«الإنقاذ» الجزائرية تطالب بمحاكمة جنرالات الجيش

بمناسبة مرور 24 سنة على إلغاء الانتخابات التي فازت فيها

«الإنقاذ» الجزائرية تطالب  بمحاكمة جنرالات الجيش
TT

«الإنقاذ» الجزائرية تطالب بمحاكمة جنرالات الجيش

«الإنقاذ» الجزائرية تطالب  بمحاكمة جنرالات الجيش

طالبت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» الجزائرية المحظورة بمحاكمة ضباط الجيش، الذين وقفوا حائلا دون وصولها إلى البرلمان خلال الانتخابات التي جرت قبل 24 عامًا، والتي تعود ذكرى أحداثها في 11 من يناير (كانون الثاني) الحالي، وسط اتهامات يتبادلها جنرالان عن طريق الصحافة، كانا لاعبين أساسيين في النظام السياسي أيام الوقائع المشهودة.
وقالت «الجبهة»، في بيان أمس، إن «الانقلاب المشؤوم على إرادة الشعب أدخل الجزائر في دوامة العنف، وأغرقها في بحر من الدماء»، في إشارة إلى الفوز الساحق لـ«الجبهة» في الدور الأول من أول انتخابات تعددية برلمانية، نظمت في 26 من ديسمبر (كانون الأول) 1991. وكان الحزب الإسلامي المعارض على وشك تأكيد هذا الفوز في الدور الثاني، غير أن قادة الجيش النافذين آنذاك ألغوا نتائج الانتخابات بذريعة أن الإسلاميين «خططوا لإقامة نظام أصولي شبيه بالنظام في أفغانستان». وقد أرغم الجنرالات الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة وحلوا البرلمان لإحداث فراغ دستوري يبرر وقف المسار الانتخابي. ولم يتردد وزير الدفاع آنذاك الجنرال خالد نزار، في إعلان مسؤوليته عن قرار منع «الجبهة» من الوصول إلى البرلمان.
ووقع بيان الحزب علي بن حجر، زعيم التنظيم المسلح المنحل «الرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد»، الذي قال إنه يتحدث باسم قيادات «الجبهة»، وأشار إلى أن المواجهة المسلحة التي قامت بين قوات الأمن والجماعات المسلحة، التي نشأت باعتبارها رد فعل على وقف المسار الانتخابي، «خلفت 250 ألف قتيل من خيرة أبناء الشعب، واعتقل وهجر عشرات الآلاف، ولا يزال ما يقارب عشرين ألفا منهم في عداد المخطوفين».
وعاشت البلاد حربا أهلية مدمرة، دفعت فيها 150 ألف قتيل وخسائر في البنية التحتية، قدرت بقيمة عشرين مليار دولار، بحسب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ولا تزال السلطات تحاول لملمة جراح تلك المرحلة بواسطة مشاريع لتهدئة النفوس، أبرزها «الوئام المدني»، و«المصالحة الوطنية».
وفي حين يقول الإسلاميون إن ما جرى يعد «انقلابا على الشرعية»، يرى خصومهم أن الجيش «أنقذ الجمهورية من خطر الأصوليين». ورغم مرور 24 سنة على هذه الأحداث لا يزال السؤال مطروحا: هل الخطوة التي أقدم عليها الجيش كانت لمصلحة الديمقراطية أم وأدتها خصوصا أن البلاد كانت قد دخلت لتوها في عهد التعددية؟
وبالنسبة لبن حجر، فإن النتيجة هي أن الشعب الجزائري «يعيش تفككا ممنهجا لقيمه وشبكة علاقاته الاجتماعية، وانهيارا أخلاقيا رهيبا ويأسا وإحباطا ومحنا ومآسي أخرى»، مشددا على أن الجزائر «تعيش اليوم داخل حلقة مقفلة ودوامة مهلكة من ضعف الوعي، وغياب مظاهر الدولة واستبداد السلطات، التي جثمت على رقاب الشعب ومقدراته، وفرضت الوصاية عليه. ويؤكد هذا أن السياسات التي تكون نابعة من اختيار الشعب ومدعومة من طرفه، هي التي تنجح وتكون لها قوة حقيقية ليست لسواها، على عكس التي تصدر بإملاءات فوقية أو أجنبية».
وتأتي دعوة «الجبهة» إلى محاكمة أصحاب قرار إلغاء نتائج الانتخابات، في سياق تبادل اتهامات خطيرة بين خالد نزار، ورئيس الاستخبارات الأسبق الجنرال محمد بتشين. ففي تصريح لصحيفة محلية قال الأول إن رئيس الحكومة سابقا مولود حمروش أمر بإطلاق النار على مناضلي «الجبهة»، وإن بتشين نفذ القرار خلال الاعتصام السياسي الشهير الذي نظمته في الساحات العامة صيف 1991، احتجاجا على تعديل قانون الانتخابات، الذي عدته «مخاطا على مقاس حزب النظام». وكان الاعتصام عشية انتخابات البرلمان، وقتل فيه العشرات من الإسلاميين ليلا برصاص قناصين.
ورد بتشين في صحيفة أخرى، متهما نزار بالوقوف وراء الأحداث بفتح النار على المعتصمين. كما اتهمه بتعذيب مشاركين في «انتفاضة 5 أكتوبر (تشرين الأول) 1988»، التي كانت سببا في دخول البلاد عهد الانفتاح السياسي والتعددية.



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».