إيران تنفق ملايين الدولارات على وسائل إعلام لبنانية لتشكيل رأي عام مناهض للسياسات العربية

بيروت المركز الثاني للإعلام الإيراني بعد طهران

تعتبر قناة «المنار» التابعة لحزب الله من أهم الوسائل الإعلامية التي تمولها إيران
تعتبر قناة «المنار» التابعة لحزب الله من أهم الوسائل الإعلامية التي تمولها إيران
TT

إيران تنفق ملايين الدولارات على وسائل إعلام لبنانية لتشكيل رأي عام مناهض للسياسات العربية

تعتبر قناة «المنار» التابعة لحزب الله من أهم الوسائل الإعلامية التي تمولها إيران
تعتبر قناة «المنار» التابعة لحزب الله من أهم الوسائل الإعلامية التي تمولها إيران

استغلت إيران الحرية الواسعة التي يتمتع بها الإعلام اللبناني، وغياب الرقابة الفعلية على محتوى البث التلفزيوني والإذاعي، وحتى الورقي، لتنشئ شبكة إعلامية واسعة تضم محطات فضائية وأخرى أرضية، بالإضافة إلى وسائل إعلام مطبوعة، وأخرى إلكترونية.
وتؤشر الحملة التي شنت الأسبوع الماضي، على المملكة العربية السعودية، في صحيفتين محليتين لبنانيتين، في التوقيت نفسه، وفي مضمون متشابه، ثم في تناقلها عبر محطات تلفزيونية عدة، على حجم التغلغل الإيراني في الإعلام اللبناني. وتستغل إيران ضعف الإعلام اللبناني المناهض لها، وتردي أوضاعه المادية، من أجل المضي في اجتذاب الصحافيين الكبار إلى صفها، كما في تقوية الإعلام الموالي لها، الذي يُعتبر الإعلام الوحيد الذي يعاني من الضائقة المالية الكبيرة التي تضرب الإعلام اللبناني عامة، والمعارض لطهران خصوصًا، فوسائل إعلام عريقة مثل صحيفة «النهار» اللبنانية، اضطرت أخيرًا إلى تسريح الكثير من موظفيها، ووقف بعض خدماتها كالملحق الثقافي، من أجل توفير القدرة على الاستمرار، فيما يرزح تلفزيون وصحيفة «المستقبل» تحت ضائقة مالية هائلة، حيث أتم موظفو التلفزيون والصحيفة المواليان لقوى «14 آذار» سنة كاملة من دون رواتب.
وفي المقابل، لا يكاد يمر يوم من دون ظهور وسيلة إعلام جديدة موالية لطهران، خصوصا في الجانب الإلكتروني. ويقول مصدر لبناني واسع الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» إن إيران أنشأت في بيروت «غرفة عمليات» إعلامية كبيرة تدير المضمون والمحتوى الإعلامي لوسائلها الإعلامية التي تبلغ العشرات، بهدف تنظيم عملها وحملاتها وضبط توجهاتها. وتضم غرفة العمليات هذه مجموعة من «المحللين» الذين يتنقلون على الشاشات اللبنانية والعربية لشرح مواقف الحزب والدفاع عنها، من دون أن يظهروا انتكاسًا للحزب أو لإيران، ما يشجع وسائل الإعلام الأخرى الباحثة عن «الرأي الآخر» على استضافة هؤلاء والاستماع إلى ما لديهم من آراء وتحليلات.
ويقول عميد كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج صدقة في مقال نشره أخيرًا إن وسائل الإعلام اللبنانية تمر بأزمة خانقة، ربما هي الأقسى في تاريخها، باتت تهدد وجودها واستمراريتها، تتمثل بتراجع مداخيلها إلى درجة أصبحت معها غير قادرة على دفع رواتب العاملين فيها، وراحت تحصر نفقاتها في الحد الأدنى، وتسرّح موظفيها كي لا تضطر إلى إقفال أبوابها. هذه الأزمة لا تطال فقط محطات التلفزة التي رفعت صوتها أخيرًا، بل غالبية الوسائل على أنواعها، نتيجة تراجع المداخيل الإعلانية والأزمة الاقتصادية.
ويشير إلى أن «اشتداد الأزمة يلزم هذه الوسائل البحث عن مموّلين، مما يعني فقدان استقلالها واضطرارها إلى تغيير سياساتها لمصلحة مَن يضمن لها استمرارها، مع ما يحمل ذلك من تهديد متنوّع للسيادة الوطنية ولخيارات لا تصب دائما في المصلحة الوطنية».
فقد تمددت إيران إلى الإعلام اللبناني، لخلق منصات إعلامية تنطق باسمها، وتروج لسياستها، وتحاول تشكيل رأي عام مناهض للسياسات العربية، يستهدف الطوائف عبر التخويف حينًا، وشراء الولاءات لزرع القلق في أحيان أخرى.
وتعد بيروت، المقر الثاني لمحطات الإعلام الإيراني، فهي تضم المركز الأكبر لقناة العالم، وأكثر من 15 محطة فضائية تعمل في الفلك الإيراني، بالإضافة إلى عشرات المحطات الدينية الصغيرة.
وتمتد الآلة الدعائية الإيرانية على مساحة إعلامية تشمل عشرات المواقع الإلكترونية وبعض الصحف والشاشات، وعبر وجوه إعلامية تحمل ألقابًا مثل «باحث استراتيجي» و«خبير سياسي» وغيرها، تشارك في عدد كبير من البرامج التلفزيونية على الشاشات المحلية، وتنطق باسم السياسة الإيرانية، مدفوعة بمال سياسي يُضخ منذ عام 2005، إثر الانقسام السياسي اللبناني على ضوء اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وتضاعف بعد الأزمة السورية. ويقدر متابعون من المعارضين لحزب الله اللبناني حجم الاستثمار، بملايين الدولارات سنويًا.
الاستثمار الإيراني يتخذ شكلين في لبنان؛ الأول ظاهر ومكشوف، عبر دعم عدد من وسائل الإعلام والكتاب الصحافيين الذين يتحدثون بلسان طهران، ويصعّدون في مواقفهم ضد أصدقاء لبنان التقليديين، وتحديدًا الدول العربية الشقيقة، بينما يلعب النفوذ الإيراني في وسائل الإعلام دورًا خفيًا، يتمثل في احتكار سوق الإعلانات، و«ابتزاز وسائل الإعلام للترويج للسياسة الإيرانية مقابل العائدات المالية نتيجة الإعلانات».
يقول الباحث السياسي المعارض لـ«حزب الله» لقمان سليم، إن «الاستثمار الإيراني في الإعلام اللبناني، هو أكبر من قدرة السوق اللبنانية على استيعابه، بالنظر للضخّ المالي الكبير».
ويؤكد سليم لـ«الشرق الأوسط» إن «الأخطر من التمويل النقدي لإنشاء مؤسسة إعلامية هنا وأخرى هناك، هو التدخل الفاضح في سوق الإعلانات، خصوصًا عندما يطلب الإيرانيون من جماعتهم الإعلان في هذه المحطة أو تلك، وهذا يعني التحكم الأخطر بالمؤسسة وسياستها، إلى درجة أن يُفرضوا عليها من تستقبل من الضيوف وكيف تسوق للسياسة الإيرانية»، معتبرًا أن «هذا التأثير أدهى من مفعول المنصات الخاصة التي هي جزء من جبهة الممانعة الإعلامية».
سليم يرى أن «التسلل الإيراني عبر (الأموال النظيفة) لتحقيق غايات غير نظيفة، هدفه غسل دماغ الجمهور، وهذا أخطر من إنشاء منصة تلفزيونية أو موقع إلكتروني يروج لسياسة إيران ومحور الممانعة في لبنان والمنطقة»، مشيرًا إلى أن الإيرانيين «برعوا في السنوات الأخيرة في استمالة ليس المؤسسات الإعلامية فحسب، بل إعلاميين عبر تعيين هذا الشخص كمستشار إعلامي وذاك كمستشار فني».
ويضيف سليم: «الاستثمار الإيراني في لبنان يعدّ ضئيلاً قياسًا على موازنة طهران الإعلامية الهائلة في المنطقة، لكنه بالتأكيد هو أكبر من قدرة السوق اللبنانية الصغير على استيعابها»، مشيرًا إلى أن «المشكلات المالية التي يعاني منها الإعلام اللبناني في زمن الشحّ هذا، تفتح الباب واسعًا أمام التدخل الإيراني وتسهّل على طهران الاستثمار السياسي في الإعلامي بشكل أكبر وأوسع».
تتمثل هذه الخطة في إعلانات موحدة، معظمها صادر عن مؤسسات تتخذ من الضاحية الجنوبية لبيروت (معقل حزب الله اللبناني) مقرات لها، وتنتشر على عدد من وسائل الإعلام التلفزيونية، إضافة إلى مواقع إلكترونية نمت بشكل كثيف خلال السنوات الخمس الماضية. وفيما يظهر أن بعض الوسائل الإعلامية المرئية تلعب دور التابع لإيران، مثل قناة «المنار» التابعة لحزب الله الذي لا ينفي أن مصادر تمويله الوحيدة هي من طهران، ثمة وسائل إعلامية أخرى محلية، تقول إنها محايدة، لكنها تبث إعلانات من ضمن مجموعة الإعلانات الموحدة لتلك المؤسسات، وأكثر ما تظهر في فترة شهر رمضان الذي يعد أكبر موسم إعلاني في الشاشات اللبنانية.
تلك الممارسات، هي جزء من الاستراتيجية الإعلامية الإيرانية التي تسللت إلى وسائل الإعلام في لبنان، وتضخمت منذ بدء الأزمة السورية، في محاولة لإنتاج إعلام «ممانع»، مؤيد للسياسة الإيرانية، ويتبنى وجهة نظر النظام السوري ورعاته الإيرانيين.
اللافت في هذه المرحلة اختلاط المال الإيراني مع المال السوري النظامي في وسائل إعلام لبنانية، ويبدو ذلك جليًا في ثلاث محطات تلفزيونية على الأقل، وثلاث صحف ورقية، وعدد كبير من المواقع الإلكترونية، بعضها لا يقدم ولا يؤخر في المشهد السياسي، ولا يعد قارئوها يوميًا بأكثر من المئات.
تقوم الاستراتيجية على تقديم «الدعاية المضادة»، ويمكن رصد تمويلها من إيران، عبر التركيز على الأخبار الإيرانية وبث خطابات ومقتطفات مصورة من خطابات المرشد الأعلى الإيراني علي الخامنئي، فضلاً عن تبنّي وجهة نظر النظام السوري الرسمية حيال المشهد الميداني.
والى جانب استراتيجية الضخ في وسائل الإعلام «الموالية» و«الحليفة» لإيران، يبرز دور المحللين السياسيين الذين لا ينفكون عن الظهور في وسائل إعلام، تحت أسماء وألقاب عائدة لمراكز دراسات ومراكز إعلامية تأسست خلال الفترة الممتدة من عام 2012 حتى 2014، ويشارك هؤلاء في برامج حوارية تلفزيونية، وسط معلومات عن أن الميزانية الشهرية لكل واحد من تلك المراكز، يتخطى 25 ألف دولار أميركي شهريًا.
ورغم أن تلفزيون «المنار» هو التلفزيون الوحيد الناطق باسم «حزب الله» حليف إيران الأول في لبنان، فإن ثمة وسائل إعلامية أخرى تمولها إيران وتشرف عليها. وقد حاولت طهران استحداث محطة فضائية حملت اسم «العالم» لتنافس المحطات الفضائية العربية القوية كـ«العربية» و«الجزيرة»، إلا أنها فشلت في ذلك فشلا ذريعًا لما حمله هذا التلفزيون من هوية واضحة، فانتقلت إلى خطة «ب» التي حملت فكرة إنشاء محطات فضائية حليفة تمولها مصادر مختلفة، تصب جميعها في خانة التحالف الإيراني - السوري في لبنان، فظهرت محطات قوية مثل قناة «الميادين» التي تعتبر حاليا الذراع الإعلامية لـ«محور المقاومة» كما تسمي إيران التحالف الذي يضمها إلى النظام السوري وحزب الله.
وتمول إيران أكثر من 200 محطة تلفزيونية عربية وغير عربية، علما بأن تلفزيون «الميادين» يشكل نقطة تواصل مهمة مع الناطقين بالإسبانية، حيث افتتح أخيرًا موقعًا ناطقًا بالإسبانية، وهو قدم برامج «احتفالية» خاصة بكل من كوبا وفنزويلا حليفتي إيران في أميركا الجنوبية.



الأسباب التي تدفع إسرائيل لإبعاد فرنسا من لجنة الإشراف على وقف النار مع «حزب الله»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)
TT

الأسباب التي تدفع إسرائيل لإبعاد فرنسا من لجنة الإشراف على وقف النار مع «حزب الله»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)

لم تعلق فرنسا رسمياً على المعلومات الواردة من إسرائيل والتي تفيد بأن الطرف الإسرائيلي نقل إلى المبعوث الأميركي آموس هوكستين رفضه مشاركة فرنسا في اللجنة الدولية المطروح تشكيلها، بمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا، للإشراف على تنفيذ القرار الدولي رقم 1701 الذي يعد حجر الأساس لوقف الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حزب الله»، كما رفضها الربط بين وقف النار وإيجاد حلول للمشاكل الحدودية بينها وبين لبنان، إن بالنسبة للنقاط الخلافية المتبقية على «الخط الأزرق» أو بالنسبة لمزارع شبعا وكفرشوبا وقرية الغجر.

 

ماذا يريد نتنياهو؟

 

وجاء رفض تل أبيب بحجة أن باريس تنهج «سياسة عدائية» تجاهها، في الإشارة إلى التوتر الذي قام بين الطرفين منذ سبتمبر (أيلول) الماضي وكانت قمته دعوة الرئيس ماكرون إلى وقف تزويد إسرائيل بالسلاح، لكونه «الوسيلة الوحيدة لوقف الحرب»، ما عدّه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو «عاراً» على فرنسا، كما حال اعتبار ماكرون أن ما تقوم به إسرائيل في غزة «مجازر». وجاء قرار الحكومة الفرنسية، مرتين، بمنع شركات دفاعية إسرائيلية من المشاركة بمعداتها في معرضين دفاعيين ثانيهما الشهر الماضي، ليزيد من التوتر الذي تفاقم مع التصرف «الاستفزازي» لعناصر أمن إسرائيليين بمناسبة زيارة وزير الخارجية جان نويل بارو لإسرائيل الأخيرة، وما تبعه من استدعاء السفير الإسرائيلي في باريس للاحتجاج رسمياً على ما حصل.

بيد أن ماكرون سعى لترطيب الأجواء مع نتنياهو من خلال إرسال إشارات إيجابية؛ منها الإعراب عن «تضامنه» مع إسرائيل بسبب ما تعرض له فريقها الرياضي في أمستردام، وحرصه لاحقاً على حضور مباراة كرة القدم بين فريقهما. كذلك لم توقف باريس تصدير مكونات عسكرية لإسرائيل بوصفها «دفاعية»، وتستخدم في إنشاء وتشغيل «القبة الحديدية» المضادة للصواريخ. كذلك، سمحت مديرية الشرطة، الأسبوع الماضي، بقيام مظاهرة أو تجمع في باريس بدعوة من مجموعات يهودية متطرفة منها. وبالتوازي مع المظاهرة، حصل احتفال ضم شخصيات يهودية من كثير من البلدان تحت عنوان «إسرائيل إلى الأبد»، وذلك رغم المطالبات بمنعها.

بيد أن ذلك كله لم يكن كافياً بنظر نتنياهو. وقال سفير فرنسي سابق لـ«الشرق الأوسط»، إن نتنياهو «وجد فرصة فريدة لإحراج فرنسا، لا بل الحط من قيمتها ومن دورها، وذلك برفض حضورها في اللجنة». ويضيف المصدر المذكور أن باريس «تتمتع بالشرعية الأهم والأقوى» لتكون طرفاً فاعلاً في اللجنة، باعتبار أن جنودها موجودون في لبنان منذ عام 1978، وأنها صاحبة فكرة إنشاء «اللجنة الرباعية» في عام 1996، التي أنهت آنذاك الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، حيث لعب وزير الخارجية الأسبق هيرفيه دو شاريت الدور الأكبر في وقفها. ويذكر المصدر أخيراً أن باريس قدمت مشروعاً لوقف الحرب، منذ بداية العام الحالي بالتوازي مع الجهود التي بذلها هوكستين، وما زال، وأن التنسيق بين الطرفين «متواصل». وأعاد المصدر إلى الأذهان أن ماكرون والرئيس بايدن أطلقا، منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، مبادرة مشتركة لوقف إطلاق النار والخوض في مباحثات لاحقة لتسوية الخلافات القائمة بين لبنان وإسرائيل والعودة إلى العمل جدياً بالقرار الدولي رقم 1701. ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أن «حزب الله» رفض مشاركة ألمانيا وبريطانيا، علماً بأن الأولى موجودة داخل «اليونيفيل»، لا بل إنها تشرف على قوتها البحرية، ما قد يدفع إلى اعتبار أن نتنياهو رفع «البطاقة الحمراء» بوجه فرنسا، ليبين من جهة حنقه، ومن جهة ثانية قدرته التعطيلية.

 

أوراق الرد الفرنسية

واضح أن رفض باريس من شأنه أن يشكل عقبة إضافية على طريق الحل، خصوصاً أن لبنان سيكون، بلا شك، متمسكاً بحضور باريس في اللجنة وهي الجهة التي يرتاح لها، ولكونها المتفهمة لمواقف الطرف اللبناني. لكن السؤال الحقيقي المطروح يتناول الهدف أو الأهداف الحقيقية لإسرائيل. وفي هذا السياق، ترى مصادر سياسية في باريس أن لنتنياهو عدة أغراض أساسية؛ أولها الإمساك بذريعة من شأنها تأخير الاتفاق وإعطائه الوقت الإضافي لمواصلة حربه على لبنان، والاقتراب أكثر فأكثر من تحقيق أهدافه وأولها مزيد من إضعاف «حزب الله»، واستمرار الضغط على السلطات اللبنانية للخضوع لمطالبه. أما الغرض الآخر فعنوانه «تدفيع ماكرون ثمناً سياسياً» لقبول بلاده في اللجنة، إذ سيكون على فرنسا أن «تستأذن» إسرائيل، وربما دفع باريس إلى تعديل بعض جوانب سياستها إزاء إسرائيل.

وبانتظار أن يرد رد فرنسي رسمي على البادرة العدائية الإسرائيلية، فإن من الواضح أن لفرنسا القدرة على اتخاذ تدابير «مزعجة» لإسرائيل في حال «توافرت الإرادة السياسية»، وفق ما يقوله مسؤول سابق. وتشمل مروحة الردود الجانبين الثنائي والجماعي الأوروبي. في الجانب الأول، يمكن لباريس أن توقف مبيعاتها العسكرية، رغم قلتها، إلى إسرائيل، أو أن تعمد إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية على غرار ما فعلته دول أوروبية أخرى، مثل إسبانيا وسلوفينيا وآيرلندا. وبمستطاع فرنسا أن تعبر عن موقف مماثل لموقف هولندا إزاء القرار الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بالقبض على نتنياهو، وعلى وزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.

وحتى اليوم، بدت ردة فعل باريس «باهتة» و«غامضة» فهي «أخذت علماً» بقرار المحكمة، وهي تؤكد تمسكها بعملها المستقل وفق أحكام نظام روما الأساسي، فضلاً عن ذلك، بإمكان باريس أن تلجأ إلى لغة دبلوماسية أكثر حزماً في إدانة الممارسات الإسرائيلية بغزة والضفة الغربية ولبنان، بما في ذلك استهداف المواقع الأثرية. وبالتوازي، يقول المسؤول السابق إنه «لا يمكن إغفال ما تستطيعه باريس على المستوى الأوروبي» مثل الدفع لوقف الحوار السياسي مع تل أبيب، أو لاتخاذ تدابير إضافية ضد الصادرات الإسرائيلية من المستوطنات في الضفة الغربية وتركيز الأضواء، مع آخرين على حل الدولتين.