«داعش» يخوض حرب «الانغماسيين» مع القوات العراقية في الأنبار وصلاح الدين

يدفع بانتحاريين يهاجمون بطريقة لا رجعة عنها وهي الموت الحتمي

عناصر من القوات المشتركة العراقية يتوجهون إلى عربات عسكرية للمشاركة في تأمين إحدى مناطق الرمادي أمس (أ.ف.ب)
عناصر من القوات المشتركة العراقية يتوجهون إلى عربات عسكرية للمشاركة في تأمين إحدى مناطق الرمادي أمس (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يخوض حرب «الانغماسيين» مع القوات العراقية في الأنبار وصلاح الدين

عناصر من القوات المشتركة العراقية يتوجهون إلى عربات عسكرية للمشاركة في تأمين إحدى مناطق الرمادي أمس (أ.ف.ب)
عناصر من القوات المشتركة العراقية يتوجهون إلى عربات عسكرية للمشاركة في تأمين إحدى مناطق الرمادي أمس (أ.ف.ب)

بعد خسارته مدينة الرمادي الأسبوع الماضي على يد قوات النخبة العراقية (جهاز مكافحة الإرهاب)، بدأ تنظيم داعش تكتيكا جديدا ضد القوات العراقية في العديد من قواطع العمليات، وذلك باستخدام جيل جديد من الانتحاريين يطلق عليهم «الانغماسيون»، الذين يهجمون على المواقع والأرتال العسكرية بطريقة لا رجعة عنها وهي الموت الحتمي.
وقال يزن الجبوري، أحد قياديي الحشد الوطني في محافظة صلاح الدين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن الهجوم الذي طال قاعدة «سبايكر» في تكريت أمس تم تنفيذه من قبل 7 انغماسيين تسللوا إلى داخل القاعدة مستهدفين جماعة الحشد الوطني ومعسكر نينوى القريب، مشيرا إلى أنهم «قتلوا جميعا بعد تنفيذهم العملية، حيث جاءوا أصلا من أجل الانتحار في هذا الموقع، وأدى ذلك إلى مقتل أكثر من 16 عسكريا من بينهم ثلاثة ضباط أحدهم برتبة عقيد وجرح العشرات من الجنود». وأضاف الجبوري أن «هؤلاء الانغماسيين جاءوا من منطقة الجزيرة إلى هذا المعسكر لتحقيق هدفين في آن واحد، أحدهما تحقيق نصر إعلامي لكي يقولوا إننا موجودون وهو ما دفعهم إلى إرسال هذا النوع من الانتحاريين، والثاني إحداث أكبر قدر من الخوف لدى جماعة الحشد الوطني من أبناء المنطقة وجماعة معسكر نينوى لقناعتهم بأننا سنتوجه إلى الشرقاط (شمال تكريت) لاستكمال عملية تحرير صلاح الدين وكذلك لشعورهم بأن أبناء هذه المناطق هم من سيتولون عملية تحريرها». وأوضح أن «وجود الحشد الوطني وأبناء نينوى يفشل مشروع (داعش)، حيث يلغي صبغة الحرب الطائفية التي يسعى لتكريسها في العراق».
وكانت القوات العراقية أحبطت خلال اليومين الماضيين عدة تعرضات لتنظيم داعش بالسيارات المفخخة والانتحاريين. وقال بيان لوزارة الدفاع أمس إنه «في محاولة يائسة للتغطية على الهزائم المُنكرة التي لحقت بها، وتحت وقع الضغط الكبير الذي تعرّضت له على يد النشامى والبواسل من أبناء جيشنا من الفرق العاشرة والثامنة والسادسة عشرة، في مدينة الرمادي المحرّرة، وفي مسعى بائس أشرت دلالاته الواضحة لعمق الانكسار وأظهرت ملامحه حركة الأنفاس الأخيرة اللعينة، قامت العصابات الداعشية الإرهابية في يوم الجمعة الموافق 1 يناير (كانون الثاني) الحالي، بعمل تعرضي واسع النطاق وبسيارات مختلفة الأنواع والأحجام، بلغ عددها ثلاثين سيارة ملغمة، وأعداد من الانتحاريين قُدروا بخمسة عشر انتحاريا، استهدفت عقد وجود الجيش في قاطع المحور الشمالي لمدينة الرمادي، وبامتداد خمسة وعشرين كيلومترا، إضافة إلى المقرات الخلفية للفرقة العاشرة البطلة باتجاه منطقة ناظم الثرثار».
وأضاف: «بالعزم المعهود والهمة العالية وبقلوب عامرة بحب العراق والدفاع عن حياضه ومقدراته، تمكنت تشكيلات جيشنا الباسل من التصدي لهذا التعرض الداعشي البائس في معركة أنموذجية اشترك فيها أبطال طيران الجيش وصقور القوة الجوية العراقية، وبدعم واضح من قبل طيران التحالف الدولي، مما أوقع بالدواعش خسائر فادحة أسفرت عن تدمير 20 عجلة ملغمة وتفكيك ثلاث منها، وتعقب اثنتين أخريين، فيما لاذت خمس منها بالفرار، وما زالت مفارزنا قيد المتابعة لها، فضلا عن مقتل خمسة وثلاثين داعشيا بمن فيهم الانتحاريون المهاجمون».
وأضاف أنه «في صباح يوم 2 يناير، حاول سبعة انتحاريين من فلول الدواعش التقرب من مقر قيادة فرقة التدخل السريع الأولى لاستهداف مقر القيادة، وقد تم استدراجهم من قبل منتسبي مقر القيادة إلى مناطق قتلٍ محددة وقتلهم جميعا». وتابع البيان: «كما تعرض أحد الخطوط الدفاعية في منطقة الثرثار التابعة إلى لواء المشاة 59/فق6 قيادة عمليات بغداد، لتعرضٍ داعشي، وقد تمكن اللواء وخلال ساعات محدودة من استعادة المناطق التي تسلل إليها العدو، وأوقع به خسائر فادحة أجبرته على ترك المواضع وآلياته وجثث قتلاه».
من جهته، أكد الخبير بالشؤون الأمنية العميد ضياء الوكيل، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الهدف من الهجمات على الرمادي بالمحورين الشمالي والجنوبي يهدف إلى فك ثغرة في الطوق الخارجي المحيط بمدينة الرمادي»، مبينا أن «(داعش) بدأ يزج في هذه المعركة بقياداته من الأجانب لحاجته إلى فتح أكثر من ثغرة والتخفيف عن الضغوط التي تواجهها عناصره في أكثر من موقع من مواقع القتال». وأضاف أنه «من بين الأهداف التي يسعى تنظيم داعش لتحقيقها أنه يريد أن يقول إن المعركة لم تنته، وإنه لا يزال قادرا على المواجهة هنا وهناك».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».