«بنسيون فؤاد».. أوحى لمحفوظ بـ«ميرامار» ويستقطب الزائرين كمعلم سياحي

شيّده معماري إيطالي عام 1928 وشادية وإسماعيل ياسين وعمر الشريف من أشهر نزلائه

واجهة العقار الشهير «فينيسيا الصغيرة»  -  الحارس عم سيد أمام المصعد الأثري  -  مدخل العقار ببوابته الشاهقة
واجهة العقار الشهير «فينيسيا الصغيرة» - الحارس عم سيد أمام المصعد الأثري - مدخل العقار ببوابته الشاهقة
TT

«بنسيون فؤاد».. أوحى لمحفوظ بـ«ميرامار» ويستقطب الزائرين كمعلم سياحي

واجهة العقار الشهير «فينيسيا الصغيرة»  -  الحارس عم سيد أمام المصعد الأثري  -  مدخل العقار ببوابته الشاهقة
واجهة العقار الشهير «فينيسيا الصغيرة» - الحارس عم سيد أمام المصعد الأثري - مدخل العقار ببوابته الشاهقة

بنسيون «ميرامار» في الحقيقة هو بنسيون أو لوكاندة «فؤاد».. و«ماريانا» اليونانية كانت «كلارا» اليونانية، التي أوحت لأديب نوبل نجيب محفوظ بروايته «ميرامار» التي نشرت عام 1967، وتحولت لفيلم سينمائي لعبت بطولته الفنانة القديرة شادية، وأخرجه كمال الشيخ عام 1969، وأضحى من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
تقع عمارة «ميرامار» التي تخطف الأنظار ببهائها في موقع متميز على كورنيش الإسكندرية بجوار مطعم ومقهى أثينيوس الشهير بمحطة الرمل حيث كان محفوظ يتردد لارتشاف القهوة، وهي عمارة رقم «1» ومدون على لوحها التأسيسية «فينيسيا الصغيرة» (little Venice)، كما أطلق عليها منذ إنشائها عام 1928، صممها المعماري الإيطالي المصري جياكومو أليسندرو لوريا G.A.Loria، عام 1926 لتصبح تحفة معمارية تتحدي الزمن تعرفها من زخارفها وطرازها المعماري القوطي ذي الطابع الفينيسي البديع، فهي مطعمة من أعلاها بقطع الموزاييك الإيطالي الملونة باهرة الجمال، لذا فمنذ تأسيسها وحتى الآن تعتبر أحد معالم الإسكندرية المميزة والتي لا يضاهي جمالها على كورنيش المدينة جمال آخر، ويحرص الرائح والغادي من المارة على كورنيش الإسكندرية على التقاط صور قوتوغرافية لها، وقد فازت بجائزة أفضل الواجهات المعمارية عام 1929، وظلت لسنوات طويلة تحتل كروت البوستال والبطاقات التذكارية لمدينة الإسكندر.
تعكس عمارة «فينيسيا الصغيرة» روح الإسكندرية الكوزموبوليتانية التي كانت يوما من الأيام موطنا لأكثر من 55 جنسية، اختلطوا وعاشوا معا وحرص المعماري لوريا المولود بمدينة المنصورة المصرية، على المزج بين طراز الآرت ديكو والطراز الإسلامي المستوحى من القاهرة الفاطمية، وقد ترك بصمته المعمارية المبتكرة في أرجاء منطقة محطة الرمل بالإسكندرية، حيث قام ببناء عمارة «النقلي» العقار التوأم لمبنى بنسيون فؤاد والمطلة على شريط الترام وميدان محطة الرمل، وفندق «سيسل» الشهير المطل على الكورنيش، وعقار بنك مصر.
وصفها محفوظ بدقة في روايته: «العمارة الضخمة الشاهقة تطالعك كوجه قديم، يستقر في ذاكرتك فأنت تعرفه ولكنه إلى لاشيء في لامبالاة فلا يعرفك.. وأطلت بجماع بنيانها على اللسان المغروس في البحر الأبيض، يجلل جنباته النخيل..». (ميرامار، ص7).
قبل انتشار الفنادق كانت البنسيونات سيدة المشهد، وكان ازدهار المدينة التجاري والثقافي له دور في انتشار البنسيونات في جميع شوارع الإسكندرية تقريبا. ينفرد البنسيون بإطلالة بانورامية على الميناء الشرقي العريق وكورنيش المدينة الخالد وقلب المدينة النابض «محطة الرمل». كما تطل واجهته الشرقية الجانبية على «كافيه دي لابيه» الذي كان حتى وقت قريب ماسح الأحذية فيه يتحدث الفرنسية بطلاقة.
وجسد نجيب محفوظ افتتانه بالإسكندرية ومقاهيها ومعالمها ذات الطابع اليوناني والأوروبي المحيطة بعقار «فينيسيا الصغيرة» على لسان عامر وجدي، بطل روايته «ميرامار»: «زرت بحنان أثينيوس وبسترودس وأنطونيادس، جلست وقتا في بهو ويندسور وسيسل، ملتقى الباشاوات والساسة الأجانب في الزمن القديم وخير محل لالتقاط الأخبار ومتابعة الأحداث، فلم أر إلا قلة من الأجانب شرقيين وغربيين». (ميرامار، ص24)
توجهت لمدخل عقار «ميرامار» ببوابته الشاهقة التي تحفها الزخارف والأعمدة اليونانية ذات التيجان كمبنى كاتدرائية رومانية عتيقة بسقف شاهق مزخرف برؤوس الأسود والثريات الأثرية تتدلى من عليائها مضيفة فخامة ملكية على العقار. استقبلني بحفاوة عم سيد حارس العقار، الذي على الفور يجيبك: «أيوه هي دي عمارة (ميرامار) بس البنسيون اسمه (فؤاد)». يصطحبني للمصعد الحديدي العتيق الطراز حيث يقع بالطابق الثاني من المبنى الرائع «بنسيون فؤاد»، ودفعني فضولي للسؤال عما إذا كان سكان العقار من اليونانيين والإيطاليين السكندرية لا يزالون مقيمين به؟ إلا أن عم سيد قال إنه يعمل هنا منذ 6 سنوات فقط، لكنه يعلم أن آخر يونانية كانت تقيم في شقتها قبل عامين، ولا أحد يعلم هل ستعود أم لا؟ أما باقي الجنسيات التي كانت تقطن العقار فأغلبهم هاجر مع التأميم، وأن العقار تحول من عقار سكني إلى عقار إداري حيث تشغله عيادات الأطباء ومكاتب شركات الملاحة والنقل البحري والاستيراد والتصدير.
وفي بهو البنسيون تستقبلك مدام جيهان، مالكة الفندق الحالية، ببشاشة وترحاب بوجهها الذي يبدو مألوفا لك منذ الوهلة الأولى، فهي سيدة مصرية في أواسط العمر، غاية في اللطف والتلقائية تشعرك بأنها أحد أفراد عائلتك، ويبدو أنها لم تمل أبدا من سرد حكاية البنسيون وقصة فيلم «ميرامار» ونجيب محفوظ، وروت لـ«الشرق الأوسط»:
«ورثت البنسيون عن جدتي التي اشترت هذا الفندق سنة 1956، من سيدة يونانية تدعى كلارا، هي التي أوحت لنجيب محفوظ بشخصية ماريانا، وأعرف أن كلارا كانت قد ورثته عن أمها التي سمت البنسيون على اسم الملك فؤاد، لكن لا نعلم اسم البنسيون اليوناني الأصلي الذي تأسس منذ إنشاء العقار. وفي الستينات تم تصوير فيلم (ميرامار) هنا وأقام فريق عمل الفيلم بغرف البنسيون. لم أكن قد ولدت بعد، ووقت تصوير فيلم (ميرامار) كان عمر شقيقتي عامين، وللأسف لم نحتفظ بصور أثناء وجود أبطال الفيلم هنا، الفيلم كله تم تصويره في مدخل الفندق والمصعد، لكن التصوير الداخلي كان بالقاهرة».
أثناء تجولنا في أرجاء البنسيون تروي: «كان أبطال الفيلم مقيمين هنا في البنسيون، وكانت الفنانة شادية لها غرفة مخصصة لها لتبديل ملابس شخصية زهرة في الفيلم، لم نجدد في شكل البنسيون إلا بعض الديكورات والتجديدات الداخلية، ويتكون من 12 غرفة و3 أجنحة، وحافظنا على 3 غرف بالطراز القديم، وباقي الغرف تم تجديدها لتلائم طبيعة الحياة العصرية، بالطبع ممنوع تغيير أي شيء في العقار كله لأنه يعد مبنى تراثيا».
تبتسم مدام جيهان قائلة: «يوميا يأتي إلى أناس من جميع الجنسيات أغلبهم من العرب، وبعض الأجانب يريدون تصوير العقار والبنسيون لطرازه المعماري المميز، ويسأل العرب والمصريون عن تصوير فيلم (ميرامار) هذا بالطبع إلى جانب طلبة كلية الهندسة والمعماريين من مختلف دول العالم الذين يدرسون التفاصيل المعمارية بالمبنى».
وعن أشهر نزلاء البنسيون، تتذكر مدام جيهان: «تردد على الفندق أبطال فيلم ميرامار يوسف شعبان وعبد المنعم إبراهيم، وفرقة نجيب الريحاني: الفنان حسن فايق وماري منيب وإسماعيل ياسين، كانوا نزلاء دائمين وكانوا يصطحبون والدي لحضور الحفلات المسرحية الصيفية في الإسكندرية، وكان يروي لنا أن وجودهم كان دائما يشع بالبهجة وكانوا يطلقون الضحكات والنكات إلا أنه لم يكن يتذكر الكثير من التفاصيل لصغر عمره في ذاك الوقت». وتتذكر: «أقام هنا أيضا الفنان عمر الشريف منذ نحو 7 سنوات حيث تم تصوير مسلسل (حنان وحنين)، وفيلم (صباحو كدب) لأحمد آدم، ومشاهد كثيرة تم تصويرها في أرجاء البنسيون». وتشير «أحوال البنسيون لم تعد كما كانت في الماضي، وكان النزلاء من المشاهير والمثقفين أما الآن ولغلاء أسعار الغرف الفندقية السياحية فانحصر نزلاء الفندق في فئة الطلاب القادمين من خارج الإسكندرية لحضور دورات أو مؤتمرات، أو عائلات من الطبقة المتوسطة التي ترغب في التصييف وقضاء وقت ممتع بالمدينة بسعر مناسب، أو بعض الكتاب والأدباء الذين يحبون الإقامة في غرفة على البحر مباشرة بتكلفة بسيطة».
أجواء أسرية يكفلها البنسيون أو اللوكاندة تختلف عن أجواء الفنادق الفاخرة ذات النجوم، وتحمل جدران البنسيون حكايات كثيرة تشكل جزءا من التاريخ الشفهي للمدينة والذي لم يتم توثيقه، ورغم بساطتها وضآلة إمكانياتها مقارنة بالفنادق، فإنه لن يقدر قيمة «البنسيون» سوى عشاق الإسكندرية ويودها المنعش وكونها «مدينة ذكريات» تعيش في مخيلة محبيها وقراء الروايات التي خلدتها، فلا تزال جدران تلك البنسيونات تحمل نفحات منها، فقد كتب محفوظ على لسان ماريانا في ميرامار: «إن البنسيونات لم تؤمم بأي حال».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».