جائزة الصحافة التلفزيونية بألمانيا من نصيب «الصحافي الخفي» بعد خمسة عقود من العطاء

غونتر فالراف كشف عن قضايا المجتمع الدفينة بأعماله وتبرع بالحلول مكان رهينة أميركي لدى «داعش»

فالراف  يكشف عن تشكيلة من الشخصيات التي تقمصها لأغراض الكشف عن الظلم بتحقيقات صحافية
فالراف يكشف عن تشكيلة من الشخصيات التي تقمصها لأغراض الكشف عن الظلم بتحقيقات صحافية
TT

جائزة الصحافة التلفزيونية بألمانيا من نصيب «الصحافي الخفي» بعد خمسة عقود من العطاء

فالراف  يكشف عن تشكيلة من الشخصيات التي تقمصها لأغراض الكشف عن الظلم بتحقيقات صحافية
فالراف يكشف عن تشكيلة من الشخصيات التي تقمصها لأغراض الكشف عن الظلم بتحقيقات صحافية

«لا أحد عمل للصحافة التحقيقية خلال 50 سنة بنشاط كالكاتب والصحافي غونتر فالراف»؛ هذا ما جاء في قرار اللجنة التحكيمية عند منح «الصحافي الخفي» فالراف جائزة الشرف هذا العام في الصحافة التلفزيونية بألمانيا.
وفضلاً عن نشاطه الصحافي السري، وكشوفاته التحقيقية التي تمس الحياة الاجتماعية، يقدم غونتر فالراف منذ سنتين برنامجًا مصورًا مع «فريق فالراف» لصالح تلفزيون «آر تي إل». فالصحافي الذي تعدى سنه الـ73 عاما، لم يمل بعد من التنكر والعمل في مختلف المصانع والمطاعم والشركات بهدف الكشف عن احتيالاتها ولا إنسانياتها.
وإذا كانت سلسلة مطاعم ماكدونالد أولى ضحاياه في ثمانينات القرن الماضي، أصبحت سلسلة مطاعم بورغر كنغ قبل بضعة أشهر من ضحاياه أيضًا. وكشفت أفلامه المصورة الخفية الكثير من الملابسات المعيبة واللاإنسانية التي دفعت بورغر كنغ إلى غلق الكثير من فروع سلسلة المطاعم الطويلة في ألمانيا.
وفي آخر برنامج له نجح فالراف بتسريب واحدة من فريق عمله بمثابة ممرضة متدربة في ثلاث مستشفيات مهمة، وقال بعد نشر التقرير المصور خفية، بأن الوضع في هذه المستشفيات مخجل قياسًا بدولة مثل ألمانيا تعتبر من أغنى بلدان العالم الصناعي.
كما كشف البرنامج عن نقص كبير في الموظفين، وعن ممرضين وممرضات مثقلين بالعمل بسبب الاقتصاد بالكلفة، ووضع صحي مقلق من ناحية التعقيم والنظافة، ونواقص خطيرة على حياة المرضى في قسم الطوارئ. ومن جديد أدى البرنامج إلى حملة عقوبات وتسريحات من العمل في هذه المستشفيات.
وفي العام 2012 قال غونتر فالراف أمام المحكمة «سال دمي على الخبز»، وكان في معرض الدفاع عن تقريره حول الظروف اللاإنسانية في بعض معامل إنتاج الخبز.
وبعد تقريره المثير عن شروط العمل القاسية في شركات نقل البريد السريع، ووصفه العمال هناك بالـ«عبيد»، وقف أمام محكمة باد كرويتسناغ ليشهد ضد أصحاب مصنع لإنتاج الخبز بتهمة التعامل مع العمال باعتبارهم عمال سخرة وعبيدا. وقال فالراف أمام القاضي إنه جرح يده أثناء العمل، وسال دمه على الخبز، لكن العمال خافوا من وقف العمل واستبعاد الخبز المدمي، خشية أن يفقدوا مواقع عملهم. وعمل فالراف في ذلك المخبز عدة أشهر متخفيًا، ثم أقام الدعوى ضد صاحب المخبز بتهمة إلحاق الأضرار الجسدية بالعمال.
اتهم فالراف المخبز أيضًا بعدم توفير ما يكفي من السلامة للعمال، وعدم توفير أجواء صحية أثناء العمل. وقال: إنه أحرق وجهه ويديه عدة مرات خلال العمل، كما كانت السطوح في المخبز، البعيدة عن الأفران، ساخنة وتلحق بالعمال الحروق يوميًا. وقال فالراف آنذاك بأنه عومل في المحكمة كمتهم وليس باعتباره شاهدًا.
وقبل موعد المحاكمة بأسبوع كشف فالراف في مقابلة تلفزيونية أنه عمل لأشهر في إيصال الطرود البريدية الثقيلة إلى أصحابها. ووصف العمل بالشديد قائلا: إنه رياضي ولائق بدنيًا رغم سنه، ويشارك في سباق الماراثون في كولون كل مرة، لكنه فشل، كما فشل السعاة الشباب، في تحمل شدة العمل ونقل الطرود الثقيلة. وكي يظهر لياقته أمام المحكمة صور فالراف نفسه وهو يتسلق حبلاً إلى ارتفاع 10 أمتار.
وصبغ فالراف جلده باللون الأسود عام 2009. وقدم نفسه كأفريقي يبحث عن العمل، وكشف كيف كان يفشل كل مرة في إيجاد عمل، وكيف كان الناس يخشون الجلوس قربه في الترام. نشر ذلك ككتاب باسم «أسود على أبيض»، وكفيلم أيضًا يصور نفسه مصبوغًا كالصومالي أوغونو كوامي، ويفترض أن يكشف الكتاب بعض نواحي العنصرية في ألمانيا، لكن البعض اتهمه بالعنصرية، ورد بالقول: «كيف يصبح الإنسان عنصريًا فقط لأنه صبغ جسده بالأسود؟».
وفي منتصف السبعينات من القرن العشرين عمل فالراف متنكرًا في إحدى أكثر الصحف «الشعبوية» انتشارًا في ألمانيا، وكشف في ثلاثة أفلام متتالية أساليب تلاعبهم بالخبر وطرق تزييف الحقائق، وتلفيق الأحدث، كما كشف عن شروط العمل المجحفة التي تكبل عمال المطبعة، والصيانة الصحية الضعيفة ضد مخاطر التسمم بالأحبار. وطبيعي فقد جرته الأفلام إلى المحاكم، لكنه عرف كيف يدافع عن نفسه.
بلغ غونتر فالراف العالمية بفضل كتابه «الحضيض»، الذي نشره في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، العالمية وترجم الكتاب إلى عدة لغات. ويتحدث الكتاب عن العامل التركي المهاجر علي، الذي تنكر الصحافي بدوره، وعمل في مختلف المطاعم والمصانع. بل إن الصحافي المجازف قدم نفسه كتركي أمي للعمل بمثابة «فأر اختبار» لدى بعض مصانع الكيماويات والأدوية. وأثار الكتاب فضيحة سياسية لأنه نشر صورة لعلي وهو يتحدث مع رئيس وزراء بافاريا الراحل فرانز يوزيف شتراوس ويقول له بأنه من أنصار الحزب القومي الطوراني التركي (الذئاب الرمادية)، مع استحسان شتراوس لذلك.
باع فالراف أكثر من 5 ملايين نسخة من «الحضيض» في ألمانيا، وترجم الكتاب إلى 38 لغة، واختير كأنجح كتاب تحقيقي ألماني منذ الحرب العالمية الثانية.
سلطت الأضواء مجددًا، في ألمانيا والولايات المتحدة، على غونتر فالراف بعد أن أعلن عن استعداده للحلول محل الجندي الأميركي السابق، والناشط في المنظمات الإنسانية، بيتر كيسيغ، الذي قطع تنظيم «داعش» رأسه في مكان ما من سوريا عام 2014. إذ اتصل فالراف بالسفارة الأميركية، والتقى بممثلي السفارة، وعرض عليهم أن يصبح رهينة لدى «داعش» محل كيسيغ.
برر الصحافي الألماني رغبته تلك بالقول «شعرت أن الأمر يهمني لأن كيسيغ اختطف يوم ميلادي 1-10». وقال بعدها لصحيفة «زود دويتشة تسايتونغ» بأنه قال للدبلوماسيين الأميركيين بأنه عجوز وفرصته بالنجاة أكبر، ثم إن الإرهابيين ربما يعفون عنه بسبب العمر، ولأنه «متبرع». ثم قال: إنه مستعد لإطلاق حملة عالمية باسمه لجمع فدية كبيرة عن كيسيغ. ورفض الأميركيون العرض الأول خوفًا على حياة فالراف، كما رفضوا العرض الثاني لأنه لا ينطبق مع سياستهم تجاه الإرهاب.
ولد فالراف يوم 1-10-1942 في بورشايد (ضواحي كولون) وعاش في المدينة الأخيرة حتى الآن وفي أكثر أحيائها شعبية (ايهرنفيلد). وارتبط حتى الثمانينات بصداقة متنية مع ابن كولون الآخر هاينريش بول (توفي 1985) الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1972.
ونال فالراف خلال حياته الصحافية والأدبية 15 جائزة، بدأت في العام 1968 عن أفضل تحقيق صناعي، وانتهت بنيل جائزة الصحافة التلفزيونية التقديرية. بين هذه الجوائز: جائزة أدب حقوق الإنسان العالمية، جائزة الأكاديمية البريطانية للفنون التلفزيونية، جائزة الإعلام الفرنسية، الميدالية الذهبية للصحافة في احتفال نيويورك السنوي.



«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)
TT

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)

في كل انتخابات رئاسية وعامة تشهدها الولايات المتحدة، كان للمؤسسات الإعلامية الأميركية على الدوام نصيب من تداعياتها. وفي العادة أن جلّ المؤسسات الاعلامية كانت تنحاز لأحد طرفي السباق، حتى في بعض الانتخابات التي كانت توصف بأنها «مفصلية» أو «تاريخية»، كالجارية هذا العام. بل وكان الانحياز يضفي إثارة لافتة، لا سيما إذا «غيّرت» هذه المؤسسة أو تلك خطها التحريري المألوف، في محاولة للظهور بموقف «حيادي».

غير أن الواقع كان دائماً يشير إلى أن العوامل التي تقف وراء هذا «التغيير» تتجاوز مسألة الحفاظ على الحياد والربحية وتعزيز المردود المالي. إنها سياسية بامتياز، خصوصاً في لحظات «الغموض والالتباس» كالتي يمر بها السباق الرئاسي المحتدم هذا العام بين نائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترمب مرشح الحزب الجمهوري.

مقر «اللوس أنجليس تايمز» (أ.ب)

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح!

يوم الجمعة، أعلن ويليام لويس، الرئيس التنفيذي وناشر صحيفة «واشنطن بوست»، التي يملكها الملياردير جيف بيزوس، رئيس شركة «أمازون» العملاقة، أنها لن تؤيد أي مرشح رئاسي لا في هذه الانتخابات، ولا في أي انتخابات رئاسية مستقبلية. وأضاف لويس، في مقال: «نحن نعود إلى جذورنا بالإحجام عن تأييد المرشحين الرئاسيين... هذا من تقاليدنا ويتفق مع عملنا في 5 من الانتخابات الـ6 الأخيرة». وتابع لويس: «ندرك أن هذا سيُفسَّر بطرق مختلفة، بما في ذلك اعتباره تأييداً ضمنياً لمرشح واحد، أو إدانة لمرشح آخر، أو تنازلاً عن المسؤولية... هذا أمر لا مفر منه. لكننا لا نرى الأمر بهذه الطريقة. إننا نرى ذلك متوافقاً مع القِيَم التي طالما دافعت عنها صحيفة (واشنطن بوست)». واختتم: «إن وظيفتنا في الصحيفة هي أن نقدّم من خلال غرفة الأخبار، أخباراً غير حزبية لجميع الأميركيين، وآراءً محفزة على التفكير من فريق كتّاب الرأي لدينا لمساعدة قرائنا على تكوين آرائهم الخاصة». إلا أنه في بيان وقّعه عدد من كبار كتّاب الرأي في الصحيفة، بينهم ديفيد إغناتيوس ويوجين روبنسون ودانا ميلبنك وجينيفر روبن وروث ماركوس، وصف الموقّعون القرار بأنه «خطأ فادح». وتابع البيان أن القرار «يمثّل تخلّياً عن المُعتقدات التحريرية الأساسية للصحيفة... بل في هذه لحظة يتوجّب على المؤسسة أن توضح فيها التزامها بالقيَم الديمقراطية وسيادة القانون والتحالفات الدولية والتهديد الذي يشكله دونالد ترمب على هذه القيم...». ومضى البيان: «لا يوجد تناقض بين الدور المهم الذي تلعبه (واشنطن بوست) بوصفها صحيفة مستقلة وممارستها المتمثّلة في تقديم التأييد السياسي... وقد تختار الصحيفة ذات يوم الامتناع عن التأييد، لكن هذه ليست اللحظة المناسبة، عندما يدافع أحد المرشحين عن مواقف تهدّد بشكل مباشر حرية الصحافة وقِيَم الدستور».

مقر «الواشنطن بوست» (آ. ب.)

... وأيضاً «لوس أنجليس تايمز»

في الواقع خطوة «واشنطن بوست» سبقتها، يوم الأربعاء، استقالة مارييل غارزا، رئيسة تحرير صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، كبرى صحف ولاية كاليفورنيا، احتجاجاً على منع مالك الصحيفة، الملياردير باتريك سون شيونغ، مجلس التحرير من إعلان تأييد هاريس. وهذه الخطوة أشاد بها ترمب، وعلّقت حملته، في بيان، بأن «زملاء هاريس في كاليفورنيا يعرفون أنها ليست مؤهلة للوظيفة». غارزا كتبت في رسالة استقالتها «أن الصمت ليس مجرد لامبالاة، بل هو تواطؤ»، معربة عن قلقها من أن هذه الخطوة «تجعلنا نبدو جبناء ومنافقين، وربما حتى متحيّزين جنسياً وعنصريين بعض الشيء». وأردفت: «كيف يمكننا أن نمضي 8 سنوات في مهاجمة ترمب والخطر الذي تشكّله قيادته على البلاد ثم نمتنع عن تأييد المنافس الديمقراطي اللائق تماماً الذي سبق لنا أن أيدناه لعضوية مجلس الشيوخ؟»، في إشارة إلى هاريس. من جانبه، كتب سون شيونغ، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هيئة التحرير «أتيحت لها الفرصة لصياغة تحليل واقعي» للسياسات التي يدعمها كل مرشح خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، وعلى مسار الحملة الانتخابية، كي يتمكّن «القراء (أنفسهم) من تحديد مَن يستحق أن يكون رئيساً»، مضيفاً أن الهيئة «اختارت الصمت»!

هل الدافع تجاري؟

بالمناسبة، سون شيونغ يُعد من الداعمين للديمقراطيين عموماً، يرجح البعض أن يكون الدافع وراء موقفه الاعتبارات التجارية، ومنها جذب مزيد من القراء، بمَن فيهم الموالون للجمهوريين، لرفع نسبة الاشتراكات والدعايات والإعلانات، عبر محاولة تقديم الصحيفة بمظهر وسطي غير منحاز. كذلك، سون شيونغ، الطبيب والقطب في مجال التكنولوجيا الحيوية من منطقة لوس أنجليس، الذي ليست له أي خبرة إعلامية، كان قد اشترى الصحيفة التي يزيد عمرها على 140 سنة والشركات التابعة لها، مقابل 500 مليون دولار عام 2018. لكن خسائر الصحيفة استمرت، ما دفعه إلى تسريح نحو 20 في المائة من موظفيها هذا العام. وذكرت الصحيفة أن مالكها اتخذ هذه الخطوة بعد خسارة «عشرات الملايين من الدولارات» منذ شرائها.

ترمب يدعو لإلغاء تراخيص الأخبار

ما حصل في «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز» سلّط حقاً الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات الإعلامية الأميركية وسط الضغوط المتزايدة عليها، وتحويلها مادة للسجال السياسي.

وفي الواقع، تعرّضت وسائل الإعلام خلال العقد الأخير للتهديدات ولتشويه صورتها، وبالأخص من الرئيس السابق ترمب، الذي كرر اتهام منافذ إخبارية كبرى بالتشهير، ومنع الصحافيين من حضور التجمّعات والفعاليات التي تقام في البيت الأبيض، وروّج لمصطلح «الأخبار المزيفة»، الذي بات يتبناه الآن العديد من قادة اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم.

وفي حملات ترمب الجديدة على الإعلام، اقترح أخيراً تجريد شبكات التلفزيون من قدرتها على بث الأخبار، إذا كانت تغطيتها لا تناسبه. وكتب على منصته «تروث سوشال» في الأسبوع الماضي «يجب أن تخسر شبكة (السي بي إس) ترخيصها. ويجب وقف بث برنامج (60 دقيقة) على الفور». وكرّر مطالبه في الخطب والمقابلات، مردداً دعواته السابقة لإنهاء ترخيص شبكة «الإيه بي سي» بسبب استيائه من الطريقة التي تعاملت بها مع المناظرة الوحيدة التي أُجريت مع هاريس.

وقال في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» الداعمة له: «سنستدعي سجلاتهم»، مجدداً ادعاءه أن تحرير الشبكة لمقابلتها مع هاريس في برنامج «60 دقيقة»، كان «مضللاً» ورفض عرض الشبكة إجراء مقابلة معه. وأيضاً رفض الإجابة عما إذا كان إلغاء ترخيص البث «عقاباً صارماً»، ليشن سلسلة من الإهانات لهاريس، قائلاً إنها «غير كفؤة» و«ماركسية».