لافروف يبحث خطوات التسوية السورية مع كيري.. والخارجية الروسية ترفض تهم عرقلة «جنيف3»

بعد أن رأى أن المحادثات «يجب أن تكون لوقف إطلاق النار وإصلاحات سياسية»

أحد عناصر مسلحي المعارضة داخل مخبأ في ضواحي دمشق (أ.ف.ب)
أحد عناصر مسلحي المعارضة داخل مخبأ في ضواحي دمشق (أ.ف.ب)
TT

لافروف يبحث خطوات التسوية السورية مع كيري.. والخارجية الروسية ترفض تهم عرقلة «جنيف3»

أحد عناصر مسلحي المعارضة داخل مخبأ في ضواحي دمشق (أ.ف.ب)
أحد عناصر مسلحي المعارضة داخل مخبأ في ضواحي دمشق (أ.ف.ب)

قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان على موقعها الرسمي حول محادثات خلال مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، إن لافروف اعتبر «محاولات البعض فرض شروط مسبقة لبدء عملية المفاوضات، أمر لا يمكن القبول به»، في إشارة واضحة منه إلى موقف «الهيئة العليا للمفاوضات» المنبثقة عن مؤتمر المعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض.
ولقد اتهم الوزير الروسي في البيان «الجهة التي تضع شروطًا مسبقة بأنها تنتهك القرار الدولي 2254»، وقال إن الشروط المسبقة تتعارض مع نص القرار. وأضافت الخارجية الروسية في بيانها أن الوزيرين لافروف وكيري بحثا جهود تسوية الأزمة السورية خلال اتصال هاتفي يوم أمس 29 يناير (كانون الثاني)، وذلك بعد ساعات على بداية لقاءات يعقدها المبعوث الدولي إلى الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا في جنيف مع «مَن حضر» من وفود للمشاركة في مؤتمر «جنيف3» لتسوية الأزمة السورية، في ظل غياب لوفد المعارضة الذي شكلته «الهيئة العليا للمفاوضات». وأردفت أن لافروف وكيري أعربا عن دعمهما لجهود دي ميستورا، بينما شدد لافروف من جديد على أهمية «أن يكون وفد المعارضة ممثلا بالفعل لكل الأطياف، وضرورة تشكيل جبهة موحدة للتصدي لداعش».
يكشف هذا الاتصال عن عمق التباينات التي ما زالت قائمة بين الأطراف الدولية، وقلقها إزاء إعلان مبكر لفشل المؤتمر «دون انعقاده»، في ظل تمسك المعارضة السورية بموقفها الرافض للمشاركة في المؤتمر إلى حين تسلّم رد واضح وتطمينات وتأكيدات من جانب الأمين العام للأمم المتحدة، حول جملة قضايا أكد عليها القرار 2254، وبما يضمن سير العملية السياسية وفق أسس تفضي إلى تحقيق النتائج المرجوة منها.
وفي الأوساط غير الرسمية رجح مراقبون أن المحادثات بين لافروف وكيري، التي أجريت بمبادرة من الثاني، ركزت بصورة أساسية على بحث المسائل المتصلة بموقف «الهيئة العليا للمفاوضات» من مؤتمر جنيف، وضرورة الضغط لتجاوز العقبات الحالية أمام مشاركة وفد المعارضة المنبثق عن «الهيئة»، والذي حصل وحده على دعوة إلى جنيف بصفته جهة سياسية تفاوضية، بينما تم توجيه الدعوات للآخرين بصفات شخصية.
في غضون ذلك، حذرت وزارة الخارجية الروسية، على لسان ماريا زاخاروفا، الناطقة الرسمية باسم الخارجية، من فشل أعمال مؤتمر جنيف لتسوية الأزمة السورية في حال لم يكن وفد المعارضة السورية المشارك في المفاوضات موسعًا وممثلا لكل قوى المعارضة السورية. ذكرت زاخاروفا بهذا الصدد: «عندما يصر خبراؤنا على أن يكون وفد المعارضة السورية موسعًا وشاملاً، فإنهم يفعلون هذا لسبب بسيط، هو أنه في حال استثناء هذه المجموعات أو تلك فإن التسوية قد تفشل». ومن ثم دافعت الناطقة الرسمية باسم الخارجية الروسية عن موقف بلادها إزاء عملية التسوية السياسية للأزمة السورية، ووصفت الاتهامات التي توجهها المعارضة الروسية لروسيا بأنها تحاول عرقلة المفاوضات السورية في جنيف، بأنها «محض هراء»، زاعمة إن «روسيا كانت تقف منذ البداية مع حوار بين المعارضة والحكومة وتسوية سياسية دبلوماسية للأزمة السورية».
وتأتي تصريحات لافروف، وقبلها تصريحات زاخاروفا، في الوقت الذي انطلقت أعمال مؤتمر «جنيف3»، «بمن حضر»، إن جاز التعبير. إذ إن «الهيئة العليا للمفاوضات» المنبثقة عن مؤتمر الرياض، والوفد التفاوضي الذي اختارته، ما زالا يرفضان المشاركة في أعمال المؤتمر بانتظار رد عملي من الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى سوريا حول جملة قضايا، في مقدمتها تلك المتعلقة بالجانب الإنساني وفك الحصار ووقف القصف والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. وتؤكد «الهيئة» لى ضرورة تنفيذها خارج إطار المفاوضات وترفض تركها لبحثها خلال الجلسات في جنيف، مرتكزة في إصرارها هذا على قرار مجلس الأمن الدولي 2254، الذي طالب حين صدوره بالإتاحة فورًا للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سوريا. فضلا عن مطالبة القرار «بأن توقف جميع الأطراف فورا أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها، بما في ذلك الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي، وأي استخدام عشوائي للأسلحة، بما في ذلك من خلال القصف المدفعي والقصف الجوي».
لذلك ترى المعارضة السورية أنه لا يمكن بدء المفاوضات طالما استمر حصار المدن والقرى ومنع المساعدات الإنسانية من الوصول، بينما يستمر القصف المدفعي والجوي، «بما في ذلك من جانب طائرات روسيا، الدولة الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التي يترتب عليها أن تكون المبادرة لتنفيذ هذا القرار، لا أن تواصل القصف حتى في الساعات التي كانت الوفود تتجه فيها إلى جنيف»، وفق ما يقول معارضون.
من جانب آخر، هناك قلق في أوساط المعارضة بشأن أولويات العملية التفاوضية. وهم يرون أن المفاوضات يجب أن تدور على أساس بيان «جنيف1» وآليات تطبيقه، وتحديدًا في ما يخص تشكيل هيئة حكم انتقالية تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية، الأمر الذي أكد عليه أيضًا القرار الدولي ذاته (2254) في ديباجته. وتعود مخاوف المعارضة إلى جملة أسباب في مقدمتها محاولة النظام، وكذلك روسيا، الالتفاف على العملية السياسية من خلال تفسيرهما كل الوثائق الدولية حول التسوية السورية على أهوائهم وبما يناسبهم. ويقول معارضون إن روسيا، مع ادعائها بشكل دائم على أن حل الأزمة السورية يجب أن يقوم على أساس بيان «جنيف1»، فإنها حاولت الدفع بالتصدّي للإرهاب إلى المكانة الأولى ضمن أولويات التسوية السورية، على أن يترك الحل السياسي «لما بعد القضاء على الإرهاب»، وأن تجري لاحقا إصلاحات سياسية بالتوافق بين الحكومة والمعارضة، الأمر الذي يعني «إعادة إنتاج» أو «تأهيل» النظام.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.