مؤتمر مراكش حول حقوق الأقليات الدينية يدعو إلى الاستفادة من التجربة التاريخية الإسلامية

ركز على المواطنة المتساوية في الواجبات والحقوق بدل صراع الأقلية والأكثرية

جانب من أشغال مؤتمر «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية: الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة» في مراكش (تصوير: عبد الرحمن المختاري)
جانب من أشغال مؤتمر «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية: الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة» في مراكش (تصوير: عبد الرحمن المختاري)
TT

مؤتمر مراكش حول حقوق الأقليات الدينية يدعو إلى الاستفادة من التجربة التاريخية الإسلامية

جانب من أشغال مؤتمر «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية: الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة» في مراكش (تصوير: عبد الرحمن المختاري)
جانب من أشغال مؤتمر «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية: الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة» في مراكش (تصوير: عبد الرحمن المختاري)

اتفقت المداخلات المبرمجة ضمن أشغال مؤتمر «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية.. الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة»، الذي تحتضنه مراكش، وتختتم أعماله اليوم، على أن الأديان في حقيقتها جاءت لترسيم الخير، القائم على العدل والاعتدال، والتنافس فيه على أساس كوني لا على أساس التناحر الطائفي.
وشكلت مختلف جلسات المؤتمر فرصة لرصد التحولات التي يعرفها عالم اليوم، والأزمات التي تتهدد الإنسان في ما يتعلق بمعنى الحياة والوجود، حيث لاحظ أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، في كلمة تأطيرية أن العالم المعاصر جرب أنماط عيش وسلوك وتفكير، لكنه يواجه أزمات تهدده، وقد تدفع بالإنسان على نطاق واسع إلى الاهتمام من جديد بمعنى الحياة والوجود، مشددا على أن «الإنسان سيحتاج في اهتمامه المتجدد هذا إلى مساعدة الأديان لكي تقدم له جوابها مصحوبا ببرهان»، وأشار إلى أنه «لن يكون للأديان برهان إلا إذا ابتعدت عن التنافر والعدوان فيما بينها».
وفي ارتباط بموضوع المؤتمر، سجل الوزير المغربي أن «العلماء يعولون إلى جانب السياسيين، على استعمال قدرتهم كوعاظ لتقوية الوازع من أجل كسب الجمهور الواسع من المسلمين لاستخدام صوتهم الشرعي والمشروع لكسب رهان قضية حقوق الأقليات»، كما أن العلماء والسياسيين، يضيف التوفيق.. «يعولون على كسب تعبئة الإعلاميين حول حقيقة أنه لا يجوز لأحد أن يدعي أن الدين يجيز له أن يمس بحقوق الأقليات الدينية في بلاد الأغلبية الإسلامية».
ورغم أن موضوع مؤتمر مراكش يتناول «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية»، فقد تشعب النقاش ليلامس قضايا لها ارتباط بأشغال المؤتمر، حيث تم التنبيه إلى ما تعيشه الأقليات المسلمة في البلدان غير الإسلامية، مع التشديد على أن التصور لن يتكامل إلا حين تضاف إليه معالجة حقوق الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية. وفي هذا السياق، سجل التوفيق أن الأقليات المسلمة في البلدان غير الإسلامية «تتفاوت في التمتع بالحقوق بحسب البلدان، من الإنكار التام للحقوق، إلى الحياد إلى درجات متفاوتة من التمكين حتى في إطار التساوي في الحقوق المدنية التي تكفلها المواطنة في بعض البلدان».
من جهته، دعا المطران منيب يونان، ممثل الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن وفلسطين، إلى «عدم التركيز على ثنائية (الأقلية والأكثرية)، بل على (المواطنة المتساوية في الواجبات والحقوق)، وإلى (تبني مبادرة المواطنة الكاملة في جميع دول العالم، للجواب على الإقصائيين، وتطبيقًا للمواطنة المتكافئة والحاضنة للتنوع»، محذرا من أن «تقسيم المجتمع إلى (أقلية) و(أكثرية) يعد خطرا على المجتمعات العربية»، ومشددا على أن «الوطن يبقى من مسؤولية جميع مواطنيه وليس (الأكثرية) دون (الأقلية)».
كما شكلت أشغال المؤتمر فرصة دعا من خلالها بعض المشاركين إلى توجيه نقد ذاتي لعلاقة المسلمين بعضهم بعضا، وفي هذا الصدد قال الشيخ مصطفى سريش، المفتي العام السابق لجمهورية البوسنة والهرسك إنه يتوجب «علينا أن نتبادل نحن المسلمون كيف نتسامح مع بعضنا، وأن نتعلم كيف نحترم ونقدر بعضنا»، مشيرا إلى «أننا لا نحترم بعضنا كما يفعل الآخرون».
وقال أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس، إن «الوقت قد حان لقول الحقيقة، حقيقتنا وحقيقة التنوع الذي يعرفه المغرب ويعيشه»، مشددا على أن «الرسالة النابعة من المغرب، اليوم، تشكل أداة مقاومة لمن يريد تهديد قدرتنا على العيش المشترك، ونقطة انطلاق لكي يكتشف الآخرون عمق وغنى الحضارة الإسلامية، وأنا أقول هذا الأمر كمواطن مغربي من أصول يهودية، وانطلاقا من مسار طويل مشترك شاهد على حقيقتنا»،
وعن سبل تصحيح الصورة النمطية والمشوهة عن الإسلام في الغرب، قال أزولاي «يجب أن تكون لنا القدرة على التواصل مع الآخر. علينا أن نقول للآخرين إن الوقت قد حان لكي نفتح كتاب التاريخ، وأن نعود إلى أصل التعاليم وإلى القيم التي يحملها كل واحد منا في عقيدته».
وشكلت الجلسة العامة الثالثة فرصة لاستعراض «التعايش في التجربة التاريخية الإسلامية»، وذلك من خلال التجربتين العثمانية والمغربية في التعايش بين الأديان.
من جانبه، تحدث الدكتور أحمد شحلان عن حضور اليهود في تاريخ المغرب، مشيرا إلى أن تاريخ بلاده لم يعرف المسيحية في فترات قديمة، كما هو الحال في كثير من بلاد المشرق الإسلامي، بل عرفها في فترة قريبة، ارتبطت بالاستعمار الفرنسي، كان فيها أهله هم «الأكثرية المهيمن عليها». وتحدث شحلان عن نشاط اليهود داخل المجتمع، وأين كانوا يتعلمون وما أنتجوه من فكر على مدى تاريخ المغرب، مشيرا إلى أن وجود اليهود في هذا البلد قديم جدا، يعود إلى التاريخ الذي اختار فيه الأمازيغ التوحيد على الوثنية.
ويطمح مؤتمر مراكش إلى «أن يكون أول إحياء تاريخي لوثيقة المدينة المنورة في مقاصدها ومراميها العميقة على ضوء المواثيق الوطنية والدَّولية، وباستلهام التجارب المشرقة والريادية في تدبير التعددية»، لذلك ينتظر أن يؤكد إعلان مراكش، الذي يتوج اليوم، أشغال المؤتمر، على عدم توظيف الدين في تبرير أي نيل من حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية.
وتحدث عبد الرحيم منار السليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، لـ«الشرق الأوسط»، عن سياق تنظيم مؤتمر مراكش، فقال إنه «مرتبط بالأحداث والوقائع التي عاشتها بعض الأقليات الدينية داخل عدد من البلدان الإسلامية، أو الأقليات المسلمة داخل البلدان غير الإسلامية»؛ ورأى أن «فكرة المؤتمر تقوم على العودة إلى التاريخ، وإلى صحيفة (المدينة) لإعادة قراءتها، أولا، كتراث إسلامي من داخل الشرعية الإسلامية، وربطها، ثانيا، بمقتضيات حقوق المواطنة والدساتير، بعد أن لاحظنا حديثا متناميا عن الدساتير الوطنية، لتحديد العلاقة بين الدولة الوطنية والدين، ثم إعادة تحديد مفهوم الأمة كرابطة قائمة على وجود اعتقاد مشترك بين مجموعة أشخاص، ومحاولة إعادة صياغة هذه الفكرة والبحث عن آليات جديدة لإدماج الأقليات في كل البلدان، سواء ذات الأكثرية المسلمة أو التي تعيش فيها أقليات مسلمة».
ولاحظ السليمي أن «مؤتمر مراكش عرف نقاشا فكريا وسردا لوقائع، تم ضمنها سرد النموذج المغربي، باعتباره نموذجا للتعايش والتسامح، وختم بالتأكيد على أن مؤتمر مراكش، المرتبط بسياق اضطهاد الأقليات في مجموعة من الدول وبنزعات تطرف حاولت أن تفرض قراءة معينة للدين، هو «جواب يرى أن الشريعة الإسلامية بإمكانها أن تتعايش مع مواثيق حقوق الإنسان، وأن تكون مصدرا للدساتير إلى جانب القوانين الوضعية، داخل الدول الإسلامية، بغض النظر عن الديانة التي يحملها شخص معين».



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.