خوف المثقف أمام سلطة العوام

خوف المثقف أمام سلطة العوام
TT

خوف المثقف أمام سلطة العوام

خوف المثقف أمام سلطة العوام

اكتشف الرومان قديمًا سحر الجماهير، فأتقنوا أساليب التأثير فيهم وامتلاك ناصيتهم. كان السياسيون الأباطرة يستخدمون خطابًا مؤثرًا في الجمهور يشد من حماسته ويرفع من عصبيته، ويؤثر في اتجاهاته فيما بات يعرف بالخطاب «الشعبوي»، وهو خطاب يدغدغ مشاعر الناس معتمدًا على المناورات والحيل السياسية لإغراء الجمهور وإغوائهم، هذا الخطاب سماه اليونانيون أنفسهم بالخطاب «الديماغوجي».
رغم أن الفلاسفة ترفعوا عن هذا المنهج، ووجدوا فيه قوامة لسلطة الرعاع، فإنه في الحقيقة كان القاعدة الأولية لبناء ما بات يعرف لاحقًا بالنظام الديمقراطي، الذي يعتمد «عمومًا» على هؤلاء «الرعاع» كقاعدة، وعلى النخبة التي تسيرهم بخطابات «ديماغوجية» كرأس الهرم.
كان الساسة الأوروبيون منذ يوليوس قيصر يشربون نخب الجماهير المتوثبة للطاعة والتضحية، وخوض الحروب المقدسة، والدفاع عن الإمبراطوريات، لكن التحول الأهم شهدته أوروبا والغرب عمومًا منذ بداية عصر التنوير في القرن الثامن عشر، الذي أنتج حركة علمية قوامها نقد العقل، وتكوين العقل النقدي، تلا ذلك قيام الثورة الفرنسية ثم الثورة الأميركية.
صوبت الثورة الفرنسية العلاقة بين «النخبة» بما تمثل من سلطة السياسة والدين، وبين الجماهير. وأعطت الشعب حقًا ثابتًا في تقرير المصير، وكان أهم منجزات تلك الثورة ترسيخ مفهوم «سيادة الشعب»، جنبًا إلى جنب مع قيم: الحرية، والمساواة في المواطنة، والكرامة، والعدالة الاجتماعية.
وكانت الوثيقة الأهم في تاريخ الجمهورية هي: «إعلان حقوق الإنسان والمواطن» التي صدرت عام 1789. ومنذ تلك الثورة ترسخت القواعد التي تنظم دور الناس «الشعب» وتحفظ حقوقهم، ومن بين المساهمات المهمة في هذا الصدد مبدأ الفصل بين السلطات الذي صاغه الفيلسوف الفرنسي مونتيسكيو (1689 - 1755)، وهو بالتالي ينظم العلاقة بين الشعب والسلطة. في حين قدم جان جاك روسو (1712 - 1778) نظريته الشهيرة «العقد الاجتماعي» التي كانت الأساس الأهم في ترسيخ النظام الديمقراطي.
إذا عدنا للوراء فإن الوضع في أوروبا في القرنين اللذين سبقا عصر التنوير، كان كارثيًا، حيث الفوضى والحروب المقدسة، وخاصة في القرن السادس عشر والقرن السابع عشر، من بينها حرب الثلاثين عامًا بين الكاثوليك والبروتستانت. وفي تلك الفترة التي عمّ فيها التعصب الديني، وارتفع منسوب الإيمان بالخرافة وتغييب العقل، عانى الناس من هيمنة رجال الدين المتحالفين مع السلطة، الذين اضطهدوا أهل الفكر والعلم والفلسفة، وبنوا نظامًا كهنوتيًا تسلطيًا، وكانت الثورة الفرنسية في الحقيقة موجهة ضد هيمنة هذا التحالف.
لقد حررت الثورة الفرنسية، بما تحمل من قيم الحداثة والتنوير، الشعب نفسه من أغلال التسلط الاستبدادي، ولا يعني ذلك أن العالم الحرّ لا تُمارس فيه المؤسسات سلطة على الناس من خلال قوى ناعمة، لكن إمكانية أن يأتي زعيم كهتلر أو موسوليني أو غيرهما ليلهب الحماس ويسير بالناس إلى حتفهم، أصبحت مقيدة لا مستحيلة.
بالنسبة لنا، ما زلنا ندور حول أنفسنا، يشتكي مفكرونا من غياب الحرية وسطوة العوام في نفس الوقت!. لكن هؤلاء العوام أنفسهم باتوا مأسورين لأي خطاب «شعبوي» من طراز الخطابات التي سادت عند الإغريق قديمًا، وما زال العقل مغيبًا والنقد محاصرًا، والخرافة تعشعش في الأذهان.
ربما كانت البداية أن يحرر المثقفون أنفسهم من هاجس الخوف من التعبير عن فكرهم وقناعاتهم تحت ضغط الجمهور المتسلط، لأن بعض تلك الأفكار لديها القوة والإشعاع لكي ترسم مسارًا للخروج نحو المستقبل.



«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة
TT

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

أعلنت «جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، في الكويت، اليوم (الأحد)، عن القائمة الطويلة لدورتها السابعة (2024 - 2025)، حيث تقدَّم للجائزة في هذه الدورة 133 مجموعة قصصية، من 18 دولة عربية وأجنبية. وتُعتبر الجائزة الأرفع في حقل القصة القصيرة العربيّة.

وقال «الملتقى» إن جائزة هذا العام تأتي ضمن فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية، والإعلام العربي لعام 2025، وفي تعاون مشترك بين «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، و«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، في دورتها السابعة (2024 - 2025).

وتأهَّل للقائمة الطويلة 10 قاصّين عرب، وهم: أحمد الخميسي (مصر) عن مجموعة «حفيف صندل» الصادرة عن «كيان للنشر»، وإيناس العباسي (تونس) عن مجموعة «ليلة صيد الخنازير» الصادرة عن «دار ممدوح عدوان للنشر»، وخالد الشبيب (سوريا) عن مجموعة «صوت الصمت» الصادرة عن «موزاييك للدراسات والنشر»، وزياد خدّاش الجراح (فسطين) عن مجموعة «تدلّ علينا» الصادرة عن «منشورات المتوسط»، وسامر أنور الشمالي (سوريا) عن مجموعة «شائعات عابرة للمدن» الصادرة عن «دار كتبنا»، وعبد الرحمن عفيف (الدنمارك) عن مجموعة «روزنامة الأغبرة أيام الأمل» الصادرة عن «منشورات رامينا»، ومحمد الراشدي (السعودية) عن مجموعة «الإشارة الرابعة» الصادرة عن «e - Kutub Ltd»، ومحمد خلفوف (المغرب) عن مجموعة «إقامة في القلق» الصادرة عن «دار إتقان للنشر»، ونجمة إدريس (الكويت) عن مجموعة «كنفاه» الصادرة عن «دار صوفيا للنشر والتوزيع»، وهوشنك أوسي (بلجيكا) عن مجموعة «رصاصة بألف عين» الصادرة عن «بتانة الثقافية».

وكانت إدارة الجائزة قد أعلنت عن لجنة التحكيم المؤلّفة من الدكتور أمير تاج السر (رئيساً)، وعضوية كل من الدكتور محمد اليحيائي، الدكتورة نورة القحطاني، الدكتور شريف الجيّار، الدكتور فهد الهندال.

النصّ والإبداع

وقال «الملتقى» إن لجنة التحكيم عملت خلال هذه الدورة وفق معايير خاصّة بها لتحكيم المجاميع القصصيّة، تمثّلت في التركيز على العناصر الفنية التي تشمل جدة بناء النصّ، من خلال طريقة السرد التي يتّخذها الكاتب، ومناسبتها لفنّ القصّ. وتمتّع النصّ بالإبداع، والقوّة الملهمة الحاضرة فيه، وابتكار صيغ لغوية وتراكيب جديدة، وقدرة الرؤية الفنيّة للنصّ على طرح القيم الإنسانيّة، وكذلك حضور تقنيّات القصّ الحديث، كالمفارقة، وكسر أفق التوقّع، وتوظيف الحكاية، والانزياح عن المألوف، ومحاكاة النصوص للواقع. كما تشمل تمتّع الفضاء النصّي بالخصوصيّة، من خلال محليّته وانفتاحه على قضايا إنسانية النزعة.

وقالت إن قرارها باختيار المجموعات العشر جاء على أثر اجتماعات ونقاشات مستفيضة ومداولات متعددة امتدت طوال الأشهر الماضية بين أعضاء اللجنة، للوصول إلى أهم المجاميع القصصيّة التي تستحق بجدارة أن تكون حاضرة في القائمة الطويلة للجائزة، المكوّنة من 10 مجاميع، بحيث تقدّم مشهداً إبداعياً قصصياً عربياً دالّاً على أهمية فن القصة القصيرة العربية، ومعالجته لأهم القضايا التي تهم المواطن العربي، ضمن فضاء إبداعي أدبي عالمي.

وستُعلن «القائمة القصيرة» لجائزة «الملتقى» المكوّنة من 5 مجاميع قصصيّة بتاريخ 15 يناير (كانون الثاني) 2025، كما ستجتمع لجنة التحكيم في دولة الكويت، تحت مظلة «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، في منتصف شهر فبراير (شباط) 2025، لاختيار وإعلان الفائز. وسيُقيم المجلس الوطني احتفالية الجائزة ضمن فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025. وستُقام ندوة قصصية بنشاط ثقافي يمتد ليومين مصاحبين لاحتفالية الجائزة. وذلك بمشاركة كوكبة من كتّاب القصّة القصيرة العربيّة، ونقّادها، وعدد من الناشرين، والمترجمين العالميين.