فرح غانم: بسبب الهيمنة الذكورية..لا يكتب عن أدب المرأة إلا قليل من النقاد

أكاديمية عراقية تبحث في الشعر النسوي عبر 40 عامًا

فرح غانم: بسبب الهيمنة الذكورية..لا يكتب عن أدب المرأة إلا قليل من النقاد
TT

فرح غانم: بسبب الهيمنة الذكورية..لا يكتب عن أدب المرأة إلا قليل من النقاد

فرح غانم: بسبب الهيمنة الذكورية..لا يكتب عن أدب المرأة إلا قليل من النقاد

صدر للدكتورة فرح غانم صالح، الأستاذة المساعدة في جامعة بغداد، كتاب «الشعر النسوي في العراق 1960 - 2000» الذي عرفته، وعلى غلافه، باعتباره «دراسة موضوعية وفنية»، موضحة أن «الشعر العراقي الحديث حظي بنصيب وافر من الدراسات الأكاديمية، كما حظيت المرأة في الشعر العراقي بنصيب لا يقل شأنا عن ذلك، إلا أن الأدب الذي كتبته المرأة وما يمتاز به من خاصية لم يحظ بالعناية والبحث من لدن الباحثين».
وفي لقائنا مع الدكتورة فرح غانم في باحة كلية التربية للبنات بجامعة بغداد، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «لقد استقر رأيي على دراسة الشعر النسوي في العراق للمدة من 1960 وحتى سنة 2000، كون الشعر النسوي بعد عام 1960 لم تتم دراسته جيدا، بل لم تتناوله دراسة على الرغم من أن هذه الحقبة حفلت بكثير من الإنجازات الأدبية التي كان حريا بالباحثين الوقوف عندها»، مشيرة إلى حرصها «على دراسة الشعر النسوي دراسة موضوعية وفنية، أي دراسة تتعلق بالمضامين والأفكار، كما أقف وقفة نقدية تحليلية عند أبرز القضايا والظواهر الفنية في هذا الشعر»، منبهة إلى أن «هناك من كتب عن شعر المرأة العراقية حتى عام 1960، وأنا أردت أن أكمل بعد هذا التاريخ»، متمنية أن «يأتي من يكمل بعدي لدراسة المنجز الشعري النسوي ما بعد عام 2000، وبعدها أنجزت بحثا أكاديميا عن قصيدة النشر النسوية في العراق».
وتميز الباحثة بين الكتابة النسوية والكتابة النسائية بقولها: «لا بد لنا من أن نحدد مفهوم الأدب النسوي وبالتحديد الإبداع أو الشعر النسوي، فهناك فرق كبير بين الكتابات النسوية، والجندرية، هناك كتابات تكتبها الكاتبة عن نفسها فقط، عن الوحدة، عن الهجرة، عن عالمها وطموحاتها، وهناك كتابات تنتجها الكاتبة عن المرأة والرجل على حد سواء، وهناك نساء يكتبن عن المرأة وعوالمها ومعاناتها فقط، أي إنها تمارس انحيازية، وأعتقد أن أكثر من يبدع في الكتابة عن المرأة هو الرجل، وخير مثال هو الشاعر بدر شاكر السياب الذي كتب عن (المومس العمياء) وبرر لها، كما أن قضية حرمانه من الأمومة والحب والحنان جعلته يبدع في كتابة قصائد عاطفية، وقد تناولت ذلك بإسهاب في دراستي (المرأة في شعر السياب) التي نلت عنها شهادة الماجستير والتي أشرف عليها الدكتور داود سلوم، والشاعر نزار قباني الذي تحول من الكتابة عن الجسد إلى الإحساس، وجاء هذا التغيير بعد زواجه من بلقيس الراوي».
وتضيف الدكتورة فرح قائلة: «في دراستي (الشعر النسوي في العراق 1960 - 2000) درست أكثر من 40 ديوانا لشاعرات عراقيات، ذلك أن القليل من الباحثين والنقاد يكتبون عن أدب المرأة بسبب الهيمنة الذكورية، وهذا ليس انحيازا مني للمرأة، بل إن إنجازها الإبداعي مغيب من قبل وزارة الثقافة ومن قبل الإعلام ومن قبل الباحثين أيضا»، منبهة إلى أن «شح النتاج الإبداعي للمرأة يكون بسبب انشغالها بأدوارها الرئيسية كزوجة وأم وربة بيت، ويمكن أن تنتج كتابا واحدا سنويا بينما الرجل بإمكانه أن ينتج أكثر من كتاب بسبب تفرغه في مجتمعاتنا للأدب وللإنجاز الإبداعي، كما أن المرأة تكتب كحبيبة وأم، تكتب بلغة الإحساس، بينما الرجل يكتب بطريقة عملية، ففي حين تصف الشاعرة لميعة عباس عمارة العراق بأنه حبيبها وابنها، في قصائدها الوطنية، نجد في لغة الشاعر، أي شاعر، وعندما يكتب عن الوطن، أسلحة وأصوات مدافع و.. و..».
وتضيف: «في كتابي (الشعر النسوي في العراق) درست إنجاز 40 شاعرة بدءا بنازك الملائكة ولميعة عباس عمارة وعاتكة الخزرجي وآمال الزهاوي وزهور دكسن وساجدة حميد ووداد الجوراني وبشرى البستاني وفائدة آل ياسين، ووصولا إلى رفاه الأمامي ونجاة عبد الله، وشاعرات شابات مثل دنيا ميخائيل وريم قيس كبة، وكذلك درست القضايا الوطنية والقومية، والقضايا الاجتماعية، والقضايا التأملية والفلسفية في الشعر النسوي، كما تناولت بالدراسة الغزل والطبيعة في شعر المرأة العراقية، يضاف إلى ذلك أني تناولت الظواهر اللغوية والموسيقى والبنية السردية والدرامية دون أن أهمل القصيدة القصيرة والأسطورة والرمز في الشعر النسوي، بل أنا درست حتى استخدام اللون كرمز في شعر المرأة العراقية».
وتشير الباحثة إلى أن أبرز «مشكلة واجهتني خلال دراستي للشعر النسوي في العراق هو شح الدواوين والمصادر عن الشاعرات العراقيات خاصة أني أدرس الوطن والرمز والأسطورة والحب والرجل في شعر المرأة، وليست كل القصائد المتوفرة هنا وهناك تصلح لدراستي؛ إذ إنها تخضع للتجربة الشعرية والنضج والعمق في القصيدة، لهذا كنت أنتقي القصائد أو المقاطع التي تخضع لمنهجية دراستي».
كتاب «الشعر النسوي في العراق 1960 – 2000.. دراسة موضوعية وفنية» ضم 483 صفحة من القطع الكبير، وجاء في بابين وخمسة فصول. في الباب الأول، تناولت المؤلفة الأدب النسوي، نظرة في المفهوم والخاصية، وفي الباب الثاني درست ظواهر لغوية والموسيقى والبنية السردية والدرامية في الشعر النسوي العراقي، إضافة إلى دراسة فنية عن القصيدة القصيرة، والأسطورة والرمز في الشعر النسوي العراقي. أما فصوله فقد بحثت في القضايا الوطنية والقومية في الشعر النسوي العراقي، والقضايا الاجتماعية في الشعر النسوي العراقي، والقضايا التأملية في الشعر النسوي العراقي، والغزل في الشعر النسوي العراقي، والطبيعة في الشعر النسوي العراقي.



زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»

زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»
TT

زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»

زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»

لا تزال تداعيات الرحيل الصادم للشاعر العماني البارز زاهر الغافري، تتفاعل في أروقة المثقفين العرب وعبر منصات التواصل الاجتماعي، منذ أن غيبه الموت في مستشفى بالمدينة السويدية مالمو أمس (السبت)، مخلفاً وراءه إرثاً إبداعياً متفرداً عبر 12 ديواناً شعرياً تُرجم كثير منها إلى لغات عدة منها الإنجليزية والإسبانية والصينية. ولد الغافري 1956 وتخرج في قسم الفلسفة بجامعة «محمد الخامس» بالرباط وعاش حياته عاشقاً للسفر والترحال، كأن الحياة امرأة جميلة يراقصها، ومن أجلها يتنقل من بلد لآخر، حيث طاب له المقام في المغرب والعراق وباريس ولندن، قبل أن تصبح السويد محطته الأخيرة.

ورغم تعدد الجغرافيا والأمكنة في خريطة العمر، فإن قريته «سرور» بسلطنة عمان، ظلت بمثابة شجرة وارفة الظلال يعود إليها بين الحين والآخر، ملتمساً عبق الذكريات ورائحة الجذور. ومن أبزر أعماله: «أظلاف بيضاء»، و«الصمت يأتي للاعتراف»، و«أزهار في بئر»، و«حياة واحدة، سلالم كثيرة»، و«هذيان نابليون»، و«مدينة آدم». وبدا لافتاً هذا الكم من القصائد التي تشي بأن الموت والرحيل تحولا إلى هاجس يطارد الشاعر في سنواته الأخيرة، نتيجة مرض تليف الكبد الذي عانى منه بقسوة، لكنه هاجس ظل ينطوي على «جمال منتظر»، كما في قوله: «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت / فنسمع من يقول: انظر كيف تقفز الأسماك من عيونهم / هكذا ننحني لغصن الموت». ويقول في قصيدة أخرى: «ميتٌ في السرير لكنني أرى / لهذا سأتركُ لكم الشعرَ / يكفيني أن أرى تلويحة اليد من أعلى السحابة». ويتساءل في نص ثالث: «هل كان ينبغي أن تمضي كل تلك السنوات / كي أكتشف أنني صيحةٌ عائدة من الموت؟».

وتدفقت منشورات الرثاء واستعادة الذكريات لمبدعين ومثقفين من مختلف الأجيال والبلدان، وقعوا في غرام شاعر أخلص للشعر وحب الحياة، وزهد في الأضواء والصراعات الصغيرة.

وقال الشاعر العماني إبراهيم سعيد إن «زاهر تعامل مع الموت بطريقة شعرية تصعيدية للحدث القادم آنذاك، والذي نعرف الآن أنه هذا اليوم الحزين، وداعاً زاهر الغافري بكل الأناقة التي ودعت ولوحت بها طوال سنوات عمرك الأخيرة وصبرك، وتحملك لألم المرض الذي ظل يلاصق أيامك، والذي كنت تحتال عليه وتراوغه بأسلوبك الفريد...». وعلق الكاتب المصري مهدي مصطفى: «منذ أسابيع تهاتفنا عبر الفضاء الشاسع. صوته الضاحك المفرح يجيء من بعيد كأنه يودعني. لتعد يا زاهر إلى حضن قريتك سرور في عمان، كن طائراً في سماوات قريبة كما اعتدت».

ويستعيد القاص والروائي العراقي المقيم في الدنمارك سلام إبراهيم، بداية قربه الإنساني من الشاعر الراحل قائلاً: «في أمسية أدبية بمدينة مالمو وقع نظري عليه أول مرة. كان ذلك في منتصف تسعينات القرن الماضي. كان يجلس في الصف الأول بوجهه الأسمر كأنه رغيف خبزٍ تعطل قليلاً في التنور، يحملق بعينين ذكيتين متابعاً، وأنا أقدم صديقي المسرحي د. فاضل سوداني ليحاضر عن طقوس المسرح. في الجلسة التي أعقبت المحاضرة أقبل نحوي وعانقني، لم يقدم نفسه، فبقيت حائراً بمَ أناديه، وخاض معي حديثاً متشعباً وغنياً عن الأدب والعراق ونصوصي التي أنشرها في الصحافة العربية». ويضيف إبراهيم قائلاً: «كانت الجلسة محتدمة وبها خليط من مثقفي ومبدعي العراق، وكان (زاهر) شديد الحماس، شديد الإنصات، ظننت أنه عراقي بالرغم من أن لهجته فيها إيقاع لهجة أخرى، لكن ما يرتسم في تقاسيمه السمراء الناصعة كماسةٍ من انفعالات متوهجة، وما يصيب نبرة صوته من تهدج كلما سمع اسم العراق جعلني أتيقن بأنه عراقي».

ويتوجه الكاتب العماني أحمد العلوي إلى الراحل برسالة مؤثرة قائلاً: «أهو بياض الثلج الذي يبعد بحر عمان عنك؟ أم أن مالمو عصية على هتاف البحر لك؟ صورتك أمام الأزرق في عُمان تتجذر في أعيننا، حين يوافيك الحظ، ويعتقك البياض من قيد المسافة، وتأتي كموجة تناثرت هباتها على الشاطئ الذي تلتقط صوراً لك أمامه، وتكتب (من أمام بحر عُمان العظيم) كأنك بها وحدها تؤصّل جذورك في الماء».

عاجل ضربة جوية جديدة على الضاحية الجنوبية لبيروت وتصاعد دخان من المنطقة