مخاوف من أن يتحول الريف الشمالي لحمص المحاصر إلى مضايا ثانية

بمجرد استذكار صور مضايا يخيم الخوف على أذهان سكان المنطقة

عامل في حمص وسط سوريا يرمم الدمار الذي لحق بمحلات السوق المغطى في القسم القديم من المدينة التي شهدت حربًا بين النظام في السنوات الأخيرة (أ.ب)
عامل في حمص وسط سوريا يرمم الدمار الذي لحق بمحلات السوق المغطى في القسم القديم من المدينة التي شهدت حربًا بين النظام في السنوات الأخيرة (أ.ب)
TT

مخاوف من أن يتحول الريف الشمالي لحمص المحاصر إلى مضايا ثانية

عامل في حمص وسط سوريا يرمم الدمار الذي لحق بمحلات السوق المغطى في القسم القديم من المدينة التي شهدت حربًا بين النظام في السنوات الأخيرة (أ.ب)
عامل في حمص وسط سوريا يرمم الدمار الذي لحق بمحلات السوق المغطى في القسم القديم من المدينة التي شهدت حربًا بين النظام في السنوات الأخيرة (أ.ب)

يستثمر سكان قرية حربنفسه، الواقعة بريف حماه الجنوبي، الليل، للمغادرة، فمنذ أيام وقوات الأسد تشن هجومًا عنيفًا بهدف السيطرة على الريف الجنوبي، وقطع طريق الإمداد عن ريف حمص الشمالي المتاخم للمنطقة.
أكثر من خمسة آلاف شخص غادروا منازلهم، وقراهم، باتجاه ريف حمص الشمالي، الذي بدأت ملامح الحصار تتضح فيه وعليه.
يقول أبو عدنان، الذي يسير برفقة عائلته المكونة من أربعة أفراد وأمهم، باتجاه مدينة تلبيسة بريف حمص، إن «حالنا لا توصف، فقدنا كل شيء، وها نحن ننزح بشكل جماعي»، مضيفا أن «قوات النظام تحاول استخدامنا دروعا بشرية لكننا نفذنا بجلودنا».
ويضيف أبو عدنان: «نحن في طريقنا إلى ريف حمص الشمالي، الذي نتوقع أن يحاصره النظام، أنا ذاهب إلى منطقة الحوله، ولا أعلم ما الذي ينتظرنا هناك». يكمل أبو عدنان مسيره، والمئات غيره، تحت جناح الليل، عله يكون حجابًا بينهم وبين المقاتلات الروسية التي تحوم في السماء، بين الحين والآخر.
أبو عبد الله، هو الآخر فر مع عائلته، من ريف حماه الجنوبي باتجاه الريف المجاور في حمص، يقول لـ«لشرق الأوسط»، إن «النظام وروسيا يقولان إنهما يقاتلان الإرهابيين، فلماذا يقصفون المدنيين إذن؟» مضيفًا وقد ابتلت ثيابه من المطر الذي يهطل بغزارة: «هربنا لأننا نعلم أن قوات النظام إذا دخلت منطقتنا فسوف تقتلنا».
ولا يستبعد أبو عبد الله أن «يحاصر الريف المجاور، بعد أن باتت قوات النظام تسيطر بشكل شبه تام على ريف حماه الجنوبي»، وأن «خطوط الإمداد قطعت بالفعل والمواد الغذائية لا تدخل إلى ريف حمص الجنوبي». وصلنا ريف حمص الجنوبي فجرًا، إنه آخر معاقل المعارضة السورية في المحافظة، ومن هناك بات يمكن رؤية علم النظام. بات الريف محاصرًا بشكل شبه تام، من جهة الجنوب، حيث حمص المدينة التي تسيطر عليها قوات الأسد، ومن الشمال حيث ريف حماه الجنوبي الذي تتمركز فيه قوات حكومية، تحكم إغلاق طريق إمداد الريف الشمالي.
أسواق الريف، باتت تخلو يوما تلو آخر، من المواد الغذائية، بسبب الحصار، حتى إن بعض المحال، أغلقت بسبب عدم توفر بضاعة لعرضها وبيعها، هذا ما أكده أبو أحمد الحمصي (29 عامًا) وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية في ريف حمص، يقول الحمصي إن «قوات النظام تحاصر المنطقة منذ فترة طويلة، لكنها شددت الحصار في الفترة الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى قطع طريق الإمداد بشكل تام تقريبا». ويضيف الحمصي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بدأ الرز والزيت والسكر بالنفاد»، لافتًا إلى أن «الأسعار بدأت ترتفع بشكل طردي مع استمرار الحصار الذي تتعرض له المنقطة من قبل قوات الأسد». ولا يخفي الأهالي خشيتهم من تعرضهم لكارثة إنسانية، إن استمر الحصار، فلا غذاء ولا دواء يدخل المنطقة، ولا وقود أيضًا.
بمجرد استذكار الصور التي نشرت من داخل بلدة مضايا وما مر على أهلها، يخيم الخوف على أذهان سكان ريف حمص الشمالي، فالجوع مؤلم كما يقال.
إنها حرب، يراد منها إركاع المدنيين، وإخضاعهم، لقاء السماح لهم بالحصول على الغذاء والدواء.
على الجبهة يقف مقاتلو الجيش السوري الحر، تارة يتصدون لمحاولات قوات الأسد لاقتحام المنطقة، وتارة يفكرون بما قد يصيب المدنيين، إن استمر فشل قوات النظام بالاقتحام، فالسيناريو ذاته حصل في مضايا والزبداني وبلدات سورية أخرى تطوقها القوات الحكومية، وتمنع عنها كل شيء. وحتى الآن يعتمد السكان بشكل كبير على ما زرعوه، لا يملكون أدنى فكرة عن القادم، أو ربما لا يريدون التفكير به أصلا.
في مدينة تلبيسة، يجمع الأهالي كل ما يمكن تحويله وقودا، لاستخدامه في الطهي والتدفئة على حد سواء.
محمد (43 عامًا) يقوم بتقطيع إطارات قديمة، يقول إنها «خياره الوحيد المتاح للتدفئة»، إذ أدى غياب المحروقات إلى ارتفاع أسعار الحطب، الذي يستخدم بديلا عن الوقود التقليدي.
الأمر ذاته يعيشه معظم السكان، الذين بات بعضهم يتوقع أن يتحول الريف الشمالي المحاصر، إلى مضايا ثانية. أبو عبد الله الحموي، الذي يضع الأكياس والأوراق وبعض الأغصان في صفيحة معدنية، يضرم فيها النار، خارج محله بأحد أسواق تلبيسة، لا يستغرب «أي شيء»، فبعد خمس سنوات من الثورة، يقول إنه «اعتاد أي شيء يقدم عليه النظام ولا يستبعد أي شيء قد يقوم به».
الحموي، الذي يجلس أمام محله الخالي من البضاعة، يرى أن «نظام الأسد، والميليشيات الداعمة له، لا تترك وسيلة لقتل المدنيين المعارضين إلا وتستخدمها وتتفنن بها، آخرها سلاح التجويع ومحاولة إركاع المدنيين من أجل لقمة».
ويضيف الحموي: «أولادي بانتظار أن أعود لهم مساء، ومعي كيس الطعام، لا أعلم إلى متى سأستطيع شراء المواد الغذائية التي باتت ترتفع أسعارها مع توقف عملي بشكل شبه تام».
من داخل أحد المحال الصغيرة يسمع صوت تقطيع الحطب، حيث يعمل رعد، في جمع الحطب وبيعه للسكان. يقوم الشاب النحيل، بجمع الحطب من المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، والمناطق الميتة بسبب القصف الذي تعرضت له، إنه العمل الوحيد الذي وجده رعد لتوفير القوت له ولعائلته.
يقول رعد: «يوميًا أخاطر بحياتي من أجل جمع الحطب وبيعه بسعر مناسب للسكان المحاصرين هنا»، مضيفا: «أجمع الحطب من مناطق النظام، وأعرض نفسي للموت من أجل جمعه وجلبه إلى هنا»، موضحا: «لا حل آخر لدي، إنه عملي الذي يجب أن أستمر فيه لتوفير قوت عائلتي».
يضيف رعد: «السكان منهكون، الحصار يعني أنك تفقد يوميًا شيئًا من مخزون البيت، وتضطر لشراء الغذاء بضعف السعر وأحيانًا أكثر».
أبو أحمد، وهو مقاتل في صفوف الجيش السوري الحر، يقر بأن «موازين القوى متخلخلة»، وأن «جيش النظام مدعومًا بالمقاتلات الروسية، يشن هجومًا عنيفًا بين الحين والآخر على الريف الشمالي، ويتقدم وإن كان بشكل بطيء نحوه».
يقول أبو أحمد لـ«لشرق الأوسط» على الإخوة في الجبهة الجنوبية إرسال تعزيزات إلى الجبهة الشمالية، وإلا سيكون مصير الريف الشمالي كمصير مضايا أو الزبداني». ويضيف أبو أحمد وهو يشير بيده إلى نقطة تبعد عدة كيلومترات: «هناك تتمركز قوات الأسد»، مبينا أن «القوات الحكومية مدعومة بمقاتلين أجانب، حاولت أكثر من مرة اقتحام الريف لكننا تصدينا لهم»، عازيًا ذلك إلى «معرفتنا بالأرض».
لكن أبو أحمد لا يبدو متفائلاً، فكل يوم يمر «تنفد الذخيرة المتوفرة لدى المقاتلين»، لافتًا إلى أن «استمرار الحصار ينخر الريف من الداخل»، واصفًا الأمر بأنه «سياسة الأسد الجديدة بتجويع المدنيين وإخضاعهم».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.