد مؤسسات الاتحاد الأوروبي تفادي خروج بريطانيا من دول التكتل الموحد، بينما تختلف الآراء في ما بين الدول الأعضاء، وفي هذا السياق تلعب المفوضية الأوروبية دور المنسق في هذه المفاوضات عبر مجموعة عمل شكلها رئيسها جان كلود يونكر، مهمتها الرئيسية تسهيل المحادثات بين بريطانيا وباقي الشركاء الأوروبيين.
يذكر أن بعض الدول، مثل بولونيا وهنغاريا والتشيك وسلوفاكيا، تنظر بقلق إلى الطلبات البريطانية، على اعتبار أن رعاياها يشكلون النسبة الأكبر من العمالة الأجنبية في بريطانيا، التي يريد كاميرون تقنين الامتيازات الاجتماعية الممنوحة لهم.



مع وقف إطلاق النار في لبنان... ماكرون يحقق إنجازاً دبلوماسياً نادراً

يحتفل النازحون بعودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ (أ.ب)
يحتفل النازحون بعودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ (أ.ب)
TT

مع وقف إطلاق النار في لبنان... ماكرون يحقق إنجازاً دبلوماسياً نادراً

يحتفل النازحون بعودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ (أ.ب)
يحتفل النازحون بعودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ (أ.ب)

منح وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، نصراً دبلوماسياً غير معهود في الشرق الأوسط، بعدما عمل عليه لأسابيع مع واشنطن، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسطي في جنيف، حسني عبيدي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إنها عودة غير متوقعة للدبلوماسية الفرنسية. أعاد لبنان إحياء دور فرنسا في الشرق الأوسط».

وأيدت أنييس لوفالوا، من معهد الأبحاث والدراسات حول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، هذا الرأي، عادّةً أنه «بالنسبة لفرنسا، يعد هذا نجاحاً».

ولفتت إلى الخيبة التي أثارها في سبتمبر (أيلول) إفشال مبادرة مماثلة في اللحظة الأخيرة من قِبَل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

وأوضحت أن ماكرون الذي انخرط بشكل كبير إلى جانب الولايات المتحدة أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة «عدَّ الأمر بمثابة صفعة».

منذ ذلك الحين، يبذل الفرنسيون جهوداً مكثفة في المفاوضات، بالتنسيق مع الأميركيين، وإن كان الإسرائيليون «رغبوا في إبعادهم عنها»، بحسب مصدر فرنسي قريب من الملف.

وشكر نتنياهو الذي اتسمت علاقاته مع الرئيس الفرنسي بالتوتر في الآونة الأخيرة، مساء الثلاثاء، الرئيس الأميركي جو بايدن «على دوره» في الهدنة.

في المقابل، شكر الرئيس الأميركي بايدن، المنتهية ولايته، نظيره الفرنسي على «مشاركته» في المفاوضات بين إسرائيل ولبنان.

«بحاجة إلينا»

وأشارت مصادر عدة تحدثت إليها «وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أن الأميركيين واللبنانيين تمسّكوا بأن تؤدي فرنسا دوراً في المباحثات وآلية مراقبة تنفيذ الاتفاق، نظراً إلى الاتصالات القائمة بينها وبين «حزب الله» وداعمته إيران.

وأكد دبلوماسي فرنسي أن «الأميركيين بحاجة إلينا من أجل (حزب الله)»، موضحاً: «لقد حاولوا أن يؤدوا (بمفردهم) لكن الأمر لم ينجح، لذا قدم الفرنسيون قيمتهم المضافة التقليدية».

وأشار إلى أن باريس التي تراجع تأثيرها خلال السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط، تستعيد بذلك «مكانتها التقليدية» بين مختلف الأطراف في المنطقة، مؤكداً أنه «من هذا المنظور، يعد ذلك انتصاراً».

وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الأربعاء: «إن هذا الاتفاق ثمرة عمل شاق جرى على مدى أشهر عدة. إنه نجاح للدبلوماسية الفرنسية ويمكننا أن نعتز به».

وأوضح عبيدي أن المفاوضين اللبنانيين أصرّوا «على المشاركة الفرنسية لأنهم لا يثقون في الأميركيين الذين أظهروا انحيازهم الكامل للموقف الإسرائيلي».

ويأتي وقف إطلاق النار في توقيت ملائم بالنسبة لماكرون الذي يواجه وضعاً صعباً في فرنسا منذ قراره حل البرلمان في يونيو (حزيران)، والطامح إلى استعادة مكانته على الساحة الدولية.

ونادراً ما أثمرت حتى الآن الجهود الدبلوماسية للرئيس الفرنسي، من ليبيا، إلى أوكرانيا، حيث وجهت إليه انتقادات شديدة لمواصلة الحوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد بدئه الغزو في فبراير (شباط) 2022، مروراً بلبنان الذي كان خاضعاً للانتداب الفرنسي، وحيث يحاول منذ أعوام الضغط على قادة البلاد لحلّ الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعانيها بيروت.

«مهمة دقيقة»

ويمكن لوقف إطلاق النار قبل أيام من زيارة دولة يقوم بها إلى السعودية، بين الثاني والرابع من ديسمبر (كانون الأول)، أن يشكّل ورقة رابحة للرئيس الفرنسي.

فهو يوفّر لماكرون «محاولة إقناع السعوديين» بالمساهمة في إرساء استقرار في لبنان، لا سيما مالياً، وإن كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «ليس لديه (بالضرورة) هذا الهدف»، بحسب لوفالوا.

وبغض النظر عن بدء سريان وقف إطلاق النار، يشكل ثباته ميدانياً على المدى البعيد تحدياً لباريس وواشنطن، رغم «حرص» الطرفين على حسن تنفيذه.

وأكد نتنياهو، الثلاثاء، أن إسرائيل، وبالتفاهم مع الولايات المتحدة، «ستحتفظ بالحرية التامّة للتحرك العسكري» ضد «حزب الله» في حال انتهك الاتفاق. وشدد على أنه إذا «حاول إعادة التسلّح، فسنهاجم».

وبحسب الاتفاق، تتسلّم قوات الجيش والقوى الأمنية اللبنانية المواقع التي يسيطر عليها حالياً الجيش الإسرائيلي و«حزب الله»، على أن تنضمّ الولايات المتحدة وفرنسا إلى الآلية الثلاثية التي تم إنشاؤها بعد حرب عام 2006 بين الطرفين، للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار. وتضم اللجنة حالياً إسرائيل ولبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).

وسأل لوفالوا: «كيف ستسير الأمور بشكل ملموس إذا حدثت مشكلة؟»، مشيرة إلى أن الجيش اللبناني لن تكون لديه «وسائل كثيرة» تتيح له الفصل بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي.

أمام كل هذه التحديات، «تواجه فرنسا مهمة دقيقة تتمثل في الإبقاء على استقلاليتها ونفوذها مع الحفاظ على ثقة جميع الأطراف المعنية»، بحسب عبيدي.