لبنان: «التحالف المسيحي» يوقظ ذاكرة الحرب

قلّص الصراع على الزعامة بين «القوات» وعون.. وعمّق الخلاف بين جعجع وفرنجية

لبنان: «التحالف المسيحي» يوقظ ذاكرة الحرب
TT

لبنان: «التحالف المسيحي» يوقظ ذاكرة الحرب

لبنان: «التحالف المسيحي» يوقظ ذاكرة الحرب

أيقظت الخلافات على أسماء المرشحين للانتخابات الرئاسية في لبنان، أخيرًا، ذاكرة الحرب اللبنانية التي انتهت في العام 1990. وأيقظت معها الانقسامات المسيحية المعنية بالملف الرئاسي، وذلك على ضوء الخصومة بين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والمرشح الرئاسي النائب سليمان فرنجية، الذي يرفضه جعجع، ما دفع الأخير لترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون للانتخابات الرئاسية. وفي تلك الخطوة المفاجئة، قفز جعجع أيضًا فوق أحداث الماضي، وحرب «الإلغاء» التي قادها عون ضد جعجع في العام 1990، والخصومة السياسية مع عون التي استمرت حتى وقت مبكر من العام 2015، وبدأت تتقلص الفوارق، حين بدأ الحوار بين الطرفين، وأنتج في الثاني من يونيو (حزيران) الماضي، ورقة إعلان نوايا بينهما.

شكل إعلان الدكتور سمير جعجع، رئيس حزب «القوات اللبنانية»، ترشيحه غريمه السياسي اللدود في الشارع المسيحي رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لمنصب رئيس الجمهورية صدمة في لبنان. وهدد هذا الترشيح أيضًا التحالفات السياسية القائمة بين فريقي 8 و14 آذار، وحمل بذور تحالفات أخرى، إذ أفرز «تحالفًا مسيحيًا قويًا»، بالنظر إلى حجم تمثيل عون وجعجع في الشارع المسيحي، في مقابل تلاقٍ سياسي مستمر بين رئيس البرلمان نبيه برّي، ورئيس تيار «المستقبل» ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
التطور الأخير حرّك جمود الملف الرئاسي اللبناني المستمر منذ 25 مايو (أيار) 2014، تم خلالها تداول أسماء كثيرة للمقعد الأول في لبنان، من غير أن يكون لأحد من تلك الأسماء التي ناهزت الثمانية، حظ وافر في المعركة الرئاسية. بدأ التداول أولاً في أربعة أسماء تمثل أربعة رؤساء لأحزاب سياسية فاعلة في البلاد، هي عون وجعجع وفرنجية، إضافة إلى الرئيس السابق لحزب «الكتائب» والرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل. تلك الأسماء، وردت بعد لقاءات جمعت الأربعة في مقر البطريركية المارونية في بكركي، ليبدأ تداول أسماء أخرى من خارج الاصطفافات، أطلق عليها اسم «مرشحون توافقيون»، مثل الوزير الأسبق جان عبيد، وقائد الجيش العماد جان قهوجي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والوزير الأسبق دميانوس قطار.
لكن خطوة الرئيس سعد الحريري، وهو حليف جعجع في قوى 14 آذار، بتبني ترشيح فرنجية للرئاسة، رغم أنه ترشيح غير رسمي، خلط الأوراق السياسية في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهو ما دفع - حسب البعض - جعجع للرد، بترشيح عون، رسميًا، مطلع الأسبوع الحالي. وأعادت هذه الخطوة السجالات المسيحية المنبعثة من ذاكرة الحرب اللبنانية، إلى المربع الأول.

* نهاية خلافات عون ـ جعجع
الخلافات بين عون وجعجع، طويت، إلى حد بعيد، في ترشيح الأخير لـ«الجنرال» الذي ترأس خلال فترة الحرب حكومة عسكرية، شغلت الفراغ الرئاسي إثر انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في العام 1988. وعلى إثرها، انقسم البلد آنذاك إلى معسكرين، وباتت هناك حكومتان، قبل أن يجتمع الأفرقاء برعاية المملكة العربية السعودية في مدينة الطائف، حيث توصلوا إلى اتفاق عُرف باسم «اتفاق الطائف» في العام 1989. وافق عليه جعجع، ورفضه عون بحجة أنه قلّص صلاحيات المسيحيين في لبنان. وكان الانقسام المسيحي على اتفاق الطائف، بمثابة الشرخ الأول بين الفريقين المسيحيين.
بعدها تفاقمت الخلافات بين الرجلين وتطورت إلى حرب عسكرية دموية دفع ثمنها المسيحيون، وأفضت إلى تدخل عسكري سوري في أكتوبر (تشرين الأول) 1990، أنهت حالة «التمرد» التي قادها عون، بحسب ما يقول خصومه والنظام السوري، وأدت إلى دخول القوات السورية إلى قصر بعبدا، ولجوء عون إلى فرنسا، حيث بقي حتى العام 2005.
المواجهة العسكرية بين عون وجعجع، كانت الأولى، ووقعت في أواخر يناير (كانون الثاني) 1990، تحت مسمى «حرب الإلغاء» حين كان عون رئيسًا للحكومة العسكرية، وقاد حربًا ضد «القوات اللبنانية»، تحت شعار «توحيد البندقية تحت لواء الشرعية». وفيها خاض الجيش اللبناني بأوامر من عون حربًا لطرد «القوات» من المناطق المسيحية في شرق بيروت، وهي المعركة التي مهّدت لدخول القوات السورية إلى بيروت الشرقية والمناطق المسيحية للمرة الأولى منذ بداية الحرب اللبنانية.
وتواصل الصراع السياسي بين جعجع وعون رغم خروج عون من بيروت إلى ملجئه الفرنسي في أكتوبر 1990. وبعد نفي عون في العام 1991. واعتقال جعجع في العام 1994. بدأت بوادر التقارب بين جمهوري الزعيمين المسيحيين اليمينيين، وتجسّد ذلك من خلال تنظيم مظاهرات مشتركة تطالب بخروج الوصاية السورية من لبنان، وتضاعف التقارب بمشاركة ممثلين عن الطرفين في لقاء «قرنة شهوان» ومن ثم لقاء «البريستول» في العام 2004، الذي سبق مرحلة التحولات الكبيرة في لبنان الناتجة عن اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري.
غير أن الوضع السياسي بين الطرفين سرعان ما عاد إلى التأزم في انتخابات العام 2005. حين خاض عون الانتخابات البرلمانية في مايو 2005 وحيدًا في الشارع المسيحي، بينما كان جعجع جزءًا من «التحالف الرباعي» الذي جمع تيار المستقبل عن السنة، والنائب وليد جنبلاط عن الدروز، وحزب القوات عن الأطراف المسيحية، وحزب الله وحركة أمل كممثلين للشيعة.
رغم ذلك، اجتمع عون وجعجع بعد إطلاق جعجع من السجن بموجب عفو خاص في صيف 2005، لأول مرة منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية. لكن الخلافات عادت بينهما للظهور إثر توقيع عون «وثيقة تفاهم» مع حزب الله في فبراير (شباط) 2006. ووقوف عون إلى جانب حزب الله في حوادث 7 أيار 2008، حين اجتاح مسلحون تابعون للحزب شوارع بيروت والجبل. وبقي الصراع على حاله في انتخابات 2009 النيابية، وتضاعف على خلفية إسقاط عون وحزب الله حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2011. وفي ربيع العام 2014، تعمق الخلاف أكثر بين الطرفين، على خلفية ترشيح جعجع نفسه للانتخابات الرئاسية في وجه عون.
غير أن انطلاق الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل في دارة رئيس البرلمان نبيه بري، العام 2015، فتح باب التقارب بين عون وجعجع، حيث بدأ الطرفان بعقد لقاءات ثنائية، أفضت، في يونيو الماضي، إلى «ورقة إعلان النوايا» للتيار الوطني الحر الذي يتزعمه عون والقوات اللبنانية، بعد عقد أكثر من لقاء وبحثا أسس التفاهم فيما بينهما.
مبادرة الرئيس الحريري في ديسمبر (كانون الأول) 2015، الرامية إلى تأييد ترشيح سليمان فرنجية، حليف سوريا والخصم السياسي التقليدي لجعجع، للانتخابات الرئاسية، دفع كما يقال جعجع إلى تجاهل كل الخلافات مع غريمه عون. وفي الأسبوع الأول من العام الحالي، بدأت ثمرات التقارب بين الطرفين بالوصول إلى خواتيمها، حين حملت مؤشرات على قرب إعلان جعجع تأييده لترشيح عون للرئاسة، بذريعة أن عون «صاحب التمثيل الأوسع في الشارع المسيحي»، لتتحول واقعًا، في 18 يناير، حين أعلن جعجع تأييد عون كمرشح للانتخابات الرئاسية اللبنانية.

* جعجع ـ فرنجية خصومة مستمرة
في هذه الخطوة، قطع جعجع على فرنجية طريق الوصول إلى الرئاسة، من جهة المسيحيين، علما بأن التحالف الذي يؤيد فرنجية، وجله من المسلمين وبعض حلفائهم المسيحيين، قادر على إيصال فرنجية إلى الرئاسة، إذا ما أجريت انتخابات وفق نظام التصويت الأكثري في البرلمان.
ورغم أن عون وفرنجية من قوى 8 آذار، فإن جعجع برر لخطوته، بالقول: إن عون «نسخة مقلدة» من 8 آذار، بينما فرنجية نسخة أصلية. وأوضح أن الأخير هو من الشخصيات المسيحية الحليفة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ بداية الحرب اللبنانية، وصديق شخصي للأسد، ويعد من أبرز المتخاصمين مع قوى 14 آذار، فضلاً عن حسابات شخصية، مرتبطة بالعداوة بين جعجع وفرنجية، على ضوء اتهامات الأخير لجعجع بأنه مسؤول عن مقتل والده الوزير الأسبق طوني فرنجية وزوجته وولدين له ضمن ما عُرف بـ«مجزرة اهدن» في العام 1978. وهي الحادثة التي يكرر جعجع نفي مسؤوليته عن ارتكابها، مؤكدًا أنه كان مصابًا في المستشفى حين علم بوقوعها، كما ورد في تصريحات له وُثقت في كتب تؤرخ للحادثة.
قبل حادثة اهدن (شمال لبنان)، كانت الزعامات التقليدية في المنطقة، عائلية، إلى حين وصول الرئيس اللبناني الراحل سليمان فرنجية، جدّ زعيم المردة الحالي سليمان فرنجية، إلى سدة الرئاسة في العام 1970. وتحوّل الصراع على الزعامة إلى صراع الأحزاب، مع بدء حزب الكتائب، الذي كان ينتمي إليه جعجع، بالتمدد، واستقطاب المناصرين في معقل فرنجية الجد، بالنظر إلى أن «الكتائب» كان من أقوى الأحزاب المسيحية اللبنانية، وذلك بعد سنتين على اندلاع الحرب الأهلية.
بدأ «الكتائب» بالتمدد إلى الشمال الذي يعد الخزان البشري للقوى المسيحية، بحسب ما ذكر الرئيس الأسبق للحزب كريم بقرادوني في أكثر من مناسبة، علما بأن منطقة زعرتا واهدن، كانت بمثابة متنفس اقتصادي أيضًا لحزب المردة الذي يتزعمه فرنجية، المعروف بقربه من النظام السوري، والداعم لوجود قوات الردع العربية في لبنان. وإثر حوادث أمنية، كان أبرزها مقتل قيادي في حزب «الكتائب» اسمه جود البايع، شن الأخير هجومًا على معقل فرنجية في اهدن، أسفر عن مقتل طوني فرنجية وعدد من أفراد عائلته وقياديين في الحزب، وتلا الحادثة، دخول القوات السورية إلى المنطقة.
وتفاقم الصراع بين فرنجية و«الكتائب»، وخصوصًا جعجع الذي اتهمت مجموعته بقتل فرنجية، واستمر حتى هذا الوقت. وتواصلت الخصومة بين الطرفين، وتضاعفت أيضًا على خلفيات سياسية، بالنظر إلى أن جعجع من أبرز قياديي 14 آذار المسيحيين، بينما يوالي فرنجية دمشق، وهو ما أظهر أن ترشيح جعجع لعون، محاولة لإعاقة وصول فرنجية إلى الحكم، علما بأن عون يعتبر المرشح التقليدي لرئاسة الجمهورية منذ عودته من باريس، وحصد خلال دورتين انتخابيتين في 2005 و2009 أكبر حصة تمثيلية بين الأفرقاء المسيحيين في البرلمان، ولو أنه استفاد كثيرًا في الانتخابات الأخيرة من أصوات حزب الله الشيعية.

* تحالف مسيحي
يقول المسيحيون بأن انقساماتهم، منذ توقيع «اتفاق الطائف» ونهاية الحرب اللبنانية، أدت إلى تضعضعهم، وبالتالي خسارة فرصة أن يكونوا مؤثرين في السلطة، على ضوء انقسام الولاءات الداخلية بين الأحزاب والشخصيات من جهة، وانقسام القوة بين فريقي 8 و14 آذار. ومن هنا، تأتي محاولة جعجع لرأب الصدع عبر إيصال عون، الثمانيني، إلى الرئاسة، وإظهار حرصه على لم الشمل المسيحي.
يقول الباحث السياسي جورج علم لـ«الشرق الأوسط»: «جعجع يلعب بذكاء ليرث الزعامة المسيحية من خلال المصالحة مع عون، وإظهار حرصه على المسيحيين». لكن ذلك: «لا يبدو مثاليًا بالنسبة لجعجع الذي سيجد نفسه بعد عون، في داخل معركة الزعامة على جبهات ثلاث»، موضحًا أن تلك الجبهات تتمثل في «قيادات مارونية شابة هي رئيس حزب الكتائب الحالي سامي الجمل الساعي ليكون زعيما، ووزير الخارجية جبران باسيل الذي يظهر في قمة فتوته السياسية بعد وصوله إلى رئاسة التيار الوطني الحر خلفًا لعون، وطوني سليمان فرنجية الزعيم المستقبلي للمردة».
ولا يقتصر ترشيح جعجع لعون، على إيصال رئيس تكتل التغيير والإصلاح إلى سدة الرئاسة فحسب. يُنظر إليه على أنه تحالف مسيحي، يعد الأقوى، ويمثل أكثر من 75 في المائة من أصوات المسيحيين في لبنان، ومن شأنه أن يغير في خريطة التحالفات السياسية القائمة منذ العام 2005، فضلاً عن أسباب أخرى مرتبطة بالصراع على الزعامة المسيحية في لبنان.
يقول علم، إن التحالف في الشكل: «يبدو تركيزًا على الرئاسة، لكن في الوعي المسيحي المضمر، هناك قلق كبير على المصير والمستقبل للمكون المسيحي في لبنان، وبالتالي هناك بداية يقظة لاستدراك المخاطر عن طريق إعداد خطة لا تزال غامضة حتى الآن، وإن كان بعض المثقفين المسيحيين يرى بأن المصالحة التي تمت في معراب بين مكونين رئيسيين، هي الخطة الأولى في مسافة الألف ميل».
ومن شأن التحالف الجديد، أن يصيب خريطة التمثيل في مجلس النواب، حيث سيرتفع عدد النواب المسيحيين المنضوين تحت لواء التحالف الجديد وفق القانون الانتخابي الحالي، إلى 44 نائبا، بدلاً من 25 نائبا ينضوون تحت كتلة عون وكتلة القوات في الوقت الحالي، ما يعني أن هذه الكتلة في البرلمان المقبل «سيكون لها تأثير كبير داخل البرلمان».
لكن احتمالات وصول عون إلى الرئاسة، رغم التحالف المسيحي، ضئيلة. ويرى علم في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن جعجع «ما كان ليقدم على هذه الخطوة لو لم يكن وراءها دعم دولي كبير، أقله موافقة من واشنطن، كما هو الحال وراء مبادرة سعد الحريري عندما أقدم على ترشيح فرنجية». ويسأل: «ماذا يريد المجتمع الدولي تحديدا بزعامة الولايات المتحدة، عندما يسمح لقطب بارز في قوى 14 هو سمير جعجع ليدخل بمنافسة مع قطب أبرز هو الحريري؟ ويضيف: «يعني ذلك أن الحلفاء في تيار واحد أصبحوا أضدادا، وهذا يعني أن هناك نية خلط أوراق واسعة، لن تقتصر على الداخل اللبناني».
ويوضح علم: «على المستوى الإقليمي، بعد التحولات التي نشهدها على المسرح الإيراني لفك العقوبات، ومواجهة الملفات المعقدة السورية والعراقية نحو طاولات حوار وتسويات في جنيف وخارجها، هذا يعني عودة إلى المربع الأول»، مشيرًا إلى أن السؤال المطروح هنا «أين حزب الله من كل ما يجري؟ وبالتالي هل تتقدم الرئاسة على التسوية الإقليمية، أم التسوية ستكون مدخلاً للرئاسة في لبنان؟»
لا ينفي علم أن واشنطن تدعم الترشيحين، ترشيح الحريري لفرنجية، وترشيح جعجع لعون: «كي لا يصل المرشحان إلى الرئاسة التي لن يُسدّ الشغور فيها، بلا انسحاب أحدهما، لأن عون واضح في موقفه بأنه لن يشارك في جلسة الانتخابات الرئاسية في البرلمان، من غير أن يكون مرشحًا توافقيًا، لإدراكه بأن الرئيس في لبنان إن لم يكن توافقيًا، لا يستطيع أن يحكم».
ويعرب علم عن اعتقاده بأن الأميركيين، بدعم الترشيحين: «سيذهبون إلى مرشح ثالث، هو مرشح تسووي، من خارج الأسماء الأربعة التي طرحتها بكركي»، لافتًا إلى أن «التسوية تسقط وجود مرشح من 8 آذار». ويشير إلى أن «رضا حزب الله عن وصول شخص إلى الرئاسة لا يكفي، لأن السؤال المطروح حول ماهية الشروط السياسية التي على الحزب تقديمها، بدءًا من الخلاف حول سلاحه حتى مشاركته في معارك خارج الحدود وغيرها». ويضيف: «تبدو التسوية الرئاسية، طربوشًا لتسوية أكبر»، معربًا عن اعتقاده أنه «حتى إذا كان الأميركي يسعى لمرشح ثالث خارج الأسماء المتداولة، فإنها ستكون جزءًا من تسوية أشمل، هي توليفة وحوار سياسي كامل على الحكم في لبنان».

* الترشيحات تهدد تحالفي 8 و14 آذار
ظهر تحالفان سياسيان بعد اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في فبراير 2005، تحالفان سياسيان هما 14 و8 آذار، أثمر توافقهما مرارًا بتشكيل حكومات، وأدى تنافرهما في مرات كثيرة إلى تعطيل الحياة السياسية في البلاد.
التحالفان، وضعا على المحك الآن بعد ترشيح جعجع الذي ينتمي إلى 14 آذار، غريمه السياسي ميشال عون الذي ينتمي إلى 8 آذار، إلى الانتخابات الرئاسية.
14 آذار، تحالف سياسي يتكون من كبار الأحزاب والحركات السياسية التي عارضت الوجود السوري في لبنان وتلقت الدعم من عدد من الدول بالأخص فرنسا والولايات المتحدة والدول العربية، ويضم تيار المستقبل الذي يرأسه الرئيس الأسبق سعد الحريري، وحزب «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب، وكان النائب وليد جنبلاط من أبرز المنضوين تحت لوائه، قبل أن يتحول إلى الموقع الوسطي إثر الانقسام الحاد بين التحالفين في لبنان.
أما قوى 8 آذار، فيقودها حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، وتيار المردة، وعدد من الأحزاب القومية وغيرها، وعرفت بولائها للنظام السوري، واكتسبت اسمها من تاريخ مظاهرة حملت عنوان «شكرًا سوريا» العام 2005.



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».