من التاريخ: تاريخ النظام الاقتصادي الدولي

من التاريخ: تاريخ النظام الاقتصادي الدولي
TT

من التاريخ: تاريخ النظام الاقتصادي الدولي

من التاريخ: تاريخ النظام الاقتصادي الدولي

لا خلاف على أن جذور النظام السياسي الدولي كانت أوروبية من حيث النشأة والتطور منذ القرن السادس عشر الميلادي، سواء من حيث قيمه أو إدارته على مدار قرون من الزمان، إلى أن بدأت العولمة تؤثر مباشرة في شكل هذا النظام وقيمه.
والملاحظ أيضًا أن النظام الاقتصادي العالمي الذي نعيش فيه اليوم قد نحا منحى النظام السياسي العالمي نفسه منذ نشأته بشكل مقارب للغاية، بل يكاد يكون بشكل متوازٍ. وأثر تطور النظامين (السياسي والاقتصادي) أحدهما في الآخر منذ القرن الخامس عشر، وكان ظهورهما إيذانًا بتغير النظام الدولي بشكل عام على مدار قرون تالية. وهذا ما أثر أيضًا في شكل وقيم وطرق حياة الدول، وهو أمر طبيعي ومفهوم بالنظر إلى العلاقة التبادلية بين عوامل الاقتصاد والسياسة والاجتماع وتفاعلها الطبيعي لخلق المنظومة الجديدة على مستوى الدولة ثم القارة ثم على المستوى الدولي.
ولقد قبضت القارة الأوروبية على إدارة النظام الاقتصادي الدولي حتى الحرب العالمية الثانية، وبعدها انتقلت إدارته إلى الولايات المتحدة الأميركية بشكل منفرد لقرابة حقبتين من الزمان، ومن ثم مع دخول عصر العولمة ظهرت إدارة دولية جديدة عقب دخول لاعبين آخرين من الدول والتكتلات الاقتصادية الدولية. ولكن ما يهمنا إبرازه هنا هو نشأة النظام الاقتصادي الدولي وخروجه من زيّه التقليدي، المرتبط بالتجارة المحدودة نسبيًا، والعلاقات المنغلقة من حيث الشكل والمضمون، إلى الانفتاح الدولي الذي نراه اليوم.
واقع الأمر أن عناصر التغيّر في النظام الاقتصادي الدولي لم تظهر إلا في مطلع القرن الخامس عشر، وارتبطت بشكل كبير بالتوسّع التجاري. وكانت المدن الإيطالية هي الباعث الحقيقي لهذا التغيّر من خلال حركة التجارة البرية إلى الشرق، ولقد تناولنا في مقال سابق قصة حياة الرحّالة ماركو بولو ودوره المهم في توسيع نطاق التجارة الإيطالية شرقًا، مما فتح المجال أمام توسيع رقعة التبادل التجاري على مستوى القارات بما خلق نشاطًا اقتصاديًا مكثفًا وموسعًا. أدى ذلك إلى تراكم نسبي لرأس المال في هذه الدويلات الإيطالية دفعها إلى توسيع طرق التجارة ومعه صار القرن الخامس عشر «قرن الاستكشافات الجغرافية»، والبحث عن طرق تجارة جديدة تسمح بتوسيع رقعة التجارة التي أصبحت أداة الرفاهية الجديدة للقادرين على مزاولة هذه المهنة، فضلاً عما وفرته من فرص عمل للدويلات الإيطالية.
أدّى ذلك بطبيعة الحال إلى ظهور بداية توسّع أوروبي على المستوى الدولي، خصوصًا بعد اكتشاف كريستوف كولومبوس القارة الأميركية وبداية عصر المستعمرات الأوروبية على طرق التجارة خلال القرنين السادس والسابع عشر، وهو ما جعل التجارة تتحول من مشروع على مستوى الدولة إلى مشروع دولي. ومن ثم، بدأت المدن الساحلية المهمة تظهر مثل أمستردام ولشبونة وليفربول على الساحة الدولية، وكان من نتاج التوسع الدولي في التجارة ظهور المستعمرات وحركة الاستيطان الأوروبي في العالم الجديد وفي القارة الآسيوية والأفريقية بعد الأميركيتين. هذا التحرك بدوره أدى إلى ظهور عدد من العوامل التي أثرت مباشرة في تغيير دفة النظام الاقتصادي في الدول الأوروبية ذاتها، فتحوّلت تدريجيًا من النظام الاقتصادي الجامد والمحدود إلى النظام الرأسمالي، خصوصًا بعد تراكم رأس المال الناجم عن التجارة من ناحية، وتدفق الذهب والفضة والمعادن النفيسة من المستعمرات الجديدة وعلى رأسها كيانات أميركا اللاتينية من ناحية أخرى.
وتشير الإحصائيات المتاحة إلى أن رصيد الذهب في القارة الأوروبية تضاعف خمسة أضعاف خلال القرن السادس عشر وحده بسبب هذه التدفّقات، وهو ما ساهم بشكل مباشر في تراكم رأسمالي لم تشهده أوروبا أو أي قارة من قبل، وهو ما أدّى إلى نتيجتين أساسيتين: الأولى، توسيط الذهب في عمليات التجارة، بحيث أصبحت مبنية على أسس التبادل الحر على أساس قيمي بدلاً من المبادلة أو الصفقات المتكافئة. والثانية - والأكثر خطورة - كانت وضع اللبنة الحقيقية لهيكل النظم الرأسمالية في الدول الأوروبية ذاتها، وبالتالي، كان من الطبيعي بداية ظهور البنوك والمصارف بشكل موسّع، من أجل تمويل حركة التجارة من ناحية وتطوير النظام الاقتصادي الداخلي في الدولة الأوروبية من ناحية أخرى.
وعلى الرغم من أن فكرة البنوك ظهرت بادئ الأمر في إيطاليا، وارتبطت شهرتها من خلال أسرة ميديتشي الشهيرة، فإن هذه الظاهرة بدأت تستشري في أوروبا، وأسهمت بشكل كبير في تغيير نمط الإنتاج الأوروبي من نظام الورش المحدودة أو الـ«Guild System» إلى نظام المصانع الصغيرة، خصوصًا في مجال المنسوجات بعد اكتشاف عجلات الغزل. وكانت وراء الصناعات التي تطوّرت بفضل الثورة الصناعية الأولى ثم الثانية مصانع، يقودها رجال أعمال، وبات هؤلاء هم الطبقة الجديدة التي بدأت تظهر في أوروبا تدريجيًا جراء هذا التغيّر.
هكذا بدأ وجه أوروبا الاقتصادي يتبدّل تدريجيًا، وأخذت القارة تخرج من المنظور الضيق للاقتصاد المتجمّد الذي اتسمت به النظم الإقطاعية في أوروبا إلى نظام رأسمالي. وفي هذا السياق اندفعت الدول في أواخر القرن السابع عشر إلى تبنّي مفاهيم المصارف المملوكة للدولة، فكانت السويد هي أول دولة تؤسس مصرفًا مركزيًا وطنيًا في عام 1656، تلتها إنجلترا في عام 1694 ثم باقي الدول. لقد كان من الطبيعي في خضم هذه المتغيّرات أن يبدأ زحف طبقة رجال الأعمال، مدفوعة بالفرص والتحديات إلى صياغة أنظمة جديدة ومتنوعة لتطوير أوضاعها الاقتصادية والتجارية. وحقًا، نشأت إذ ذاك فكرة الشركات المساهمة Joint Stock Companies لمواكبة المتغيرات الدولية المتتالية، بحيث أصبح شراء الأسهم وسيلة لتوسيع الشركة ومجهوداتها الدولية لزيادة الربحية، فضلاً عن كونها أداة لتراكم رأس المال على المستوى الشعبي. ثم أعقب تكوين هذه الشركات إقدام الدول الأوروبية على تخصيص مناطق ضمن مستعمراتها لتجارة هذه الدول، وكانت على رأسها «شركة الهند الشرقية».
وبعد ذلك، واكب هذا التطور صكّ الدول الأوروبية تدريجيًا العملات المحلية للاستخدام في الداخل وليس وسيلة للتجارة الدولية، وهو ما ساهم بشكل كبير في تيسير التبادلات التجارية والاقتصادية داخل الدولة الواحدة بما سمح بتوسيع رقعة هذه التبادلات وسبل تقييمها.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»