معضمية الشام تعيش حصارًا مطبقًا من 3 أسابيع.. ووفاة 5 أطفال جوعًا

عدوى مضايا تتفشى في سوريا.. و {الشرق الأوسط} ترصد معاناة نحو 50 ألفًا

أحد سكان المعضمية يبحث عن طعام في مكب النفايات («الشرق الأوسط»)
أحد سكان المعضمية يبحث عن طعام في مكب النفايات («الشرق الأوسط»)
TT

معضمية الشام تعيش حصارًا مطبقًا من 3 أسابيع.. ووفاة 5 أطفال جوعًا

أحد سكان المعضمية يبحث عن طعام في مكب النفايات («الشرق الأوسط»)
أحد سكان المعضمية يبحث عن طعام في مكب النفايات («الشرق الأوسط»)

مساءً، عندما يبدأ الناس بالعودة إلى منازلهم الخاوية على عروشها، يخرج المواطن السوري ع. م. الذي سلبته الحرب كل شيء، حاملاً كيسًا أسود اللون، فيقصد مكبّ النفايات القريب من نهاية «الحارة»، هناك يبحث عن بقايا طعام يسد بها جوعه.
يبحث بين كومة الأزبال عن «قشور بطاطا» أو خضار تالفة، لا تهمه صلاحية ما سيأكل، فالإحساس بالجوع يفقده التفكير بكل شيء.
يقول ع. - الذي طلب منا عدم ذكر اسمه - عله يريد الحفاظ على كرامته بعد خسارته كل شيء «أبحث في النفايات عن بقايا طعام»، مضيفا وهو يفتح الكيس الذي يحمله: «قشور بطاطا وبقايا خضار وورق فجل، أي شيء قد يسد جوعي». أما آخر ما قاله قبل أن يختفي في «الحارة» المظلمة: «لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل». نحن في معضمية الشام، البلدة التي لا تبعد كثيرا عن دمشق العاصمة. إنها لا تبعد كثيرًا عن مقر رئيس النظام بشار الأسد، من حيث المسافة لكنها وبعيدة عن حكمه، وذلك بعدما قررت منذ اندلاع الثورة السورية أن تكون جزءًا من كلمة «كلا» التي أطلقها السوريون ضد الأسد ونظام حزب البعث.
والحقيقة، كان شباب معضمية الشام أول من خرج نصرة لدرعا يوم 21-3-2011. ومن ثم الشرارة الأولى للثورة في دمشق وريفها. وبعد ذلك توالت المظاهرات بشكل مطّرد ومتزايد، ورغم حملات الاعتقال الممنهجة من قبل النظام السوري وسقوط عدد من الشهداء ظلت هذه البلدة صامدة.
يعيش في البلدة نحو 45 ألف مدني، ومئات من العسكريين، الذي لا يفارقون الجبهة، لمنع قوات الأسد من اقتحام المكان. ومنذ نحو عشرين يوما، قررت قوات النظام فرض حصار يمنع عن أهالي المعضمية الغذاء والدواء، ويحظر عليهم الخروج من البلدة.
وفي أحد البيوت المتهالكة، لكنها لا تزال دافئة بحنان، تعيش أم فقدت زوجها منذ ثلاث سنوات ولا تزال تقارع الحياة، لتربية أولادها. أمامها مدفأة حطب وضعت عليها قدرًا لا شيء فيه غير ماء وبعض التوابل لتعطيه اللون، يغلي المزيج، ويغفو أولادها الجائعون. تقول بحرقة العاجز بلهجتها الشامية: «حبة رز ما عندنا، حبة برغل ما عندنا». ما قالته، وهي تقلب الماء والتوابل، يختصر كل القصة.
تقول أم عبد الكريم، إن «قوات النظام أغلقت الطريق الوحيد الذي كانت تدخلنا عبره المواد الغذائية.. واليوم الجوع والفقر ينهشنا، لا أحد يستطيع المساعدة، كل الناس هنا بحاجة للمساعدة».
خارج البيت، يتجمع عدد من الأطفال، بنت جميلة، تقسم ببراءة أنها «لم تأكل»، تجمع وصديقاتها الحطب وأكياس النايلون وكل ما من شأنها أن يصير وقودًا للطهي والتدفئة.
وصبي، لا يتجاوز الثانية عشر من عمره، مرّ بين جوع وجوع، يقول: «والله لم أتذوق الطعام منذ يومين»، مضيفا بلهجته «شو ذنبي؟ شو دخّلني؟ أنا صارلي يومين ما أكلت. والله ميت جوع».
وفجأة فر الصبي إلى بيته حتى من دون أن يقول اسمه، بعدما سمعنا دوي انفجار عنيف خارج حدود البلدة.
عبد الله، الناشط الإعلامي في المعضمية، يقول إن «خمسة أطفال ماتوا بسبب نقص التغذية هذا الأسبوع»، ويحذّر من «وقوع كارثة إنسانية في المعضمية إذا ما استمر الحصار أكثر»، واصفًا ما تمر به البلدة بـ«غير المحتمل».
ويضيف عبد الله أن «قوات النظام أغلقت وأحكمت إغلاق المعبر الوحيد الذي كان الأهالي والتجار يستخدمونه لإدخال المواد الغذائية إلى البلدة. ومع إحكام الحكومة القبضة على المعبر، صارت حياة الناس بأيديهم»، مطالبًا الأمم المتحدة بـ«التدخل العاجل ولو لمرة واحدة قبل وقوع الكارثة».
الطبيب م. أ. يؤكد وجود «نقص حاد في الأدوية والمواد الطبية في البلدة.. بل إن مضادات الالتهاب وعقاقير السّكري وأمراض ضغط الدم غير متوفرة أبدا». وتابع: «تزامن الأزمة مع نقص الغذاء زاد من صعوبتها». وأضاف الطبيب أن «طفلا توفي قبل يومين في المشفى المحلي، بسبب التهاب الجهاز التنفسي وانعدام الأدوية، ورفض القوات الحكومية السماح بإخراجه من البلدة أدى إلى وفاته». ولا يخفي الطبيب، خشيته من «وقوع كارثة إنسانية في المعضمية قريبًا إذا ما استمر الحصار».
جدير بالذكر أن المعضمية مدينة سورية تابعة إداريًا لمنطقة داريا ومحافظة ريف دمشق، وهي تقع غربي مدينة دمشق بعدة كيلومترات. وترجع تسمية المعضمية نسبة إلى الملك عيسى بن أيوب، ابن أخي صلاح الدين الأيوبي، الذي اتخذ المنطقة مقرًا لإقامته، والذي توفي ودفن في المنطقة القريبة من موقع هذه البلدة حاليًا.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».