وكيل الأزهر: السعودية تواجه إرهابًا يحاول النيل من الأمة.. والتحالف الإسلامي «مصد المؤامرات»

د. عباس شومان وصف الاعتداء على سفارة الرياض في طهران بـ«الفظ»

الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر («الشرق الأوسط»)
الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر («الشرق الأوسط»)
TT

وكيل الأزهر: السعودية تواجه إرهابًا يحاول النيل من الأمة.. والتحالف الإسلامي «مصد المؤامرات»

الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر («الشرق الأوسط»)
الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر («الشرق الأوسط»)

رفض الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، محاولات بعض الدول للتدخل في شؤون السعودية الداخلية، وقال إن «السعودية لها الحق في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على أمنها»، وذلك في تعقيبه على حكمها الأخير بتنفيذ الإعدام بحق 47 إرهابيا. ووصف، في حوار مع «الشرق الأوسط» بمكتبه بمقر مشيخة الأزهر بالقاهرة، مشهد حرق السفارة السعودية في طهران بـ«الفظ»، مضيفا أن «الأمة الإسلامية الآن في حاجة ماسة للتحالف الإسلامي العسكري.. وهو خطوة لتحقيق وحدتها وتضامنها، وللتصدي لكل المؤامرات التي تحاك ليل نهار ضد الأمة الإسلامية».
وقال الدكتور شومان، وهو الأمين العام لهيئة كبار العلماء بمصر، إن «السعودية تقوم بمجهودات كبيرة، أراها واجبة على كل الدول الإسلامية، لمواجهة الجماعات المتطرفة وفي مقدمتها تنظيم داعش الإرهابي»، مؤكدا أن «الأزهر لا يستطيع تكفير (داعش)، لأن الحكم بالتكفير إنما هو اختصاص القضاء».
ووجه الدكتور شومان، الذي يعد الرجل الثاني في مشيخة الأزهر، رسالة لقيادات جماعة الإخوان الهاربين خارج مصر، قائلا: «عودوا لرشدكم بدلا من دعواتكم الكثيرة للتخريب»، مؤكدا أن دعواتهم للتظاهر في الذكرى الخامسة لـ«ثورة 25 يناير» خيانة. وفي ما يلي أهم ما جاء في الحوار:
> دعا الأزهر وهيئة كبار العلماء لعدم التدخل في شؤون السعودية عقب اقتحام متشددين إيرانيين مقر سفارتها وقنصليتها في طهران.. كيف ترى التعدي السافر والتدخل في شؤون السعودية من جانب إيران.. وما تعقيبكم على حكم السعودية بإعدام 47 إرهابيا؟
- الأزهر ضد التدخل في الشؤون الداخلية للدول خاصة السعودية، أما المشهد «الفظ» الذي أحاط بحادث السفارة السعودية في طهران فلن يؤدي إلى حل المشكلات العالقة.. أما أحكام الإعدام التي أصدرتها السعودية في حق 47 شخصا، من بينهم «شيعي»، فأقول: كل دولة لها الحق في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على أمنها.
> أطلقت السعودية التحالف الإسلامي للتصدي لأفكار الجماعات المتطرفة وفي مقدمتها «داعش».. كيف ترون تكوين هذا التحالف الآن؟
- الأمة الإسلامية اليوم في حاجة ماسة إلى ما يحقق لها وحدتها وتضامنها، ولا شك أن إطلاق السعودية للتحالف الإسلامي يعد خطوة مهمة تأخرت كثيرا، فالتكامل العسكري بين الدول الإسلامية أمر في غاية الأهمية، وليس بالضرورة أن يكون للمسلمين جيش واحد وقيادة واحدة؛ لكن تكفي الخطوة الأولى بتوقيع اتفاقات بين الدول الإسلامية للدفاع المشترك ضد أي اعتداء يقع على أي دولة إسلامية، ولا مانع من تكوين تحالف على غرار «حلف الناتو» مثلا تشارك فيه جميع الدول الإسلامية، وتحدد اتفاقياته كيفية تعامله وتدخله عند حدوث الأزمات دون تعقيدات ومفاوضات قد لا يحتملها الوقت.. فما يمر به العالم من أحداث مؤسفة أصابت كثيرا من البشر في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ومن كوارث متلاحقة، لم يكن عالمنا الإسلامي بمعزل عنه؛ بل نال أمتنا الإسلامية منه ما لم ينل غيرها من الأمم، ونجح أعداء أمتنا في النيل من العديد من دولنا الإسلامية بأساليب متعددة، منها بث الفتن التي أشعلت حروبا عسكرية بين دول إسلامية كما حدث بين العراق وإيران، وربما بين دول تنتمي إلى الهوية ذاتها كما حدث بين العراق والكويت، ومنها الاستهداف الاقتصادي، واستخدام ذرائع وأكاذيب كادعاء دعم بعض الدول الإسلامية للإرهاب، وهو ما ترتب عليه تدمير أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن بأيديهم (أعداء الأمة) وأيدي بعض أبناء هذه الدول للأسف الشديد.. وكذلك غض الطرف عن الفظائع التي تُرتكب من دول وجماعات عنصرية كإسرائيل التي تُنكل بأصحاب الأرض المغتصبة وتقتل الأطفال والشيوخ والنساء من الفلسطينيين على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وسكوت العالم على الجرائم التي ارتكبت في البوسنة والهرسك وفي الشيشان وغيرهما من بلاد المسلمين، فضلا عن الصمم والعمى الذي أصاب العالم عن الفظائع التي كادت تُجهز على وجود أي أثر للمسلمين كما يحدث في بورما حتى وقتنا هذا.
> وماذا عن الجماعات الإرهابية؟
- كان من آخر مصائب عالمنا الإسلامي تلك الجماعات الإرهابية التي زُرعت بيننا برعاية ودعم كبير من أعداء الأمة التاريخيين، واتخذت من خلافات محلية وقودا لتنفيذ مخططات تستهدف الإسلام والمسلمين.. والأدهى والأمرّ أنها تتستر بالدين وتتسمى باسمه، وديننا من هذه الفظائع التي ترتكب في حق جميع البشر براء «براءة الذئب من دم ابن يعقوب».. لذلك نأمل أن يكون للتحالف الإسلامي دور مهم في الوقوف والتصدي لكل المؤامرات التي تحاك «ليل نهار» ضد الأمة الإسلامية.
> في رأيك.. كيف تتحقق وحدة المسلمين؟
- حتى تتحقق هذه الوحدة يلزمنا القيام ببعض الأمور، منها القناعة بأن هذه الوحدة هي سبيلنا الأوحد وخيارنا الاستراتيجي الذي لا بديل عنه، والإيمان بالتعددية المذهبية والفقهية، وعدم سعي فريق للاستحواذ على فريق آخر أو النيل من معتقداته، والسعي الحثيث لإحداث تقارب بين السنة والشيعة، ونبذ صور التعصب المقيت الذي يباعد بين الطرفين ويضع العراقيل التي لا يمكن معها تحقيق أي وحدة بين المسلمين، واحترام أنظمة الحكم وقوانين كل دولة من دول المسلمين وعدم التدخل في شأنها الداخلي.
> وما رأيكم في ما تقوم به السعودية بشأن التصدي للجماعات المتطرفة وفي مقدمتها «داعش»؟
- السعودية تقوم بجهود كبيرة أراها واجبة على كل الدول الإسلامية لمواجهة الأفكار والسموم التي تحاول النيل من الأمة وشبابها، فوجود مثل تلك الجماعات المتطرفة خاصة «داعش» هدفه الأساسي تدمير الأمة بتدمير عقيدتها، وما نسمعه يوميا من فتاوى داعشية ما هو إلا خطة محكمة تهدف لتدمير وتشويه التراث الإسلامي.. ومن هنا يجب على جميع الدول الإسلامية التصدي لهذه السموم الفكرية.
> المواجهة الفكرية أحد أركان التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب.. ما هي رؤيتكم في التصدي للتطرف فكريا؟
- حتى يتم التصدي لهذا الفكر الإرهابي المتشدد الذي يحاول تدمير العقيدة وهدم الدين، يجب الاتفاق على معايير ومنطلقات محددة تضبط حركة الفكر الإسلامي لنبني خطابا غير متنافر ولا متضارب ينطلق من ثوابت الدين، مستفيدا من تراثنا ومناسبا لزماننا، وهذا يقتضي تبني مناهج تعليمية متوازنة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتراعي التفاوت الثقافي بين الدول والشعوب، مع تبادل الخبرات بين المؤسسات التعليمية والدعوية والثقافية في الدول الإسلامية.
> يتردد من وقت لآخر انضمام أجانب لـ«داعش»، والكثيرون في الغرب طالبوا الأزهر أكثر من مرة بإصدار فتوى لتكفير «داعش».. هل يحتاج العالم لمثل هذه الفتوى؟
- إن الحديث عن خطورة الفكر التكفيري يدعونا إلى الاستفادة مما قدمه العلماء الثقات من أنحاء المعمورة، الذين أجمعوا على خطورة الفكر التكفيري، وبينوا للناس أن ديننا دين السماحة يأبى تكفير الناس إلا بيقين، وأنه لا مجال لتكفير من نطق بالشهادتين؛ إلا بجحدهما جملة أو إحداهما، أو أنكر ما عُلم من ديننا بالضرورة، كما بينوا أن الحكم بالتكفير إنما هو من اختصاص القضاء.. أما العلماء فمجال حديثهم في التكفير يقتصر على التحذير منه، وبيان خطورته، وتوضيح الأمور المكفرة دون إسقاط أحكام الكفر على الناس كما يحلو لكثير من مدعي العلم في زماننا.
> وما رأيكم في تكفير «داعش» للمجتمعات وكل من يخالفه؟
- أمر هؤلاء يثير الشفقة عليهم في نفوس العلماء العارفين بخطورة التكفير، ويكفي لبيان غفلة هؤلاء المكفرين قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رُدت إليه»، ولعلهم سمعوا يوما قول رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) لسيدنا أسامة بن زيد (رضي الله عنه) منكرا قتله لرجل قال «لا إله إلا الله» حين أدرك أنه مقتول: «فهلا شققت عن قلبه؟»، وإنكاره كذلك (صلى الله عليه وسلم) على سيف الله المسلول خالد بن الوليد (رضي الله عنه) قتله جماعة في معركة بعد أن قالوا «صبأنا»، وهي مجرد كلمة لا تعني أكثر من الخروج من دين إلى دين آخر، ولذا تصدق على من خرج من الإسلام إلى الكفر، وعلى من خرج من اليهودية إلى النصرانية، ولا تختص بالدخول في الإسلام أو الخروج منه، ومع ذلك رآها رسولنا (صلى الله عليه وسلم) كافية وموجبة للتوقف عن قتالهم حتى يعلم حقيقة أمرهم، لاحتمال دخولهم في الإسلام؛ حيث كانوا يقاتلون عليه، ولذا أنكر رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) على سيدنا خالد (رضي الله عنه)، وتبرأ من فعله، فقال: «اللهم إني لم آمر، ولم أشهد، ولم أرض إذ بلغني.. اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد». فإذا كان مجرد الشبهة كافيا لعصمة النفس، وإن احتمل وجود الكفر فيها، فما بالنا بأناس يكفرون قوما يصلون ويصومون ويزكون ويحجون لمجرد اختلافهم معهم في أمر من أمور الدنيا، قد يكون اعتناق نهج سياسي لا يرضي حملة صكوك التكفير والإيمان ممن ابتلينا بهم ممن يحسبهم الناس من علماء الزمان وليسوا كذلك؛ بل إن العالم الحقيقي لا يحكم بكفر شخص احتمل الكفر من ألف وجه واحتمل الإيمان من وجه واحد، حذرا من أن يكفر مؤمنا فيكفر؟
> يحاول بعض عناصر جماعة الإخوان من وقت لآخر تكدير العلاقة بين مصر والسعودية.. كيف ترون هذه العلاقة الآن، وما تقييمكم لدور علماء السعودية في لم الشمل العربي؟
- العلاقة بين الرياض والقاهرة لا يمكن لأي فصيل كان أن يعكرها لأسباب كثيرة منها، أن مصر والسعودية تقفان على ثغر مهم، وهو ثغر حماية الأمة فكريا وعقديا، وما يبذله علماء الأزهر بمصر والسعودية مهم وحيوي لمواجهة أي فكر يحاول النيل من العلاقة، وأعتبر تلك المحاولات (أي محاولات «الإخوان» للوقيعة بين البلدين) بمثابة الحرث في الماء، ويكفي أن القيادة السياسية في البلدين تعي جيدا تلك المؤامرات ولا تأبه لها.
> هناك من يحاول تأجيج الخلاف السني - الشيعي في المنطقة.. ما تعليقكم؟
- من أهم وسائل إيقاع الشقاق بين المسلمين تقسيمهم إلى مذاهب عقدية، أي تقسيمهم إلى سنة وشيعة، وإذكاء روح الخلاف بينهم ليصل إلى اتهام بعضهم للبعض الآخر بالبعد عن الإسلام. ولقد وقع هذا الاختلاف العقدي في فجر الإسلام قبل انتهاء زمن الخلافة الراشدة، وانقسم الناس إلى سنة وشيعة وخوارج في زمن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فلم يكفر أحدا منهم؛ بل رفض تكفيرهم، قائلا «إخواننا بغوا علينا»، وكان يقول للخارجين عليه: «لكم علينا ألا نمنعكم مساجد الله ولا نبدؤكم بقتال».. ولذا فإن هذا التباعد بين المسلمين السنة والشيعة يمكن تضييق فجوته بالاتفاق على الثوابت التي تحترم الآخر وما يعتقده، واحترام آل بيت النبوة وصحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بحيث يبقى الإسلام هو الشجرة التي يستظل الجميع بظلها الوفير، ومن ثم لا تكون هناك حاجة لأن يسعى السنة إلى جلب الشيعة إلى مذهبهم، ولا لأن يلجأ الشيعة إلى تشييع السنة. وأسوق لك مثالا بمكتبة الأزهر العامرة بكتب المذهب الشيعي التي يمكن رجوع الطلاب المتخصصين في المذاهب إليها وقتما شاءوا، وهذا أمر لا غبار عليه من الناحية الأكاديمية والبحثية، فضلا عن أن الأزهر يدرس مذهبين من مذاهب الشيعة ضمن المذاهب الفقهية المعترف بها «الإمامية والزيدية»، ويتم الاستدلال منهما في الرسائل العلمية الفقهية، وكتابات علماء الأزهر وفي مقدمتهم شيخ الأزهر تستشهد بعبارات من كتب المراجع الشيعية المعتدلة.
> كيف تردون على الهجوم الإعلامي على الأزهر عقب تنظيمه مسابقة عن «فكر الشيعة» للطلاب الوافدين؟
- الأزهر عبر تاريخه مركز لوحدة المسلمين، فهو الذي ابتكر «التقريب» بين السنة والشيعة أيام كان التشيع مذهبا.. وأقول لمن يتهمونه «الأزهر ليس خادما للسياسات والتوسعات وإثارة القلاقل والفتن»، خاصة أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب طالما دعا - ويدعو- لاجتماع سني شيعي بالأزهر لإصدار فتاوى من المراجع الشيعية ومن أهل السنة، تُحرم قتل الشيعي للسني وقتل السني للشيعي؛ لإنقاذ الأمة مما نصبه لها المتآمرون والمخططون.. لكن السؤال: لماذا يصرون دائما على نشر التشيع؟ فالأمة اليوم لا تحتاج من السني أن يتشيع ولا من الشيعي أن يكون سنيا، والأزهر من واجبه تحصين عقائد أهل السنة والحفاظ على وحدة واستقرار بلدانهم.
> ما رأيكم في دعوات التخريب التي تهدد بها جماعة الإخوان خلال الذكرى الخامسة لـ«ثورة 25 يناير»؟
- الشعب المصري أصبح أكثر وعيا وإدراكا من ذي قبل، ولا يمكن أن تحركه دعوة آتية من هنا أو هناك، فهو لا يتحرك إلا لمصلحة الوطن ولا يستجيب لدعوات تخريبية لا أراها إلا خيانة للدين والأوطان، ولن يكتب التاريخ لها أي نجاح.
> ما تعليقكم على فتاوى قيادات «الإخوان» الهاربين لضباط الجيش والجنود بترك عملهم والتمرد لتهديد النسيج المجتمعي بمصر؟
- دعهم يطلقوا الفتاوى والدعوات، فجيش مصر وطني لا يمكن أن يستجيب إلا لنداء الشعب فقط، وهو ما حدث عبر التاريخ.. وأعتبر ذلك منهم ضعفا وانهزامية، فيجب عليهم أن يعودوا لرشدهم، وبدلا من الدعوة لتخريب وطنهم الذي باعوه بهروبهم للخارج، عليهم أن يعيشوا في البلاد التي اختاروها خارج مصر «بلا صخب»، ويشاهدوا فقط كيف تتقدم وتزدهر مصر من دونهم بإذن الله.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.