مجلس الشورى.. أيقونة التطوير في السعودية وترسيخ لممارسة السلطة

التزم حكام السعودية بنهج الشورى منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1745 حتى اليوم، كما أن المتتبع لسيرة حكام البلاد يلاحظ مدى اهتمامهم بالشورى وتطبيقهم لمبادئها وفق المنهج الرباني، ضمن سياسة الباب المفتوح. وقد أضحت المجالس المفتوحة سمة من سمات الممارسة اليومية لحكام السعودية.
وتبنى الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن نهجا قويما بالاعتماد على الأسس الثابتة للبلاد، واتخذ من مجلس الشورى قاعدة في إدارة الحكم وتدبير شؤون البلاد، حيث عمل الملك المؤسس على ترسيخ مبدأ الشورى الإسلامي، وأخذ يطبق الشورى بحكمة في مجلسه العام وفي مجلس العلماء، وعند اجتماعه برؤساء القبائل والعشائر.
وعرفت السعودية الحياة البرلمانية في فترة الدولة السعودية الثالثة أو الحديثة، عندما دعا الملك عبد العزيز عقب دخوله مكة المكرمة عام 1924 إلى جعل الشورى ركيزة أساسية في حكمه، مما يعد نواة لدولة إسلامية شورية، دستورها القرآن الكريم، والسنة النبوية، حيث افتتح الملك عبد العزيز مجلس الشورى وترأس الجلسة الأولى له عام 1927.
وفي الخطاب التي ألقاه الملك المؤسس قال: «علينا اتباع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) تنفيذا لأمره سبحانه وتعالى حيث قال: (وشاورهم في الأمر)»، ثم قال: «ولو لم يكن من مصالح الشورى إلا إقامة السنة وإزالة البدعة لكفت».
وتطرق الملك عبد العزيز خلال خطابه في افتتاح الدورة الأولى إلى أن الحكومة جادة في إدخال كثير من الإصلاحات، والأعمال النافعة، موضحا: «مما لا شك فيه أنكم رأيتم فاتحة ذلك بتشكيلنا لجنة التفتيش والإصلاح، التي وكلّنا إليها تفتيش دوائر الحكومة، ودرس الاقتراحات المتنوعة لإصلاحها، وقد أنجزت هذه اللجنة بعض الأعمال، وما زال أمامها عمل شاق».
وأعطى الملك عبد العزيز الثقة لمجلس الشورى حينما قال: «ستعرض عليكم في مجلسكم مشاريع وموضوعات عدة لدوائر الحكومة لتدققوها وتوافقوا عليها، وستعرض عليكم كذلك مشاريع خاصة بحفر الآبار الارتوازية في البلاد لأن المياه من أهم ما نحتاج إليه، وهنالك مشاريع أخرى خاصة بتعبيد الطريق بين جدة، ومكة، وتوسيع بعض الشوارع في مكة، وإصلاح إدارة البريد والبرق التي استكملت معداتها للسير على موجب الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمعاملات البريدية، لا سيما بعد أن انضمت السعودية إلى الاتحاد البريدي الدولي».
وجعل الملك عبد العزيز التعليم وبعض النواحي الأخرى أولوية لعمل المجلس بالقول: «مما ستعنى به الحكومة كذلك إصلاح شؤون المعارف وتوحيد نظام التعليم في البلاد ونشره على قدر الحاجة في المدن والقرى وبين القبائل، وستصرف العناية أيضا إلى إصلاح الحالة الصحية في البلاد، واتخاذ الأسباب لتأمين راحة حجاج بيت الله الحرام، وإصلاح أنظمة المطوفين».
وبتاريخ 23 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الخطاب السنوي، وافتتح أعمال السنة الرابعة من الدورة السادسة لمجلس الشورى، ورسم الملك سلمان ملامح السياسة السعودية، في الداخل والخارج. وأشار الملك سلمان إلى أن السعودية قامت على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وتشرفت بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وشهدت منذ تأسيسها لحمة وطنية شهد بها الجميع، واستمرت عجلة التطوير والنماء في وتيرة متصاعدة، رغم التقلبات الاقتصادية الدولية.
وقال الملك سلمان بن عبد العزيز إنه إدراكا من الحكومة أن الإنسان السعودي هو هدف التنمية الأول، فقد واصلت اهتمامها بقطاعات الصحة والتعليم والإسكان والتوظيف والنقل والاقتصاد وغيرهايذكر أن مجلس الشورى شهد في شهر مارس (آذار) 1992 خطابا ملكيا تاريخيا ألقاه الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، تضمن صدور الأنظمة الثلاثة الرئيسية للدولة وهي نظام الحكم ونظام الشورى ونظام المناطق.
وعمل قادة البلاد على تحديث نظام مجلس الشورى والذي كان بمثابة تحديث وتطوير لما هو قائم؛ وذلك عن طريق تعزيز أطر المجلس ووسائله وأساليبه من الكفاية والتنظيم والحيوية بما يتناسب مع التطورات المتلاحقة التي شهدتها البلاد خلال الحقبة الأخيرة في مختلف المجالات وبما يواكب واقع العصر الذي نعيشه، ويتلاءم مع أوضاعه ومعطياته إيذانا ببداية مرحلة جديدة من تاريخ الشورى العريق في السعودي. وقد رسخ الملك الراحل فهد بن عبد العزيز نظاما جديدا حل محل نظام المجلس القديم، واعتمد اللائحة الداخلية للمجلس والقواعد المتلاحقة بها، ومن ثم وجه الملك الراحل بتكوين المجلس في دورته الأولى برئاسة الشيخ الراحل محمد بن جبير، وأشرف الملك فهد على اختيار نخبة من الكفاءات الوطنية لتشكيل المجلس ورعايته لانطلاقة دورة الأولى، ووفر للمجلس وجهازه كل المقومات والمتطلبات التي تعينه على أداء مهامه وتمكنه من ممارسة أعماله.
وفي خطوة تاريخية شهدها مجلس الشورى، أعلن الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قرارين مهمين؛ يقضي أولهما بإدخال المرأة عضوا كامل العضوية في مجلس الشورى السعودي، وبدأ ذلك عام 2013. كما أعلن الملك الراحل الحق للمرأة في الترشح لعضوية المجالس البلدية، وذلك بعد أن غابت عن الدورة الثانية.