بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

عبد العزيز الطويلعي «أخو من طاع الله»: من ناشط إعلامي إلى أمير الاغتيالات

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال
TT

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

على الرغم من اللقب الذي ظلّ يلاحقه، منذ القبض عليه في التاسع من مايو (أيار) 2005، بأنه «وزير إعلام تنظيم القاعدة»، إلا أن صحيفة اتهام عبد العزيز بن رشيد الطويلعي العنزي الذي أعلن، أول من أمس السبت، عن تنفيذ حكم الإعدام فيه، تكشف عن سجل إرهابي أسود، شمل القيام بالتفجير والتخطيط لهجمات على كبار المسؤولين، وتشكيل خلايا اغتيالات، واستهداف منشآت الدولة الأمنية والاقتصادية، بينها محاولة تفجير مصافي النفط، وتجنيد مقاتلين، والارتباط بجماعات إرهابية في العراق بالإضافة إلى جمع الأموال وحيازة الأسلحة والمتفجرات لأغراض إرهابية، ومحاولة تجنيد غواصين لاستهداف السفن الأجنبية في البحر الأحمر.
عُرف عبد العزيز بن رشيد الطويلعي العنزي، الذي ظلّ متخفيًا سنوات عن أعين السلطات، حتى ألقي القبض عليه بعد مواجهة نارية في أحد أحياء الرياض، بأنه العقل الإعلامي لتنظيم القاعدة، وقد بدأ مسيرته مع هذا التنظيم منذ عام 2002، حين كان ناشطًا إعلاميًا ينافح عبر مواقع الإنترنت عن أفكار التنظيم ومبادئه، ودخل في حوارات طويلة مع نشطاء تابعين لحملة «السكينة»، وهي لجان مناصحة للفكر التكفيري كانت تابعة للحكومة السعودية، وكان وقتها يتخفى بأسماء مستعارة، بينها اسم ظل معروفًا في منتدى «سلفيون» المتعاطف مع «القاعدة»، هو عبد العزيز البكري.
لكن لقبه الأبرز كان «أخو من طاع الله»، وحمله حين اشتدّ عوده في إنتاج الأعمال الفكرية لتنظيم القاعدة، وكانت مسؤولاً عن إصدار مجلة «صوت الجهاد» لسان حال التنظيم، مثلما كان ناشطًا في الكتابة بمجلة «البتار»، وهي الأخرى ضمن إصدارات «القاعدة»، وفي مجال كتابة المقالات والأخبار، كان الطويلعي غزير الإنتاج، حيث دأب خلال الفترة من 2002 إلى 2005 على الكتابة لمجلة «صوت الجهاد»، وكان له فيها زاويتان ثابتتان بأسماء مستعارة؛ الأولى بعنوان «العقيدة أولاً» بالاسم المستعار «ناصر النجدي» ثم «فرحان الرويلي» وتتعلق بتكفير الحكومة السعودية، والثانية بعنوان: «فقه الجهاد» وكتبها باسم «عبد الله ناصر الرشيد»، كما كان يكتب زوايا غير ثابتة في جميع الإصدارات، مستخدمًا أسماء مستعارة بينها اسم «أخو من طاع الله» واسم «عبد الرحمن بن سالم الشمري»، كما دأب على نشر قصائد باسم «عبد العزيز بن مشرف البكري».
نشاطه الإعلامي كان يتجاوز الكتابة، إلى النشر واستخدام أساليب مبتكرة في نشر أعداد مجلة «صوت الجهاد» على شبكة الإنترنت، لكن القضاء السعودي أدانه كذلك بجرم التخابر والتنسيق مع المعارض المقيم في لندن سعد الفقيه، خصوصًا فيما يتعلق بنشر المجلة، أو تنسيق العمليات الإرهابية فيما بعد بحيث لا تتواكب مع دعوات الفقيه للتظاهر.
كان الطويلعي مسؤولاً عن رئاسة اللجنة الشرعية والإفتاء في فرع التنظيم في «جزيرة العرب»، مع عضويته في مجلس شورى التنظيم، وكان مرتبطًا بقائد التنظيم - آنذاك - عبد العزيز المقرن، وأصبح الطويلعي متحدثًا باسم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وشارك في إنتاج عدد من الإصدارات الصوتية والمرئية عن هذا التنظيم، تتضمن الدعاية له وترويج أفكاره وتجنيد مقاتلين في صفوفه، وتحامل بشدة على منهج الدولة السعودية، وعلى قيادتها، منتهجًا أسلوب التكفير والتحريض عليها، ولم يكن يتحرز في إصدار الفتاوى التي تجيز قتل الجنود أو استباحة الأموال، أو اغتيال المسؤولين الحكوميين، خصوصًا القادة الأمنيين، ومهاجمة الأجانب المقيمين في السعودية، لكن أيضًا كانت له فتاوى تجيز قتل الكتاب السعوديين الذين كانوا يخالفون منهجه، أو يتصادمون مع أفكار تنظيم القاعدة، وصدرت له فتاوى تبيح لأتباعه قتل أنفسهم «الانتحار» خوفًا من تعرضهم للاعتقال ومن ثم تعريض المعلومات التي يمتلكونها للخطر.
وتكشف صحيفة الدعوى التي تحمل التهم التي أدين بها الطويلعي، جانبًا من علاقة التنظيم الإرهابي ببعض القنوات الفضائية، حيث تشير تلك التهم إلى قيام الطويلعي بالتواصل مع أحد الصحافيين في قناة مشهورة عبر الإنترنت «لغرض خدمة تنظيم القاعدة إعلاميًا»، وعمل على ربط صحافي تلك القناة بزعيم التنظيم عبد العزيز المقرن.
السجل الأسود
نشاطه الإعلامي، كان رأس جبل الجليد في سيرته الممزوجة بالعنف والإرهاب، حيث لعب دورًا بارزًا في التخطيط والقيام بالكثير من العمليات الإرهابية منذ تفجّر الإرهاب في 2003.
يُذكر أنه في 12 مايو من عام 2003 وقع انفجار استهدف ثلاثة مجمعات سكنية في الرياض، وأدت إلى مقتل 29 شخصًا، وإصابة نحو مائتين، وأعلنت «القاعدة» مسؤوليتها عن هذه الهجمات، كما يعتبر تفجير مجمع المحيا السكني غرب مدينة الرياض في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2003 من أشد الأعمال الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة، وأسفر الهجوم عن مقتل العشرات من السكان القاطنين في المجمع، واستخدمت في تفجير المجمع سيارة مفخخة بحمولة تزن 300 كيلوغرام في عملية انتحارية نتج عنها وفاة 17 شخصًا، وإصابة 122 من جنسيات مختلفة.
وفي 29 مايو 2004 اقتحمت مجموعة مسلحة، مجمع الواحة السكني في مدينة الخبر (شرق السعودية)، واحتجزت 45 رهينة، وتم قتل عدد من السكان، قبل أن تتمكن قوات الأمن السعودي من اقتحام المبنى بعد 48 ساعة، وتحرير الرهائن.
وفي 6 يونيو (حزيران) 2004، أدت عملية إرهابية في حي السويدي بالعاصمة السعودية الرياض إلى مقتل المصور التلفزيوني الآيرلندي سيمون كامبرز وإصابة زميله البريطاني فرانك غارنر مراسل هيئة الإذاعة البريطانية لشؤون الأمن، تلاها في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2004 محاولة اقتحام فاشلة لمبنى القنصلية الأميركية في جدة، انتهت بمقتل 3 مسلحين، وإلقاء القبض على 2 آخرين، وسقوط عدد من القتلى من غير الأميركيين.
وفي 29 ديسمبر 2004 قام إرهابيون بعملية متزامنة، استهدفت الأولى مقر وزارة الداخلية في الرياض، عبر انتحاري فجّر سيارة، وأصيب رجل أمن عند حراسات البوابة الشرقية، والثانية استهداف مقر مركز تدريب قوات الطوارئ الخاصة في الرياض، عبر انتحاريين حاولا تفجير سيارة بالقرب من المركز، قبل أن تفجرهما السلطات الأمنية قبل دخول السيارة إلى مقر المركز.
خلال هذه الفترة، كان الطويلعي لاعبًا بارزًا في التخطيط وتنفيذ الأعمال الإرهابية، فضلاً عن نشاطه الإعلامي الذي عرف به.
واستغل الطويلعي الأحداث التي عقبت تفجير مجمع المحيا في تشكيل خلايا إرهابية تتولى التخطيط لأعمال ضخمة تستهدف النفط، واغتيال شخصيات، وكان هو شخصيًا مسؤولاً عن «إمارة خلية الاغتيالات»، وتحديد الأهداف المستهدفة، وهم «الأجانب، ورجال الأمن والضباط، المحققون، وبعض العلماء، وكبار مسؤولي الدولة، وقيادة قوات الطوارئ الخاصة، وبعض الكتّاب»، وكذلك التخطيط لاختطاف شخصيات من هذه الفئات والتنكيل بها وتسجيل اعترافات مصورة لها.
وشارك الطويلعي، فعليًا، في اغتيال نائب رئيس الحرس الوطني المساعد - آنذاك - من خلال التخطيط لاستهداف سيارته بقذائف مطورة من أكواع متفجرة، كما اشترك في التخطيط للقيام بعمليات اغتيال لولي العهد والنائب الثاني ووزير الداخلية ومساعده (آنذاك).
خطط الطويلعي لاستهداف المنشآت النفطية بالمنطقة الشرقية، وشرع في استهداف ميناء رأس تنورة أكبر موانئ تصدير النفط السعودي على الخليج العربي، كما خطط للقيام بعملية إرهابية تستهدف أنابيب النفط باستعمال الطلقات النارية الخارقة والأكواع المتفجرة، وكان يُعد العدة لإرسال انتحاري بسيارة مفخخة تستهدف إحدى المصالح النفطية.
وأدين كذلك بالشروع في تنفيذ عمليات تفجير إرهابية بمدينة الرياض، بينها تفجير مجمع سكني في شرق الرياض بسيارات مفخخة، وتم تحديد دوره في فرقة الاقتحام بمواجهة مدخل البوابة الرئيسة بإطلاق النار الكثيف حتى تتمكن السيارة المفخخة من تجاوز البوابة.
كذلك كان ضمن الخلية التي قامت بالتفجير في حي السفارات، وكان دوره مع أحد الإرهابيين الوقوف أمام موقع قوات الأمن الخاصة، وحمل كمية كبيرة من الأكواع المتفجرة، ورماها عليهم لإعاقتهم من الوصول للموقع المستهدف.
كما خطط لاستهداف مركز المباحث العامة بالرياض بعمليات إرهابية واستهداف مبنى مباحث الزلفي بعملية إرهابية، واشتباكه ضمن مجموعته مع قوات الأمن أثناء عملية مداهمة قوات الأمن لمنزل في حي الفيحاء، وهي المواجهة التي تمكن من الفرار بعد حمله سلاحه الرشاش «الكلاشنيكوف» ولبس الجعبة التي تحتوي على قنبلتين يدويتين وثلاثة مخازن مليئة بالذخيرة الحية للرشاش، وتمكنه من رمي قنبلة يدوية خارج سور المنزل باتجاه رجال الأمن في الخارج.
الطويلعي كان متهمًا بإطلاق النار على دورية أمنية ومدرعة كانتا مشاركتين ضمن مواجهة لرجال الأمن أثناء مداهمة منزل بحي الملك فهد، وكان وقتها متسلحًا بجعبته محتوية على ثلاثة مخازن رشاش مليئة بالذخيرة الحية وقنبلة يدوية وكوع متفجر ومسدس عيار 9 ملم ورشاش.
ومن بين العمليات الهجومية التي اشترك فيها الطويلعي اشتباكه مع قوات الأمن أثناء مداهمة في مكة المكرمة، حيث تمكن من الهروب مع رفقائه والاستيلاء على سيارتين من أصحابهما تحت تهديد السلاح، كما اشترك مع أعضاء التنظيم في مواجهة رجال الأمن أثناء مداهمة تمت قرب استاد الملك فهد، وقيامه بإطلاق النار بشكل مباشر على دوريتي الأمن وإشعاله الفتيل باثنين من الأكواع المتفجرة التي كانت بحوزته وإلقائها على الدوريات الأمنية.
كذلك محاولته تجنيد غواصين يجري تدريبهم على الغوص لاستهداف السفن الأجنبية أثناء مرورها بالمياه الدولية بالبحر الأحمر.
هو كذلك متهم بالمشاركة في تطوير سلاح تقليدي والمتمثل في استخدام الأكواع كقذائف، والتخطيط لتطوير ذلك السلاح ليكون أقوى تأثيرًا، كما تشير صحيفة اتهامه، إلى مشاركته بصنع قذيفتين بمنزل خلية الاغتيالات بمدينة الرياض، وسعيه لصنع كمية كبيرة من تلك القذائف لاستخدامها في عمليات تنظيم القاعدة داخل السعودية.
تكشف صحيفة الدعوى أن الطويلعي كان على علم بالعلاقة التي ربطت بين زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عبد العزيز المقرن، وزعيم التنظيم في العراق أبو مصعب الزرقاوي، وقيام المقرن بإرسال مقاتلين سعوديين إلى العراق لتهريب الأسلحة إلى السعودية، وكذلك التستر على مخطط الزرقاوي بزرع مقاتلين منظمين ومدربين داخل المناطق السعودية بانتظار ساعة الصفر التي يحددها، حيث طلب الزرقاوي من المقاتلين الكمون حتى يتصل بهم ليقوموا بالعمل المسلح داخل السعودية.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟