مصر: ذكرى هادئة لثورة «25 يناير» والشرطة توزع الورود والحلوى على المواطنين

مقتل 3 مسلحين وضبط عشرات «الإخوان» في حملات أمنية

ضباط شرطة مصريون يوزعون أمس الحلوى على المواطنين في ذكرى ثورة 25 يناير («الشرق الأوسط»)
ضباط شرطة مصريون يوزعون أمس الحلوى على المواطنين في ذكرى ثورة 25 يناير («الشرق الأوسط»)
TT

مصر: ذكرى هادئة لثورة «25 يناير» والشرطة توزع الورود والحلوى على المواطنين

ضباط شرطة مصريون يوزعون أمس الحلوى على المواطنين في ذكرى ثورة 25 يناير («الشرق الأوسط»)
ضباط شرطة مصريون يوزعون أمس الحلوى على المواطنين في ذكرى ثورة 25 يناير («الشرق الأوسط»)

ساد الهدوء معظم أرجاء مصر أمس، في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك. فيما قام رجال الأمن بتوزيع الورود والحلوى على المواطنين في الميادين الرئيسية، في ظل انتشار مكثف لقوات الجيش والشرطة، تحسبا لأعمال عنف أو اشتباكات.
وبينما فرقت قوات الأمن تظاهرات محدودة لعدد من أنصار جماعة الإخوان «المحظورة» في بعض المحافظات. أعلنت وزارة الداخلية مقتل ثلاثة مسلحين وضبط العشرات في حملات أمنية بالجيزة.
ودعا تحالف دعم الشرعية، المناصر للرئيس الأسبق محمد مرسي وجماعة الإخوان، مؤيديه للخروج في مظاهرات في ذكرى 25 يناير. لكن الاستجابة للتظاهر بدت خافتة في ظل رغبة كثير من القوى السياسية النأي بنفسها عن جماعة الإخوان. كما أن حالة الطقس الباردة وهطول الأمطار على مدار اليوم، ساهمت بشكل كبير في خلو الشوارع من المواطنين.
وفي القاهرة، تجمع عشرات المواطنين في ميدان التحرير (وسط القاهرة) صباح أمس وسط إجراءات أمنية مشددة، رافعين الأعلام ومرددين الأغاني للاحتفال بذكرى الثورة. وشهد الميدان، الذي يعد رمزا لثورة يناير، وجودا مكثفا لرجال الشرطة والجيش على أطرافه وسط سيولة مرورية.
وأغلقت قوات الأمن محطة السادات بمترو الأنفاق وذلك بالخطين الأول والثاني، كما قامت الأجهزة الأمنية بإغلاق كل الشوارع المؤدية إلى مقر وزارة الداخلية بوسط القاهرة.
ورفعت وزارة الداخلية درجة الاستنفار الأمني للتصدي لأي مخططات لارتكاب أعمال عنف وشغب خلال الاحتفالات. وبحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط، فإن القوات المسلحة ووزارة الداخلية نشرتا أكثر من 400 ألف من عناصرهما في القاهرة الكبرى والكثير من المحافظات، لتأمين المرافق الحيوية والمنشآت الهامة والطرق والمحاور المرورية الرئيسية.
وفي الإسكندرية، قامت قوات الأمن بتفكيك عبوة ناسفة بشارع «المكس»، كما عثرت على قنبلة هيكلية بمنطقة «محرم بك». فيما فرقت الشرطة تجمعات محدودة لعشرات من عناصر تنظيم الإخوان بعدة أنحاء، وألقت القبض على 15 منهم لمخالفتهم قانون التظاهر.
وكان عشرات المتظاهرين قد قطعوا الطريق الدولي المؤدي لمنطقة «العامرية»، إلا أن قوات الأمن توجهت للمكان على الفور لفتح الطريق. كما خرجت مسيرات محدودة في بعض مناطق المتنزه والرمل وبرج العرب والعامرية والورديان. رفع بعضها صور الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي.
وقال مدير مباحث الإسكندرية العميد شريف عبد الحميد إن «قوات الأمن تعاملت بكل حسم مع أي محاولة للخروج عن القانون»، مشيرًا إلى أنه تم تأمين المنشآت الحيوية كالسفارات والبنوك، كما تنتشر قوات التدخل السريع في مختلف أنحاء المدينة.
وفي محافظة الشرقية، تمكنت أجهزة الأمن من ضبط 5 من عناصر جماعة الإخوان، مطلوب ضبطهم في كثير من قضايا العنف واستهداف وقتل عدد من رجال الشرطة وارتكاب أعمال تخريبية. تم تحرير محاضر للمتهمين، وإحالتهم للنيابة العامة، التي تولت التحقيق. وفي القليوبية، حاول عدد من أنصار جماعة الإخوان قطع الطريق في شارع 15 مايو بمنطقة بهتيم بشبرا الخيمة بعدما أشعلوا النار في إطارات السيارات. وقال مصدر أمني إن أنصار الجماعة لاذوا بالفرار فور وصول قوات الأمن للمكان.
من جهة أخرى، أكد مصدر أمني مقتل «إرهابيين» اثنين في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة أثناء القبض عليهما داخل شقة بمدينة «السادس من أكتوبر» بالجيزة. وأضاف المصدر أن «معلومات قد وردت إلى الأجهزة الأمنية حول اختباء اثنين من العناصر الإرهابية المتورطة في استهداف عدد من رجال الشرطة، داخل إحدى الشقق السكنية بمدينة 6 أكتوبر.
وأشار المصدر الأمني إلى أنه عقب تقنين الإجراءات الأمنية اللازمة، قامت قوة أمنية بمداهمة الشقة، وأثناء ذلك بادر المتهمان بإطلاق النار على القوات، مما اضطر القوات إلى مبادلتهما إطلاق النيران. وأسفر تبادل إطلاق النيران عن مصرع الإرهابيين، وبتفتيش الشقة عثر بها على سلاحين ناريين، وعدد من العبوات الناسفة المجهزة للتفجير، وتم اتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة، وإخطار النيابة العامة لمباشرة التحقيق.
وفي السياق ذاته، قالت وزارة الداخلية في بيان لها أمس إن معلومات وردت حول استغلال «عناصر إخوانية» لإحدى الشقق المستأجرة بمركز «كرداسة» في محافظة الجيزة لتخزين العبوات المتفجرة، وعلى الفور تم التعامل مع تلك المعلومات واستهداف الوكر المشار إليه، وحال اقتراب القوات من الوكر فوجئوا بإطلاق النيران من الشقة تجاههم مما دفع القوات لتبادل إطلاق النيران والتعامل مع مصدرها، وباقتحام الشقة وتفتيشها عثر بداخلها على جثة أحد المسلحين وبجواره بندقية آلية. وأوضح البيان أنه باستكمال التفتيش عثر على عبوتين ناسفتين شديدتي الانفجار كبيرة الحجم، وتم التعامل معها وتفجيرها بمعرفة خبراء المفرقعات.
وألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة أول من أمس حيا فيها شهداء ثورة 25 يناير، مؤكدًا أن «انحراف الثورة لم يكن من أبنائها وإنما ممن حاولوا أن ينسبوها لأنفسهم، ويستغلوها لتحقيق مصالح ضيقة»، في إشارة إلى جماعة الإخوان، التي صعدت للحكم عام 2012، قبل أن يتم إسقاطها عقب ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013. وأضاف أن «مصر تحولت من وطن لجماعة إلى وطن للجميع».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.