هل الأقليات في الولايات المتحدة صادقة بتردادها «كلنا نغني لأميركا»؟

كتاب يرى أن الأميركيين لم يتغيروا فقط بل تغير المهاجرون أيضًا

ديبا أيار  -  غلاف الكتاب
ديبا أيار - غلاف الكتاب
TT

هل الأقليات في الولايات المتحدة صادقة بتردادها «كلنا نغني لأميركا»؟

ديبا أيار  -  غلاف الكتاب
ديبا أيار - غلاف الكتاب

يثير كتاب صدر مؤخرا في أميركا النقاش حول العلاقة بين الأقلية والأغلبية: ثقافيا، ودينيا، وعرقيا، وسياسيا. وبينما تبدو الأغلبية (المسيحية البيضاء) معتدلة في قبولها لغيرها (غير المسيحية، وغير البيضاء)، يدور النقاش أساسا داخل الأقلية، أو بين الأقليات.
هذا هو كتاب: «وي أوول سنغ أميركا» (كلنا نغني لأميركا). يبدأ الكتاب بالحديث عن «أميركان دريم» (الحلم الأميركي)، حلم كثير من الأميركيين، وغير الأميركيين، حلم كثير من الذين ولد آباؤهم وأجدادهم في الولايات المتحدة، وحلم كثير من غير الأميركيين المنبهرين به. غير أنه حلم عادي، يمكن أن يحلم به أي شخص في أي بلد: النجاح المتمثل في تعليم كثير، ووظيفة محترمة، ومنزل كبير، وميزانية ترفيه، وحساب توفير لتعليم الأولاد، ولما بعد التقاعد من العمل.
لكن يشتكي كثير من المهاجرين وأعضاء الأقليات (خاصة السود واللاتينيين والشرق أوسطيين) من عراقيل أمام تحقيق هذا الحلم.
وواضح من اسم الكتاب أنه ينطق باسم أقليات ترى أنها لا تقل عن الأغلبية البيضاء في المجالات السابقة الذكر: التعليم الكثير، الوظيفة المحترمة، المنزل الكبير، حب الترفيه، الوطنية.
لكن، هل عنصر «الوطنية» أهم مما قبله. تواجه هذه الأقليات، بصورة عامة، اتهامات، مباشرة أو غير مباشرة، بأنها ليست مخلصة للولايات المتحدة (رغم أنها قد تكون حققت «الحلم الأميركي»)، وذلك بسبب الدين، أو العرق، أو الوطن الأصلي وأنها، حتى إذا شاركت في نشيد «كلنا نغني لأميركا»، فإنها تغني بفمها أكثر من قلبها.
طبعا، تنفي الأقليات هذه الاتهامات، وترى العنصرية والكراهية في تصرفات كثير من أعضاء الأغلبية البيضاء، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. لم تعد العنصرية والكراهية تقتصر على المسلمين. وذلك لأن الاتهامات صارت تطبق، بصورة عامة، على كثير من المهاجرين والأقليات، ليست الاتهامات فقط، ولكن أيضا الإساءات، والمضايقات، والمطاردات..
يمكن تقسيم الكتاب إلى قسمين: الاتهامات ضد الأغلبية البيضاء، ودور الأقليات في مواجهة هذه الاتهامات. ومن عناوينه «ليس هذا هو حلمنا الأميركي»، «رحلة في ولاية عنصرية» و«أمة من الاستخبارات» و«الإسلاموفوبيا في ولايات الكتاب المقدس»، و«متعاونون ومعارضون»، وغيرها. تقول المؤلفة ديبا، وهي أميركية - هندية سيخية: «لا يستغرب المهاجرون المسلمون والسيخ والعرب والهنود عندما يسمعون أخبار اعتداءات عليهم هنا أو هناك، لأنهم يعرفون أن هناك عدم احترام، إن لم يكن احتقارا، نحوهم من بعض الأميركيين. لكنهم يستغربون لأن الأميركيين لا يتحدثون عن ذلك. لهذا، صارت الأحاسيس الأميركية الحقيقية نحو هؤلاء المهاجرين مدفونة، أو على الأقل، لا يسمعونها».
وتذكر أيضا في الكتاب أن الاعتداءات على الأقليات زادت بصورة واضحة بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001. و«لم تفرق بين مسلمين، أو سيخ، أو عرب، أو هنود».
ويتحدث الكتاب عن تاريخ العنف ضد الأجانب والأقليات، منذ مائة عام تقريبا قبل هجمات 11 سبتمبر عام 2001. مثل ما حدث في بلنغهام (ولاية رود آيلاند) عندما قُتل مهاجرون هندوس ومسلمون من الهند في هجوم جماعي متوحش. في ذلك الوقت، كتبت صحيفة «بلنغهام هيرالد»: «ليس هؤلاء مواطنين أميركيين، ولا مواطنين أميركيين مخلصين. يحتاجون إلى مائة عام ليكون مثلنا. لهذا، لا نحتاج نحن الأميركيين لأن نتحمل هذا العبء الطويل الصعب. يكفينا ما عندنا من زنوج.»
لكن، في عام 2007، كتبت الصحيفة نفسها: «نود أن نعتذر عن العنصرية التي دافعنا عنها. نحن، مثل كل مواطن عاقل ومحترم، نتقزز مما حدث».
خلال هذه المائة عام، لم يتغير الأميركيون فقط، ولكن، تغير المهاجرون أيضا. كان أحسنهم اقتصاديا العمال في مصانع السيارات في ديترويت (ولاية ميتشيغان)، وأقلهم العمال في مناجم الفحم في شارلستون (ولاية ويست فرجينيا). في الوقت نفسه، مع بداية النصف الثاني من القرن الماضي، تغير الأميركيون أيضا. وصدرت قوانين الحقوق المدنية، وحقوق التصويت في الانتخابات العامة، وفتح الهجرة لسكان العالم الثالث.
لكن، مع زيادة الهجوم على المسلمين، خاصة من مرشحي الحزب الجمهوري لرئاسة الجمهورية، وبالأخص من ملياردير العقارات دونالد ترامب، لم يعد يسلم كل من ينتمي إلى لون غير اللون الأبيض، من المضايقات، والإساءات، إن لم يكن الاعتداءات.
في الوقت نفسه، مع زيادة عدد الأجانب غير القانونيين (خاصة من المكسيك)، ومع أخبار بأن العدد وصل إلى 12 مليون شخص، صار هؤلاء يتعرضون، ليس فقط للإساءات والمضايقات والمطاردات، ولكن، أيضا، للاعتقال والطرد من البلاد.
لهذا، زاد النقاش عن هذه المواضيع، ليس فقط عن حقوق هذه الأقليات، ولكن، أيضا، عن واجباتها.
قبل شهرين، في تعليق على الكتاب في صحيفة «واشنطن بوست»، كتب إيبو باتيل، وهو روائي، ومن أصل هندي أيضا، أن كثيرا من المهاجرين من الهند، وبنغلاديش وباكستان يتعمدون إهمال القادمين من دول أخرى في العالم الثالث (خاصة الدول العربية والأفريقية). وكذلك السود (الذين لا يمكن اعتبارهم من مهاجري العالم الثالث)، ويسعون للاندماج مع البيض.
وقال باتيل إن المشكلة الحقيقية وسط المهاجرين من العالم الثالث هي تجنبهم السود، إن لم نقل احتقارهم (رغم أنهم يعيشون في الولايات المتحدة آباء عن أجداد)، وهو يعتقد أن السبب وراء ذلك هي «عقدة اللون» هي السبب. يعني هذا أن الأقل سوادا (الكثير من مهاجري العالم الثالث) يتجنبون الاختلاط مع الأكثر سوادا (الأميركيين السود).
ويذكر باتيل أنه عندما كان صغيرا، صار يحب أغاني السود، وانتقدته عائلته الهندية: «لماذا تستمع إلى هذه الأغاني التي تذكر كل شخص أن لونك غامق؟ نحن رحلنا من قلب المدينة (حيث الأغلبية سوداء) إلى الضواحي (حيث الأغلبية بيضاء)، وذلك حتى نستمع بالحياة وسط البيض الراقين».
وقال باتيل إنه، منذ ذلك الوقت، ثم بعد أن كبر في السن، لم يعد يضع اعتبارات كثيرة لهذه الاختلافات العرقية، والثقافية، والدينية، فتزوج شهناز منصوري، وهي مسلمة، واستخدم مربية من المكسيك.
بعد قصص الإساءات والمضايقات والاعتقالات هذه، تقول المؤلفة إنها تعرقل اندماج الأقليات مع الأغلبية، وإذا كان «الحلم الأميركي يعني أن كل فرد يصبح قادرًا على تحقيق حلمه، فلا مانع. لكن، إذا كان هذا يعني أننا كلنا سنصير أمة متجانسة متحدة، فهو شيء مستحيل». وتضيف: «يجب ألا نخدع أنفسنا بإمكانية الاندماج في العالم الغربي.. نعم، نحن نردد (كلنا نغني لأميركا)، لكن كل واحد يغني بطريقته الخاصة».



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».