الاستثمار في المباني القديمة يجتذب اهتمام أهالي نيويورك

شركة عقارية تقتنص الفرص وتستلهم الماضي استرشادًا بالوثائق

مارسي كلارك المؤرخة المعمارية التي حولت مسار إحدى كبريات شركات العقار في نيويورك (نيويورك تايمز)
مارسي كلارك المؤرخة المعمارية التي حولت مسار إحدى كبريات شركات العقار في نيويورك (نيويورك تايمز)
TT

الاستثمار في المباني القديمة يجتذب اهتمام أهالي نيويورك

مارسي كلارك المؤرخة المعمارية التي حولت مسار إحدى كبريات شركات العقار في نيويورك (نيويورك تايمز)
مارسي كلارك المؤرخة المعمارية التي حولت مسار إحدى كبريات شركات العقار في نيويورك (نيويورك تايمز)

كانت صور الأطفال المجنحة الراقصة تملأ السقف الذي يتخذ شكل قبة مستديرة بمبنى أولد ستينواي هول الكائن في 57 ويست ستريت في مانهاتن. وانعكست روح المرح السائدة بالمشهد على وجه مارسي كلارك، بينما كانت تقف أسفلهم، الأسبوع الماضي، وجال خاطرها في فخامة الغرفة التي يبلغ عمرها 91 عامًا.
وتقول كلارك إن «الغرفة صممت على الطراز المعروف باسم نيوكلاسيك أو الكلاسيكي الجديد، مع وجود أعمدة رخامية وأعمدة جدارية وإفريز في مجموعة متنوعة من الأشكال. وقد أبدع تصميم هذه المساحة ذات الأضلاع الثمانية والارتفاع المزدوج، والتر إل. هوبكينز، الذي أبدع بعض أفضل أعمال شركة وارين آند ويتمور»، في إشارة إلى مصممي المبنى. وأضافت: «من المعتقد أن الصور تحاكي صورة للرسام النمساوية أنغليكا كوفمان التي عاشت بالقرن الـ18».
باعتبارها مؤرخة معنية بتاريخ المعمار، درست كلارك، 30 عامًا، مباني بمختلف أرجاء مدينة نيويورك سعيًا وراء تفهم تفاصيل تصميماتها الداخلية. إلا أن بحثها بخصوص مبنى أولد ستينواي هول كان له غاية مختلفة تمامًا، وهو بيع الوحدات السكنية بالمبنى.
جدير بالذكر أنه منذ عامين، انتقلت كلارك من الحقل الأكاديمي للعمل بمجال التسويق العقاري لصالح شركة «جيه دي إس ديفلبمنت غروب»، حيث تتولى منصبا إداريا حاليًا. وتتضمن مهام عملها إعداد كتيبات التسويق وإدارة عمل السماسرة والإعلان عن المشروعات، لكنها تفضل قضاء وقتها داخل المكتبات وبين أرفف الأرشيف داخل شركات التصميم العقاري. هناك، تعمل على التنقيب عن المخططات الأولية والصور والخرائط والوثائق التي يمكن الاعتماد عليها في مشروعات «جيه دي إس ديفلبمنت غروب»، سواء كانت تتعلق بمباني تاريخية أم لا. وترى كلارك أن الصور الطبوغرافية القديمة ربما تسهم في مستوى عمل هندسي أفضل، مثلاً من الممكن أن تتحول مشواة قديمة إلى عنصر ديكور رائع في مطبخ جديد.
وعن ذلك، أكدت كلارك أنه: «هذا ليس مجرد إجراء رمزي أو خدعة تسويقية، وإنما يحمل ذلك في طياته معلومات للمصممين والسماسرة العاملين لدينا بخصوص ما ينبغي عمله بالمشروعات، من حيث التصميمات الداخلية والتفاصيل. باختصار، إنه وسيلة إلهام».
وفي الوقت الذي قد تفضل مشروعات التطوير العقاري الأخرى محو الماضي كلية، فإن «جيه دي إس ديفلبمنت غروب» توصلت إلى أن احتضان هذا الماضي قد يدر مكاسب كبيرة داخل مدينة قائمة على التقدم والحنين إلى الماضي جنبًا إلى جنب.
عن هذا، قال مايكل ستيرن، مؤسس «جيه دي إس ديفلبمنت غروب»: «يبدو أن الناس يقدرون بالفعل مصداقية العمل، وغالبًا ما يبدأ ذلك بأبحاث وتوجيه من جانب مارسي كلارك».
عام 2011، كانت كلارك مجرد «طالبة دراسات عليا ضعيفة المستوى»، حسب وصف كلارك. في لحظة ما، وقعت عيناها على إعلان طلب لباحث معلق على لوحة الإعلانات داخل قسم تاريخ الفن بكولومبيا. وكانت المهمة المعاونة في إعداد معرض حول المصمم المعماري رالف والكر، الذي يعد رائد أسلوب آرت ديكو، والذي لم يحظ بشهرة واسعة حتى داخل أوساط المصممين المعماريين لأن مجال عمله الرئيسي كان بدالات الهواتف حول مانهاتن.
مؤخرًا، اشترت «جيه دي إس ديفلبمنت غروب» واحدة من هذه البدالات من فيريزون في 18 ويست ستريت. يطل المبنى على ويست فيليدج ونهر هدسون وقاعة فخمة التصميم لم تكن متاحة سوى أمام فنيي الهاتف. وعليه، حمل هذا العقار فرصة بناء مبنى سكني من الصفر على غرار مباني فترة ما قبل الحرب.
من ناحية أخرى، عاونت كلارك بالفعل في إعداد معرض عن والكر، مع تسليط الضوء على دوره كرئيس للمعهد الأميركي للمصممين المعماريين وصاحب تصميمات معالم بارزة مثل مبنى 1 وول ستريت ومبنى باركلي ـ فيسي المقابل لمركز التجارة العالمي.
وجرى بالفعل افتتاح المعرض في قاعة المبنى عام 2012. قبل عام من بدء عمليات البيع. ونظر ستيرن للأمر باعتباره مؤشرًا على الالتزام بعرض الجانب التاريخي للموقع، لكنها أيضًا كانت خطوة ذكية لأن جهود إحياء أعمال والكر نجحت بالفعل، وذلك بعد أن كان قد تعرض للنبذ بسبب رفضه للتصميم المعماري الحداثي. وعليه، فإن مبنى كان في وقت مضى بحالة رثة أصبح فجأة يضم وحدات سكنية بقيمة تصل لملايين الدولارات، منها شقة علوية بـ50.9 مليون دولار، والتي تعد أغلى وحدة بيعت خلال فترة التراجع الاقتصادي.
عن هذا، قال فرانسيس مورون، المؤرخ المعني بالتصميمات المعمارية: «هذا تحول مثير، ويعكس التسويق بالمعنى الحقيقي، لكنه يحمل كذلك في طياته احترامًا حقيقيًا للمدينة لا أراه كثيرًا. أتمنى أن تسير على هذا النهج المزيد من شركات التطوير العقاري».
كانت كلارك قد عملت مع «جيه دي إس ديفلبمنت غروب» بخصوص مبنى آخر من تصميم والكر في 50 ويست ستريت. ومن بين إسهاماتها على هذا الصعيد كشف النقاب عن زخارف ديكو على السطح كانت قد تعرضت للطمس، وأعادت «جيه دي إس ديفلبمنت غروب» بناءها.
بحلول ذلك الوقت، كانت تعمل على وضع رسالة الدكتوراه الخاصة بها بجامعة مدينة نيويورك. وركزت رسالتها على شخصية بارزة أخرى بمجال التطوير العقاري في نيويورك، وهي ويليام زكندورف، وأعمال بمشروعات التجديد الحضري.
في الواقع، يبدو اختيار كلارك لهذا المجال الأكاديمي منطقيًا بالنظر لكونها ابنة وحفيدة اثنين من المقاولين في سولت ليك سيتي. ومن خلال عملها لحساب «جيه دي إس ديفلبمنت غروب»، شعرت كلارك أنها أصبحت تمتلك تأثيرًا أكبر يفوق مجرد التأثير النظري على التاريخ المعماري. وقالت: «أعتقد أن العقارات تعكس في جوانب عدة قصة مدينة نيويورك، وكيف نمت المدينة وتغيرت».
كانت «جيه دي إس ديفلبمنت غروب» قد استعانت بكلارك كمديرة تسويق عام 2013. وسرعان ما أصبحت واحدة من قيادات الشركة. بمجرد أن تشرع الشركة في التفكير في شراء مبنى ما، تتجه كلارك إلى الأرشيف بمبنى الإدارة المحلية ومكتبة الفنون الجميلة والمعمار في كولومبيا، أو بأي مكان آخر، لتبدأ في صياغة حجة متكاملة مع أو ضد شراء العقار.
وحتى العقارات التي ليس لها صلة عميقة بالماضي بمقدورها الكشف عن بعض الأسرار، مثل العقار الكائن في 626 فيرست أفنيو، حيث بدأ تحويل موقع كان يخص سابقًا شركة «كونسوليديتيد إديسون» إلى مبنى يضم 800 وحدة سكنية موزعة على برجين مرتبطين بجسر زجاجي. وتوصلت كلارك لخرائط عن المبنى أسهمت في إعادة تصميمه.
وبالقرب من هاي لاين، بدأت تتضح معالم مبنى مؤلف من 14 وحدة سكنية من تصميم شركة «رومان آند ويليامز». من جهتها، قالت كلارك: «نظرًا لأن كل المباني هنا حديثة الطراز، رأينا أنه سيكون من المثير طرح أمر مختلف بعض الشيء». كان ذهن المصممين تفتق عن تغطية الواجهة الخارجية للمبنى بمادة طلاء خضراء على غرار «وولورث بيلدينغ»، بما يثير الانطباع بأن المبنى أقيم في فترة كانت القطارات ما تزال تمر بالمنطقة.
من جانبه، قال ستيفين أليش، مسؤول بشركة «رومان أند ويليامز»، إنه لم يعرف بخلفية كلارك سوى بعد ستة شهور، الأمر الذي فسر له فجأة كل شيء. وأضاف: «عندما كنا نتحدث عن توجهنا، كنا نتعرض للسخرية، بل وكان بعض المعنيين بالتطوير العقاري يتملكهم الفزع، لكن مع مارسي فوجئنا أن عينيها تلألأت بحديثنا».
داخل المشروعات ذات الطابع التاريخي الأكبر، مثل أولد ستينواي هول الذي تتولى مسؤولية تطويره العقاري شركة «بروبرتي ماركتس غروب»، فإن العناصر الجديدة تستدعي أخرى قديمة، مثل قاعة حفلات موسيقية قديمة سيعاد بناؤها في الدور الثامن على نحو يكاد يكون طبق الأصل من التصميم القديم بفضل الصور التي عثرت عليها كلارك.
وبمجرد أن تنطلق المشروعات، يجري حفظ ملفات خاصة بها تضم صورا وفيديوهات من أجل الأرشيف الخاص بـ«جيه دي إس ديفلبمنت غروب»، وبالطبع لعرضها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
من جهتها، قالت مارتا غوتمان، بروفسورة في سيتي كوليدج وواحدة من أساتذة كلارك: «إنه من المذهل معاينة التأثير الذي تتركه الآن، والذي سيدرسه طلابنا يومًا ما، لكنني آمل فقط أن تنتهي من رسالتها العلمية».
وأكدت كلارك، من جانبها، أنها تعمل على إنجاز رسالة الدكتوراه بالفعل خلال عطلتها الأسبوعية.

* خدمة «نيويورك تايمز»



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»