فيلسوف، ورائد بمجال الطب الشرعي الساعي لمكافحة الجريمة، وبطل رياضي وطني، وصاحب رقم قياسي في القفز، وأول من سجل أهدافًا لصالح الفريق الوطني الهولندي على أرضه، ورئيس نادي بايرن ميونيخ ومدربه ولاعب به في الوقت ذاته.. هذا هو فيليم هيسلينك الذي يصعب على المرء تحديد من أين يبدأ في الحديث عنه.
تاريخيًا، حقق الهولنديون نجاحًا دوليًا على صعيد كرة القدم في وقت متأخر نسبيًا مقارنة بجيرانهم الأوروبيين، وذلك بعد أن تركوا انطباعًا جيدًا خلال بطولتي كأس العالم لعامي 1934 و1938، أي قبل 36 عامًا من قيام كرويف وزملائه بإعادتهم مجددًا إلى الساحة العالمية في وقت وصلت فيه فرق وطنية لدول أخرى مثل ألمانيا الغربية والنمسا والمجر وإنجلترا والبرتغال وإيطاليا وتشيكوسلوفاكيا وفرنسا والسويد لأدوار ما قبل النهائي وما بعدها.
في مدينة أرنهيم، الواقعة على بعد 60 ميلا جنوب شرقي العاصمة أمستردام، ترعرع فيليم هيسلينك، ولم يكن بمعزل عن الصيحة الجديدة التي اجتاحت القارة الأوروبية. عام 1890، وبينما كان عمره 12 عاما فقط، شكل جزءًا من محاولة جماعية لإطلاق ناد رياضي داخل المدينة. وبعد عامين، كان واحدًا من مؤسسي نادي فيتيس أرنهيم. كانت رياضة الكريكيت أول نشاط رياضي وقع عليه اختيار مؤسسي النادي للبدء به، ثم سرعان ما جاءت كرة القدم لتستحوذ على اهتمام الجميع، وفي غضون فترة قصيرة أصبح هيسلينك نجم الفريق. إلا أن البدايات لم تكن واعدة. وعن تلك الفترة كتب هيسلينك في وقت لاحق: «لم يكن أحد يتمتع بمكانة خاصة داخل الفريق. وجرى توجيه سؤال لكل لاعب حول المركز الذي يفضل اللعب فيه. وأنا أجبت: (لا أهتم بذلك)، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى أنني لعبت في أقل المراكز حظوة لدى الآخرين - كجناح أيسر». ومع ذلك، نجح هيسلينك الصغير في استغلال هذا المأزق لصالحه، حيث عمل بجد على جعل قدمه اليسرى على نفس كفاءة الأخرى اليمنى.
ورغم ذلك، فإن المهارة ربما لم تكن السبب الأولى وراء شهرته، فعلى امتداد العقد الأخير من القرن الـ19، في البداية في صفوف فيتيس أرنهيم، ثم في دين هاغ عندما انتقل إلى ليدن لدراسة الكيمياء، تمكن هيسلينك من بناء سمعة واسعة له باعتباره صاحب ركلة قوية مخيفة. ويشير التاريخ الرسمي لنادي فيتيس أرنهيم إلى أن حراس المرمى كانوا يخاطرون بالتعرض لكسر الرسغ عندما كانوا يحاولون صد إحدى محاولاته لإحراز هدف. وتشير أقاويل إلى أن حارس مرمى إنجليزيا عانى من إصابة قاتلة بعد تصديه بصدره لركلة بالكرة من هيسلينك. إلا أنه لحسن الحظ، تبدو هذه القصة مختلقة. إلا أن ذلك لا يمنع أن لقب «المدفعجي» ارتبط بمرور الأيام بهيسلينك. بمرور الوقت، حصد هيسلينك ميداليات في بطولات إقليمية، لكن اللافت أن نجاحاته لم تقتصر على مجال كرة القدم، حيث فاز في القفزة الطويلة كعضو بالفريق الوطني الهولندي، وظل الرقم القياسي الذي حققه في قفزته قائمًا حتى عام 1910.
عام 1902، بدا هيسلينك متهيئًا لتغيير جديد بحياته الرياضية، حيث التحق في سن الـ24 بجامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ لإكمال دراسته بها، وتطلع في ما حوله بحثًا عن ناد جديد ينضم إليه. ولحسن حظه، كان بالمنطقة ناد جديد لا يزال في بداياته، حيث لم يتجاوز عمره العامين وكان بحاجة إلى شخصية قيادية. جدير بالذكر أن نادي بايرن ميونيخ نشأ في الأصل باعتباره القسم المعني بكرة القدم من ناد للألعاب الرياضية يعرف باسم «إم تي في 1879». عام 1900، انسحب من هذا القسم 11 لاعبًا عندما رفض السماح لهم بالانضمام إلى الدوري الخاص بجنوب ألمانيا.
وبالفعل، أصبح هيسلينك أول نجم دولي لنادي بايرن ميونيخ، وتلاه في ما بعد عدد لا يحصى من النجوم - بداية من برايان لاودروب وصولا إلى روبرت ليفاندوفسكي - لكن يبقى للنجم الهولندي فضل السبق بينهم. في تلك الفترة، كانت مباريات النادي مقتصرة على المنافسات الإقليمية والأخرى على مستوى المدينة. إلا أن الفريق حقق نجاحات متنامية، الأمر الذي يعود لأسباب عدة منها تأثير هيسلينك في مركزه كلاعب مهاجم. وبحلول عام 1903، كان يتولى تدريب باقي زملائه في بايرن ميونيخ، ويساعد في اجتذاب المزيد من اللاعبين إلى النادي. عام 1903، رحل فرانز جون، أول رئيس لبايرن ميونيخ، عن النادي لعودته إلى مسقط رأسه في بانكو وإنشائه استوديو تصوير هناك. وبدا الاختيار بعده واضحًا، حيث تركز على النجم القادم من أرنهيم الذي نادرًا ما كان يظهر من دون قبعته الزرقاء المنتفخة التي اشتهر بها بمرور الوقت. وينبغي التنويه هنا بأن منصب رئيس النادي آنذاك لم يكن بذات القوة التي هو عليها الآن، علاوة على أن الخطوط الفاصلة بين مهمتي المدرب والمدير الفني لم تكن واضحة كما هي الآن، وكانت المهمة برمتها تتعلق بإدارة الأمور اليومية أكثر من الاهتمام بإدارة الشؤون الكبيرة العامة. ومع ذلك، يبقى هيسلينك واحدًا من رجلين فقط تقلدا المناصب الثلاثة - الآخر هو فرانز بيكنباور - لكن قطعًا كان هيسلينك الوحيد الذي تقلدها جميعها في ذات الوقت. خلال فترة وجود هيسلينك بالنادي، فاز بايرن ميونيخ بثلاث بطولات متتالية على مستوى المدينة. أما الخطوة الأبرز التي اتخذها النادي خلال تلك الفترة فكانت اندماجه مع نادي منشنر سبورت، وهي خطوة أدت إلى اختيار بايرن ميونيخ للأحمر باعتباره اللون الرئيسي للقميص.
في مايو (أيار) 1905، شارك هيسلينك في أول مباراة دولية له في صفوف الفريق الوطني الهولندي في ثاني المباريات الدولية للمنتخب - والأولى له على أرضه - وسجل الهدف الافتتاحي بالمباراة أمام بلجيكا في لقاء انتهى بفوز هولندا بأربعة أهداف مقابل لا شيء على استاد روتردام وبحضور 30 ألف مشجع.
إلا أن الدراسة تزايدت أهميتها في حياة هيسلينك. وفي يونيو (حزيران) 1904، نال شهادة الدكتوراه عن بحث في السوائل، ثم ضم شهادة الدكتوراه في الفلسفة إلى سيرته الذاتية.. ورويدًا رويدًا تحول اهتمامه بكيمياء الغذاء إلى اهتمام بالطب الشرعي. وبعد عام تزوج بيرتا غوتلر في فرانكفورت. في يناير (كانون الثاني) 1906، ترك هيلسينك ميونيخ، ليرحل بذلك عن ناد شهد ازدهارًا ونموًا كبيرًا خلال فترة توليه مسؤولية إدارته، وأوكل مهامه الإدارية إلى كيت مولر، وعاد إلى هولندا وافتتح معملا للأدلة الجنائية وبنى سمعة كبيرة له كخبير في تحليل عينات الدم وبصمات الأصابع في الجرائم الجنائية، وأصبح بذلك خبيرًا متكرر الظهور كشاهد في المحاكمات المتعلقة بجرائم قتل. ومع كل هذا، استمر هيسلينك في مشواره الكروي، وعاود الانضمام إلى فيتيس، ثم أصبح لاحقًا مدربًا ورئيسًا للنادي. وتوفي في ديسمبر (كانون الأول) 1973، عن 95 عامًا بعد أن حفر اسمه في تاريخ كرة القدم الأوروبية.
فيليم هيسلينك.. القصة المنسية لـ«مدفعجي» بايرن ميونيخ
فيلسوف وصاحب رقم قياسي في القفز.. ولاعب الفريق الألماني ومدربه ورئيسه في الوقت نفسه
فيليم هيسلينك.. أول من سجل أهدافًا لصالح المنتخب الهولندي على أرضه في مايو 1905
فيليم هيسلينك.. القصة المنسية لـ«مدفعجي» بايرن ميونيخ
فيليم هيسلينك.. أول من سجل أهدافًا لصالح المنتخب الهولندي على أرضه في مايو 1905
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

