جيل كيبل.. نضج الباحث الفرنسي في تحليل ظاهرة التطرف

سيطر أخيرًا على الساحة الثقافية والإعلامية بعد ضربة باريس الإجرامية الكبرى

جيل كيبل  -  غلاف الكتاب
جيل كيبل - غلاف الكتاب
TT

جيل كيبل.. نضج الباحث الفرنسي في تحليل ظاهرة التطرف

جيل كيبل  -  غلاف الكتاب
جيل كيبل - غلاف الكتاب

هذا وقت جيل كيبل. لا أبالغ إذا قلت إننا نعيش في عصر جيل كيبل. لقد أثبت أنه أكبر وأنضج باحث فرنسي في ما يخص تحليل الظاهرة الأصولية المتطرفة. ولهذا السبب سيطر مؤخرا على الساحة الثقافية والإعلامية بعد ضربة باريس الإجرامية الكبرى. لقد لجأوا إليه في وقت الشدة والضيق بعد أن أدركوا أنه وحده القادر على مواجهة الوضع بسبب تخصصه المزمن والمتواصل في الحركات الدينية ليس فقط داخل فرنسا وإنما خارجها أيضا. فكتابه الأول كان عن مصر والجماعات الإخوانية والإسلاموية: «النبي والفرعون». وبه اشتهر. ثم تلته كتب متلاحقة لا تقل أهمية إن لم تزد: كـ«الجهاد»، و«ضواحي الإسلام: ولادة دين جديد في فرنسا»، و«الفتنة الكبرى: حرب في قلب الإسلام»، و«القاعدة في نصوصها»، إلخ.
نقول ذلك وبخاصة أن تحليلات الآخرين أثبتت قصر نظرها أو حتى فشلها الذريع في تفسير ما حصل لفرنسا عشية ذلك اليوم المشؤوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. فبعضهم ممن يدعون بالفلاسفة الكبار كميشال أونفري مثلا قدموا تفسيرا غوغائيا، خنفشاريا، يتجاوز كل عقل أو منطق. بل ويخلع المشروعية على الإرهاب الداعشي محولا الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية. ليس غريبا إذن أن يكون هذا الشخص قد توارى عن الأنظار بعد تلك السقطة المريعة. وهنا يظهر الفرق واضحا جليا بين الباحث المختص بالموضوع، والباحث الطارئ المتطفل عليه دون أي معرفة دقيقة أو معمقة حتى ولو كان مفكرا كبيرا. نصيحة أخوية: أيها المثقفون لا تتدخلوا في كل شاردة وواردة، أقصد لا تدلوا بآرائكم إلا في المسائل التي تدخل ضمن دائرة اهتماماتكم واختصاصاتكم وإلا فسوف تنفضحون و«تتشرشحون» كما حصل لميشال أونفري، الذي حتى «داعش» استشهد بأفكاره إعجابا بها. فهل هناك «شرف» أكبر من هذا الشرف؟
أعترف بأنني كنت من قراء ميشال أونفري، بل والمعجبين به وبخاصة سلسلة كتبه المتلاحقة عن «تاريخ مضاد للفلسفة». فهو كاتب ذو أسلوب حقيقي مشوق وليس فيلسوفا وعرا جافا على طريقة هابرماس مثلا. إنني أصاب بعسر هضم وأحيانا بقرحة في المعدة عندما أقرأ هابرماس وجمله الطويلة المعقدة التي تتجاوز أحيانا الثلاثة أسطر.. لكنه من حيث المضمون العقلاني ورجاحة التفكير يعتبر بمثابة كانط أو هيغل العصر الراهن. على أي حال فإن جيل كيبل لم يكتف بالإكثار من إعطاء المقابلات على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد وموجات الراديو (لم نر غيره في الأسابيع الأخيرة)، وإنما أصدر كتابا ضخما بعنوان «شبح الرعب يخيم على فرنسا» (منشورات «غاليمار».. أكثر من 350 صفحة). وهو عنوان يذكرني بفيلم سينمائي طالما رأيته في السابق بكل استمتاع وارتجاف ورعب بعنوان «خوف يخيم على المدينة». وفيه يأخذ ذلك الممثل الرائع جان بول بلموندو كل أبعاده.
هناك خوف يخيم على فرنسا دون أدنى شك. فضواحي الإسلام تزأر ولن تكف عن الزئير قبل أن تحصل إصلاحات حقيقية وتنتهي الموجة الأصولية أو يتلاشى هيجانها. بمعنى آخر فهناك أسباب داخلية وأسباب خارجية لموجة التطرف. وميزة جيل كيبل هي أنه لا يهمل إطلاقا الأسباب الداخلية لانفجار العنف الأصولي داخل فرنسا وضدها. وموقفه هذا يستحق التنويه والتقدير لأنه يتناقض كليا مع التفسيرات اليمينية الطائفية والعنصرية لظاهرة التطرف. ولا غرابة في ذلك، فالرجل ذو منطلقات تنويرية، سوسيولوجية، يسارية، منذ بداية حياته العلمية والنضالية. صحيح أنه ابتعد عن مواقع اليسار المراهق أو المتطرف، لكنه ظل مفكرا عقلانيا تنويريا يأخذ مسألة العدالة الاجتماعية والتضامن الإنساني بعين الاعتبار. لهذا السبب يكرهه اليمين المتطرف الفرنسي كما تكرهه بالطبع كل الحركات الإخوانية والأصولية في العالم العربي والإسلامي ككل. وفي كلتا الحالتين فهذا شرف له.
ما الذي يقوله لنا جيل كيبل؟ ليس هدفي هنا استعراض كتابه الضخم، {العنف في قلب فرنسا} فهذا يتطلب مقالات عديدة ومطولة لا مقالة واحدة. وإنما فقط التركيز على بعض أطروحاته الأساسية. يقول لنا إن هدف المتطرفين الداعشيين هو إثارة حرب أهلية في فرنسا. أعترف بأن هذه الفكرة أدهشتني جدا في البداية، وأكاد أقول صدمتني. هل يعقل أن تكون فرنسا ذلك البلد القوي الراسخ بنيانا ومؤسساتيا مهددة من قبل حرب أهلية؟ ماذا سنقول إذن عن بلداننا العربية والإسلامية الهشة إلى أقصى الحدود؟ كنا نعتقد أن فرنسا تجاوزت الحرب الأهلية المريعة بين الكاثوليكيين والبروتستانتيين. وقد أدمتها ودمرتها طيلة القرنين السادس عشر والسابع عشر. وقد تجاوزتها فعلا. لكنها مهددة الآن من قبل حرب أهلية جديدة بين المجتمع ككل من جهة، وفئة المتطرفين من جهة أخرى.
ينبغي العلم بأن ضواحي الإسلام أصبحت في أحيان عديدة مناطق منغلقة على ذاتها وشبه مستقلة ولا تتجرأ حتى فرق البوليس ورجال الأمن على دخولها. من يصدق ذلك؟ وفي شهر رمضان لا تستطيع أن تفطر فيها إذا كان وجهك عربيا أو مغاربي السحنة. بمعنى تشعر وكأنك في مدن طالبان ولست في فرنسا على الإطلاق. من لم يعش في فرنسا مطولا لا يدرك معنى كلامي على حقيقته. لكن تذكروا: هناك ما لا يقل عن أربعة ملايين أو خمسة ملايين فرنسي مسلم وربما أكثر. وهذا عدد ضخم بل وأكبر من عدد سكان عدة دول في العالم. هذا لا يعني أنهم كلهم متطرفون!.. وإلا لكانت النتيجة كارثة. فأغلبيتهم مندمجة في المجتمع الفرنسي ولا تبغي إلا الخير لنفسها ولغيرها. وفيهم ناجحون كثيرون والحمد لله. فيهم نواب ووزراء وأطباء كبار وصيادلة وأساتذة جامعات وعلماء وعمال محترفون ومهندسون، إلخ. لكن فيهم أقلية كبيرة من الحركيين المسيسين الميالين إلى العنف. وبسبب البطالة والعطالة والفقر المدقع فقد تشكلت بيئة حاضنة من دون أدنى شك.
من هنا يأتي الخوف والرعب. وهنا تقع على كاهل السلطات الفرنسية مسؤولية كبيرة. فالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تأخرت كثيرا كانت ستؤدي إلى تجفيف منابع الإرهاب. لكنها ليست كافية على الرغم من أهميتها وضرورتها. فهناك سبب آخر لهذا التجييش غير المسبوق من المتطرفين والمتشددين هو: تهييج من يلقبوا بـ«مشايخ السلفية والإخوانجية» على الشبكة العنكبوتية. فالشاب المغترب ما عاد بحاجة إلى مدارس تكفيرية لكي يتهيج ويتعصب ولا حتى إلى مساجد وخطب جمعة حامية. يكفي أن يفتح جهازه على المواقع الداعشية وغير الداعشية على الإنترنت لكي يجد ضالته ويشبع شبعا من الراديكالية ويطير عقله. وقد أثبت المتطرفون كما يقول جيل كيبل فعالية هائلة في تجييش الشباب وتعبئتهم ضد «الكفار»: أي ضد المجتمع الفرنسي كله في نهاية المطاف. لقد نجحوا في هذه العملية أيما نجاح.
نقول ذلك وبخاصة أن الحداثة الفرنسية فقدت وهجها وألقها. لماذا؟ لأن الشاب المغترب إذا لم يجد عملا في نهاية تخرجه في المدرسة أو الجامعة فإنه سيكفر بها. وهذا ما حصل. ما معنى شهادة لا تؤدي إلى باب للرزق والحفاظ على الكرامة؟ ما معنى أن تتحول إلى «كلوشار» عاطل عن العمل متسكع في الشوارع من دون أفق ولا أمل؟ نقول ذلك وبخاصة أنك تعيش في بلد غني يضج بالثروات والإمكانيات والمباهج المادية الاستهلاكية؟ ما معنى أن تقف مكتوف اليدين أمام كل هذه النعمة وأنت محروم منها؟ هكذا نلاحظ أن الأسباب الداخلية والخارجية تتشابكان لكي تؤديا في نهاية المطاف إلى انفجار مشكلة التشدد والتطرف بشكل بركاني عنيف. وهذا هو عنوان كتابي الجديد الذي سيصدر قريبا عن دار «الساقي» في بيروت بعنوان «العرب والبراكين التراثية». فالفقر المدقع من جهة، والتجييش الديني التكفيري على الشبكة العنكبوتية من جهة أخرى، يشكلان ملغمة خطرة جدا تؤدي إلى أفدح الفظائع والأعمال. وإذا عرف السبب بطل العجب.
تضاف إلى كل ذلك فكرة ثانية أو ثالثة، وهي أن هيجان الإسلامويين المتشددين يؤدي إلى هيجان اليمين المتطرف، والعكس بالعكس. هكذا تجد فرنسا نفسها أمام استقطاب حاد بل وجهنمي خطير بين اليمين المتطرف من جهة، والشباب المتشدد الراديكالي من جهة أخرى. وعن هذا الاستقطاب العنيف قد تندلع الحرب الأهلية. لكن للحق والتاريخ فإن جيل كيبل لا يضع جمهور اليمين المتطرف ومجانين الدواعش على المستوى نفسه. وهو جمهور يصل إلى خمسة ملايين أو ستة ملايين من أصل ستين مليونا للشعب الفرنسي ككل. فاليميني الفرنسي لا يدعو إلى ذبح العرب والمسلمين لأنهم عرب أو مسلمون. ولو أنه فعل ذلك لجرت الدماء أنهارا في شوارع فرنسا بعد تلك الضربة الغادرة للقتلة المجرمين ليلة 13 نوفمبر. واليمين المتطرف الفرنسي لا يكفر الآخرين كما يفعل الدواعش، لكنه لا يحب العرب ولا الإسلام. هذه حقيقة.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.