المشهد: هوى المهرجانات

المشهد: هوى المهرجانات
TT

المشهد: هوى المهرجانات

المشهد: هوى المهرجانات

* رسالة من مخرجة فلسطينية تقول فيها إنها عرضت فيلمها (ولا تقول ما هو فيلمها) في كل مهرجانات العالم وتسأل كيف تتوجه به إلى مهرجان برلين المقبل.
* هناك 4000 مهرجان حول العالم بمعدل 10 مهرجانات ونصف في كل يوم، ولا يمكن لأي فيلم أن يغطيها جميعًا ولا حتى نصفها أو ربعها. حين بيّنت لها ذلك ذكرت لي نحو سبع مهرجانات متفرقة (وصغيرة) تكمن في أكثر من خاصرة من خاصرات الدنيا. حسنًا الآن، تفاهمنا.
* لكن يبقى الشطر الثاني المتعلق ببرلين حيث كان الجواب على سؤالها على النحو التالي: لا يقبل مهرجان برلين فيلما سبق عرضه في مهرجانات أخرى إلا خارج المسابقات الرسمية. لكن حتى هذه لا تقبل الأفلام على حين غرّة. «لقد تأخرت كثيرًا وأنصح بأن تختاري المهرجانات التي تودين إرسال الفيلم إليها قبل أشهر من وقوعها».
* لا ألوم المخرجة، فهي ما زالت جديدة ولم يعرض فيلمها في مهرجان كبير حتى يمكن القول بأني أعرفها. لكن المسألة لها أكثر من جانب، من بينها حقيقة أن هناك الكثير من المخرجين، أو بالأحرى أصحاب المحاولات الإخراجية، الجدد الذين يريدون التوجه والاشتراك في مهرجانات الدنيا. هذا حقهم بالطبع لكن المشكلة هنا هي أنهم لا يعرفون أي مهرجان ولا كيفية مراسلته.
* يقوم زميل ناقد بمهمة تشبه مهمة المنارات الضوئية بالنسبة للسفن. دائمًا ما يأخذ على نفسه توجيه النصائح في هذا المجال، لكن عدد المحاولات أو الأفلام المنجزة أكبر من طاقته على تخصيص جزء من حياته للعب دور المرشد السينمائي..
* هذا ما ينقلنا إلى أن جانبا آخر من الثقافة السينمائية غائب وهو الناتج عن قيام المخرجين ببحث مستفيض لمعرفة المهرجان الملائم لأفلامهم، وعادة ما يكون هناك أكثر من مهرجان ملائم من بينها مهرجانات الفيلم القصير والفيلم المستقل والفيلم التجريبي والفيلم العربي الخ..
* بالإضافة إلى ذلك، هناك ما هو فوق الحاجة من المهرجانات العربية. وهنا يقف الناقد غير قادر على الفصل: من ناحية، من حق كل عاصمة (أو مدينة) أن يكون لها مهرجانها السينمائي ومن حق المواطنين في مدنهم أن يكون لهم مهرجانهم يترددون عليه ويستفيدون من فرصة مشاهدة ما لا توجد إمكانات توزيعه. من ناحية أخرى، بعض «المهرجانات» من التواضع والصغر ما لا يمكن أن يُطلق عليه اسم مهرجان. هو على الأرجح تظاهرة أو أسبوع سينمائي.. لكن من منا يرغب في التواضع؟



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).