ماذا خسرت كوريا الشمالية اقتصاديًا بخيار «الانعزال»؟

الفجوة بين الجارتين تتسع.. ومقارنة الدخل تتجاوز 17 ضعفًا

جانب من مدينة بيونغ يانغ عاصمة كوريا الشمالية
جانب من مدينة بيونغ يانغ عاصمة كوريا الشمالية
TT

ماذا خسرت كوريا الشمالية اقتصاديًا بخيار «الانعزال»؟

جانب من مدينة بيونغ يانغ عاصمة كوريا الشمالية
جانب من مدينة بيونغ يانغ عاصمة كوريا الشمالية

سامسونغ وهيونداي وإل جي، شركات كورية رائدة على مستوى العالم، لم تكن لتصير إلى ما وصلت إليه لو كانت استثماراتها أنشئت لدى جارتها الشمالية في شبة القارة الكورية، التي انقسمت إلى دولتين بعد الحرب العالمية الثانية، هما الجارتان العدوتان كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.
وعلى النقيض من بعضهما البعض في كل شيء تقريبا، انطلقت كوريا الجنوبية بالتركيز على الاقتصاد المتخصص والتكنولوجي بشكل خاص، بينما كرست كوريا الشمالية كل طاقتها لتنمية اقتصاد مغلق في ظل نظام سلطوي عسكري، التي تعد من الدول الشيوعية القليلة المتبقية بعد انهيار دول الاتحاد السوفياتي.
وكان لدى كوريا الشمالية معدل دخل محلي متقارب مع جارتها الجنوبية في أعقاب الحرب الكورية في الخمسينات. ولكن مع بداية الستينات حققت كوريا الجنوبية نموا اقتصاديا سريعا وشجعت الحكومة على استيراد المواد الخام والتكنولوجيا على حساب السلع الاستهلاكية، ليرتفع دخل الفرد إلى ما يقرب من 17 ضعف المستوى في كوريا الشمالية، وتتسع الفجوة بين الكوريتين بشكل كبير.
وعند المقارنة بين اقتصاد الدولتين، نجد فروقا شاسعة بينهما، إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الشمالية نحو 40 مليار دولار، بينما وصل في الجنوبية إلى 1622 مليار دولار، ويبلغ معدل النمو الحقيقي المقدر في كوريا الشمالية 0.8 في المائة، بينما وصل في الجنوبية إلى 2.7 في المائة. وفقا لتقرير نشره موقع «بيزنس انسايدر» نقلا عن صحيفة «الغارديان» البريطانية.
وفي حين بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كوريا الجنوبية 32.400 دولار أميركي سنويًا، بلغ في كوريا الشمالية 1.800 دولار فقط، مما يوازي نحو 5 في المائة فقط من نظيره الجنوبي.
وتصدر كوريا الشمالية صادرات سنوية بقيمة 4.71 مليار دولار تقريبا، بينما بلغت صادرات جارتها الجنوبية رائدة صناعة التكنولوجيا في العالم أكثر من 552 مليار دولار.
وتخشى الكثير من الاستثمارات الأجنبية من التوجه إلى كوريا الشمالية في ظل غياب سياسية اقتصادية متوازنة، ومناخ استثماري جاذب، ومؤسسات تحمي حقوقهم واستثماراتهم.
وعلى مستوى آخر، فنتيجة لنقص الغذاء وسوء الحالة الصحية للمواطنين، يموت نحو 26 طفلا من كل ألف طفل يولد حديثًا في كوريا الشمالية، بينما 4 أطفال فقط يموتون في كوريا الجنوبية. ويبلغ متوسط الأعمار في كوريا الشمالية نحو 69.2 سنة، بينما يصل إلى 79.3 في الجنوبية، أي بفارق 10 سنوات كاملة. وتصل معدلات جرائم القتل العمد في كوريا الشمالية إلى نحو 15.2 من بين كل 100 ألف فرد، بينما تبلغ 2.6 لدى الجارة الجنوبية. وفي حين يتمكن أقل من 0.1 في المائة من الكوريين الشماليين من الدخول على الإنترنت، يتمتع نحو 81.5 من الجنوبيين بإمكانية الدخول على الإنترنت.
ومن الناحية العسكرية، يخدم نحو 1.19 مليون كوري شمالي في الجيش، أي نحو 8.5 في المائة من القوى العاملة في البلاد. بينما يخدم أكثر بقليل من نصف هذا العدد في كوريا الجنوبية، وبنحو 655 ألف فرد. وهو ما يعني توجيه نسبة أكبر من حجم القوى العاملة لنشاطات إنتاجية وخدمية في مختلف القطاعات، بدلا من الضغط على الموازنات الحكومية من دون خلق إنتاج يشعر به المواطن.
وفي كوريا الشمالية، توجد فقط 2.83 في المائة من الطرق في البلاد مرصوفة، حيث يوجد نحو 25.554 كيلومتر من الطرق، منها 724 كيلومترا مرصوفة بينما الباقي ترابية فقط.
وتعتبر كوريا الشمالية ضمن قائمة أكثر البلاد فسادًا في القطاع العام، وفقا لمؤشر الفساد العالمي السنوي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، وجاءت جنبًا إلى جنب مع الصومال.
ويعد الحصول على معلومات حول الاقتصاد بكوريا الشمالية غاية في الصعوبة، وإن وجدت فهي شحيحة للغاية، حيث إن السلطات في البلاد لا تصدر بيانات مالية أو إحصائية عن الأوضاع الحالية في البلاد، إلا في بعض التقارير الدولية التي تبنيها على أساس تقديرات ومسوح استطلاعية. وصنف تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية بعنوان «كتاب حقائق الدولية»، الاقتصاد بكوريا الشمالية بـ«غير الجيد».
ويبين التقرير أن الاقتصاد بكوريا الشمالية يعتمد على الصناعة التي تساهم بنحو نصف الناتج المحلي الإجمالي، وتعتبر المحرك الأساسي للاقتصاد، ولكن تتركز أغلبها في الصناعات العسكرية، وتستنفد الكثير من الموارد اللازمة للاستثمار والاستهلاك المدني. أما الصناعات غير العسكرية، فتعاني من نقص قطع الغيار، وضعف الصيانة وغياب الاستثمارات والخبرات الدولية. وتنحصر في صناعة بعض الآلات بجانب صناعة الكيماويات والصناعات التعدينية. ويلي قطاع الصناعة قطاع الخدمات ثم قطاع الزراعة وقطاع السياحة المرتبة الرابعة.
وتنحصر التبادلات التجارية لكوريا الشمالية في بلدان محدودة للغاية، وأبرز الشركاء التجاريين لها هي الصين التي تستورد نحو 54 في المائة من الصادرات الكورية الشمالية، تليها الجزائر بنحو 30 في المائة، ثم كوريا الجنوبية بنحو 16 في المائة. بينما تستورد كوريا الشمالية نحو 80 في المائة من واردتها من الصين، تليها كوريا الجنوبية بنحو 11 في المائة، والكونغو بنحو 4.5 في المائة. وفق آخر تقديرات لتقرير وكالة المخابرات الأميركية.
وعلى صعيد مستوى المعيشة للكوريين الشماليين، أشارت تقارير سابقة للأمم المتحدة إلى أن نحو ربع السكان أو نحو ستة ملايين شخص، لا يملكون ما يكفي لتناول الطعام، ونحو مليون منهم من الأطفال دون سن الخامسة.
وازدادت مشكلة نقص الغذاء المزمن منذ عقود في كوريا الشمالية، وتفاقمت خاصة في التسعينات، وهي ناجمة في أغلبها عن المشكلات البنيوية، بما في ذلك نقص الأراضي الصالحة للزراعة بشكل حاد، والممارسات الزراعية الخاطئة، وسوء نوعية التربة ونقص حاد في الأسمدة، وعدم كفاية الأدوات والآلات الزراعية بالإضافة إلى الوقود والموارد اللازمة الصيانة. وقد سمحت الشحنات الدولية بالمساعدات الغذائية لشعب كوريا الشمالية للهروب من المجاعة على نطاق واسع في عام 1995. ولا يزال السكان يعانون من سوء التغذية لفترات طويلة وسوء الأحوال المعيشية.
وعلى الرغم من حال كوريا الشمالية الفقير والأقل تطورًا، والمتعارض بشكل حاد مع حالة نظيرتها الجنوبية، التي تحوز واحدا من أكبر وأكثر اقتصادات العالم تنوعًا، فإن الغريب في الأمر، أن نسبة كبيرة من اللاجئين الشماليين في كوريا الجنوبية يقرر العودة إلى كوريا الشمالية بعد فترة من اللجوء في كوريا الجنوبية ولا يستطيع تكملة بقية حياته بعيدًا عن بلاده.

*الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»



نشاط قطاع الخدمات الأميركي يتسارع لأعلى مستوى له في أكثر من عامين

عاملة في مخبز بسوق ريدينغ ترمينال في فيلادلفيا (رويترز)
عاملة في مخبز بسوق ريدينغ ترمينال في فيلادلفيا (رويترز)
TT

نشاط قطاع الخدمات الأميركي يتسارع لأعلى مستوى له في أكثر من عامين

عاملة في مخبز بسوق ريدينغ ترمينال في فيلادلفيا (رويترز)
عاملة في مخبز بسوق ريدينغ ترمينال في فيلادلفيا (رويترز)

تسارع نشاط قطاع الخدمات الأميركي بشكل غير متوقع في أكتوبر (تشرين الأول) إلى أعلى مستوى له في أكثر من عامين، مع تعزيز في التوظيف، وهو دليل آخر على أن الاقتصاد في حالة قوية، مع توجه الأمة إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس القادم.

وقال معهد إدارة التوريدات يوم الثلاثاء، إن مؤشر مديري المشتريات غير الصناعي تسارع إلى 56 الشهر الماضي من 54.9 في الشهر السابق، وهو أعلى مستوى منذ أغسطس (آب) 2022.

وكان خبراء اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا انخفاض مؤشر مديري المشتريات للخدمات إلى 53.8. وتشير قراءة المؤشر فوق 50 إلى نمو في قطاع الخدمات الذي يمثل أكثر من ثلثي الاقتصاد. ويرى معهد إدارة التوريدات أن قراءات المؤشر فوق 49 بمرور الوقت تشير عموماً إلى توسع الاقتصاد الكلي.

ويأتي التقرير في اليوم الذي يختار فيه الأميركيون بين نائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب لرئاسة البيت الأبيض. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن السباق المتقارب قد يتوقف على آراء الناخبين بشأن الاقتصاد؛ حيث تظل الأسعار المرتفعة مصدر قلق مستمر للأسر رغم عودة التضخم إلى مستويات شبه طبيعية، في وقت تبقى فيه البطالة منخفضة، وبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة للحفاظ على هذا الوضع.

ومن المتوقع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة مرة أخرى يوم الخميس، بمقدار ربع نقطة مئوية، إلى نطاق 4.50- 4.75 في المائة. وكان البنك قد خفض الفائدة في سبتمبر (أيلول) بمقدار نصف نقطة مئوية؛ لكن البيانات الاقتصادية المتفائلة إلى حد بعيد منذ ذلك الحين -بما في ذلك زيادة سنوية بنسبة 2.8 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث، والإنفاق الاستهلاكي القوي- قد قللت من احتمالات مزيد من التخفيضات الكبيرة في المستقبل القريب.

وانخفض مقياس الطلبات الجديدة في مسح معهد إدارة التوريدات إلى 57.4 في أكتوبر من 59.4 في سبتمبر. كما تراجع مقياس أسعار الخدمات المدفوعة إلى 58.1، بعد أن بلغ أعلى مستوى له في 8 أشهر في الشهر السابق عند 59.4. في المقابل، ارتفع مقياس التوظيف في قطاع الخدمات إلى 53.0 في أكتوبر، مقارنة بـ48.1 في سبتمبر، وهو ما يشير إلى تعزيز نمو الوظائف.

ورغم ذلك، تبدو هذه القراءة متناقضة مع تقرير وزارة العمل الذي أظهر تباطؤاً حاداً في التوظيف الشهر الماضي؛ حيث أضاف أصحاب العمل 12 ألف وظيفة فقط. ورغم أن التقرير عُدَّ مبالغة في تقدير ضعف سوق العمل، بسبب الإضراب المستمر لشركة «بوينغ» الذي أثر بشكل كبير على وظائف التصنيع، والأعاصير التي عطلت أكثر من نصف مليون شخص عن العمل، فإنه تضمن أيضاً أدلة على تهدئة ظروف العمل.

ويبلغ متوسط ​​مكاسب الوظائف الشهرية على مدى 3 أشهر الآن 104 آلاف وظيفة، وهو أقل من المطلوب لمواكبة نمو السكان. ورغم ثبات معدل البطالة عند 4.1 في المائة، فإن ذلك يرجع إلى حد بعيد إلى خروج مزيد من الأشخاص من قوة العمل.