وثائق ليبية: «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان» يخططون للاندماج في «مجلس شورى» موحد

قادة للمتطرفين في طرابلس وبنغازي يدعمون عمليات تخريبية عابرة للحدود

عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)
TT

وثائق ليبية: «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان» يخططون للاندماج في «مجلس شورى» موحد

عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» يتبعون ما يسمى «ولاية طرابلس» ينفذون أحكاما بجلد مواطنين في مدينة سرت الليبية يوم الخميس الماضي («الشرق الأوسط») - أحد قادة {داعش} مختص بشؤون {الحسبة} («الشرق الأوسط»)

تبحث تنظيمات داعش والقاعدة والإخوان في ليبيا الاندماج في «مجلس شورى» موحد، في أول رد لاحتواء بوادر خلافات داخلية ظهرت بين عدد من قادة هذه التنظيمات، في الشهرين الأخيرين، بسبب عمليات استقطاب، على ما يبدو، تقوم بها عدة أجهزة استخباراتية لبعض الجماعات المتشددة في هذه الدولة التي تعمها الفوضى منذ سقوط نظام القذافي في 2011.
وتكشف وثائق سرية اطلعت «الشرق الأوسط» على جانب منها داخل ليبيا، عن أن قادة كبارا في التنظيمات الثلاثة أصيبوا بحالة من الارتباك عقب توقيع اتفاق حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، في الصخيرات برعاية الأمم المتحدة، منتصف الشهر الماضي. وسأل قيادي في الجماعة المقاتلة، زعيما إخوانيا مؤيدا للحكومة المقترحة: يا دكتور أريد أن أفهم بوضوح موقف الإخوان من حكومة السراج. من جهة تعلنون دعمها ومن جهة تقولون لنا إنكم ضدها.

أجاب الزعيم الإخواني الليبي: «الذي لا يقال ولا ينشر للعامة هو الصدق. أما ما ينشر فهو لمواكبة الظروف حتى تتاح فرصة لتحطيمها». وتحدث الرجل عن السراج بمعلومات تتعلق بماضيه السري المثير للجدل خاصة في أوروبا، قال إنه استقاها من قائد جماعة الإخوان في تونس.
ووفقا للمعلومات التي استقتها أجهزة أمنية معنية تعمل في الداخل الليبي، فإنه لوحظ تفرغ قادة المتطرفين في طرابلس وبنغازي لإدارة عمليات تحالف عليا في داخل البلاد، وأخرى عابرة للحدود، في محاولة لإظهار القوة والقدرة على التفاوض أمام عدة أطراف دولية خاصة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وبلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
وفي المقابل تراجع اهتمام تلك القيادات بأمر الفتاوى التي تنظم تعامل عناصرها المتطرفة مع عامة المواطنين الليبيين، وتركت القيادة في هذا المجال للعناصر الصغيرة، وهي من أصول ليبية وتونسية ومصرية وسودانية وغيرها، خاصة في البوابات والحواجز التي تسيطر عليها في الشمال الأوسط من البلاد وعدة ضواح في مدن ساحلية. ونتج عن ذلك ارتكاب مجازر لإرهاب السكان المحليين وإجبارهم على الانضمام للجماعات المناهضة للسلطة الشرعية في البلاد.
وفي الفترة من بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حتى منتصف هذا الشهر، رصدت الوثائق أحاديث ومفاوضات وتخطيط لقادة من داعش ومن الجماعة الليبية المقاتلة التابعة لتنظيم القاعدة، ومن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، تعكس وجود ما يشبه الخلخلة التي أحدثتها حكومة السراج، والمقرر أن تتقدم للبرلمان الليبي اليوم (الاثنين) لكسب الثقة، والبدء في العمل من أجل بسط الاستقرار في البلاد والتعاون مع المجتمع الدولي لمكافحة الميليشيات المتطرفة.
ومن أبرز قيادات الجماعة الليبية المقاتلة عبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف وعبد الوهاب قايد ومهدي الحاراتي وغيرهم. والتقت أطراف دولية أواخر العام الماضي مع عدد منهم لبحث مستقبل ليبيا، لكن يبدو أن بلدانا مثل أميركا بدأت في الابتعاد عن التواصل مع هؤلاء القادة. ومن الزعماء الكبار في جماعة الإخوان الليبية الدكتور علي الصلابي، الذي لا يظهر عادة في واجهة الأحداث. وتراجعت دول كانت على تواصل مع الإخوان الليبيين خطوات إلى الوراء، مما أصاب الإخوان بالغضب. وفي المقابل جرى رصد نشاط لأطراف أمنية غربية في أوساط قيادات ليبية ذات وجوه جديدة، بغض النظر عن درجة تطرفها.
وفي حديث بين قيادي في الجماعة المقاتلة (يقيم في طرابلس)، وعضو في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان (يقيم في بنغازي)، اشتكى الأخير من تراجع الاتصالات الأميركية في الأسابيع الماضية مع إخوان ليبيا، قائلا إن هذا يأتي على خلاف ما كان متبعا من قبل. ويبدو مما قاله أنه كانت لديه معلومات عن شكاوى مماثلة من الجماعة المقاتلة، من «تصرفات واشنطن». ولهذا دار النقاش بين القائدين البارزين في ليبيا، حول ما ينبغي عمله.
وقال القيادي الإخواني إن لفت نظر أميركا لجماعة الإخوان والجماعة المقاتلة في ليبيا، ووضع حساب دولي لهما في أي ترتيبات جديدة، يتطلب زيادة ضرب خصوم الولايات المتحدة في المنطقة، معتبرا أن نظام الحكم المصري أحد أعداء أميركا الذي ينبغي تكثيف العمليات ضده، من خلال الجماعات المتطرفة في هذا البلد الذي يعاني من مصاعب اقتصادية منذ ثورة 25 يناير 2011 التي تحل ذكراها اليوم.
وجرى الحديث بين هذين القائدين الليبيين، يوم الثاني والعشرين من ديسمبر. ومما قاله عضو التنظيم الدولي للإخوان، وفقا للوثائق، إن واشنطن لا تريد استمرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.. «أميركا لا تريد السيسي.. لا تريد تقاربه مع روسيا، ونهجه القريب من (الرئيس الراحل) عبد الناصر وتحديه لها». وأضاف أن أميركا تريد أن ينتهي نظام الحكم في مصر، وأضاف أن من يساعد الولايات المتحدة على هذا ستسانده. وقال بالحرف: «الطرف الليبي الذي سيساعدها سوف تقف معه».
وطلب الرجل المعروف عنه حبه للظهور بالملابس الليبية التقليدية في الأماكن العامة، من القيادي في الجماعة المقاتلة، زيادة العمليات التخريبية في داخل مصر، من خلال فتح ثغرات في الحدود المصرية مع ليبيا، وعدم الاكتفاء بالدعم المقدم للمتطرفين المصريين في شبه جزيرة سيناء. وقال له: «أريدك أن ترفع نسق العمل الجهادي، فمن غير ليبيا والحدود الليبية، من الصعب التحرك بقوة داخل مصر».
وتشير الوثائق إلى أن القيادي الإخواني لديه علاقات قوية مع زعماء من حركة حماس التي تعد أحد فروع جماعة الإخوان الفلسطينية، ولديه مشاركات اقتصادية كبيرة مع قائد بارز في الحركة التي تهيمن منذ سنوات على قطاع غزة المجاور لسيناء. وشكا أيضا من التضييق الأمني والعسكري المصري على المتطرفين في سيناء، إذ إن السلطات المصرية وضعت رقابة صارمة على حدودها مع قطاع غزة، وتشن عمليات ضد من تسميهم التكفيريين، في عمليات راح ضحيتها مئات من الجنود والعناصر المتشددة، خاصة في مدن العريش والشيخ زويد ورفح.
ومن المعروف أن تنظيم أنصار بيت المقدس الذي كان ينشط في سيناء تحول إلى موالاة داعش، منذ أكثر من سنة، ضمن مجموعات من المقاتلين المتطرفين في شبه الجزيرة الواقعة شمال شرقي القاهرة، أصبحوا منذ ذلك الوقت يطلقون على أنفسهم ولاية سيناء، وينفذون بين وقت وآخر علميات في مدن مصرية أخرى. وهذه هي المرة الثانية، خلال عام، التي تطلع فيها «الشرق الأوسط» على وثائق تربط بين عناصر من الإخوان وتنظيم القاعدة وداعش. وكانت المرة الأولى تتعلق باجتماع شارك فيه قادة من هذه التنظيمات في مبنى جرى شراؤه بأموال ليبية في دولة إسلامية تطل على البحر المتوسط.
وقال الزعيم الإخواني الليبي في حديثه مع القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة بالنص إن «الحدود مع الأراضي الفلسطينية ضُيِّقت أمنيا وعسكريا، ولم تعد ذات فائدة. ثم إن اختزال الإثارة والفوضى في سيناء والشيخ زويد وبعض المناطق الهزيلة، سوف يطيل عمر النظام في مصر». وطلب من قيادي المقاتلة، أن يتم تكثيف العمليات التخريبية في مدينتي القاهرة والإسكندرية، لأنهما، حسب كلامه، يعدان من المدن المهمة اقتصاديا، لما فيهما من مراكز مال وأعمال وشركات، وأن المدينتين تسهمان في الدخل القومي للدولة المصرية.
وبعد أن وجه باستهداف هاتين المدينتين، وعد القيادي الإخواني بتقديم الدعم المالي واللوجيستي اللازمين، لكنه شكا كذلك من نقص العناصر التي يمكن أن تقوم بمثل هذه المهام في الداخل المصري. وأضاف قائلا إن «القاهرة والإسكندرية (هما) مصادر الدخل القومي لمصر. هما اللتان يجب أن توضعا نصب أعيننا. الدعم موجود، ما نحتاجه رجال فقط. والآن وليس عليك.. تمكّنا من تركيب نشاط لوجيستي داخل الساحة المصرية، سيساعدنا كثيرا».
ولم يكن لمثل هذا التناغم بين جماعة الإخوان الليبية والقيادي في الجماعة الليبية المقاتلة، أن يتحقق لولا الأرضية المشتركة التي كان يبدو أنها كانت تتشكل تحت أقدام زعماء الجماعتين لأسباب متفرقة، على رأسها الشعور بتواصل أطراف غربية (أميركية بالأساس) مع جماعات متطرفة كانت حتى وقت قريب تعمل على هامش الكتائب المتشددة وتعاني من الهزائم والتهميش، مثل جماعة المدهوني القادمة من بلدة صبراتة القريبة من الحدود مع تونس، والتي كانت بمثابة إحدى أذرع أنصار الشريعة في الغرب الليبي، ورفضت الانصياع تحت إمرة قوات فجر ليبيا.
وتعد «قوات فجر ليبيا» أول تحالف بين الإخوان والجماعة المقاتلة، وتأسس لمحاربة السلطات الشرعية في البلاد، ومن أبرز المعارك التي خاضتها معركة مطار طرابلس في صيف عام 2014، ما تسبب في إحراقه بما فيه من طائرات. وتعرضت هذه القوة بدورها إلى الضعف والتفكك، خاصة بعد ارتفاع وتيرة التوافق بين الفرقاء الليبيين في الحوارات التي أدارتها الأمم المتحدة حتى الإعلان عن حكومة السراج، قبل شهر.
هنا تلاحظ لقيادات الإخوان والجماعة المقاتلة، التي تدير المعارك ضد الجيش الوطني الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر، تغير مواقف بعض الدول الداعمة لهما، وقيام تلك الدول بفتح أبواب جديدة مع قوى أخرى من بينها الجيش الوطني، وميليشيات تصنف كميليشيات معتدلة خاصة في منطقة الزنتان، ومع ميليشيات متطرفة، لها علاقة مشبوهة بتنظيم داعش منها ميليشيا المدهوني التي تتمركز في مناطق في غرب طرابلس.
لقد بدأت صفحة جديدة في العلاقات تتعارض مع تحالفات أيام الحرب التي بدأت قبل 16 شهرا ضد السلطات الشرعية. في البداية لم تكن هناك خلافات تذكر بين جماعات المتطرفين. كان الهدف المشترك، حتى شهرين سابقين، هو التحالف غير المكتوب لقتال الجيش ورموز الدولة. لكن دون عمل مشترك تحت قيادة موحدة. في ذلك الوقت كان يمكن لقادة إخوان غض الطرف عن مرور شحنات أسلحة ومقاتلين لداعش في درنة، ويمكن لزعماء من الجماعة الليبية المقاتلة، تعضيد قوات أنصار الشريعة في بنغازي.
وباقتراب الأمم المتحدة من توقيع اتفاق الحكومة في بلدة الصخيرات، بدا واضحا، منذ نهاية خريف العام الماضي، أن الضغوط على بعض الميليشيات، خاصة تلك المحسوبة على مدينة مصراتة، للموافقة على مخرجات الحوار، أخذت تثير الشكوك، مع دخول أطراف إقليمية ودولية على الخط، رغم أنها لم تكن موجودة بقوة في المشهد الليبي. حكومة السراج فيها بعض الأسماء القريبة من جماعة الإخوان ومن الجماعة المقاتلة، لكن أغلب هذه الأسماء محسوبة على مصراتة أيضا.
وتشير الوثائق التي تضمنت مواقف لقيادات في الإخوان و«المقاتلة» وداعش، خلال الشهر الذي جرى فيه توقيع اتفاق الصخيرات، إلى أن تبادل الرأي بين هذه الأطراف غلب عليه المفاجأة وتوجيه اللوم وكذا المخاوف من المستقبل. وفي حديث موجه من قيادي في «المقاتلة» إلى قيادي آخر كبير في الجماعة المقاتلة نفسها في طرابلس، يظهر اسم المدهوني مرة أخرى، مقترنا بخبر استقباله لمندوب من الخليفة المزعوم في العراق والشام، أبو بكر البغدادي.
وهذا المندوب اسمه سفيان الغزالي. يقول قيادي المقاتلة الأول وهو يتحدث إلى زميله الزعيم في الجماعة في الصباح الباكر منذ الأول من ديسمبر الماضي، قائلا له: «المدهوني استقبل سفيان الغزالي». فيجيبه الثاني وقد فوجئ: «لا يا رجل. قل غير هذا». فيعود ليؤكد له: «المعلومات أكيدة. وصل له اليوم واستقبله هو شخصيا في (منطقة مطار) امعيتيقة (في طرابلس)».
وفي نفس الحديث بين الطرفين، يقول الأول وهو يعدد مخاطر وجود الغزالي والغرض من قدومه للقاء المدهوني إنه، أي الغزالي: «أحد الأذرع للشيخ أبو بكر (البغدادي)، وأنا من كم يوم عندي معلومات أن المدهوني يسعى لمبايعة البغدادي». ويضيف: «أنا كنت أشعر منذ البداية أن المدهوني رجل لدولة الخلافة، ونشاطه في تونس يؤكد ذلك. والآن شكله له شغل في مصر». ويستطرد قائلا: «سفيان هذا من أحد أسمائه وكيل التفجيرات».
ولمعرفة المزيد عن المدهوني، الذي يعتقد أن عنصرا من المخابرات الأميركية التقى به أيضا في منطقة قرب طرابلس قبل أسابيع، يقول مصدر من القبائل الليبية غرب العاصمة، إنه شقيق الزعيم الراحل لتنظيم أنصار الشريعة في بلدة صبراتة غرب ليبيا، عمر المختار المدهوني، الذي قتل في اشتباكات أواخر عام 2014، ويشتبه في أنه كان على خلاف مع قوات فجر ليبيا لرفضه الانضواء تحت إمرتها. وتولى شقيقه قيادة التنظيم خلفا له.
ويسعى قادة المتطرفين الكبار في تنظيمي الإخوان و«المقاتلة» إلى احتواء الأمراء الصغار الموالين لداعش. وجرى بالفعل غض الطرف عن مقار داعشية في العاصمة وضواحيها، إضافة إلى إجدابيا وبنغازي. ورصدت الوثائق طوال شهر ديسمبر، جنوح قيادات من الجماعة المقاتلة ومن الإخوان، إلى التحالف مع داعش بشكل صريح ومعلن، مع زيادة الدعم للمتطرفين في الداخل الليبي وفي دول الجوار أي في كل من مصر وتونس والجزائر، في محاولة للضغط على المجتمع الدولي، وإجباره على التعامل مع هذا التيار في ليبيا كـ«سلة واحدة».
وتطرقت واحدة من هذه الوثائق إلى خلافات، بين قادة الجماعة المقاتلة وإحدى الدول العربية الداعمة لها، وذلك لأول مرة، منذ الانتفاضة المسلحة ضد حكم القذافي. واتهم زعيم في الجماعة المقاتلة، في حديثه لعدد من زملائه في الجماعة، الدولة العربية التي كانت تدعمه، بأنها «سكتت على تصرفات أميركا تجاه الجماعة (المقاتلة)، ودعم تلك الدولة الخفي غير المعلن لحفتر». ووصف هذا الحال بأنه «مخيب للآمال».
وقال أيضا لقادة جماعته في طرابلس إنه تحدث مع نافذين في هذه الدولة، وإن أحد مسؤوليها ممن يتولى تنظيم العلاقة مع الجماعة، أخبره أن بلاده «تعاني من ضغوطات كثيرة إقليمية وعالمية، ويتم تضييق الخناق عليها، واتهامها بأنها داعمة للإرهاب من قِبل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا، وأن أميركا تفهمت ادعاء تلك الدول وتجاهلت التفنيد الذي قدمته لها (الدولة العربية المشار إليها)».
ومن جانبه وبحسب ما ورد في الوثائق، بدأ قيادي آخر في الجماعة المقاتلة في توجيه اللوم لزملائه بسبب سماحهم للجانب الأميركي في السابق (منذ منتصف 2014) بزرع أجهزة تنصت في أحد مواقع الجماعة. وقال إن أميركا «غرست أجهزة تنصت علينا، ونحن تعاملنا مع ذلك بحسن نية، وكان يفترض ألا يكون». وأضاف أن الجماعة الليبية المقاتلة «فقدت هيبتها بضعف تنظيم القاعدة وقوة تنظيم داعش»، مشيرا إلى أن «أميركا تتحاور مع داعش، متجاهلة دورنا في ليبيا، واستطاعت استقطاب محمد المدهوني، وجماعة أبو عبيدة الزاوي (قائد ميليشيا في غرب طرابلس أيضا)، وخلقت لهم خط تواصل مع التنظيم في سرت، وغضت البصر عن تدفق مقاتلين للتنظيم بسرت والجنوب من كل الدول». وتابع قائلا إن «أميركا لن تحترم أي اتفاق معها، إلا إذا سيطرنا على طرابلس».
وأضاف أن «الوضع صار يستلزم الاندماج مع داعش وأن تكون طرابلس لنا (للجماعة المقاتلة والإخوان)، وسرت لهم (لداعش)، ويأخذ تنظيم داعش التمدد المساحي شرق سرت، وما يحتويه، ونأخذ نحن طرابلس وامتداد الغرب لنا، ونواصل دعم مجلس شورى ثوار بنغازي (هذا المجلس كان يقتصر على تنظيم أنصار الشريعة وأصبح منذ عدة أشهر يضم خليطا من الإخوان و«المقاتلة» وداعش) ومجاهدي درنة (خليط مشابه لكنه على خلاف مع الدواعش).
وجاء مع هذا الاقتراح اقتراح آخر يخص مواصلة تقديم الدعم للمتطرفين في سيناء. وحول هذه النقطة قال قيادي في الجماعة المقاتلة: «أرى أن دعم بيت المقدس في سيناء مهم جدا ويجب عدم توقفه، فهو الخط الذي يلطف لنا الأجواء مع أميركا، ولا يقطع تواصلنا مع (دولة كذا ودولة كذا.. ذكر اسم دولتين إحداهما عربية والأخرى إسلامية)، وخصوصا أن مبالغ كبيرة ستقدم للجنة المشكلة لهذا الشأن وأن للجماعة تفاهما كبيرا معنا».
وأيد الزعيم الآخر في «المقاتلة» هذه المقترحات، ووصفها بأنها «صحية جدا وعقلانية»، لكنه زاد عليها تأكيده على ضرورة الاهتمام بـ«الأخوة في الساحة الجزائرية أيضا، كونها تسير في نفس الخط»، مشيرا إلى أنه لا بد من «طرح أفكار ومخططات لأي عمليات في مجلس شورى يتم إنشاؤه بين الجماعة (المقاتلة والإخوان) والتنظيم (داعش) قبل القيام بأي عمل مسبق.. أي عمل لا يتم إلا بموافقة كل الأطراف». وتحدث عن أهمية السعي إلى السيطرة على المنطقة الحدودية الجنوبية لليبيا والممتدة على مسار الحدود التشادية، «كونها منطقة عليها العين من قبل الغرب، ونعمل بمبدأ أننا نسيطر عليها، ونحن من نقرر.. نعطيها لمن، مقابل دعمه لنا».



نهاية «التعايش القسري» بين العشائر العربية و«قسد» في الجزيرة السورية

سيارة لأحد أبناء عشيرة «العكيدات» في منطقة دير الزور السورية في 2023 (غيتي)
سيارة لأحد أبناء عشيرة «العكيدات» في منطقة دير الزور السورية في 2023 (غيتي)
TT

نهاية «التعايش القسري» بين العشائر العربية و«قسد» في الجزيرة السورية

سيارة لأحد أبناء عشيرة «العكيدات» في منطقة دير الزور السورية في 2023 (غيتي)
سيارة لأحد أبناء عشيرة «العكيدات» في منطقة دير الزور السورية في 2023 (غيتي)

تتفاوت مواقف العشائر العربية في منطقة الجزيرة السورية من «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» بين القبول والرفض والتحفظ؛ فبعض العشائر تتعاون معها في إدارة مناطقها، بينما ترفضها عشائر أخرى وتعارض وجودها كلياً، فيما تتخذ عشائر ثالثة مواقف وسطية أو متغيرة بناء على التطورات الميدانية والسياسية.

وفي حين يرى بعض العشائر في «قسد» حليفاً ضرورياً للحفاظ على الأمن والاستقرار في مناطقها، خصوصاً في ظل التهديدات المستمرة من قبل تنظيم «داعش» وغيره من الجماعات المسلحة، تتهم عشائر أخرى «قسد» بممارسة التمييز ضد العرب، وبتهميشهم في الإدارة المحلية؛ ما يدفعها إلى رفض التعاون معها ومعارضتها. وفي تصعيد جديد للمواقف الشعبية في شمال وشرق سوريا، أصدر شيوخ ووجهاء عشائر عربية من محافظات دير الزور والحسكة والرقة بياناً موجّهاً إلى قيادة التحالف الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة، طالبوا فيه بوقف الدعم العسكري والسياسي المقدّم لـ«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» وجميع التشكيلات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة السورية.

مشهد لنهر الفرات الذي يعبر الجزيرة السورية وقد بدا في الخلفية جسر دير الزور الأثري مدمراً (غيتي)

وأكد البيان أن ممارسات «قسد» التي وصفها بـ«القمعية»، أدَّت إلى فقدان الأمن والاستقرار وانتشار الفوضى في المنطقة، محمّلين التحالف الدولي المسؤولية المعنوية والقانونية عن استمرار هذا الوضع.

فقد وثَّقت وسائل إعلام محلية، مقتل الطفل فريد الهريش في بلدة أبو حردوب برصاص عنصر من «قسد»، بتاريخ 26 يونيو (حزيران) الماضي. وفي 2 يوليو (تموز)، لقي الطفل علي العوني حتفه، أثناء جمعه للقمح قرب حاجز عسكري. ولا تقتصر الانتهاكات على القتل المباشر، بل تتسع لتشمل اختطاف الأطفال وتجنيدهم قسرياً، عبر منظمة «الشبيبة الثورية»، أو فرض دفع بدل يقارب 300 دولار للإعفاء من الخدمة العسكرية. ويفرض أخيراً على الزائرين من الخارج ممن تجاوزوا الخامسة والعشرين إجراءات بيروقراطية، ودفع مبالغ مالية لاستصدار إعفاءات.

وشدّد الموقعون على البيان على تمسكهم بـ«وحدة سوريا ورفضهم لأي مشاريع انفصالية»، داعين إلى إعادة سلطة الدولة السورية على كامل المناطق الشرقية والشمالية، ودمج العناصر الراغبين من «قسد» في صفوف الجيش السوري بقيادة الحكومة الشرعية. وفي الأول من يوليو (تموز)، وجَّه 14 شخصاً من شيوخ ووجهاء عشائر وقبائل العقيدات وشمّر والبوشعبان والبقارة، إضافة إلى عشائر البوليل والمشاهدة والبوسرايا من محافظات دير الزور والحسكة والرقة، بيانهم إلى قيادة التحالف الدولي، كما وجّهوا نداء إلى من سموهم «أبناءهم» المنخرطين في صفوف «قسد»، داعين إياهم إلى الانشقاق عنها والعودة للمشاركة في إعادة بناء الدولة.

غليان في الجزيرة

في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، قال ناصر حمود الفرج أحد الشيوخ الممثلين عن عشيرة البوشعبان ومن الموقِّعين على البيان، إن بيانات أخرى سبقته وحملت «الموقف ذاته، وعبّرت عن صوت أبناء العشائر، لكن الظروف الحالية، وتراكم الانتهاكات، والطلب الشعبي المتزايد، فرضت علينا أن نرفعه مجدداً، وبنبرة أكثر وضوحاً».

العشائر العربية وقد أعلنت «النفير العام» لمحاربة «قسد» في الجزيرة السورية عام 2023 (غيتي)

وكانت العلاقة بين «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» والعشائر، في شمال شرقي سوريا، تشكلت على أساس المصالح المتبادلة، من حيث تقديم الدعم لهذه القوات مقابل تأمين مناطقهم، ومنع وصول تنظيم «داعش» إلى مناطقهم بعدما فَرَض سيطرته على أجزاء واسعة من غرب العراق وشرق سوريا، في يونيو (حزيران) 2014. إلا أن العلاقة شهدت تقلبات حادة؛ فانتقلت من مرحلة التنسيق المشترك بين «قسد» وعشائر البقارة وشمر وغيرهما وخوض الحرب ضد «داعش» بين عامي 2015 و2017، إلى احتجاجات صاخبة خلال عامي 2018 و2019 ضد التجنيد الإجباري للشبان والفتيات، وتهميش دور العشائر في الإدارة الذاتية والاستئثار بالموارد الطبيعية، كالنفط والمياه، والأهم رفض العشائر للتقارب مع نظام بشار الأسد الذي بدأت الإدارة الذاتية التفاوض معه بعد العملية العسكرية التركية «نبع السلام».

وشدد الفرج على أن توقيت البيان «لم يُفرض من الخارج، بل جاء بناء على رغبة أبناء العشائر في الداخل، الذين يطالبوننا علناً بالتحرك، وإنهاء حالة التهميش والخنق التي تُمارَس ضدهم منذ سنوات»، بحسب قوله، مشيراً إلى ما سماه «حالة غليان واضحة في الجزيرة السورية» لرفض «الوصاية الأجنبية والانفصال عن سوريا أو المحاصصة وضرورة التحاق جميع مكونات الشعب السوري بالدولة السورية الجديدة».

وحول الأسباب التي دعت العشائر لاصدار البيان، قال الفرج إن «ما يجري في شرق الفرات لا يمكن الاستمرار في تجاهله. صوت العشائر اليوم أصبح أعلى، وأكثر تنظيماً، وأكثر وعياً. نحن نمثل هذا الصوت، وسنستمر في نقل مطالب أهلنا إلى كل الأطراف الدولية والإقليمية، حتى تعود الجزيرة لأهلها، وينتهي زمن الوصاية». وذكر الشيخ بأن أبناء الجزيرة السورية يعانون منذ سنوات طويلة من «ممارسات قمعية متعددة» لقوات «قسد» تتعلق بالتهميش المتعمَّد لأبناء الجزيرة السورية تتراوح من فرض مناهج تعليمية «مؤدلجة» لا تعكس «ثقافة وهوية المنطقة»، وصولاً إلى فرض واقع أمني والاستيلاء على الثروات الزراعية والنفطية وتوظيف بعض إيراداتها «لشراء الولاءات»، في حين يعيش سكان المنطقة حالة من الفقر والعوز. هذا بالإضافة إلى قمع الحريات ومنع الاحتجاجات والاعتقالات التعسفية لكل مَن يعبّر عن رأي مخالف.

خيار التحرك العسكري

وأوضح الفرج أن هذه العشائر «تمثل خطاً مستقلاً»، يحمل مطالب واضحة من سكان في الجزيرة السورية التي وصفها بـ«المحتلة»، مشدداً على أنها «لا تعمل ضد أحد، بل تعمل من أجل إخراج قوات (قسد) الانفصالية من المنطقة، سواء عبر الحل السلمي أو بالتحرك العسكري بمساندة القبائل، إذا اقتضى الأمر». والتحرك العسكري، وفقاً للشيخ الفرج «ليس من أجل القتال بل من أجل استعادة الحق وضمان وجود عربي فاعل داخل الدولة السورية الواحدة بعيداً عن الوصاية أو الإقصاء».

من المواجهات المسلّحة بين مقاتلين من العشائر العربية و«قسد» و«حزب العمال الكردستاني» في منطقة منبج في الشمال السوري في سبتمبر 2023 (غيتي)

وبعكس الشائع، لا تقتصر قوات «قسد» على العنصر الكردي فحسب، وإن كانت تتشكل بشكل أساسي من «وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)»، ولكنها تضم أيضاً مكونات عربية وازنة مثل «قوات الصناديد» التابعة لقبيلة شمّر ذات العمق التاريخي والجغرافي، ومكونات سريانية، كالمجلس العسكري السرياني، وبعض الفصائل العربية الاخرى. وتحاول «قسد» دائماً تظهير تواصلها مع شيوخ ووجهاء القبائل في مناطق سيطرتها، ولكن هذا لا يعني ولاء مطلقاً من كل أفراد القبيلة.

وتُبرِز العلاقة بين «قسد» والعشائر شكلاً معقداً ومتداخلاً في التحالفات والولاءات بين القوى الفاعلة سواء النظام السوري السابق الذي أيَّدته بعض فروع عشائر البقارة والعقيدات وطي، أو الولايات المتحدة وقوات «قسد» التي حظيت بتأييد عشائر أخرى، مثل شمر وبعض فروع عشيرة البقارة. وعلى الرغم من أن الموقف العام لعشيرة العقيدات، خصوصاً قياداتها التقليدية، هو العداء لـ«قسد»، فإن هناك انقساماً داخل القبيلة نفسها. بعض فروع العقيدات أو أفراد منها يوالون «قسد»، وينخرطون في تشكيلاتها، مثل بعض قيادات «مجلس دير الزور العسكري»، حتى أزمة اعتقال «قسد» لرئيس المجلس، أحمد حامد الخبيل الملقب «أبو خولة» عام 2023، التي كتبت نهاية أي شكل من العلاقات بينهما.

وكشف الفرج عن جهوزية «شريحة كبيرة جداً من أبناء القبائل والعشائر للتحرُّك، وهم بانتظار اللحظة المناسبة سياسياً وأمنياً». وقال: «الموقف لم يعد قابلاً للتأويل (...) نحن كعشائر عربية نطالب (التحالف الدولي) بدور فعّال، ونرفض أن نكون مجرد تابعين لمشروع لا يمثلنا».

وحتى هذه اللحظة، لا يوجد تواصل مباشر بين العشائر وقيادة التحالف الدولي وفقاً للفرج، الذي قال إنهم «بانتظار موقف واضح (من الأميركيين)، بعدما وصلت إليهم رسائلنا عبر قنوات مدنية واجتماعية». وطالب الفرج التحالف بـ«إعادة تقييم دعمه لقوات «قسد» التي تمثل طرفاً انفصاليا لا يحظى بشرعية مجتمعية حقيقية، من شأنه أن يفاقم حالة الانقسام في المجتمع السوري، ويؤثر سلباً على وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة».

طابور من الأسرى ينتظر تسليمه بحلب في الجزء الأول من الاتفاق بين الحكومة السورية و«قسد» أبريل الماضي (خاص بالشرق الأوسط)

وفي أعقاب الاشتباكات التي اندلعت خريف عام 2023 بين قوات «قسد» وبعض العشائر العربية في دير الزور، وبعد تدخلات من جهات محلية ودولية (مثل التحالف الدولي)، قامت «قسد» بالإفراج عن دفعات من المعتقلين، في محاولة لتبريد الأجواء مع العشائر. وبعض هؤلاء اعتُقِلوا على خلفية الاشتباكات المسلحة، وبعضهم الآخر اعتقل بتهم الانتماء لـ«داعش» أو غيرها؛ إذ شنت «قسد» في ذلك الوقت حملة توقيفات ضد أبناء العشائر بتهمة جاهزة. وتمت هذه الإفراجات «بضمانات من شيوخ العشائر»، كجزء من جهود تهدئة الأوضاع. واستمرت عمليات الإفراج عن دفعات من المعتقلين لأشهر عديدة، آخرها كان في سبتمبر 2024. كما أن هناك اتفاقات بعد اتفاق العاشر من مارس (آذار) 2025، بين «قسد» والحكومة السورية الحالية تضمنت بند «تبييض السجون» وإطلاق سراح المعتقلين من الطرفين.

وفي أبريل (نيسان) 2025، تم تنفيذ المرحلة الأولى من عملية تبادل المعتقلين بين دمشق و«قسد» في حلب. وشملت هذه العملية إطلاق سراح نحو 250 معتقَلاً من الطرفين، حيث أفرجت السلطات السورية عن 140 معتقلاً من «قسد»، مقابل إفراج «قسد» عن نحو 100 معتقل، وهو اتفاق تعثَّر في مراحل لاحقة.

على الجانب الاخر، كشف الفرج أن هناك تواصلاً مع الدولة السورية، لا سيما أن أغلب قيادات الدولة الجديدة هم من أبناء هذه العشائر نفسها، ومن مناطق تخضع حالياً لسيطرة «قسد»، مبيناً أن «تواصلنا مع دمشق ليس على حساب أحد، بل لصالح استعادة السيادة وبناء شراكة وطنية تحفظ كرامة الجميع وتحافظ على وحدة سوريا»، وهذا سيكون أولاً من خلال عودة الجيش العربي السوري إلى كامل الأراضي السورية، من الشمال الشرقي حتى الجنوب والحدود، ضمن إطار وطني جامع، يشمل شراكة حقيقية مع العشائر والفاعليات الاجتماعية، لا مجرد حضور أمني أو إداري شكلي»، وفق ما قاله لـ«الشرق الأوسط».

ديوان لمقاتلي عشائر عربية في الجزيرة السورية إبان الاشتباكات مع «قسد» و«العمال الكردستاني» في 2023 (غيتي)

من جهته، قال شيخ «البو سرايا»، زياد الشلاش، أحد الموقّعين على البيان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن عشيرته «على تواصل مستمر مع الحكومة السورية في سبيل توحيد الأراضي السورية ورفض أي شكل من أشكال التقسيمات المفروضة كأمر واقع». وتابع: «تواصل شخصياً مع السيد مظلوم عبدي، وهو رجل حريص على وحدة سوريا واستقرارها، ولذلك نرى أنه من الواجب دعم موقفه وتقويته». وأضاف الشلاش: «نحن لا نريد لأبناء العشائر العربية أن يكونوا وقوداً لمشاريع انفصالية، ولهذا دعوناهم للانشقاق. وفي الوقت نفسه، لا نريد لإخوتنا الكرد أن يُزج بهم في معارك لا تخدمهم، أو أن يكونوا حَطَباً لإرضاء مطامع بعض القوميين القادمين من خارج سوريا».

تغيير في الخطاب

كانت نخب اجتماعية من أبناء الجزيرة السورية والفرات أعلنت، منتصف أبريل (نيسان) الماضي، تأسيس «مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات»، بهدف الدفاع عن مصالح أبناء الجزيرة. جاء الإعلان مع إصدار العشائر العربية بيانات ترفض وصاية «قسد» على منطقة الجزيرة السورية، بصفتها «قوة احتلال»، وبحسب بيان التأسيس الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، فإن المجلس يسعى لتوحيد الصوت السياسي والإعلامي والمدني في مواجهة «سلطات الأمر الواقع، المتمثلة بـ(قسد)»، ورفض مشاريع التقسيم التي تهدد وحدة سوريا. وكذلك رفض ادعاء تمثيل «قسد» لعرب الجزيرة والفرات في أي مفاوضات مع الحكومة السورية، أو في أي محفل سياسي داخلي وخارجي.

شباب جامعيون من أبناء دير الزور في حملة تنظيف وتلوين لجدران المدينة بعد سقوط نظام بشار الأسد (غيتي)

وتُشكّل محافظات دير الزور والرقة والحسكة، الواقعة في شرق وشمال شرقي سوريا، نسيجاً متنوعاً يعكس تاريخ المنطقة وثقافاتها المتعددة. يشكل العرب المكون السكاني الأكبر والأكثر هيمنة في هذه المحافظات، خصوصاً في دير الزور والرقة حيث تُعد العشائر العربية الكبيرة والممتدة، مثل العقيدات والبقّارة والشعيطات (التي قتلت منها داعش 800 شخص في مجزرة واحدة) والجبور، العمود الفقري للتركيبة السكانية. أما في الحسكة، فبينما يشكل العرب غالبية سكان الريف الجنوبي والغربي، تُعد القومية الكردية المكون الأكبر في مناطق الشمال والشمال الشرقي، حيث تتركز مدن، مثل القامشلي ورأس العين، وتمتلك وجوداً نسبياً في باقي المحافظة. إلى جانب المكونين العربي والكردي، توجد أقليات عرقية ودينية أخرى مهمة تساهم في ثراء التنوع السكاني. فـالسريان، وهم مسيحيون، يتركزون بشكل خاص في الحسكة، ولهم وجود تاريخي وثقافي عريق في المنطقة، ويمثلون الغالبية في بعض القرى والبلدات الخاصة بهم، مثل تل تمر. كما يوجد في هذه المحافظات عدد أقل من التركمان والشركس والأرمن، لا سيما في مدن، مثل الحسكة والقامشلي. لذلك فإن أي خيار سياسي- عسكري لا يراعي هذا التنوع ومصالحه مرشح للانفجار في اي لحظة.

وفي تغيُّر ملحوظ بالخطاب الإعلامي والرسمي، باتت مواقع إخبارية رسمية أو مقربة من الحكومة السورية تلقي الضوء على «انتهاكات» لقوات «قسد» ضد مدنيين في مناطق الجزيرة السورية على غير عادتها، كما أن مسؤولين سوريين باتوا أكثر وضوحاً في الحديث عن الموقف من قوات «قسد»، بعيداً عن الخطاب الإعلامي الرسمي الذي يركز على اتفاقية العاشر من مارس الموقَّعة بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات «قسد» مظلوم عبدي، ونشاطات اللجان المكلفة وضع تفاصيل الاتفاق قيد التنفيذ.

ففي 30 يونيو الماضي، أوضح محافظ دير الزور، غسان السيد أحمد، أن الخيار العسكري ضد «قسد» لا يزال مطروحاً على الطاولة كخيار أخير في حال فشلت جميع المساعي والجهود التفاوضية معها.

وأكد أن هناك استعداداً عسكرياً كاملاً، حيث تم تجهيز ثلاث فرق عسكرية متكاملة وجاهزة للتدخل حال تعثر المفاوضات، دون الكشف عن تفاصيل أخرى، مؤكداً على أن الوضع الأمني بوجود «قسد» يؤثر بشكل مباشر على عمل بعض المرافق الحيوية، مثل استمرار تعليق العمل بمطار دير الزور، نظراً لحاجة الطيران إلى «التحليق الجوي فوق المناطق التي تسيطر عليها»، وهو ما يتطلب ترتيبات أمنية وفنية خاصة، حسب قوله.

إلى جانب تسبب «قسد» في تعثر كبير بمشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية، وعلى رأسها الجسور الرئيسية التي تربط بين مناطق المحافظة المختلفة.

حلّ سلمي وتيارات متنازعة

ويرى رئيس وحدة الدراسات في مركز «أبعاد» للدراسات الاستراتيجية، ومقره لندن، الباحث السوري فراس فحام، أن الحشود العسكرية للجيش السوري هي بسبب «الانتهاكات اليومية لقوات (قسد) في منطقة شرق الفرات (منطقة الجزيرة)، وكذلك قيامهم بحالات القنص والمداهمات والاعتقالات العشوائية والاغتيالات بحق أبناء العشائر والقبائل العربية».

أحمد الحمزة السطم ناشط مدني اعتقلته «قسد» من منزله في حي المشلب بمدينة الرقة 20 مايو 2025 (الشبكة السورية)

وكانت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» وثقت مقتل عشرة مدنيين على يد «قسد» في عام 2024، من بينهم طفلان تحت التعذيب. وفي فبراير (شباط) 2025، وثّقت الشبكة مقتل 65 مدنياً، بينهم طفل وسيدتان قُنِصوا على يد قوات «قسد» في مدينة حلب.

وتوقع «فحام» أن يتم تنفيذ الاتفاق بين الحكومة و«قوات (قسد) بعيداً من المواجهات العسكرية التي ستكون لها تداعيات سلبية على جميع الأطراف»، لكن هناك أكثر من تيار أو جناح داخل «قوات (قسد) يرفض بشكل قاطع الحل السياسي، لرغبتهم في الاحتفاظ بمنطقة الجزيرة السورية الغنية بالنفط والغاز والثروات الزراعية والمياه، وهي مناطق حيوية ضمن مشروعهم المحمي دولياً من التحالف الدولي، بذريعة محاربة إرهاب تنظيم (داعش) الذي أعطاهم شرعية البقاء وتلقي الدعم الدولي».

وحذر فحام من أن المنطقة عبارة عن «بركان خامل حالياً، ولكن لن يدوم خموله طويلاً، لذلك إذا لم يحصل اتفاق فستكون هناك مواجهات دامية قد تستدعي تدخُّل أطراف أجنبية، مثل الجيش التركي؛ سواء براً أو جواً، نظراً إلى أن أنقرة ترفض أي اتفاق يعطي لقوات (قسد) نوعاً من الإدارة الذاتية أو الفيدرالية».

نهاية التعايش القسري

على صعيد ذي صلة، يرى مضر حماد الأسعد، رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، أن الخيارات المتاحة أمام «قسد» باتت ضيقة جداً، بعد ما صدر عن المبعوث الأميركي لسوريا توماس باراك الذي حدَّد فيها أن «الحكومة السورية هي الطرف الوحيد الذي يمكن التفاوض معه»، وقد تشهد المنطقة مستقبلاً عملية عسكرية للجيش السوري بضوء أخضر أميركي، وإن كان غير معلن، بالتنسيق مع تركيا. والرهان دائماً على أن أي معارك عسكرية ستؤدي إلى تحرك عشائري في مناطق سيطرة (قسد) والتسبب بانهيارها»، حسب قوله.

صورة جويّة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» بمشاركة «قوات التحالف الدولي» في دير الزور شمال شرقي سوريا في 2022 (غيتي)

وكشف الأسعد عن تيار أو جناح داخل قوات «قسد» يرتبط مباشرة بحزب العمال الكردستاني، يتبنى خيار المواجهة العسكرية مع الحكومة السورية لتكريس الأمر الواقع، مؤكداً على أن المطلوب من قوات «قسد» مرحلياً تسليم كامل محافظتي الرقة ودير الزور، والانكفاء إلى محافظة الحسكة، وبخلاف ذلك «قد» تشهد المنطقة مواجهات عسكرية «محدودة» كما يصفها في ختام حديثه لـ «الشرق الأوسط». ويُبرز البيان العشائري الأخير تصاعدا حادّا في رفض القبائل العربية لسيطرة «قسد» على مناطق شمال وشرق سوريا، كما يعكس تحولا نوعيّا في موقف العشائر من التعايش «القسري» طيلة سنوات الثورة إلى المطالبة العلنية بإنهاء الوجود العسكري والإداري لتلك القوات وفرض سلطة الدولة بالكامل.

ورغم تباين المواقف التاريخية بين العشائر، يبدو أن السخط المتصاعد على خلفية التهميش والاعتقالات وغيرها قد وحّد خطاباً عشائريّاً يطالب بعودة الجيش السوري. وتظل الخيارات معلقة بين التفاوض والمواجهة العسكرية، خصوصاً مع تصريحات رسمية سورية عن جاهزية القوات الحكومية. هذا التصعيد يضع التحالف الدولي في عملية موازنة حرجة بين دعم حليفه «قسد» المُتنازع على شرعيته محليّاً، وضغوط العشائر التي تُحذِّر من انفجار الوضع، وهو ما لا تريده واشنطن، وتعمل على تجنّبه.