لندن بعيون أميركية

زيارة المتاحف على رأس جدولها السياحي

لندن تجتذب السياح الاميركيين الى متاحفها
لندن تجتذب السياح الاميركيين الى متاحفها
TT

لندن بعيون أميركية

لندن تجتذب السياح الاميركيين الى متاحفها
لندن تجتذب السياح الاميركيين الى متاحفها

في الليلة التي سبقت وصول «أميرالد برنسيس» السفينة الأميركية، السياحية، المحيطية، العملاقة، الأنيقة، التابعة لشركة «برنسيس كروز» إلى بريطانيا، عقدت فيها ندوة عن العلاقة بين الأميركيين والبريطانيين. كان في السفينة ثلاثة آلاف سائح تقريبا، أغلبيتهم أميركيون، وعدة مئات من البريطانيين. وجرت العادة في السفينة على ترتيب محاضرات، أو ندوات، في الليلة التي تسبق وصول السفينة إلى دولة أوروبية معينة.
كان عنوان الندوة: «أكروس ذي بوند» (عبر البحيرة). يشير هذا إلى عبارة ود بين الأميركيين والبريطانيين بأنهم «إخوان»، لكن، تفصل بينهم «بحيرة»، إشارة إلى المحيط الأطلسي.
بدأ الندوة أستاذ جامعي سابق يتكلم بلكنة بريطانية، لكنه قال إنه صار مواطنا أميركيا قبل سنوات قليلة. بعد أن قضى 20 سنة في أميركا، وبعد أن وقع في «حب هذا البلد العظيم». وأشاد كثيرا بالأميركيين. لكنه قال إن «بريطانيين كثيرين انتقدوه لأنه حصل على الجنسية الأميركية». واعترف بأن نظرة البريطانيين إلى الأميركيين فيها استعلاء. وهو نفسه لا يخلو منها.
وتندر بأن أوسكار وايلد (كاتب وشاعر بريطاني توفي عام 1900)، قال: «اكتشف البريطانيون أميركا قبل كولمبس. لكنهم لم يعلنوا ذلك خجلا مما اكتشفوا». وقال: «الأميركيون هم الشعب الوحيد الذي انتقل من البربرية إلى الاستعلاء، دون أن يمر بمرحلة الحضارة».

* أستاذ أميركي
وتحدث أستاذ جامعي أميركي متقاعد، كان درس في أكسفورد وكمبردج. وقال إن «الأميركيين والبريطانيين، بدلا عن أن يتهموا بعضهم بالاستعلاء على الآخر، يجب أن يفتخروا باستعلائهم، هم الاثنين، على بقية شعوب العالم». وذلك لأنهم «صناع الحضارة الحديثة»، كما كرر.
وأشار إلى كتب عن هذا الموضوع صدرت مؤخرا. منخت: «أنفينتنغ فريدوم» (اختراع الحرية)، عن الماضي الأميركي البريطاني المشترك. وكتاب «أنغلو ساكسون ستيت» (الاتحاد الأميركي البريطاني) عن احتمالات المستقبل بين الشعبين. وقال إن «هذا الاحتمال موجود، لكن ليس قريبا. وربما هو سبب تردد البريطانيين في الانضمام انضماما كاملا للاتحاد الأوروبي.
وقال إن الأميركيين والبريطانيين «هم الذين اخترعوا الحرية». وإن شعوب العالم الأخرى «تعرف ذلك معرفة جيدة. لكن، لا تريد الاعتراف به. إنهم يرفضون التفكير فيها بعقولهم الواعية، لكنهم يفكرون فيها بعقولهم غير الواعية، بعقولهم الباطنية».
وقال إن الفرنسيين والإيطاليين والألمان أول من يجب أن يعترف بدور «الأنغلو ساكسون» (أميركيين وبريطانيين) في «اختراع الحرية». وانتهز هذه الفرصة، وتندر على هذه الشعوب:

* في لندن
في الحافلة الأنيقة التي نقلت نحو 50 سائحا أميركيا من ميناء ساوثهامبتون إلى لندن، كان المرشد بريطاني يتكلم بلكنة بريطانية واضحة.
وكأن الشركة السياحية تعمدت ذلك. ها هو البريطاني وكأنه يفتخر بلكنته أمام الأميركيين، وها هم الأميركيون وكأنهم حققوا حلم حياتهم.
بقى حلمان آخران: زيارة قصر بكنغهام، واكل «فيش أند جيبز» (سمك وبطاطس مقلية).
أكلوا السمك والبطاطس، لكنهم لم «يزوروا» قصر بكنغهام.
وقفت الحافلة في شارع جانبي. وهرع السواح نحو ميدان القصر. ووقفوا خارج سور الميدان. والتقطوا عشرات، بل مئات، الصور. وفي جو إثارة وفرح واضح، تحدثوا مع بعضهم البعض عن: «هناك تقف العائلة المالكة» و «هناك هبطت الملكة إليزابيث يوم عيد جلوسها» و«هذه هي اصطبلات خيول الملكة» و«هنا يسكن خدم الملكة».
في شارع «فليت ستريت»، دخل السياح مطعما عريقا، كان كله تقريبا حجز مسبقا لهم، لأكل «فيش أند جيبز»، وشراب البيرة السوداء غير الباردة. ومرة أخرى، التقطوا كثيرا من الصور.
لكن، ارتكب البريطانيون خطأ لن يغفره لهم الأميركيون: عندما جاء وقت الحلوى، قدموا لهم «أبل باي» (فطيرة التفاح)، وفوقها «كستارد»:
أولا: يفضل الأميركيون آيس كريم فوق الفطيرة. ويسمونها «آيس كريم ألامود» (الموضة الجديدة).
ثانيا: ليس «كستارد»، المشهور في بريطانيا، مشهورا في الولايات المتحدة. حتى «بودنغ» البريطاني، لا ينتشر كثيرا في الولايات المتحدة.
وتمتم أميركي، وهمس: «منذ أن طردناهم من أرضنا، قاطعنا ألكستارد». وهمست أميركية: «حتى لو قدموا لنا آيس كريم، لن يكن مثل آيس كريم بن أند جيري الأميركي».
وفي حديقة خلفية جميلة وكبيرة، جهزت مسبقا للسياح الأميركيين (ومع جو غير ممطر، عكس ما توقع الأميركيون)، استمتعوا بشراب «أفترنون تي» (شاي العصر). رغم أن القهوة أكثر انتشارا في الولايات المتحدة من الشاي. لكن، لا بأس: «وي آر إن إنغلاند» (نحن في إنجلترا).

* متاحف لندن
رغم يومين في لندن، وزيارة متاحفها الرئيسة، لم يبدو أن الأميركيين متحمسون للمتاحف مثل حماسهم للكنة، الملكة، والسمك المقلي. وكان ملاحظا الآتي:
أولا: تفضيل الأميركيين لآثار لندن الأدبية والفكرية: المكتبة البريطانية، ومتاحف: ويليام شكسبير، شارلز ديكنز، بيرنارد شو، أوسكار وايلد، شيرلوك هولمز.
ثانيا: قلة اهتمام الأميركيين بمتاحف عن تاريخ بريطانيا، واختراعاتها العلمية، وتراثها الصناعي. مثل: المتحف البريطاني، متحف التاريخ الطبيعي، متحف العلوم، متحف فيكتوريا وألبرت.
لماذا؟
صار واضحا أن الأميركيين، لأنهم يعترفون بالتراث الأدبي والفكري البريطاني، يريدون مشاهدة المتاحف والأماكن عن هذه الموضوع. لكن، قل اهتمامهم بالتاريخ البريطاني. لثلاثة أسباب:
أولا: جزء من هذا التاريخ عن سنوات احتلال الولايات المتحدة، حتى استقلالها (عام 1776).
ثانيا: جزء من هذا التاريخ عن المستعمرات البريطانية، التي ينفر منها الأميركيون، لأنهم لم يكونوا دولة استعمارية (غير حالات قليلة).
ثالثا: رغم أن الثورة الصناعية كانت في أوروبا، يفتخر الأميركيون بأنهم أصحاب الاختراعات القديمة (مثل: السيارة، الطائرة، الصاروخ)، والاختراعات الحديثة (مثل: التلفزيون، السينما، الكومبيوتر).
لكن، في الجانب الآخر، ركز «هنري»، المرشد السياحي البريطاني (صاحب اللكنة البريطانية) على العكس. ركز على تاريخ بريطانيا، وخصوصا إنجازاتها العلمية. لم يزر السياح كل هذه المتاحف. لكن، كانت الحافلة تمر بالقرب من بعضها. وكان المرشد البريطاني يشير إليها في فخر واضح. مثل: متحف غرف العمليات، متحف الأسنان، متحف ماكينات الحياكة، متحف التخدير، متحف لعب الأطفال.
وكان أميركيون يهمسون، ويغمزون: «صارت اللعب إلكترونية وعندما كانوا يقلعون الأسنان بالشاكوش ونشتري ملابسنا جاهزة من الصين».

* عمالقة العلوم
ركز المرشد البريطاني على الاختراعات، وعلى عمالقة بريطانيين. وقال: «لا ينافسنا شعب في وضع حجر الأساس للتطور العلمي الحديث»
هذا هو روبرت بليك (مخترع التلسكوب عام 1665، والميكروسكوب، عام 1698).
وهذا هو إسحق نيوتن (أبو الرياضيات، والميكانيكا، والحركة، والجاذبية، توفي عام 1727).
وسأل سائح: «أين شجرة التفاح التي شاهد نيوتن تفاحة تسقط منها؟» وأجاب المرشد: «انقرضت. اليوم، توجد شجرتان، واحدة في أكسفورد، وواحدة في كمبردج، ويعتقد أن واحدة منهما سليلة شجرة نيوتن».

* عمالقة الحرية
لم يناقش المرشد، وهو البريطاني الحذر، الأميركيين في دستورهم، وفي أبيهم الأول جورج واشنطن، وفي كاتب دستورهم توماس جفرسون (لأنه يعرف قدسية هؤلاء عندهم). لكن، مثلما ركز على عمالقة العلوم البريطانيين، ركز على عمالقة الفكر الحر البريطانيين. ومرات كثيرة، كرر بأنه، قبل مائة عام تقريبا من الثورة الأميركية (وقعت عام 1776)، ومن الثورة الفرنسية (وقعت عام 1789)، كانت هناك الثورة البريطانية (وقعت عام 1688). وقال إن اسمها الحقيقي هو «غلوريوس ريفليوشن» (الثورة الرائعة). وقال إنها أم الثورات في كل العالم.
وبرع المرشد البريطاني في الاستعلاء في المكتبة البريطانية، حيث وثيقة «ماغنا كارتا» (في اللغة اللاتينية: الميثاق العظيم)، التي قدمت يوم 15 - 6 - 1215، إلى الملك جون، وطلبت منه وضع اعتبار لآراء شعبه.
وتعمد المرشد بان يقول الآتي:
أولا: «ماغنا كارتا» هي أم وثائق حقوق الإنسان، إطلاقا.
ثانيا: أثرت على واضعي الدستور الأميركي.
ثالثا: «ماغنا كارتا» الموجودة في مبنى الكونغرس في واشنطن ليست أصلية.
واستمر المرشد يشير إلى هنا وهناك:
هذا هو توماس هوبز أبو الفلسفة السياسية، ومؤلف كتاب «ليفياثيان» عن قوة الملوك. لكن، فيه أسس الحرية والفردية. توفي عام 1679.
وهذا هو جون لوك أبو الليبرالية، والملكية الفردية، والعقد الاجتماعي، وفصل الدين عن الدولة. توفي عام 1704. وأثر على الفرنسيين: فرنسوا فولتير، وجين جاك روسو. ثم بعدهم، على الأميركي توماس جفرسون.
وهذا هو ديفيد هيوم تلميذ لوك، ومؤلف كتاب «الطبيعة الإنسانية»، بأن العاطفة أقوى من المنطق، ونقيض الفرنسي رينيه ديكارت، أبو العقلانية. توفي عام 1776. وهذا هو أدم سميث (أبو الرأسمالية. ورغم أنه دافع عن الربح في كتاب «ثروة الشعوب»، دعا إلى رأسمالية إنسانية في كتاب «الأحاسيس الأخلاقية». توفي عام 1790.
وهذا هو بنجامين روبنز (مطور البندقية، ومخترع المدفعية. ويسمى «نيوتن العسكري». توفي عام 1751.
وأسهب المرشد في الحديث عن روبنز، وقال إنه هو الذي حمى الغرب من سيطرة الخلافة التركية. ذلك أن اختراع المدفعية كان بداية نهاية الخلافة التركية، التي غزت الشرق والغرب اعتمادا على القذائف.
وهذا هو ونستون تشرشل (أشهر رئيس وزراء في القرن العشرين، ومخلص بريطانيا من الغزو الألماني). وأسهب المرشد في الحديث عن تشرشل. وربما مجاملة للسياح الأميركيين، أشار المرشد إلى أن أم تشرشل أميركية: جانيت.
لكن، قال في خبث واضح إنها خانت زوجها مع أصدقائه مرات كثيرة. وإنها اخترعت كوكتيل ويسكي «مانهاتان» وإنها تخلت عن أميركيتها، وصارت جزءا من عائلة تشرشل الأرستقراطية، وأصبح اسمها «ليدي راندولف شير تشرشل».

* معالم أميركية في لندن
وأخيرا، قد تعمد المرشد البريطاني أن تمر الحافلة (لكن، لا تقف) بالقرب من معالم أميركية. مثل:
أولا: سفارة تكساس (عام 1836، استقلت ولاية تكساس من المكسيك. ولسنوات، قبل أن تنضم إلى الولايات المتحدة، أعلنت نفسها دولة مستقلة، وفتحت سفارة في لندن).
ثانيا: البيت الذي سكن فيه بنجامين فرانكلين (من الآباء المؤسسين الذين قاوموا الاحتلال البريطاني، واشترك في كتابة إعلان الاستقلال).
ثالثا: محطة كهرباء هولبورن (أول محطة توليد كهرباء في العالم، صممها الأميركي توماس أديسون، مكتشف الكهرباء، عام 1882. وكانت تدار بالبخار).
وتعمد المرشد البريطاني أن يكرر: «بنى محطة كهرباء لندن قبل أن يبني محطة كهرباء نيويورك».



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.