مفاجأة السودان لإيران.. نهاية العزلة وعودة الخرطوم لحضنها العربي

قطع العلاقات بين الخرطوم وطهران يلقى ترحيبًا واسعًا

مفاجأة السودان لإيران.. نهاية العزلة وعودة الخرطوم لحضنها العربي
TT

مفاجأة السودان لإيران.. نهاية العزلة وعودة الخرطوم لحضنها العربي

مفاجأة السودان لإيران.. نهاية العزلة وعودة الخرطوم لحضنها العربي

وجد قرار الحكومة السودانية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران تضامنًا مع المملكة العربية السعودية ترحيبًا شعبيًا ورسميًا وسياسيا، ومن قوى سياسية معارضة ومشاركة في الحكومة السودانية، ما زال يتصاعد منذ الإعلان عنه وحتى الآن.
ويرجع محللون هذا القبول إلى النظرة المتشككة في العلاقة مع إيران، وإلى أنها السبب في عزلة السودان عن محيطه الإقليمي والعربي، وإلى المحاولات الإيرانية في نشر المنهج الشيعي في بلاد كل مسلميها سنة، وإلى إحساس المواطنين أن علاقتهم بدول الخليج والمملكة العربية السعودية هي الأصل، ثقافيًا واقتصاديا واجتماعيًا، في الوقت الذي لا تربطهم فيه بإيران أي علاقات، ولا يتوقع أن يكون استمرار العلاقة معها ذا فائدة للسودانيين بأي صورة من الصور، بل ألحق بهم أضرارًا بليغة، ولم تقدم لهم علاقة عمرها قرابة ربع غير الرصاص وأدوات القتل.
وصف المرشح الأسبق لرئاسة الجمهورية والقيادي البارز بالحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة الميرغني حاتم السر، قرار الحكومة بقطع علاقاتها مع إيران تضامنًا مع المملكة العربية السعودية وبمواجهة المخططات الإيرانية العدوانية، بـ(القرار السليم)، وقال: إنه يجد الدعم والتأييد من الشعب السوداني والترحيب من القوى السياسية السودانية: «طالما اشتكت لعقود طويلة، من ارتباط السودان مع إيران بالأجندة الآيديولوجية الضيقة لجماعة الإسلام السياسي، والتي كانت سببا لدفع السودان ثمنًا باهظًا من العقوبات الدولية، والحصار الاقتصادي والوضع في قوائم الإرهاب والعزلة الدولية».
وقطع السر في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط» عشية صدور القرار، بأن من شأن القرار (الجريء) تعزيز موقف السودان مع أشقائه وجيرانه في محيطه العربي، وإخراجه من (الحلف الآيديولوجي) الذي أضر به كثيرًا، وبأنه خطوة مهمة لتصحيح مفاهيم المجتمع الدولي في تصنيفه للسودان ضمن دول محور الشر والإرهاب.
وترجع علاقات الحكومة السودانية بإيران إلى العام 1979. العام الذي أسقط فيها أنصار الخميني، الحكم الشاهنشاهي، وأعلنوا الجمهورية الإسلامية، وأخرجوا مظاهرات أيدت وقتها ما سموه (الثورة الإسلامية). ثم توترت العلاقات أثناء الحرب العراقية الإيرانية بإرسال حكومة الرئيس الأسبق جعفر النميري لقوات عسكرية ومتطوعين لنصرة العراق ضد إيران. لكن نقلة نوعية حدثت في العلاقة بمجيء «الإسلاميين» بزعامة الترابي إلى الحكم في السودان 1989. الذين وفر لهم النظام الإيراني دعمًا سياسيا وماديا وعسكريا وتسليحيًا، باعتبارهم نمطًا للثورة الإسلامية، دخل خلالها البلدان في حلف استراتيجي، فسره البعض بأنه «لقاء مطاريد».
وحظيت المعلومات المتداولة عن الدعم العسكري الإيراني للخرطوم أثناء الحرب الأهلية والتمرد في جنوب السودان وفي دارفور بعدها برواج كبير، رغم نفي الطرفين المتكرر لها، لكن عمليات الطيران الحربي الإسرائيلي داخل الأراضي السودانية، التي بلغت ذروتها بقصف مصنع (اليرموك) للأسلحة بالخرطوم 2012. زادتها رواجًا.
وأخرجت استضافة ميناء بورتسودان على البحر الأحمر مرارًا لسفن حربية إيرانية، المعلومات المتداولة من نطاق المسلمات لدى الطبقة السياسية إلى العلن، وأكدت الشكوك تجاه العلاقة التي تصفها قوى المعارضة السودانية بأنها مريبة، وتقتصر على إنفاذ أهداف إيران في المنطقة. لكن الخرطوم فجأة، ودون سابق إنذار، كشرت عن أنيابها ضد حليفتها إيران، وأغلقت في سبتمبر (أيلول) 2104 الملحقية الثقافية الإيرانية والمراكز الثقافية التابعة لها، وطردت الملحق الثقافي وموظفيه.
ووقتها، أرجع المحلل السياسي عبد الحفيظ مريود توتر العلاقات المفاجئ إلى ضغوط وتأثيرات مجموعات الإسلام السياسي، وإشراكها في الحكم، بعد أن نشطت في مناوءة الوجود الإيراني في المنطقة، ونظمت ما سمته مؤتمرا لمكافحة التشيع، ما أحدث انقلابًا مفاهيميًا مهد للنقلة التي حدثت في علاقة السودان بإيران. واكتملت عودة السودان إلى محيطه العربي في الرابع من الشهر الجاري، حين أعلن قطع علاقته الدبلوماسية بإيران وطرد سفيرها في الخرطوم وبعثته، واستدعى سفيره وطاقمه من طهران، بسبب تدخلات طهران في المنطقة، واعتدائها على سفارة وقنصلية المملكة العربية السعودية، وإعلان وقوفه مع المملكة ضد الإرهاب، وتجميد اللجنة السياسية المشتركة بين البلدين.
وأرجع أكاديمي إسلامي شهير رفض ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط» قرار السودان بقطع علاقاته مع إيران، إلى أسباب داخلية سودانية، لأن النظام الحاكم يعتمد في مشروعيته السياسية على الخطاب الديني والمؤسسات الدينية التقليدية، فإن القوى السلفية مهمة له، وإنها بدأت حملة باكرة ضد التمدد الشيعي في البلاد، إضافة لما سماه عقم العلاقة السودانية بإيران.
أما شعبيًا، فإن القرار وجد قبولاً وترحيبًا من المواطنين الغاضبين والرافضين أصلاً للحلف مع إيران، والذين يعتبرون المملكة العربية السعودية ملاذهم حين تدلهم الخطوب، والذين ينظرون إلى العلاقة مع إيران بأنها ضربت مصالحهم وعلاقاتهم، في الوقت الذي لم تتعامل فيه معهم المملكة ودول الخليج بالمثل، ففي الوقت الذي كانوا يرون فيه أن حكومة الخرطوم تمالئ إيران التي تستهدف هذه الدول، فإنهم فيها لا يجدون منها إلا كل تقدير.
وبرعت مواقع التواصل الاجتماعي في إطلاق طرف تعبر في ناحية من نواحيها عن سعادة بالقرار من قبيل: «الخارجية السودانية تمهل المواطنين فرصة 48 ساعة لتبديل أنبوبة غاز (إيران غاز) إلى أي أنبوبة أخرى»، وهي شركة غاز إيرانية في السودان، باعت أصولها لشركة سودانية عقب توتر العلاقات بين البلدين على خلفية إغلاق الملحقية الثقافية في الخرطوم سبتمبر 2014.
ولم تجرؤ حتى قوى معارضة لكل ما هو (حكومي) على انتقاد القرار، فانتقاده يدخلها في أزمة مبدئية وأخلاقية، فكل قوى المعارضة السودانية بمختلف مسمياتها كانت تنظر شذرًا للعلاقة مع إيران، وتعتبرها خصمًا عليها، لكونها تدعم نظام الحكم الذي تعارضه عسكريًا، وتمده بالسلاح والعتاد، وقال سياسي شهير لكنه طلب التكتم على اسمه: «هذا قرار يلقى مني الترحيب والاستحسان، لكني لا أستطيع التعبير عن ذلك لأسباب كثيرة، منها أن أي تأييد لقرار حكومي يمكن أن يفسر بأنه تأييد للحكومة، وأنا لا أريد أن أظهر بهذا المظهر».
وأضاف أن إيران تحاول فرض أجندتها التوسعية على العالم العربي، وأن علاقتها بالسودان، كانت مهمازًا في خاصرة العرب، ولا أظن أن عاقلاً يمكن أن يرفض مثل هذا القرار.
سعوديًا، أشاد ممثل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف السعودية إبراهيم الزين ممثلا، وعضو مجلس أمناء جامعة أفريقيا العالمية، والذي يزور السودان احتفالاً باليوبيل الذهبي للجامعة، أشاد أمس بمواقف السودان المناصرة لقضايا الأمة العربية والإسلامية وبدعمه لعاصفة الحزم، ولمحاربته لظاهرة التطرف والإرهاب.
وقال في حفل حضره الرئيس عمر البشير: «يواجه عالمنا اليوم والأمة الإسلامية عاصفتين للحزم، ولمحاربة الغلو والتطرف التي تجتاح العالم الإسلامي، وإن المواقف التي وقفها الرئيس البشير في عاصفة الحزم سيجلها التاريخ، وقد ساند السودان ودعم عاصفة الحزم التي تقودها السعودية لنصرة الأشقاء في اليمن».
من جهته، قال القيادي بالحزب الحاكم مصطفى عثمان إسماعيل ورئيس أمناء الجامعة إن بلاده ستواصل دعم عاصفة الحزم لاستعادة الشرعية في اليمن بقوله: «نقدر ونشيد بموقف الرئيس البشير في تضامنه مع المملكة العربية السعودية في وجه الخروقات الإيرانية في المنطقة، وهذه الخطوات تعد إيذانًا بإحياء التضامن الإسلامي لاستعادة الأمة الإسلامية لمكانتها». من جهتهم، عزا محللون تسارع حملات المقاطعة والاحتجاج ضد إيران من دول عربية وإقليمية، إلى موقف حكومة السودان القوي والسريع، ما كسر حاجز الرهبة، وشجع آخرين خارج المجموعة الخليجية، على اتخاذ مواقف مساندة للمملكة ومناوئة لإيران، بلغت عند بعضها حد قطع العلاقات الدبلوماسية.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».