أفراح ملا علي: عقدة التاريخ تتلاشى في شوارع الأندلس

بوصلة الأدب الكويتي تتجه نحو الثقافة الإسبانية

من الآثار الإسلامية في الأندلس .. وفي الإطار د. أفراح ملا علي
من الآثار الإسلامية في الأندلس .. وفي الإطار د. أفراح ملا علي
TT

أفراح ملا علي: عقدة التاريخ تتلاشى في شوارع الأندلس

من الآثار الإسلامية في الأندلس .. وفي الإطار د. أفراح ملا علي
من الآثار الإسلامية في الأندلس .. وفي الإطار د. أفراح ملا علي

تتجه اليوم بوصلة عدد من الأدباء الكويتيين نحو ثقافة إسبانيا، وتحط رواحلهم الأدبية في مدن الأندلس. وقد بدا هذا الشغف يظهر في مطبوعات متلاحقة، أو في سلسلة من المقالات التي تتحدث عن «فردوس» عربي، ولكن في أحضان غربية دافئة توليها جلّ الاهتمام والرعاية.
تجلى ذلك لدى عدد من الكتاب، فالكتاب الروائي عبد الوهاب الحمادي أصدر كتابًا بعنوان «دروب أندلسية» دار الكتاب الإماراتية، والكاتب الإعلامي إبراهيم المليفي أصدر كتابًا بعنوان «كنا هناك.. صراع مضى وإرث بقي» عن «دار الفراشة». أما «رأس الحربة» في التجديف نحو الثقافة الإسبانية، فهي الدكتورة أفراح ملا علي، التي أقدمت على مشروع مطابقة التراث الكويتي بالتراث الإسباني من خلال الحكايات الشعبية، التي اكتشفت من خلالها أن هناك الكثير من القصص الشعبية القديمة المشتركة بين الثقافتين، كذلك فإنها تنشر بكثافة سلسلة من المقالات والأبحاث عن الثقافة الإسبانية. والدكتورة أفراح ملا علي هي مشرفة اللغة الإسبانية في جامعة الكويت. درست الأدب الإسباني واللغة الإسبانية كتخصص بكالوريوس، والمنظورات والآيديولوجية الترجمية كماجستير بامتياز، وحصلت على الدكتوراه في الترجمة، وهذا ما يطلق عليه في إسبانيا عالم إسبانيات أو «إسبنة»، إن صح وجاز التعبير، لأن الأمر لا ينحصر في عالم الترجمات، بل تجاوز هذه النقطة بمراحل من ضمنها الدراسات الإسبانية والأندلسية وصولا إلى المغربية.
وعلى الرغم من أن بوصلة هؤلاء الأدباء الكويتيين تشير إلى وجهة واحدة، فإن المنظور إلى أفق المسافة يختلف، فقد يراها بعضهم أنها النظرة التقليدية إلى «الفردوس المفقود»، مثلما هي وجهة الكاتب عبد الوهاب الحمادي، بينما يقدم الكاتب إبراهيم المليفي عمله الجديد بنظرة الرحالة في أدب الرحلات: «تلمس بقايا الوجود الإسلامي في المناطق الأوروبية روحا أو حرفا، مئذنة أو نخيلا». أما أفراح ملا علي التي التقت بها «الشرق الأوسط»، فلها وجهة نظر تحليلية بحكم تخصصها وتعمقها الدراسي الذي كان في إسبانيا.
بداية، فإن الجنوب الإسباني الذي ما زال يطلق عليه اسم «إقليم الأندلس»، لا يظهر لنا - كمشاهدين غير متخصصين - شيء اسمه «عقدة التاريخ»، فالناس هناك تجاوزوا ما تحمله كتب التاريخ من صراعات وحولوا الأمس إلى حاضر يجلب سعادة النظر، كما يجلب السائحين إلى هذه الثقافة الأندلسية التي يعلن عنها الإسبان بوضع تماثيل للمفكرين المسلمين الذين مروا على تاريخ المنطقة.
وإمعانًا في تلاشي عقدة التاريخ، فقد وضعوا عند مداخل جامعاتهم وكلياتهم نُصُبًا تذكارية لعلماء مثل ابن رشد وابن سينا وابن حزم، وكذلك شعراء مثل ابن زيدون وولادة بنت المستكفي.. وغيرهم الكثير.
ولكن يبقى الرأي المتخصص هو الأجدى علميًا، لذلك تحدثت «الشرق الأوسط» مع الدكتورة أفرح ملا علي عن فكرة «عقدة التاريخ»، وهل هي موجودة أم تم استثمارها ثقافيًا وحتى اقتصاديًا، فتقول: من باب النظرة المحايدة والأكاديمية البحتة، أرى أن العالم العربي أيضًا لديه عقدة هذا الإرث المنتزع والأرض المفقودة، بل وحتى الحلم الضائع، ألا وهي الأندلس، ولكن عند الأوروبيين فنوع العقدة مختلف نوعا ما! وهي نظرة الأوروبي التاريخية كباحث عن الحقيقة المجردة من أي تفرعات، سواء كانت سياسية أو دينية، باختصار هو الدخول الإسلامي على أراضي شبه الجزيرة الأيبيرية وليس الفتح كما يطلق عليه العرب، فالمفاهيم تختلف كليا في هذه الجزئية، كما تقول أفراح ملا علي.
وتضيف: «إن أسباب تجاوز هذه العقدة واضح وصريح، ولكي تتضح الصورة علينا أن نعود قليلا بالتاريخ لتوضيح الحقائق. شبه الجزيرة الأيبيرية ذات تاريخ عريق وعظيم، تبدأ بالوجود الفينيقي، واليوناني، والأيبيري، والسيلتي، وغيره، وصولا إلى سنة 200 قبل الميلاد تبدأ معالم الحضارة الرومانية في شبه الجزيرة الأيبيرية ومعها حقبة إسبانيا الرومانية، وفي العصر الخامس نصل إلى إسبانيا القوطية، وأخيرا بالوجود العربي أو الفتح الإسلامي كما تشاءون تسميته سنة 711 ميلاديا من هذا التاريخ حتى 1492 فتصبح الإمبراطورية الإسلامية، وليست العربية لأن هناك عددا لا يستهان به من البربر والأمازيغ، بل وحتى الفرس، فالعربي لمن يتحدث بلسان عربي؟ والإسلام لم يقتصر على لسان أو لغة معينة، أطول وأعظم حقبة تاريخية في شبه الجزيرة الأيبيرية».
لذلك ترى أفراح ملا علي أن العرب أول من يطلق على هذه الأراضي بالأندلس، نسبة إلى قبائل الفندالس الذين سكنوا هذه المنطقة. مع كل هذا الانخراط، الانصهار، والتمازج العرقي، والتعايش الديني من الصعب جدا ألا يكون هناك تجاوز، بل مدارك متوسعة وأفق لا محدود لأصحاب الفكر. فالكتب والمصادر التاريخية، سواء كانت عربية أو إسبانية، تؤكد أن المسلمين لم يرغموا أحدا على دخول دينهم، وكان هناك تعايش سلمي واضح والأدلة قاطعة على سبيل المثال وجود المولدين وهم أبناء العرب والأمازيغ من أمهات إسبانيات أو العكس. وأيضًا وجود قياديين منهم وزراء مالية وقضاة من اليهود والمسيحيين عملوا يدا بيد تحت ظل المسلمين، من أشهرهم بنو عباد.
وعن وجود تماثيل العلماء المسلمين اليوم في شوارع الأندلس، فإن أفراح ملا علي تعتبر ذلك بمثابة لمسة تاريخية تصويرية واضحة ليس فقط للعلماء المسلمين، بل منذ الوجود الروماني، وهذا الوجود نستشفه بشكل واضح في الكنائس والكاتدرائيات الموجودة في إسبانيا، فالتماثيل هي جزء من الإرث المعماري التاريخي، وتقول: «إن وجود تماثيل لشخصيات إسلامية يدل على القبول والفخر والاعتزاز بهذا التاريخ العريق والذي جعل من إسبانيا بمثابة ناقل الحضارة والتمدن والازدهار إلى أوروبا من خلال حركتها الترجمية. وجود تماثيل لابن حزم، وابن زيدون وولادة بنت المستكفي، وابن شهيد، وغيرهم، هو تخليد لهذا التاريخ الرائع والشعر الخالد، فمن منها لا يفتخر بابن حزم مؤلف كتاب «طوق الحمامة»، وهو كتاب يتحدث عن فلسفة الحب والعشق كمفهوم. ومن منا لا يفخر بولادة وابن زيدون؟!
وترى المؤلفة أن أغلب الإسبان الذين هم من أصول عربية ينتابهم اعتزاز وفخر، والإسبان بشكل عام يمتلكون هذا القدر العالي من الحرية الفكرية، فهم يتحدثون بموضوعية عن الجانبين: فيعترفون بأن محاكم التفتيش هي شيء مخجل، وفي الوقت نفسه يعجبون بشكل واضح بالملكة إيزابيل الكاثوليكية لأنها أعادت الأراضي المسلمة إلى مسيحية من خلال حروب الاسترداد والتي يسميها العرب الحروب الصليبية ضد المسلمين أو السقوط الغرناطي.
وتختتم أفراح ملا علي كلامها بالقول: «أعتقد أن الأمر طبيعي جدا، والنتيجة هي تعايش سلمي، واحترام أديان، وكرأيي الشخصي أعتقد أن هناك ميولا عاطفية وتوددا جميلا من قبل الإسبان على العالم العربي، فهناك ما يجمعهم سواء كانت أصولا أو عادات وتقاليد بقيت بعد انتهاء الحكم الإسلامي بالأندلس».



مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.