حزامة حبايب تدخل المخيم الفلسطيني في «مخمل»

غلاف الرواية
غلاف الرواية
TT

حزامة حبايب تدخل المخيم الفلسطيني في «مخمل»

غلاف الرواية
غلاف الرواية

عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في بيروت ومكتبة «كل شيء» في حيفا، صدرت رواية «مُخمَل» للروائية الفلسطينية حزامة حبايب في 364 صفحة من القطع المتوسط، و الغلاف من تصميم زهير أبو شايب.
في «مُخمَل»، تُدخلنا حزامة حبايب عالمًا جديدًا على الرواية الفلسطينية خصوصًا، والعربية في صورة عامة. هو عالم المخيم الفلسطيني، الذي تقدمه حبايب عاريًا تمامًا، على نحو لم يسبق للرواية أن خاضت فيه بمثل هذا العمق؛ ما يسمح بالقول إنه زمن جديد في الرواية الفلسطينية.
عالم حزامة حبايب يجدّد الأمل في حضور طاقة جديدة، ومختلفة، في الرواية، لجهة الغوص في «دهاليز» المخيم الفلسطيني، والكشف عن «عوراته» المستترة وراء الهمّ الوطني والقضية «الكبرى»، لمصلحة الهموم الصغيرة التي يعيشها الناس في «يوميّاتهم» من البؤس والشقاء والصراع من أجل البقاء. إنها تكتب الهموم الاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية، من دون تلك الأقنعة والأوهام التي تسكن «القضية»، وبعيدًا عن المصطلحات والتوصيف والتنظير الأخلاقي.
من خلال شخصية «حوّا»، وعدد كبير من الشخصيّات الروائية المشغولة بتقنيات فنّية عالية، تختزل حزامة حبايب حياة المخيّم الفلسطيني على نحو شديد الثراء، ترصد التفاصيل، وتروي المشاعر والأحاسيس، وتكتب بلغة ذات حساسية فائقة، كاشفة عما يجري في «عتمات» البيوت على نحو يكاد يكون مرعبًا.
رواية «مُخمَل» هي رواية المرأة الحقيقية؛ إنها المرأة التي تناضل كي تعيش وكي تحب؛ إنها المرأة المكسورة التي تتفنّن في اجتراح انتصارات صغيرة، تنتزع الرغبات المتاحة انتزاعًا وتقاوم القحط في حياتها، ومع ذلك لا يفتأ مجتمعها يطحنها وبقسوة.
في «مُخمَل»، يلتقي الحب والقهر والعناق والانتهاك، وغير ذلك من التفاصيل الحياتية، لرسم مشهد شديد الواقعية، لكنه يناطح الفانتازيا في الكثير من لحظات توتّره، ضمن نسيج حكائي غني يتوافر على لحظات مذهلة وصادمة، ونماذج بشرية من لحم ودم ومشاعر خاصة، لا تتورّع حبايب عن فضحها.
و«مخمل» هي الرواية الثالثة لحزامة حبايب بعد «أصل الهوى»، التي صدرت في طبعتين (2007 و2009)، ورواية «قبل أن تنام الملكة» (2011)، اللتين كرّستاها كواحد من أبرز الأصوات الروائية في المشهد السردي العربي.
إلى جانب أعمالها الروائية، تضم تجربة حزامة حبايب الأدبية أربع مجموعات قصصية، بالإضافة إلى مجموعة نصوص شعرية.
من أجواء «مخمل» نقرأ: كانت تلك أول مرة ترى فيها حوّا رجلا يبكي، فاعتقدت أن أجمل الرجال هم الحزانى. كانت تلك أيضًا أول مرّة تستشعر فيها الإحساس بأنها ربّما أكثر من مجرد امرأة؛ امرأة تُحَبّ؛ امرأة تُرام؛ امرأة تُطلَب؛ امرأة تُرغَب؛ امرأة تُشغَف لما هي عليه؛ امرأة تُراد فقط للحياة التي تقتنصها اقتناصًا؛ امرأة يُحنّ إليها للدفء الذي يعتمل في نفسها رغم أيام البرد وأيام الجفاء وأيام الخواء؛ امرأة يُشفَق عليها لقلة الحبّ في ماضيها؛ امرأة تُغبَط لطول صبرها على ماضيها؛ امرأة يُغفَر لها كلامُها القليل جدًا في الحبّ والأشواق واللوعة.
كانت تلك أول مرة تشعر فيها حوّا أنها لعلّها تحبّ، من يدري؛ ولعل هذا هو الحبّ المشابه لذاك المروي في قصص الحب، أو الذي يتحدّث عنه الناس.



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.