سوق باب الجابية الدمشقي عرفت منذ قرن بلقب سوق الدراويش والفقراء

الحرب والأزمة الاقتصادية غيرتها وتتخلى عن لقبها وترفع أسعارها

سوق باب الجابية الدمشقي عرفت منذ قرن بلقب سوق الدراويش والفقراء
TT

سوق باب الجابية الدمشقي عرفت منذ قرن بلقب سوق الدراويش والفقراء

سوق باب الجابية الدمشقي عرفت منذ قرن بلقب سوق الدراويش والفقراء

قبل أكثر من مائة عام ولد عدد من الأسواق الشعبية البسيطة المجاورة لمنطقة باب الجابية التاريخية وسط دمشق، ومنذ ذلك التاريخ تنوعت هذه الأسواق ببضاعة دكاكينها البسيطة ما بين الألبسة والأحذية والمواد الغذائية والمطاعم، وعرفت باستقطابها للفقراء والدراويش الدمشقيين ولزوار العاصمة من المحافظات الأخرى حيث يجدون في هذه الأسواق منتجات بسعر أقل من الأسواق الأخرى وتتناسب مع وضعهم المعيشي والمادي وأخذت المنطقة بجدارة لقب سوق الدراويش منذ عشرات السنين.
السوق تغيرت كثيرا في الأشهر الأخيرة... لقد تغيرتم وتخليتم عنا نحن الفقراء؟!.. صوت لزبونة كانت تجادل بائع جلابيات وعباءات نسائية وهي تحاول أن تقنعه بأن يخفض سعر عباءة أعجبتها وبصوت مرتفع تقول له يا أخي منذ شهرين مررت وسألتك عن سعرها فقلت لي 400 ليرة والآن تقول لي ألف ليرة! ويحاول البائع تجاهلها ليلتفت لزبونة أخرى قائلا لها هذا السعر يا خالة عجبك خديها ما عجبك روحي على سوق الحميدية أو الحريقة شوفي سعرها أكثر من عنا بالضعف.. تغادر الزبونة الخمسينية العمر وهي تتمتم: ما حدا شبع من التجار!... فيما البائع الذي سمع كلماتها القليلة يعلق عليها: البلد كلها تتغير وسوقنا أيضا تتغير أسعارها وترتفع فالغلاء يصيب الجميع.
ولكن لماذا ينتقدون سوق باب الجابية وبائعيه؟ يتنهد سالم رفاعي (أبو راشد) وهو يجيب على سؤالنا حيث أبو راشد يمتلك دكانا في السوق منذ أكثر من ربع قرن يبيع فيه ألبسة رجالية: الناس تظلمنا فنحن مضطرون لرفع أسعار بضاعتنا لأننا نشتريها من تجار الجملة بأسعار مرتفعة فهل يعقل أن نخسر بها ونبيعها بسعر أقل مثلا من أجل الدراويش فهل نحن جمعية خيرية؟! «نحن في السوق نقبل بربح قليل جدا ولهذا يأتينا الفقراء والدراويش وهؤلاء يعرفون أن أسعارنا أقل من أسعار الأسواق الأخرى وسميت سوقنا بهم رغم أن هناك سوقا مجاورة لنا يطلق عليه اسم سوق (الدرويشية) ولكن تسميته جاءت من مسجد عثماني قديم بناه قبل مائتي عام والي دمشق العثماني (درويش باشا) وهو يتميز أيضا برخص بضاعة دكاكينه وتناسبها مع الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. ولكن الآن تغيرت الأمور كثيرا والبلد في حرب وأزمة اقتصادية فعلى الزبائن أن يقتنعوا أيضا أننا نريد أن نربح قليلا حتى نستطيع تأمين مستلزمات أسرنا وبيوتنا».
ورغم صعود أسعار بضاعة سوق باب الجابية فإنه ما زال يشهد حاليا ازدحاما بشريا يوميا ولكن ليس لمشاهدة ما تبقى من الباب والذي يحتاج الزائر لكثير من البحث والتدقيق حتى يشاهده حيث غاب بين دكاكين الأسواق المجاورة له. فالازدحام البشري اليومي هو للأسواق المحيطة بالباب والتي تأخذ معظمها تسميتها من تسمية الباب ومنها سوق صغيرة مسقوفة تخصصت معظم دكاكينها ببيع الخضار خاصة أنها تتصل مع سوق باب سريجة جنوبا، وهي سوق كبيرة متخصصة ببيع اللحوم والخضار، كذلك هناك سوق الألبسة والأحذية الرياضية والتي تتميز بجودتها وبماركاتها العالمية المعروفة والتي تباع في السوق بأسعار أقل من سعرها في فروع وكالاتها الموجودة في أسواق دمشق الراقية.
وقد قامت قبل عدة سنوات محافظة دمشق بإنشاء نفق تحت الشارع الرئيسي المسمى شارع الدرويشية يربط ما بين جهتي الباب الجنوبية والشمالية، حيث استثمر النفق إضافة لعبور المشاة كسوق تجارية صغيرة تباع فيها الأحذية الشعبية.
ومن الأنشطة التي تشهدها دكاكين سوق باب الجابية أيضا بيع الألبسة الموحدة لتلاميذ وطلبة المدارس حيث تباع بأسعار رخيصة نسبيا ولذلك تشهد هذه المحلات إقبالا كبيرا من كل عام خلال موسم العودة للمدارس، وحتى هذه ارتفعت أسعارها أيضا للضعف. تعلق سيدة ومعها ولدها الصغير الذي تبحث له عن حقيبة مدرسية رخيصة الثمن في السوق، إذ تقول (أم شادي) كما عرفت على نفسها وعلى عملها، فهي أرملة تعيل خمسة أولاد وموظفة كمستخدمة في شركة تجارية خاصة: في العام الماضي اشتريت من هذه السوق حقيبة لابنتي بمائتي ليرة الآن أريد شراء حقيبة لولدي الذي دخل المدرسة حديثا. يريدون بيعها بخمسمائة ليرة مع أن الحقيبة لم تتغير مواصفتها بل أكاد أجزم أنني شاهدتها نفسها في العام الماضي وهي مع حقائب كثيرة موجودة لدى البائعين من العام الماضي ويبيعونها حاليا بأسعار مضاعفة عن العام الماضي هل يعقل ذلك. تعلق وتتابع سيرها البطيء في السوق باحثة عن أحد يبيعها حقيبة بسعر أقل ولكن يبدو أن جميع بائعي السوق متفقون على سعر موحد لبضاعتهم حتى لا ينافس أحدهم الآخر.
وكما أن منطقة باب الجابية التاريخية تضم الكثير من الأسواق الشعبية فإنها تضم أيضا الكثير من المباني القديمة ومنها مبان تعود لخمسينات القرن المنصرم وهي بشكل طابقي ويستخدم بعضها للسكن وبعضها الآخر وبسبب وجودها في وسط المدينة فإنها تستخدم مقرات لدوائر حكومية كالنفوس والتموين والصحة وغيرها. وهناك مبان أخرى سجلت ضمن المنشآت الأثرية الواجب المحافظة عليها ومنها حمام الجديد وحمام عز الدين ومسجد عز الدين أبو حمرة وهو شيخ جليل، وعلامة وزاهد عاش في دمشق قبل مئات السنين. وقد رمم المسجد من قبل أهل الخير قبل نحو 13 سنة ومسجد زاوية الهنود والذي تشير اللوحة التي تظهر في مدخله أنه تم إعادة بنائه سنة 2002 صدقة على روح المرحوم الشاب الإماراتي عمر حمد حمدان الشامي، وتسمية المسجد جاءت من كونه كان يجتمع به الحجيج الهنود قبل توجههم لرحلة الحج نحو الديار المقدسة ضمن فعاليات موسم الحج الشامي الشهيرة التي عرفتها دمشق في الفترة العثمانية.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».