خبراء: الإصلاحات الخليجية بعد رفع أسعار الطاقة تهدف إلى تقليل الهدر

سلطنة عمان أول دولة خليجية تلجأ للاقتراض لسد العجز الناتج عن هبوط أسعار النفط

خبراء: الإصلاحات الخليجية بعد رفع أسعار الطاقة تهدف إلى تقليل الهدر
TT

خبراء: الإصلاحات الخليجية بعد رفع أسعار الطاقة تهدف إلى تقليل الهدر

خبراء: الإصلاحات الخليجية بعد رفع أسعار الطاقة تهدف إلى تقليل الهدر

حذت دولة قطر أمس حذو الدول الخليجية التي رفعت بنسب متفاوتة الدعم عن الوقود، لمواجهة الصعوبات التي خلفها تراجع أسعار النفط، في حين أصبحت سلطنة عمان أول دولة خليجية تلجأ للاقتراض لسد العجز الناتج عن هبوط أسعار البترول. وبدأت قطر منذ أمس رفع الأسعار المحلية للبنزين 30 في المائة. وتواجه قطر تراجعا في إيراداتها من النفط والغاز، وقالت الحكومة الشهر الماضي إنها تتوقع عجزا في ميزانية 2016 قدره 5.‏46 مليار ريال (8.‏12 مليار دولار) وهو أول عجز في 15 عاما.
ومثل دول خليجية أخرى تدرس قطر خفض الدعم للمستهلكين للوقود ومنتجات وخدمات أخرى. وأعلنت شركة قطر للوقود (وقود) أنه تم تعديل أسعار البنزين بنوعية السوبر والعادي لتصبح 3.‏1 ريال (357.‏0 دولار) للتر البنزين السوبر و15.‏1 ريال للتر البنزين العادي. وأوضح بين صحافي للشركة أن هذه الزيادة تمثل 30 في المائة في سعر البنزين السوبر و35 في المائة للبنزين العادي.
ولم تذكر الوكالة حجم الوفورات التي ستحققها الحكومة من هذا الإصلاح.
(الدولار يساوي 6412.‏3 ريال قطري).
وكانت البحرين قد رفعت الأسبوع الماضي أسعار البنزين بنسبة تزيد عن 50 في المائة بعد أن خفضت الدعم على منتجات الطاقة وسط صعوبات تواجهها أسوة ببقية دول الخليج المنتجة للنفط بسبب تدهور أسعار الخام في الأسواق العالمية.
وأصبحت أسعار وقود البنزين الممتاز 160 فلسًا (42 سنتا أميركيا) للتر الواحد والوقود الجيد 125 فلسًا (33 سنتا أميركيا) للتر الواحد.
كذلك قررت السعودية في نهاية ديسمبر (كانون الأول) رفع أسعار البنزين بنسبة 50 في المائة في إطار خفض الدعم عن منتجات البترول والكهرباء والماء بعد تسجيل عجز في ميزانية 2015 بلغ 98 مليار دولار. وبناء على ذلك قررت المملكة رفع أسعار «البنزين 91» من 0.45 ريال للتر إلى 0.75 ريال للتر، بزيادة نسبتها 66 في المائة. وزيادة سعر «البنزين 95» من 0.60 ريال للتر إلى 0.90 ريال للتر، بزيادة قدرها 50 في المائة.
وتسعى لرفع الدعم كليا عن البنزين 95 أوكتين خلال الشهر الجاري. وكانت الإمارات الأولى خليجيا التي رفعت أسعار الوقود العام الماضي، حيث تم تحديد سعر لتر البنزين عيار 95 أوكتين عند سعر 2.14 درهم (0.58 دولار) للتر، في الوقت الذي تم فيه تحديد سعر الديزل عند 2.05 درهم (0.55 دولار) للتر.
والملاحظ أن هذا التغيير لم يؤثر على الأسعار النهائية في المنتجات، والسلع، والخدمات، مما يبرهن على أن رفع سعر الوقود أو تغيير تعريفة الطاقة والكهرباء في السعودية، سيكون ذا أثر محدود على السوق التجارية، بما يضمن عدم ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ومستويات التضخم.
وفي نهاية شهر ديسمبر الماضي كشف وكيل وزارة المالية الكويتية خليفة حمادة أن الكويت تتجه إلى رفع الدعم عن البنزين الفائق الجودة (95 أوكتين)، والبنزين الألترا، خلال شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، بحيث يباعان وفقا للسعر العالمي. و«من ضمن السيناريوهات المطروحة بقوة في هذا الخصوص أن تستمر الدولة في دعمها لمستهلكي البنزين الممتاز، بواقع خمسين فلسا (1.65 دولار) للتر الواحد من السعر المعلن، فيما سيجري التخلص التدريجي منه على ثلاث مراحل، وصولا إلى التحرير الكامل للأسعار، أو الإبقاء عليها بنسب جديدة». وأكد أن التخفيض التراكمي لفاتورة دعم البنزين في الكويت سيصل إلى نحو مليار دينار (3.29 مليار دولار)، بنسبة تخفيض تبلغ 65 في المائة.
ويرى اقتصاديون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن خطوة رفع الدعم عن الوقود تأتي في إطار توجه منطقي للدول المنتجة للنفط، مؤكدين أن دول الخليج برغم توجهها إلى الزيادة إلا أنها ركزت على عدم الضرر بذوي الدخل المنخفض كونها تتمتع باستقرار سياسي، وتمتلك احتياطات مالية ضخمة، راكمتها خلال طفرة أسعار النفط في السنوات الماضية. وقال الدكتور عبد الله الهاشم مستشار الأمم المتحدة للتنمية بأن قرار رفع الأسعار في دول الخليج جاء متزامنا مع هبوط أسعار النفط، مشيرا إلى أن فكرة رفع أسعار الطاقة تأتي كقرار مشاركة مجتمعية يتحمل فيها المستهلك جزءا من التكلفة المبنية على تطوير الخدمة حيث إنه بالدفع أصبح شريكا في هذه الخدمة ويتطلب من الحكومة توفيرها على مستوى متقدم.
وأشار الهاشم إلى أن دول الخليج تعاني من هدر كبير للطاقة، وقال: «قرار الزيادة سيسهم في رفع الثقافة في المجتمع ككل للاستخدام الأمثل للطاقة وقد ركزت الكثير من دول المجلس على تطوير وتثقيف المجتمع بأهمية خفض الاستهلاك ورفع كفاءة الطاقة».
من جهته قال الدكتور إحسان بوحليقة الخبير الاقتصادي بأن رفع الدعم عن أسعار الطاقة في دول الخليج هو ترجمة حقيقية للبرامج والتوجه المستمر لدى الحكومات التي تطالب برفع كفاءة الطاقة وتقليل الهدر حيث تسجل دول المنطقة نسبا عالية في هذا الجانب، مشيرا إلى أنه من الضروري أن يتزامن هذا القرار مع التركيز على مثل الصناعات المتقدمة والتركيز على الاقتصاد القائم على المعرفة والسياحة والخدمات؛ حتى تساعد على استيعاب سياسات الدعم.
من جهة أخرى اقترضت حكومة سلطنة عمان مليار دولار في إطار سعيها لمواجهة الضغوط على ماليتها العامة التي تضررت جراء هبوط أسعار النفط. ونقلت وكالة (رويترز) عن وكيل وزارة المالية العمانية ناصر الجشمي قوله: إن السلطنة - وهي مصدر صغير للنفط - جمعت أموالا من خلال قرض مجمع بهامش 120 نقطة أساس فوق سعر الفائدة السائد في التعاملات بين بنوك لندن (ليبور). وشارك 11 بنكا في القرض الذي مدته خمس سنوات. وأصبحت عمان أحدث حكومة خليجية تسعى لجمع أموال من خلال إصدار سندات دولية أو من سوق القروض لسد عجز في الميزانية ناتج عن تراجع أسعار النفط التي فقدت ثلاثة أرباع قيمتها منذ يونيو (حزيران) 2014.
وأبرمت قطر اتفاق قرض بقيمة 5.‏5 مليار دولار لأجل ثلاث سنوات في وقت سابق هذا الشهر وبدأت إمارة الشارقة اجتماعات مع المستثمرين لإصدار محتمل لصكوك هذا الأسبوع. ومن المتوقع أيضا أن تذهب قطر والسعودية والكويت إلى سوق السندات الدولية هذا العام.
وكانت عمان بدأت السعي إلى قرض مدته خمس سنوات في نوفمبر (تشرين الثاني) بفائدة 110 نقاط أساس فوق الليبور غير أنها اضطرت لزيادة الهامش المعروض بعد أن خفضت وكالة ستاندرد أند بورز تصنيفها لديون البلاد وأبقت على نظرة مستقبلية سلبية.
وازدحمت أسواق القروض صوب نهاية 2015 مع سعي قطر وعدة بنوك وشركات لجمع أموال في وقت واحد.
ورغم ذلك فإن عمان سعرت القرض قبل الهبوط الجديد في أسعار النفط في الأسبوعين الأولين من 2016 الذي هوت فيه بنسبة 20 في المائة باتجاه 30 دولارا للبرميل.
وشارك في صفقة القرض أحد عشر بنكا من بينهم سيتي غروب وبنك الخليج الدولي وناتيكسيس وهم مديرو الاكتتاب الأوائل في الصفقة.
والبنوك الأخرى هي بنك أبوظبي الوطني وسوستيه جنرال وسوميتومو ميتسوي فايننشيال كورب وبنك أوف طوكيو - ميتسوبيشي يو إف جيه وجيه بي مورغان وكريدي أجريكول وستاندرد تشارترد وبنك أوروبا العربي.
وألحق هبوط أسعار النفط منذ 2014 أضرارا بالغة بالمالية العامة لسلطنة عمان والتي تحولت إلى تسجيل عجز قدره 26.‏3 مليار ريال في العشرة شهور الأولى من العام الماضي مقابل فائض بلغ 6.‏189 مليون ريال في الفترة المماثلة من العام الذي سبقه. ولسد هذا العجز بدأت عمان في خفض الإنفاق وزيادة الضرائب وإصلاح دعم الوقود. ووسعت السلطنة برنامج الاقتراض المحلي بما في ذلك مزادات أذون الخزانة المنتظمة. وأدى الاقتراض إلى تنامي الضغوط على السيولة في النظام المصرفي المحلي ودفع الحكومة إلى جمع أموال من الخارج.
وتحدثت الحكومة أيضا عن بيع سندات دولية وهو ما يتوقع مصرفيون أن يحدث في 2016.
وكانت الحكومة العمانية قد رفعت أسعار المنتجات النفطية ابتداء من منتصف يناير الماضي.



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.