ينطلق اليوم المنتدى الاقتصادي العالمي في قرية دافوس السويسرية، بمشاركة أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة، طارحًا إشكاليات حيوية بشأن «الثورة الصناعية الرابعة»، من أجل السيطرة عليها وتوجيهها نحو الثورة الرقمية.
ويناقش المنتدى الذي يعد أحد أهم القمم الاقتصادية السنوية على مستوى العالم عدة قضايا، أبرزها الأمن العالمي، وتحولات الطاقة، وتحولات التمويل، والتحولات الاقتصادية التي تفرضها ضغوط المناخ، والتحولات الرقمية للصناعة، وتحديات الهجرة لأوروبا، وقضايا الصحة. ويلقي الضوء كذلك على اقتصادات الهند والصين والقارتين الأوروبية والأفريقية، كما يعقد جلسة تحت عنوان «وهم النمو»، في إطار انتقال العالم باتجاه «الثورة الصناعية الرابعة».
ومصطلح «الثورة الصناعية الرابعة»، الذي نحتته الحكومة الألمانية، يشمل الذكاء الاصطناعي، ورفع المعدلات الآلية لعمل المصانع والسيارات، إلى جانب التطورات التي تحطم الحواجز بين البشر والتكنولوجيا التي يستخدمونها.
وقبيل بدء أعمال المنتدى، قال شواب الرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي للصحافيين: «إننا نشعر بأننا غير مستعدين بعد بشكل كاف للثورة الصناعية الرابعة هذه، والتي ستجتاحنا مثل التسونامي»، كما كتب قائلا إن «هذه التحولات ستسفر عن منتجات ووسائل انتقال أقل سعرا وأكثر كفاءة».
وقال كلاوس شواب، إن «ثمة تحديات كثيرة في عالمنا اليوم، وأشعر أن أكثر هذه التحديات قوة وتأثيرا هو تشكيل الثورة الصناعية الرابعة، المدفوعة بسرعة التغيرات في نظم الابتكار التقني واتساع نطاقها وتكاملها»، مؤكدًا أن هذا الأمر بالغ الأهمية من أجل تشكيل المستقبل الجماعي، ليعكس الأهداف والقيم المشتركة. والمنتدى الاقتصادي العالمي، وهو مجموعة غير ربحية مقرها جنيف تقوم بتنظيم هذه القمة في «دافوس» منذ أكثر من أربعة عقود في يناير (كانون الثاني) من كل عام. وبدأت الفكرة في عام 1971، عندما جمع البروفسور كلاوس شواب من جامعة جنيف قادة الأعمال الأوروبيين للحديث عن الممارسات الإدارية العالمية وكيفية اللحاق بركب المنافسين كالولايات المتحدة.
ويمثل الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في «دافوس» التجمع الأكبر والأهم لقادة العالم من السياسيين والاقتصاديين لبحث التحديات التي تواجه العالم في الوقت الراهن. ويشارك في جلسات المنتدى قادة ألف شركة عالمية، منها ماري بارا، الرئيس التنفيذي لشركة جنرال موتورز الأميركية، وشاران بورو، أمين عام الاتحاد الدولي لنقابات العمال في بلجيكا، وساتيا نادالا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت الأميركية، وهيرواكي ناكانيشي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة هيتاشي اليابانية، وتيدجان تيام، الرئيس التنفيذي لبنك كريدي سويس السويسري، وأميرة يحياوي، مؤسس ورئيس البوصلة وغلوبال شايبر التونسية.
وينعقد منتدى دافوس هذا العام في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي المدفوع بتباطؤ النمو في الصين، ثاني أكبر اقتصاد عالمي، خاصة بعدما انخفضت الأسهم الصينية 18 في المائة في الأيام الأولى من عام 2016، مما نشر عدم اليقين بشأن أداء الأسواق الناشئة. كذلك تراجع مؤشر MSCI للأسواق الناشئة بنسبة 9 في المائة، الأمر الذي انسحب على الأسواق المالية في الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن بوتيرة أقل.
وعلى الصعيد الدولي، سيتناول المنتدى عددا من القضايا في مقدمتها مناقشة أثر ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة على الاقتصاد الأميركي والعالمي خلال العام الحالي. وتقول ناريمان بيهرافيش، كبير الاقتصاديين في مؤسسة «آي إتش إس جلوبال إنسايت» IHS، إن انخفاض قيمة اليوان الصيني مقابل الدولار بنحو 1.5 في المائة في عام 2016 قد يجبر مجلس الاحتياطي الاتحادي لإعادة النظر في وتيرة رفع أسعار الفائدة على مدى العامين المقبلين.
التكنولوجيا
«ثورة صناعية جديدة» هذا هو محور النقاش الأهم في الاجتماع السنوي رقم 46 للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. ويدور اجتماع هذا العام رسميًا حول كيفية تسخير التغير التكنولوجي في الممارسة العملية، ذلك من خلال مناقشة كثير من المخاطر التي تواجه قادة الحكومة وقطاع الأعمال.
لكن المخاوف الأكثر إلحاحًا تتمثل في كيفية حماية الشركات والحكومات من الهجمات الإلكترونية. وسيكون المشاركون أكثر حرصًا على مناقشة الفرص التي تتيحها الاتجاهات المتزايدة، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D، والسيارات ذاتية القيادة «من دون سائق»، والروبوتات والتقنيات الجديدة أيضا.
تباطؤ النمو في الصين
أصبح مستقبل الصين مرادفا لمصير الاقتصاد العالمي والأسواق المالية العالمية، وتسببت المخاوف بشأن قدرة بكين على التعامل مع التباطؤ في ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم في انزلاق الأسهم في الأسواق العالمية منذ بداية العام الحالي. ويتخوف قادة العالم من أن تراجع الصين قد أصبح «غير منضبط»، مما يؤدي إلى أزمة مالية.
والصين هو المستهلك الضخم للمواد الخام والطاقة في العالم، ويفوق في ذلك دولا مثل البرازيل وأستراليا وروسيا، وأصبحت الطبقة الوسطى المتنامية سوقا رئيسية لشركات صناعة السيارات وشركات السلع الفاخرة في العالم.
النفط
أدى الانخفاض الكبير في أسعار النفط إلى خفض الآلاف من الوظائف في قطاع الطاقة، وعدم الاستقرار المالي، والفقر في بلدان مصدرة للنفط مثل روسيا وفنزويلا، وتسجيل عجوزات مالية في بعض دول الخليج. واتفاق القوى الكبرى لرفع العقوبات المفروضة على إيران سينتج عنها ضخ 500 ألف برميل من النفط يوميا بصورة إضافية في السوق العالمية في وقت تعاني فيه من وفرة في المعروض بالفعل.
تغير المناخ
في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، توصلت ما يقرب من مائتي دولة إلى اتفاق تاريخي في باريس للحد من ارتفاع درجات الحرارة في العالم. وبمقتضى الاتفاق سيتم التحول إلى الطاقة المتجددة وتنقية الغازات المسببة للاحتباس الحراري من خلال الابتكارات التكنولوجية، فضلا عن ضخ استثمارات ضخمة بنحو 13.5 تريليون دولار بحلول عام 2030، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. وللقيام بذلك، على الحكومات جذب اهتمام القطاع الخاص. وفي الوقت نفسه، فإن البلدان النامية عليها أن توازن بين الحاجة إلى الطاقة الرخيصة والمصادر الأقل تلويثًا للمناخ.
الأمن
أصبحت التوترات الأمنية من أبرز العوائق أمام القادة السياسيين والاقتصاديين في الاقتصادات الكبرى، لذا سيكون خطر الهجمات المتطرفة، من النوع الذي ضرب باريس وجاكرتا وإسطنبول، من أبرز القضايا التي سيتم تناولها في دافوس. وسيلقي المنتدى الضوء على الاختبار النووي الذي تم إجراؤه من قبل كوريا الشمالية خلال يناير الحالي، والذي تسبب في إلغاء دعوة الوفد الكوري إلى المنتدى.
على الصعيد العربي
تتركز أهم القضايا التي تعني العالم العربي حول أهم التوجهات والإصلاحات والأولويات للعام المالي الجديد، مع إبراز التحديات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية على ضوء التحولات الإقليمية التي تواجهها دول عربية وسط الاضطرابات الجيوسياسية التي تواجهها المنطقة.
ويأمل قادة الدول العربية أن يمثل المنتدى فرصة لتسليط الضوء على الإمكانات الاقتصادية والفرص الاستثمارية المتاحة في المنطقة، ذلك من خلال إعلان عدد من الدول، في مقدمتها تونس والأردن، عن عدد من المشروعات، وتوقيع عدد من الاتفاقيات، من قبل الوزارات والمؤسسات الوطنية المختصة ما يوفر محاولة لتسليط الضوء على الإمكانات الاقتصادية بالدول العربية.