مساءً، عندما يبدأ الناس بالعودة إلى منازلهم الخاوية على عروشها، يخرج المواطن السوري ع. م. الذي سلبته الحرب كل شيء، حاملاً كيسًا أسود اللون، فيقصد مكبّ النفايات القريب من نهاية «الحارة»، هناك يبحث عن بقايا طعام يسد بها جوعه.
يبحث بين كومة الأزبال عن «قشور بطاطا» أو خضار تالفة، لا تهمه صلاحية ما سيأكل، فالإحساس بالجوع يفقده التفكير بكل شيء.
يقول ع. - الذي طلب منا عدم ذكر اسمه - عله يريد الحفاظ على كرامته بعد خسارته كل شيء «أبحث في النفايات عن بقايا طعام»، مضيفا وهو يفتح الكيس الذي يحمله: «قشور بطاطا وبقايا خضار وورق فجل، أي شيء قد يسد جوعي». أما آخر ما قاله قبل أن يختفي في «الحارة» المظلمة: «لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل». نحن في معضمية الشام، البلدة التي لا تبعد كثيرا عن دمشق العاصمة. إنها لا تبعد كثيرًا عن مقر رئيس النظام بشار الأسد، من حيث المسافة لكنها وبعيدة عن حكمه، وذلك بعدما قررت منذ اندلاع الثورة السورية أن تكون جزءًا من كلمة «كلا» التي أطلقها السوريون ضد الأسد ونظام حزب البعث.
والحقيقة، كان شباب معضمية الشام أول من خرج نصرة لدرعا يوم 21-3-2011. ومن ثم الشرارة الأولى للثورة في دمشق وريفها. وبعد ذلك توالت المظاهرات بشكل مطّرد ومتزايد، ورغم حملات الاعتقال الممنهجة من قبل النظام السوري وسقوط عدد من الشهداء ظلت هذه البلدة صامدة.
يعيش في البلدة نحو 45 ألف مدني، ومئات من العسكريين، الذي لا يفارقون الجبهة، لمنع قوات الأسد من اقتحام المكان. ومنذ نحو عشرين يوما، قررت قوات النظام فرض حصار يمنع عن أهالي المعضمية الغذاء والدواء، ويحظر عليهم الخروج من البلدة.
وفي أحد البيوت المتهالكة، لكنها لا تزال دافئة بحنان، تعيش أم فقدت زوجها منذ ثلاث سنوات ولا تزال تقارع الحياة، لتربية أولادها. أمامها مدفأة حطب وضعت عليها قدرًا لا شيء فيه غير ماء وبعض التوابل لتعطيه اللون، يغلي المزيج، ويغفو أولادها الجائعون. تقول بحرقة العاجز بلهجتها الشامية: «حبة رز ما عندنا، حبة برغل ما عندنا». ما قالته، وهي تقلب الماء والتوابل، يختصر كل القصة.
تقول أم عبد الكريم، إن «قوات النظام أغلقت الطريق الوحيد الذي كانت تدخلنا عبره المواد الغذائية.. واليوم الجوع والفقر ينهشنا، لا أحد يستطيع المساعدة، كل الناس هنا بحاجة للمساعدة».
خارج البيت، يتجمع عدد من الأطفال، بنت جميلة، تقسم ببراءة أنها «لم تأكل»، تجمع وصديقاتها الحطب وأكياس النايلون وكل ما من شأنها أن يصير وقودًا للطهي والتدفئة.
وصبي، لا يتجاوز الثانية عشر من عمره، مرّ بين جوع وجوع، يقول: «والله لم أتذوق الطعام منذ يومين»، مضيفا بلهجته «شو ذنبي؟ شو دخّلني؟ أنا صارلي يومين ما أكلت. والله ميت جوع».
وفجأة فر الصبي إلى بيته حتى من دون أن يقول اسمه، بعدما سمعنا دوي انفجار عنيف خارج حدود البلدة.
عبد الله، الناشط الإعلامي في المعضمية، يقول إن «خمسة أطفال ماتوا بسبب نقص التغذية هذا الأسبوع»، ويحذّر من «وقوع كارثة إنسانية في المعضمية إذا ما استمر الحصار أكثر»، واصفًا ما تمر به البلدة بـ«غير المحتمل».
ويضيف عبد الله أن «قوات النظام أغلقت وأحكمت إغلاق المعبر الوحيد الذي كان الأهالي والتجار يستخدمونه لإدخال المواد الغذائية إلى البلدة. ومع إحكام الحكومة القبضة على المعبر، صارت حياة الناس بأيديهم»، مطالبًا الأمم المتحدة بـ«التدخل العاجل ولو لمرة واحدة قبل وقوع الكارثة».
الطبيب م. أ. يؤكد وجود «نقص حاد في الأدوية والمواد الطبية في البلدة.. بل إن مضادات الالتهاب وعقاقير السّكري وأمراض ضغط الدم غير متوفرة أبدا». وتابع: «تزامن الأزمة مع نقص الغذاء زاد من صعوبتها». وأضاف الطبيب أن «طفلا توفي قبل يومين في المشفى المحلي، بسبب التهاب الجهاز التنفسي وانعدام الأدوية، ورفض القوات الحكومية السماح بإخراجه من البلدة أدى إلى وفاته». ولا يخفي الطبيب، خشيته من «وقوع كارثة إنسانية في المعضمية قريبًا إذا ما استمر الحصار».
جدير بالذكر أن المعضمية مدينة سورية تابعة إداريًا لمنطقة داريا ومحافظة ريف دمشق، وهي تقع غربي مدينة دمشق بعدة كيلومترات. وترجع تسمية المعضمية نسبة إلى الملك عيسى بن أيوب، ابن أخي صلاح الدين الأيوبي، الذي اتخذ المنطقة مقرًا لإقامته، والذي توفي ودفن في المنطقة القريبة من موقع هذه البلدة حاليًا.
معضمية الشام تعيش حصارًا مطبقًا من 3 أسابيع.. ووفاة 5 أطفال جوعًا
عدوى مضايا تتفشى في سوريا.. و {الشرق الأوسط} ترصد معاناة نحو 50 ألفًا
معضمية الشام تعيش حصارًا مطبقًا من 3 أسابيع.. ووفاة 5 أطفال جوعًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة