تضخم البروستاتا الحميد.. وأعراض اعتلال المسالك البولية السفلية

البروستاتا هي غدة بحجم حبة الكستناء تزن 20 غراما وتقع أسفل المثانة في محيط مجرى البول «الإحليل» عند الرجل. وهي تقوم بإنتاج أحد مكونات السائل المنوي، وتعتمد في أداء وظيفتها بكفاءة على هرمون الذكورة «التيستوستيرون testosterone»، وعادة ما يحدث تضخم طبيعي في حجم البروستاتا مع تقدم الرجل في العمر ما يؤدي إلى ضعف وإعاقة تدفق البول.
ووفقًا لتوقعات تقرير تعداد السكان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة، فمن المنتظر أن تتزايد أعداد المسنين في كل أنحاء العالم بصفة عامة وفي السعودية على وجه الخصوص، حيث تبلغ نسبة الكبار بالعمر في المملكة حاليًا (عام 2015) 3 في المائة من إجمالي عدد السكان، وستوالي هذه النسبة ارتفاعها لتصل إلى 18.4 في المائة بحلول عام 2050، وهو ما يعني زيادة متوقعة في أعداد من يعانون من تضخم البروستاتا الحميد وأعراض اعتلال المسالك البولية السفلية. ومن المتوقع أن يصل عدد من يعانون من تلك الأعراض لأكثر من 1.1 مليار شخص على مستوى العالم لا سيما في دول قارة آسيا التي تتميز بارتفاع معدلات الأعمار عن غيرها من مناطق أخرى بالعالم.

اعتلال المسالك البولية

«حينما أنسى عمري تذكرني به البروستاتا»، مقولة شهيرة أطلقها البريطانيون وتعبر عن ارتباط متاعب البروستاتا بتقدم العمر ولا تكاد تخلو من الدقة العلمية أيضًا. بتلك الكلمات استهل البروفسور روجر كيربي Professor Roger Kirby، مدير مركز طب أمراض البروستاتا التخصصي في لندن محاضرته التي ألقاها أمام عدد كبير من أطباء المسالك البولية بعدد من مدن السعودية لتزويدهم بآخر المستجدات العلمية والطبية في مجال صحة الرجل وعرض أحدث خيارات العلاج.
وفي البداية أوضح كيربي أن أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية وتضخم البروستاتا الحميد Benign prostatic hyperplasia (BPH) من أكثر المشكلات شيوعًا بين الرجال على مستوى العالم وأنها تتفاقم بشكل أكبر مع تقدم عمر الرجل، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 90 في المائة من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 50 - 80 سنة يكونون عرضة للإصابة بأعراض اعتلال المسالك البولية السفلية، وأن 60 في المائة من الرجال ممن تجاوزوا سن الستين لديهم تضخم البروستاتا الحميد، وعلى الرغم من ارتباط هذه المشكلات الصحية بالتقدم بالعمر، إلا أن نحو 8 في المائة من الشباب ما بين 30 - 40 عامًا يواجهون خطر هذه المشكلات أيضًا، وقال كيربي إن ظهور أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية يؤكد حدوث تضخم البروستاتا الحميد وليس العكس.

أعراض تضخم البروستاتا

أوضح البروفسور كيربي أن الأعراض تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة، هي:
* أعراض تتعلق بعملية تجميع البول بالمثانة مثل: الشعور بالرغبة في التبول المتكرر ليلاً ونهارًا، الشعور بالرغبة في التبول الفوري وبسرعة أو إلحاح وعدم القدرة على التحكم في التبول، الشعور بآلام في المثانة، حدوث سلس بولي لا إرادي.
* أعراض أثناء التبول مثل: بطء وضعف تدفق البول خارج الجسم، تقطع سريان وتدفق البول، محاولة قبض عضلات أسفل البطن والضغط من أجل نزول البول، الشعور بالتردد في الرغبة بالتبول.
* أعراض بعد الانتهاء من التبول مثل: استمرار نزول البول على شكل قطرات بعد الانتهاء من التبول، الإحساس بعدم الإفراغ التام بعد التبول والرغبة في العودة للتبول من جديد.
ولا يقل الضرر النفسي خطورة بحال من الأحوال عن الضرر الصحي الناتج عن هذه الأعراض المزعجة؛ إذ إنها تؤدي إلى عدم قدرة المريض على ممارسة أنشطة حياته اليومية بالشكل المعتاد، وبالتالي تجعله يُؤثر الوحدة والانعزال مجبرًا نتيجة لمعاناته والإحراج الكبير الذي يتعرض له أمام الآخرين بسبب الحاجة لدخول دورات المياه بصفة مستمرة ومتكررة، بالإضافة إلى الاستيقاظ المتكرر من النوم ليلاً لدخول دورة المياه، وعدم حصوله على قسط كاف من النوم مما يؤثر على حياته بشكل عام.
ولعل من أهم مسببات هذه الأعراض: تضخم البروستاتا الحميد، أو اضطرابات العضلة المبطنة لجدار المثانة، أو فشل العضلة المبطنة لجدار المثانة، أو انسداد مجرى البول من المثانة

عوامل الخطورة

أشار بروفسور كيربي إلى أن عوامل الخطورة المؤدية لحدوث تضخم البروستاتا الحميد تنقسم إلى قسمين رئيسين، هما:
أولا: عوامل خطورة غير قابلة للتعديل:
• العمر.
• الجينات والوراثة.
• العوامل الجغرافية.
ثانيا: عوامل خطورة قابلة للتعديل:
- متلازمة الاستقلاب والأيض (التمثيل الغذائي) المؤدية لأمراض القلب والشرايين: ارتفاع مستوى الكولسترول الضار بالدم، السمنة، داء السكري، ارتفاع ضغط الدم: فقد وُجد أن احتمالات ظهور أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية ترتفع بنسبة 80 في المائة لدى الرجال الذين توجد لديهم ثلاثة عوامل خطورة من متلازمة الاستقلاب والأيض المذكورة أعلاه.
كما تتزايد احتمالات ظهور أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية بواقع الضعف بين المصابين بداء السكري مقارنة بغيرهم من الأصحاء، وهو ما دعى كيربي لاعتبار أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية أحد عناصر متلازمة الاستقلاب والأيض نتيجة الارتباط الوثيق بها. ومع انتشار داء السكري على نحو واسع في السعودية بنسبة تصل إلى 28 في المائة وكذلك ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض القلب والشرايين حذر كيربي الرجال السعوديين إلى ضرورة الانتباه جيدًا؛ لأن ذلك يعد مؤشرا واضحا لانتشار أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية بالتبعية.
- الخمول وعدم ممارسة نشاط بدني: لقد وُجد أن ظهور أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية مرتبط بنمط الحياة الخاملة بنسبة تصل إلى 25 في المائة، وأن ممارسة نشاط بدني متوسط إلى قوي من شأنه خفض احتمالات تضخم البروستاتا الحميد.
- العادات الغذائية: توجد علاقة واضحة بين تضخم البروستاتا وتناول أطعمة معينة مثل اللحوم الحمراء والدهون المشبعة والدواجن والحليب ومشتقات الألبان والحبوب والنشويات والسكريات، في حين يساعد تناول الخضراوات والفواكه والمأكولات الغنية بالأحماض الأمينية والدهنية غير المشبعة، والمأكولات الغنية بفيتامين «إيه» وفيتامين «دي» من شأنها الوقاية من أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية وتضخم البروستاتا.
- التدخين: عامل خطر مهم، يجب الإقلاع عنه فورا.

ضعف الانتصاب

إن ضعف الانتصاب وأعراض اعتلال المسالك البولية السفلية هما وجهان لعملة واحدة اسمها «مشكلات صحة الرجل». وأشار كيربي إلى وجود علاقة مؤكدة بين مرض ضعف الانتصاب لدى الرجال وظهور أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية، مستشهدًا بدراسة موسعة أجريت في 500 مركز لطب المسالك البولية في ألمانيا وشملت أكثر من 10 آلاف مريض يعانون من أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية، حيث وجد أن 62 في المائة من هؤلاء المرضى يعانون أيضًا من ضعف الانتصاب.
وأكدت الدراسة كذلك تراجع النشاط الجنسي للمرضى الذين لديهم أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية بغض النظر عن عمر المريض. وعدد كيربي المضاعفات الخطيرة المحتملة لأعراض اعتلال المسالك البولية السفلية، ومنها: حدوث الاحتباس البولي، تلف جدار المثانة نتيجة ذلك الاحتباس، تكون الحصوات بالمثانة، وقد يتطور الأمر إلى حدوث سرطان المثانة.

خيارات علاجية حديثة

وعن الخيارات العلاجية قال كيربي إن التطور العلمي المذهل الذي طرأ على الخيارات العلاجية أسهم في وضع حلول فعالة لم تكن متاحة من قبل 20 عامًا، حيث كان اللجوء للجراحة وما يصاحبها من مضاعفات وآلام للمرضى هو الخيار آنذاك.
وعن أحدث مستجدات العلاج أضاف كيربي أن الطب الحديث يؤيد إعطاء مرضى أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية نوعا من العقاقير الحديثة التي طرحت مؤخرًا بالمملكة العربية السعودية وهو عقار دوكسازوسين doxazosine أو «كردورا إكس إل» «Cardura XL» وهو من فئة «مثبطات مستقبلات ألفا» كخيار علاجي أول والذي أثبت فعاليته في علاج أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية وبمعامل أمان عال. ويأتي كذلك ضمن هذه المجموعة تامسولوسين Tamsulosinوالفوزوسين Alfuzosin. وفي بعض الحالات التي تعاني من ضعف الانتصاب قد يكون من المفيد إضافة عقار سيلدينافيل وهو من فئة مثبطات فسفو داي استيرز 5 Phosphodiesterase Inhibitors.

نصائح هامة

ومن جهته قال الدكتور عبد الملك محمد سعيد طيب، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لجراحة المسالك البولية، إن أمراض البروستاتا الشائعة عند الرجال في السعودية تنقسم إلى نوعين: الأول بين الشباب من 20 – 40 عامًا، والنوع الثاني وهو الأكثر شيوعًا بين من هم أكبر من 55 عامًا. وأكد الدكتور الطيب على أهمية التشخيص المبكر من أجل الحد من المضاعفات.
وطالب الدكتور الطيب كل من يشعر بأي من أعراض أو مشكلات الجهاز البولي بسرعة التوجه للطبيب قبل حدوث تغيرات مزمنة بالمسالك البولية، كما نصح كل الرجال الذين تجاوزت أعمارهم سن الخمسين بعمل فحص وقائي وصور أشعة تلفزيونية للمثانة والكلي من أجل الاطمئنان على صحتهم والتحرك مبكرًا في حالة اكتشاف أي مشكلة، فيما شدد بروفسور كيربي على ضرورة اهتمام الرجال بصحتهم بشكل أكبر وعدم التهاون لا سيما مع تقدم العمر.
وخاطب كيربي الأطباء وقال إن أعراض اعتلال المسالك البولية السفلية ما زالت لا تلقى الاهتمام الكافي سواء على المستوى التشخيصي أو العلاجي، مشددًا على ضرورة التعامل معها من منظور شامل وفحص المريض من كل الأوجه على مستوى السكري وأمراض القلب وأمراض الذكورة، بالإضافة إلى المسالك البولية لارتباط هذه الجوانب معًا، ولأنها جميعًا تتعلق بصحة الرجل.