الحديدة.. المحافظة الاستراتيجية تنتفض في وجه المتمردين

عمليات المقاومة أرعبت الميليشيات.. ومعظم سكان المحافظة تحت خط الفقر

الحديدة.. المحافظة الاستراتيجية تنتفض في وجه المتمردين
TT

الحديدة.. المحافظة الاستراتيجية تنتفض في وجه المتمردين

الحديدة.. المحافظة الاستراتيجية تنتفض في وجه المتمردين

تعد محافظة الحديدة واحدة من المحافظات اليمنية المهمة، وتحديدا بالنسبة للمحافظات الشمالية وفي المقدمة العاصمة صنعاء، فالمحافظة هي عاصمة إقليم تهامة الذي يضم محافظات الحديدة، وحجة، والمحويت، وريمة. وفي مدينة الحديدة، التي تعد واحدة من كبريات المدن الحضرية اليمنية، يقع ثاني ميناء رئيسي في البلاد، بعد ميناء عدن، إضافة إلى المساحة والموقع الجغرافي المتميز للمحافظة على ساحل البحر الأحمر والسهل التهامي الغربي.
وكانت الحديدة تشكل العمود الفقري لنظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح منذ ما قبل توحيد شطري البلاد، مطلع تسعينات القرن الماضي، وما زالت تشكل هذه الأهمية للعاصمة صنعاء وللمخلوع والميليشيات الحوثية المتحالفة معه، سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو المالية، فمن المعروف أن الحديدة من أكثر المحافظات التي تدر أموالا طائلة لخزينة الدولة ولصالح وأركان نظامه السابق، الذين ما زالوا يحتفظون بمصالح كبرى فيها.
وقد احتلت الميليشيات الحوثية محافظة الحديدة في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، أي بعد السيطرة على العاصمة بصنعاء بأقل من شهر، وذلك لأهمية هذه المحافظة بالنسبة لصنعاء، فهي مصدر التموين الرئيسي بالمواد الغذائية والدوائية والمعدات العسكرية وغيرها، تمر عبر مينائها إلى صنعاء، ومثل باقي المحافظات مارست وتمارس الميليشيات ومشايخ القبائل وعناصر حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يتزعمه المخلوع صالح، أعمال النهب والتنكيل بأبناء المحافظة المعروفة بأنها «مسالمة»، غير أن أعمال القتل والاعتقالات والسجن والانتهاكات بحق أبناء هذه المحافظة تبدو، بنظر المراقبين، في الحديدة أكثر من غيرها من المحافظات.
ومنذ مطلع العام الماضي، وحتى اللحظة، تشهد الحديدة عمليات «نوعية» للمقاومة الشعبية التهامية، التي تكونت لمواجهة الميليشيات، غير أن هذه العمليات تقتصر على هجمات وكمائن لقيادات وعناصر الميليشيات وقوات المخلوع، في مدينة الحديدة والمدن الثانوية (المديريات) التي يصل عددها إلى 26 مديرية، ويقول قائد الحراك والمقاومة التهامية، عبد الرحمن شوعي حجري، إن هجمات المقاومة ضد ميليشيات الحوثي وقوات المخلوع علي عبد الله صالح في مدينة الحديدة الساحلية وفي مدن وأرياف إقليم تهامة، في تصاعد مستمر، وإن هذه الهجمات تكبد الميليشيات خسائر فادحة في الأرواح، وزرعت الخوف في قلوبهم.
ويؤكد حجري، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الميليشيات الانقلابية أصبحت تتخبط، بشكل كبير في تهامة، جراء الخسائر التي ألحقت بهما على يد أبطال المقاومة وغارات طيران التحالف المركزة والمباشرة على مواقعهم وتجمعاتهم ومخازن أسلحتهم، الأمر الذي جعلهم يشنون يوميا حملات اعتقالات واسعة وملاحقات داخل مدينة الحديدة وأريافها في صفوف المواطنين التهاميين»، بينما يؤكد شهود عيان في مدينة الحديدة، لـ«الشرق الأوسط»، أن عمليات المقاومة أدت إلى اختفاء عناصر الميليشيات من معظم نقاط التفتيش في المدينة، بعد استهداف تلك العناصر في عمليات نوعية بالمسدسات والأسلحة الرشاشة.
وتابع حجري قائلا إنه «لا يمر يوم إلا وتخسر ميليشيات الحوثي - صالح الرهان، وبات عمرها قصيرا رغم التضليل الإعلامي الذي تقوم به، فعمليات المقاومة التهامية تتسع يوما بعد يوم في كل المديريات الممتدة على مستوى الإقليم التهامي، وهناك ترتيبات واسعة لتحرير إقليم تهامة من قبضة الميليشيات الطائفية الكهنوتية»، مؤكدا أن لدى المقاومة التهامية معلومات كاملة حول مواقع وأماكن سلاح الميليشيات ومخازنهم ومعسكراتهم وعناصرهم ومن التحق بالميليشيات وتعاون وعمل معهم للإضرار بالإنسان التهامي، وكل تحركات الميليشيات باتت مكشوفة.
وأشار عبد الرحمن حجري إلى أن «محافظة الحديدة وتهامة لا تشكلان حاضنا اجتماعيا للمشروع الحوثي الطائفي المدعوم من إيران، لأن اليمنيين رفضوا هذا المشروع بكل أطيافهم، فاليمن أهل دين وحكمة، ومثل هذه المشاريع الخبيثة لن تنطلي على شعب اليمن العظيم، شعب الفتوحات الإسلامية، وقبور أجدادنا هناك تشهد على ذلك»، كما أشار، لأول مرة، إلى الاستعدادات اللوجيستية لتحرير محافظة الحديدة والإقليم، وقال، لـ«الشرق الأوسط»، إنه تم تجهيز وتدريب كثير من شباب المقاومة في تهامة في عدد من المناطق، خارج تهامة وداخلها، وبالتنسيق مع قوات التحالف وضباط تهاميين لاستكمال عملية التحرير. وفيما يخص مدينة الحديدة وأريافها تابع: «لدينا عناصر مدربة داخل المدينة بعتادهم وكامل جاهزيتهم القتالية، وينتظرون أوامر بدء معركة التحرير، إضافة إلى عناصر تنشط في جانب العمليات اليومية النوعية».
وأوضح أن «هناك تواصلا بين قيادة المقاومة التهامية والحراك التهامي السلمي والرئيس عبد ربه منصور هادي وقيادة التحالف الذي تقوده السعودية، وأن هناك خطة شاملة ومدنية زمنية لتحرير إقليم تهامة وإعادة السيطرة عليها خلال فترة وجيزة، خصوصا أنه، إلى الآن، تمت السيطرة على مواقع كثيرة، لأن تحرير إقليم تهامة يعني تحرير المناطق الشمالية المتبقية في أيدي الميليشيات الإجرامية الممولة من إيران الفارسية، وإنهاء مشروع التشيع الفارسي في المنطقة العربية، ليس هذا فقط، بل إن تحرير إقليم تهامة يعني تحرير تعز وإسقاط صنعاء من أيديهم»، داعيا أبناء تهامة الأحرار إلى تجنب الحزبية وتغليب المصلحة الوطنية، كما دعا أبناء تهامة المغرر بهم إلى عدم الانخراط في القتال في صفوف الميليشيات، وقال إن «الوجوه القديمة والجنرالات من ناهبي أراضي تهامة ومن شاركوا في نهب خيرات تهامة غير مقبولين على أرضنا، لأنه ستكون هناك دولة اتحادية من ستة أقاليم وسيحكم كل إقليم أبناؤه».
وفاقم احتلال الميليشيات الحوثية محافظة الحديدة من معاناة سكان المحافظة، الذي كانوا يعانون، أصلا، في ظل النظام السابق، في كل المجالات الوظيفية والمعيشية، إضافة إلى نهب أراضيهم ومزارعهم، ويقول الناشط السياسي والحقوق بسيم الجناني، لـ«الشرق الأوسط»، إن أكثر من مليوني مواطن يعيشون في محافظة الحديدة، تحوّل وضعهم إلى مأساوي وحكموا عليها بالموت من أجل بقائهم، وإن الحياة المعيشية لسكان الحديدة «تحولت إلى جحيم، خصوصا بعد دخول ميليشيات الحوثي إلى المحافظة، وأصبح الوضع المعيشي أكثر سوءا، فلا كهرباء منذ عدة أشهر ولا مياه تصل إلى كثير من مديريات المحافظة، وتفاقمت الحالة الإنسانية الصعبة مع ازدياد أعداد الفقراء بما يتجاوز 80 في المائة».
وفي حين يؤكد الجناني أن «احتكار الحوثيين والقوات التابعة للمخلوع المشتقات النفطية المخصصة للمواطنين وبيعها في السوق السوداء بمبالغ خيالية، أدى إلى تأثر حياة المواطنين المعيشية بشكل واضح، حيث يعتمد غالبية مواطني الحديدة وإقليم تهامة عموما على الدخل اليومي من عمليات البيع والشراء»، فإن يجزم بأن توفير لقمة العيش هي الشغل الشاغل لأرباب الأسر في الحديدة مترافقا مع الخوف من عدم القدرة على توفيرها، وأن كثيرا من الأسر لا سيما في المناطق النائية باتت تحت خط الفقر ولا تصل إليها أي مساعدات إنسانية، وكثيرا من تلك المساعدات يتم نهبها وبيعها في السوق من قبل الميليشيات التي تعد هذه المساعدات أحد مصادر دخل مسلحيها.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.