السيستاني مهاجمًا الطبقة السياسية: العراقيون يستحقون غير الذي تقومون به

انتقد تجاهل دعوات المرجعية لرعاية السلم الأهلي وحصر السلاح بيد الدولة

عراقيون يتظاهرون ضد الفساد والميليشيات المسلحة في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقيون يتظاهرون ضد الفساد والميليشيات المسلحة في بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

السيستاني مهاجمًا الطبقة السياسية: العراقيون يستحقون غير الذي تقومون به

عراقيون يتظاهرون ضد الفساد والميليشيات المسلحة في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقيون يتظاهرون ضد الفساد والميليشيات المسلحة في بغداد أمس (أ.ف.ب)

شن المرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله علي السيستاني، أمس، هجوما هو الأعنف من نوعه منذ شهور ضد الطبقة السياسية العراقية، محملا الحكومات المتعاقبة مسؤولية عدم استغلال إمكانات البلاد الاقتصادية لخدمة الشعب، مشيرا بالخصوص إلى الحكومات المنتخبة، وهي التي تولت زمام الأمور بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
وفي وقت تستمر فيه المظاهرات الجماهيرية المطالبة بمحاربة الفساد في الكثير من المحافظات والمدن العراقية للشهر السادس على التوالي، أكد ممثل المرجعية الدينية في كربلاء أحمد الصافي خلال خطبة صلاة الجمعة أمس أن «أصواتنا قد بحت بلا جدوى من تكرار دعوة الأطراف المعنية من مختلف المكونات إلى رعاية السلم الأهلي والتعايش السلمي بين أبناء الوطن وحصر السلاح بيد الدولة، ودعوة المسؤولين والقوى السياسية إلى أن يعوا حجم المسؤولية الملقاة على عواتقهم، وينبذوا الخلافات التي ليس من ورائها إلا المصالح الشخصية والفئوية والمناطقية، ويجمعوا كلمتهم على إدارة البلد بما يحقق السعادة والتقدم».
وأضاف الصافي أن «هذا الشعب الكريم الذي أعطى وضحى وقدم أبناءه البررة كل ما أمكنهم من مال ودماء للدفاع عن كرامة العراق وأرضه ومقدساته وسطروا ملاحم البطولة، مندفعا بكل شجاعة وبسالة في محاربة الإرهاب، يستحق على المتصدين لإدارة البلد غير الذي يقومون به». وبشأن ما يواجهه العراق من أزمة اقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط، قال الصافي إن «العراق يمتلك مقومات الدولة القوية اقتصاديًا وماليًا بما يمتلك من إمكانات واسعة سواء من عقول وسواعد أبنائه أو الثروات الطبيعية في باطن الأرض وظاهرها». وأضاف الصافي أن «الحكومات المتعاقبة على البلد منذ عقود لم تعمل على تسخير هذه الإمكانات لخدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة، بل أهدرت معظم موارده المالية في الحروب المتتالية والنزوات الوقتية للحكام المستبدين»، مؤكدًا أن «قيام الحكومات المنتخبة لم يغير الأوضاع نحو الأحسن في كثير من المجالات».
وأشار ممثل السيستاني إلى أن «معاناة الشعب ازدادت من جوانب كثيرة في ظل الحكومات المنتخبة بسبب سوء الإدارة والحجم الواسع للفساد المالي والإداري من جهة، والأوضاع الأمنية المتردية من جهة أخرى»، عادًا ذلك «مانعًا من استغلال إمكانات البلد وموارده المالية في سبيل خدمة أبنائه وسعادتهم». وأوضح الصافي أن «العراق يعاني اليوم، مشاكل حقيقية وتحديات كبيرة تضاف إلى التحدي الأكبر في محاربة (داعش)، والتحديات الأمنية الناتجة من احتضان البعض للإرهابيين ودعمهم لهم في الفتك بإخوانهم وشركائهم بالوطن بالأحزمة والسيارات، واعتداء البعض من حاملي السلاح خارج إطار الدولة على المواطنين الآمنين والتعدي على أموالهم وممتلكاتهم».
وقال ممثل السيستاني إن «تلك المشاكل والتحديات تتمثل بالتحدي الاقتصادي والمالي الذي يهدد بانهيار الأوضاع المعيشية نتيجة لانخفاض أسعار النفط في الآونة الأخيرة، وغياب الخطط الاقتصادية المناسبة وعدم مكافحة الفساد بخطوات جدية».
ويأتي هذا الهجوم في وقت كانت المرجعية الشيعية العليا حذرت الأسبوع الماضي من أنها سوف لن تكتفي بالصمت حيال استمرار التردي في الأوضاع السياسية والاقتصادية، لا سيما بعد الانخفاض الحاد في أسعار النقط وعدم وجود بدائل مالية لتسديد تكلفة الحرب ضد تنظيم داعش وتأمين الرواتب لنحو 7 ملايين موظف ومتقاعد.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أطلق خلال شهر أغسطس (آب) عام 2015 سلسلة من حزم الإصلاح عشية اندلاع مظاهرات كبرى في بغداد وعدد من المحافظات الوسطى والجنوبية ذات الغالبية الشيعية. وبينما دخلت المرجعية الدينية على خط دعم المظاهرات بقوة فإن المتظاهرين باتوا يواجهون إحباط عدم استجابة الحكومة لما طرحوه من مطالب في وقت بدأت فيه المظاهرات تفقد بريقها بحيث لم تعد قادرة على تهديد الحكومة بالعزل أو الإقالة. غير أن الحكومة العراقية التي نجت من ضغط المظاهرات بدأت تواجه اليوم ضغط الأزمة الاقتصادية الحادة. وفي هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي ماجد الصوري في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الإصلاحات لم تكن منذ البداية ذات طابع جذري وبالتالي بدت محدودة الأهداف، وهو ما أدى بالتالي إلى التعامل معها حتى من قبل الجهات والأطراف التي كانت قد استهدفتها الإصلاحات»، مشيرا إلى أنها «اكتفت بتخفيض النفقات وهو ما جعلها عملية تقشف وليست عملية تنمية اقتصادية لأن تخفيض الرواتب والحمايات وسواها من الإجراءات لم توفر الكثير للموازنة، بالإضافة إلى أن ما يحتاج إليه العراق هو ثورة اقتصادية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم الدعوات الخاصة بذلك».
وأشار الصوري إلى أن «الحلول التي قدمتها الحكومة بدت حلولا آنية وليست حلولا حقيقية، فضلا عن أنها مست في الكثير من جوانبها مصالح شخصية لأطراف وكتل وشخصيات سياسية». وأوضح أن «مفتاح التحول الحقيقي يكمن في التركيز على القطاع الخاص والعمل على دعمه بكل الطرق والوسائل وحل مشكلة البطالة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن إلا على مستوى الوعود».
في السياق نفسه وفي إطار موقف المرجعية الرافض لسلوك الطبقة السياسية، قال رجل الدين الشيعي المقرب من المرجعية، حيدر الغرابي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «المرجعية الدينية لم تكن راضية لا خلال الحكومات السابقة ولا الحكومة الحالية لأنها ترى أن الطبقة السياسية لا تزال كما هي دون تغيير، حتى على صعيد الوجوه، وهو ما يعني عدم حصول تغيير على الإطلاق»، مؤكدا «استمرار تبني المرجعية خط المظاهرات الجماهيرية التي حظيت بمباركتها وتأييدها منذ البداية مع استمرار التشخيص لكل ما يجري بانتظار الانتخابات المقبلة، حيث سيقول الشعب كلمته النهائية بحق هذه الطبقة السياسية بعد أن اتضح أنها غير قادرة على تقديم شيء».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.