هانز كوكلر يحلل غطرسة الغرب بحثًا عن حوار حقيقي

فيلسوف يدافع عن القضايا العادلة في العالمين العربي والإسلامي

هانز كوكلر  -  غلاف {تشنج العلاقة بين الغرب والمسلمين}
هانز كوكلر - غلاف {تشنج العلاقة بين الغرب والمسلمين}
TT
20

هانز كوكلر يحلل غطرسة الغرب بحثًا عن حوار حقيقي

هانز كوكلر  -  غلاف {تشنج العلاقة بين الغرب والمسلمين}
هانز كوكلر - غلاف {تشنج العلاقة بين الغرب والمسلمين}

ليس غريبا أن ينخرط الفيلسوف في الدفاع عن قضايا الشعوب العادلة، كما أنه ليس غريبا أن يجعل الفيلسوف من أولوياته قضايا المجتمع ومحاربة العنف والظلم، على الرغم مما يمكن أن يواجه به من إقصاء وتنكيل جراء مواقفه تلك. فالفلسفة لم تكن غريبة عن واقعها، وليس الفيلسوف بذلك الكائن الذي يعيش في عوالمه المثالية بعيدا عن المجتمع وقضاياه. ولعل نظرة فاحصة لواقعنا المعاصر تجعلنا نستنتج أن المجتمع الذي كان يحلم به فلاسفة عصر الأنوار لم يتحقق بعد، وأن الحروب الحالية تجعلنا بعيدين جدا عن السلام الذي تحدث عنه كانط، خصوصا في العالم العربي الإسلامي الذي يتم العبث بقضاياه وبمصير شعوبه.
أستحضر اليوم مفكرا دافع عن القضايا العربية والإسلامية العادلة، وهو الفيلسوف النمساوي هانز كوكلر، أحد كبار أصدقاء المسلمين، من خلال كتابه «تشنج العلاقة بين الغرب والمسلمين»، من ترجمة الأستاذ حميد لشهب، الذي يحاول فيه تسليط الضوء على عجرفة الغرب وسياسة الكيل بمكيالين، والقوة والخداع، التي يغلفها بغلاف من الديمقراطية والعدل وحقوق الإنسان، وعمله على هدم الحضارة العربية الإسلامية ونسف الثقافة الإسلامية من الداخل. كما لا يفوت هانز كوكلر الإشارة إلى سبل خلق حوار حقيقي بعيدا عن التعصب والنظرة الفوقية لأي طرف إلى طرف آخر. فكيف يمارس الغرب سياساته المتصلبة تجاه العرب والمسلمين؟ وكيف يمكن إقامة حوار عربي غربي حقيقي من دون إملاءات من طرف على طرف آخر، حوار يخدم مصالح وشعوب المجتمعات الغربية والعربية على حد سواء؟
* الأمم المتحدة أداة في خدمة القوى العظمى
يؤكد هانس كوكلر على أن العالم سوف يعرف تحولا في موازين القوى التي تتحكم في القرار الدولي مع نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين، ما سيؤدي إلى التحول من قطبية ثنائية بين كل من الاتحاد السوفياتي إلى قطبية أحادية مع الولايات المتحدة الأميركية. هذا الحدث سوف يعلن أن القرار الدولي لن يبقى توازنا بين قوتين اثنتين متعارضتين، وإنما سوف يصبح حكرا على دولة واحدة تحلل ما تشاء وتحرم ما تشاء، ليتغذى هذا الفكر من موقف فوكوياما المعلن عن نهاية التاريخ بنهاية النموذج الشيوعي، وأن النموذج الغربي الرأسمالي الديمقراطي هو النموذج المثالي الذي لا نموذج بعده، وأميركا هي زعيمته.
سوف يتأكد هذا الأمر بعد مدة قصيرة جدا، مع حرب الخليج سنة 1991، عندما سيعلن جورج بوش، صراحة، عن نظام عالمي جديد، قائلا: «حيث سيادة القانون، لا قانون الغاب، الذي يحكم سلوك الأمم»، وذلك لما سيقدم خطابا عاطفيا، برفع شعارات العدالة والإنصاف والحرية واحترام حقوق الإنسان كقاعدة لنظام عالمي جديد بين الشعوب، وهو نظام حماية الضعيف من القوي. وسوف تظهر، كذلك، نظرية الحرب العادلة في خدمة الديمقراطية والسلام. وستبرر ممارسة العنف وشن الحروب باسم ضمان السلم والديمقراطية. هكذا ستبعث من جديد المركزية الأوروبية بكل قوتها الاستبدادية. مركزية سوف تجعل من العالم العربي والإسلامي العدو الأول بعد نهاية العدو الذي كان، وهو الاتحاد السوفياتي. مركزية سوف تعمل على جعل منظمة الأمم المتحدة أداة للهيمنة، ووسيلة لخدمة مصالحها الخاصة وأهدافها الاستراتيجية ونياتها المبيتة.
* الديمقراطية كعنصر من عناصر إضفاء الشرعية
يعمل الغرب من خلال منظمة الأمم المتحدة على تقديم الدروس في الديمقراطية إلى الدول العربية والإسلامية، في حين أنه لا يقدم سوى ديمقراطية ممسوخة ومشوهة قائمة على معيار القوة، لأن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا في نظام متعدد الأقطاب، بإمكانه الحفاظ على الضوابط والتوازنات. وتظهر الأمور بوضوح أكبر في حق الفيتو الذي يجعل أميركا والقوى الكبرى المقرر الأول والأخير، حسب مصالحها الخاصة، خصوصا حين يتعلق الأمر بالشرق الأوسط والعالم الإسلامي. فكيف يمكن لمنظمة الأمم المتحدة الدفاع عن الديمقراطية وهي عاجزة عن تطبيقها في قراراتها وبين أروقتها؟
* حق التدخل العسكري والعقوبات
شنت الولايات المتحدة أكثر من حرب ضد العالم الإسلامي، تارة باسم القضاء على الاستبداد، كما حدث في ليبيا، وتارة أخرى لمحاربة أسلحة الدمار الشامل، كما حدث في العراق، أو بحجة القضاء على الجماعات الإرهابية. وجرى ذلك بمباركة من الأمم المتحدة أو دون مباركة منها. فمثلا، في حرب العراق سنة 2003 تبين أن مسألة أسلحة الدمار الشامل لم تكن إلا حجة لضرب العراق.
أما ما يخص العقوبات الاقتصادية، التي سلطت على كل من العراق وليبيا، فيوضح كوكلر أنها تتحدد من خلال الرشى والضغوط الاقتصادية، أكثر من أن تكون للأهداف المعلن عنها، إذ إنها تترك آثارا خطيرة على حياة السكان المدنيين. وهي قصف لا يختلف عن القصف المباشر. كما أنها لا تنسجم مع المعايير الأخلاقية، ومع الإنسان ككائن له حقوق وكرامة بالمعنى الكانطي للكلمة.
* حوار عربي غربي حقيقي
لا يمكن الحديث عن العلاقة بين العرب والمسلمين من دون الحديث عن الحروب المتبادلة التي سادت بينهما: التمدد الإسلامي، والحروب الصليبية، والاستعمار الإمبريالي، والفكر الجهادي، والقضية الفلسطينية. هكذا تبدو سبل الحوار مستحيلة، ما دام أن تاريخ هذه العلاقة هو تاريخ تطاحنات متبادلة. فالغرب لا يزال يخلط بين العمل العسكري العثماني وبين الإسلام كدين، وبالتالي رسالة الرسول. كما أن الدراسات حول الإسلام تقع في قبضة التبشير المسيحي الذي قدم صورة مغلوطة عن الإسلام، باعتباره خطرا على الهوية الأوروبية وعلى أمنها، إذ تمت تغذية هذا التصور من وسائل إعلام مضللة ومثقفين صقلوا صورة مشوهة عن الإسلام.
رغم كل هذا، يؤكد كوكلر على أن سبل الحوار تبقى دائما مفتوحة، فمشكلة القدس يمكن أن تقدم حلا لإمكانية تفاهم وعمل بين ثلاث ديانات هي اليهودية والمسيحية والإسلام، لكن شريطة عدم النظر إلى شريك أعلى وشريك أدنى، وسن سياسة عادلة تأخذ بعين الاعتبار حقوق المسلمين في هذه المنطقة. فالسياسة الغربية الحالية لن تؤدي إلا إلى رفض الأفكار والتمرد عليها، إذ يعمل الغرب على إعادة تربية العرب على إسلام صحيح، وهو الإسلام الأوروبي، كما اقترحه بسام تيبي، في حين أن الحوار بالمثل، بالمعنى الكانطي الذي يتأسس على الاحترام المتبادل، لا يمكن بواسطته قبول هذا الأمر، حوار كما حدده جورج كدامير، يتضمن مزيدا من التسامح كشرط للثقافة الخاصة أو الحضارة الخاصة، واعتبار الآخر بمثابة حظ من أجل فهم العالم بشكل جيد، ومعرفة الذات في مرآته، إذ لا يمكن فرض تصورات أخلاقية على الآخر من أجل إعادة قولبة هويته عن طريق العنف، ولا بد من الكف عن سياسة الكيل بمكيالين، في الميادين الحاسمة المتعلقة بالهوية، والمعاقبة الجماعية لشعوب الدول المسلمة.
يرى كوكلر في النهاية أنه خلف كل الشعارات التي ينادي بها الغرب تظهر الحقائق الأساسية التي على الفيلسوف كشفها، ومساءلة ممارسة سياسة القوة وآيديولوجيتها، ومدى مشروعية خدمتها لمصالحها، تحت ذريعة الدفاع عن مبادئ مثل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والحفاظ على السلم العالمي، فلا يجب على الفيلسوف الخضوع والانخراط في موقف الصمت، لا بد أن يوجه سلاحه الفكري نحو القضايا العادلة للشعوب.



هاروكي موراكامي شخصية العام الثقافية في «جائزة الشيخ زايد للكتاب»

هاروكي موراكامي
هاروكي موراكامي
TT
20

هاروكي موراكامي شخصية العام الثقافية في «جائزة الشيخ زايد للكتاب»

هاروكي موراكامي
هاروكي موراكامي

أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب في مركز أبوظبي للغة العربية، التابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، عن اختيار الكاتب الياباني العالمي هاروكي موراكامي شخصية العام الثقافية.

كما أعلنت فوز الكاتبة اللبنانية الفرنسية هدى بركات بجائزة فرع (الآداب)، عن روايتها «هند أو أجمل امرأة في العالم»، وفازت الكاتبة المغربية لطيفة لبصير بجائزة فرع (أدب الطفل والناشئة) عن كتابها «طيف سَبيبة».

في حين فاز بجائزة فرع (الترجمة) المترجم الإيطالي ماركو دي برانكو عن كتاب «هروشيوش» لبولس هروشيوش، والذي نقله من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية.

وفاز بجائزة فرع (الفنون والدراسات النقدية)، الباحث المغربي الدكتور سعيد العوادي عن كتابه «الطعام والكلام: حفريات بلاغية ثقافية في التراث العربي».

وفاز بجائزة فرع (التنمية وبناء الدولة)، الدكتور الإماراتي محمد بشاري من عن كتابه «حق الكد والسعاية: مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة».

وفاز بجائزة فرع (الثقافة العربية في اللغات الأخرى)، الباحث البريطاني أندرو بيكوك عن كتابه «الثقافة الأدبية العربية في جنوب شرقي آسيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر».

وفاز الباحث العراقي البريطاني رشيد الخيون، بجائزة فرع (تحقيق المخطوطات) عن تحقيقه كتاب «أخبار النساء».

وجاء إعلان جائزة الشيخ زايد للكتاب أسماء الفائزين والشخصية الثقافية في دورتها الـ19، بعد اجتماع مجلس أمناء الجائزة، الذي ناقش النتائج النهائية، واستعرض مسوغات فوز كل مرشح، عقب عملية مراجعة أجرتها لجان التحكيم والهيئة العلمية وفقاً لأعلى معايير التقييم الدقيقة الأدبية والثقافية التي تتبعها الجائزة.

وتضمنت الدورة الـ19 فائزين من 7 دول هي: المملكة المتحدة، وإيطاليا، واليابان، ولبنان، والعراق، والمغرب، ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وترأس اجتماع مجلس الأمناء، الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، رئيس مجلس الأمناء، وحضره الأعضاء: الدكتور زكي أنور نسيبة، المستشار الثقافي لرئيس الدولة، ومحمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، وسعود عبد العزيز الحوسني، وكيل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، والدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، والدكتور عبد الله ماجد آل علي، مدير عام الأرشيف والمكتبة الوطنية، وعبد الرحمن النقبي، مدير إدارة الجوائز الأدبية في مركز أبوظبي للغة العربية.

وقال محمد خليفة المبارك إن جائزة الشيخ زايد للكتاب ترسخ مكانة دولة الإمارات مركزاً عالمياً للإبداع والمعرفة، لما تُمثله من منصة داعمة للإنتاج المعرفي ومُحفزة للحراك الثقافي والبحث العلمي والتأليف، بما ينسجم مع رؤية القيادة الحكيمة التي تؤمن بأنّ الثقافة والمعرفة ركيزتان أساسيتان للتنمية المستدامة، فالجائزة اليوم تواصل مسيرتها ليس فقط في تكريم المبدعين من حول العالم، وإنما في توفير الدعم المستمر للابتكار والأفكار الجديدة، انعكاساً لالتزام دولة الإمارات بتعزيز الثقافة بين جميع أفراد المجتمع.

من جهته، هنأ الدكتور علي بن تميم، الفائزين بالدورة الـ19 من الجائزة، مثمناً إنجازاتهم المتميزة التي أثرت المشهد الثقافي العربي والعالمي، وسيستلهم منها القراء لما تناولته من مواضيع وأفكار نوعية وجديدة، منها ما تعمّق في روح الإنسان ومنها ما سلّط الضوء على التاريخ والزمان، تألقت وكانت موضع تقدير القائمين على الجائزة.

وشهدت الدورة التاسعة عشرة تتويج الأديب الياباني العالمي هاروكي موراكامي بجائزة شخصية العام الثقافية، تقديراً لمسيرته الإبداعية ومدى تأثره وتأثيره الأدبي العابر للحدود على الثقافة العربية والعالمية؛ إذ تعد أعماله من بين الأكثر قراءةً وترجمةً في العالم، ما يعكس قدرة الأدب على التقريب بين الثقافات المختلفة.

يذكر أنّ جائزة الشيخ زايد للكتاب ستكرم الفائزين بدورتها الحالية يوم الاثنين الموافق 28 أبريل (نيسان) الحالي، خلال حفل ينظمه مركز أبوظبي للغة العربية، بالتزامن مع فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب الـ34 في مركز أدنيك أبوظبي.

وتجاوزت نسبة المشاركات في هذه الدورة الـ4000 ترشيح من 75 دولة، توزعت بين 20 دولة عربية و55 دولة أجنبية، مع تسجيل خمس دول مشاركة للمرة الأولى، وهي: ألبانيا، وبوليفيا، وكولومبيا، وترينيداد وتوباغو، ومالي، ما يعكس المكانة المرموقة التي تحظى بها الجائزة على الساحة الثقافية الدولية.

وتعد الجائزة واحدة من أهم الجوائز الأدبية والعلمية التي تسهم في دعم المشهد الثقافي، وتعزيز حركة النشر والترجمة، وتكريم المبدعين والمثقفين والناشرين على إنجازاتهم في مجالات التأليف، والبحث، والكتابة، والترجمة.