عام 2015.. سينما زاخرة بالإنتاجات في عالم تتسيده هوليوود

أفلام تستهدف الجمهور المفعم بحب المغامرة والعواطف ونظام الأبعاد الثلاثة

ديبان الفائز بجائزة كان - {بحر من الشجر}  لغس فان سانت - الفيلم اللبناني {روحي} من أفضل أفلام السنة العربية
ديبان الفائز بجائزة كان - {بحر من الشجر} لغس فان سانت - الفيلم اللبناني {روحي} من أفضل أفلام السنة العربية
TT

عام 2015.. سينما زاخرة بالإنتاجات في عالم تتسيده هوليوود

ديبان الفائز بجائزة كان - {بحر من الشجر}  لغس فان سانت - الفيلم اللبناني {روحي} من أفضل أفلام السنة العربية
ديبان الفائز بجائزة كان - {بحر من الشجر} لغس فان سانت - الفيلم اللبناني {روحي} من أفضل أفلام السنة العربية

أندي واير لم يكن شخصًا معروفًا وكل علاقته بالسينما كانت من خلال ذهابه مرتين في الشهر إلى الصالات لاختيار فيلم يشاهده. ذات مرّة جلس وكتب رواية حول ملاح فضائي تائه فوق المريخ. لقد حطّ هناك مع ملاحين آخرين لكنهم اعتقدوه مات عندما كان عليهم مغادرة المريخ قبل أن يعصف بسفينتهم. نشر الرواية على الإنترنت في أواخر عام 2013. كونه روائيًا غير معروف دفعه لاختيار النشر على الإنترنت عوض النشر الكتبي أو الورقي. لم يكن يعلم حين فعل ذلك أن هوليوود ستشتري حقوق الفيلم في التاسع من أبريل (نيسان) لتحويله إلى فيلم بعنوان «المريخي» وأن تصويره سيبدأ بعد ذلك بستة أشهر فقط.
الرواية تحوّلت إلى عمل سينمائي ناجح انطلق للعروض قبل أشهر قليلة وحقق نجاحًا مزدوجًا بين النقاد والجمهور العريض معًا. بات لأندي واير اسم لامع وخلفية في السينما يسهّل عليه مستقبلاً، عندما يضع رواية أخرى، بيعها لدور النشر أو لشركات الإنتاج.
هذا هو الحلم الأميركي في نموذجه المعبّر. تحقيق الذات على نحو كبير شاسع وبحجم لا يقارن بأي وسيط آخر. إنه ليس «فيس بوك» حيث للجميع صورهم وكلماتهم ولا صورة «سيلفي» صالحة للنشر ولا حتى 16 ثانية من الظهور على شاشة التلفزيون، بل المستقبل الرائع الذي تحدّث عنه جون شتاينبك في «أعناب الغضب» ونقله جون فورد إلى فيلم سينمائي سنة 1940 والذي لا يزال صالحًا اليوم وطبّق على طول أيام العام الذي ينضوي، 2015.

* صرخة مكررة
في «أعناب الغضب» لمسٌ للحلم الذي يرفض الهزيمة. للإنسان الذي يصرخ في وجه الحياة بأن من حقه أن ينجز ما يعد به نفسه. أن ينفذ من حالة العدم إلى تحقيق النعيم. كل ذلك وسواه من عناصر إنسانية كوّن على مدى التاريخ ما عرف بـ«الحلم الأميركي». ومن يومها أمّته الكثير من الأفلام، بعضها لينال منه بدعوى أنه ليس سوى سراب لا يمكن تحقيقه وإذا ما تحقق فبثمن باهظ، وبعضها ليؤكد عليه ويُشيد باستمرار إمكانية تحقيقه.
ومن الغريب إلى حد بعيد أن ينتهي العام وهو ما بين هذين المنهجين. فيلم ستيفن سبيلبرغ الأخير «جسر الجواسيس» في مقابل فيلم «سيكاريو» لدنيس فيلينوف. «كريد» في مواجهة «الكبير القصير» و«المريخي» لريدلي سكوت ضد «99 منزلاً» لرامين بحراني. أفلام تشيد بأميركا وأخرى تكشف النقاب عن بقع سوداء في حياة كل يوم فيها.
لم يعد ضروريا أن يتمحور الفيلم حول الحلم الأميركي ليكون معه أو ضده. فيلم سبيلبرغ دراما جاسوسية رائعة تتولى إخبارنا بأن أميركا ملتزمة بدستورها وقوانينها وتتعامل إنسانيًا وأخلاقيًا مع أعدائها وينجز المحامي، بطل الفيلم، مبادئه ويسترد إعجاب المجتمع بما أنجزه. ليس هناك صعوبة ولا يحتاج الأمر لخيال جانح لكي تصبح بطلاً ملتصقا بمبدأ الحلم الأميركي المتداول، في حين يأتي «سيكاريو» ليتحدّث عن الواقع اليوم حيث تهريب المخدرات لم يعد «بيزنس» وحيدا في ميدانه، بل تحوّلت الحرب ضده إلى «بيزنس» آخر يعتدي على الحقوق ويمارس مسؤوليه فسادًا موازيًا.
أيهما تصدّق؟ لا يهم. لكن النبرة التي انتهت أفلام 2015 بها تدعو للتأمل فعلاً.
في «بحر الأشجار» لغس فان سانت يهيم أميركي (ماثيو ماكونوفي) في غابة يابانية تعرف باسم «غابة الانتحار» يؤمها اليائسون لكي يضيعوا فيها ويقضوا. وفي «99 منزلاً» نرى كيف استغل البعض أزمة 2008 لكي يستولي على أحلام العاجزين عن دفع أقساط منازلهم التي اشتروها لكي يستولوا عليها.
هذه الصرخة مكررة في فيلم «الكبير القصير» الذي يتبع سلسلة من الأفلام التي تداولت الأزمة الاقتصادية الأميركية للعام ذاته وكيف تم استغلالها لصالح بعض المضاربين ورجال الاقتصاد لبناء ثرواتهم.
الحالات تتكاثر والمستغلون لديهم أحلام أميركية وردية، كما المستضعفون تمامًا. الفارق هو من يستطيع تحقيقها.

* تحت المطرقة
إذا كان هذا كله من صميم الحياة والسينما الأميركية ومن أهم معالمها وتياراتها في عام 2015 فإن الصلة بين ما يتحقق وما لا يتحقق هي صلة اقتصادية في نهاية المطاف. والعام ينتهي بينما يُطيح «ستار وورز: القوة تستيقظ» الأرقام القياسية واحدًا تلو الآخر في انطلاقة هي بدورها تعبّر عن تحقيق أحلام لا مجال لأي دولة أخرى على الأرض تحقيقها. بميزانية يوم واحد ينجز مخرجون حول العالم أفلامهم. بأجر كالذي تقاضاه المخرج «ج ج أبرامز»، يمكن لدولة آسيوية أو أفريقية إنتاج 10 أفلام مرتاحة. ولنتخيل كم فيلما تكفي البلايين الأربعة التي دفعتها ديزني للمبتدع السلسلة جورج لوكاس لتحقيقه في أي من القارات الخمسة.
لكن لوكاس هو ابن ذلك الحلم ومحققه أيضًا. السبب والنتيجة. برهان على أنه، مثل «روكي» الأميركي الذي يستطيع تحقيق الحلم الأميركي مضاعفًا. كلاهما سعى لإنجاز حلم وواجه في سبيل ذلك مصاعب وإحباطات وعدم ثقة بما يحملانه من آمال. فجأة أول ما استطاعا تحقيق غاياتهما فتحت الأبواب كبيرة أمامهما. وسنجد الكثير من الأمثلة على ذلك في كل يوم وفي كل عام وفي كل مجال.
نجاح «ستار وورز» الجديد وقبله نجاح كل الأفلام التي تقصد التوجه إلى الجمهور المحمّل بحب المغامرة والعواطف ونظام الأبعاد الثلاثة ليس كل هوليوود، وليست هوليوود كل السينما الأميركية. هناك هذا العام فيض كبير من الأفلام الأميركية الجيدة التي تم تحقيقها داخل نظام الأستوديوهات وخارجه بصرف النظر عن قدرتها على تحقيق النجاح. الأشهر الثلاثة الأخيرة من العروض السينمائية هي تجسيد لكل المختلف والبديل والجريء من الموضوعات التي تمس الواقع ولا تعيش فوق السحاب. شخصياتها غير مزوّدة بأجنحة ولا بقدرات فولاذية أو عصا سحرية تسبب الإثارة أو الضحك أو أي مشاعر أخرى يتلقاها المشاهد من باب الترفيه عن النفس.
العام 2015 بدأ، أميركيًا، ببقايا ما لم يعرض في العام 2014 من إنتاجات أو ما باشر عروضه في الأسبوع الأخير منه، مثل «سلمى» لآفا دوفرناي و«فوكسكاتشر» لبَنت ميلر و«زاحف الليل» لدان غيلروي جنبًا إلى جنب الفيلم التاريخي المستنبط من مزيج غير مريح بين الخيال والواقع «الهجرة: ملوك وإلهات» لريدلي سكوت الذي عاد في خريف العام ذاته ليقدّم فيلمًا مستقبليًا أقل تحديا للواقع هو «المريخي».
وفي حين ألا حياة للفيلم الديني ذي القالب التاريخي، كما أثبت قبل «الهجرة: ملوك وإلهات» بأشهر قليلة، فيلم «نوح» لدارن أرونوفسكي، فإن الأمر لم يكن هينًا حتى على عدد كبير من الأفلام المسمّاة بالتجارية. سقط «فريق العدالة» المنتمي، ولو كأنيميشن، إلى سينما السوبر هيرو، كما «الاماناك» المنتمي إلى الخيال المستقبلي وواجه «قلب التنين 3» سدًا منيعًا ضد نجاحه، كما حدث أيضًا مع فيلم تنيني آخر هو «نصل التنين». وحاول الكوميدي ول فارل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في Get Hard فأخفق، كذلك أخفق فيلم الكوميدي كفن جيمس (محمد سعد هوليوود) بفيلمه «بول بلارت شرطي المول 2».
خلال فترة الصيف التي تستعد أستوديوهات هوليوود له بمخططات تعود لعامين أو ثلاثة، بدا أنه ليس من المستحيل هوان الأفلام الكبيرة تحت مطرقتي الكلفة العالية وفتور المستقبلين. هذا كان حال «أفنجرز 2» الذي ارتفعت ميزانيته إلى 250 مليون دولار وأنجز في أميركا أقل من 500 مليون دولار (عليك أن تحسب 750 مليون دولار من الإيرادات من قبل أن يبدأ حصد الأرباح الفعلية). إنقاذ هذا الفيلم، وبعض سواه، من مصير الهلاك تم بسبب هيمنة الأفلام الأميركية على الأسواق العالمية وصعود السوق الصينية ليحتل المركز الثاني بين الأسواق النشطة بالنسبة للفيلم الأميركي.

* الأكثر نجاحًا
سقطت أيضًا محاولة استثمار أحد أفلام الرعب السبعيناتية «بولترغيست» في إطلاق جديد ولم ينجز الفيلم الكوارثي «سان أندرياس» الزلزال الذي طمح إليه بل خطف النجاح آنذاك فيلما كوميديا جاسوسيا خفيفا هو «جاسوسة» بطولة ماليسا مكارثي.
هذا إلى أن انبرى فيلم «جوراسيك بارك 4» الذي هو من إنتاج ستيفن سبيلبرغ لإنقاذ الموسم بأسره وهو أنجز ذلك باعتماد المفاتيح والعناصر ذاتها التي مارسها سبيلبرغ مخرجًا في كل أفلامه التجارية.
جاور ذلك سقوط «ترميناتور 5» ونجاح «ماد ماكس: طريق الغضب» مما عزز موقع بطل الفيلم الثاني، توم هاردي، وأطاح بما تبقى من قدرة بطل الفيلم الأول، أرنولد شوارزنيغر الذي احتاج لعملية ترقيع غرافيكية لعله يستطيع جذب الجيل الجديد ولم يفعل.
في نهاية الموسم برهن توم كروز على أنه لا يزال «فارس الكُبّة» رغم ما يحمله من عمر (50 سنة) وذلك بفضل سلسلة «المهمّة: مستحيلة» بجزء سادس. وفي حين ظهر ممثل جيمس بوند السابق بيرس بروسنان في خمسة أفلام ما بين عاطفية وأكشن لم ينجز أي فيلم منها أي نجاح يُذكر، عاد دانيال كريغ، جيمس بوندنا الحالي، إلى النجاح الكبير في الملحق الرابع والعشرين من السلسلة «والرابع تحت إمرته» تحت عنوان «سبكتر».
«سبكتر» هو الفيلم العاشر تبعًا لقائمة أكثر الأفلام رواجًا في الولايات المتحدة وكندا خلال العام الآيل إلى الانصراف.
عالميًا تختلف الصورة ولو أن العناوين ذاتها تبقى:
«جيروسيك وورلد» جمع مليارًا و669 مليون دولار ويتولى المركز الأول، لكن «غاضب 7» (Furious 7) الكامن في المركز الخامس في اللائحة الأميركية هو الثاني في اللائحة العالمية بمليار و515 مليون دولار. «سبكتر» في السادس هنا (والعاشر هناك) بـ838 مليون دولار.
هذا كله من قبل أن ينتهي نشاط «ستار وورز: القوة تستيقظ» المتوقع له أن يسبق الجميع إلى المركز الأول في كلا اللائحتين.

* حصاد المهرجانات
إذا ما كانت الصورة الأميركية مؤلفة من أفلام تنجح وأخرى تخفق، ومن صراع على تفسير ماهية النجاح وبالتالي ماهية الحلم الأميركي وشروطه وتبعاته، فإن الصورة في أنحاء العالم قائمة على معايير مختلفة. ليس أن النجاح التجاري في آخر حسابات السينمات الفرنسية والبريطانية والفلبينية والسويدية والكولومبية وسواها، بل لأنها - بالنسبة لغالبية ما تنتجه من أعمال - تدرك المساحة التي تستطيع إشغالها وتلتزم بها مما يمنح المخرج مجالاً أوسع لتوفير رؤيته الذاتية والفنية.
وما زالت المهرجانات الثلاثة الأولى في العالم، وهي برلين وكان وفينيسيا، بمثابة المكان الأكبر لعرض هذه الأعمال. تتنافس فيما بينها على تقديم الجيد والجديد وتعبّر عن تلك الرغبة في استحواذ المكانة لنفسها ولمخرجيها وكسب الإعجاب من النقاد الذين باتوا لا يستطيعون التوقف عن العودة إليها طلبًا للمزيد من الاكتشافات.
إيران هذا العام خرجت بجائزة ذهبية من مهرجان برلين السينمائي عن فيلم كانت حبست صاحبه في منزله حتى لا يصنع أفلاما فتسلل إلى سيارة تاكسي وقادها وصوّر فيلمه فيها. الفيلم «تاكسي» ليس عملاً فنيًا، لكن إعلان سياسي عن فشل السُلطة الإيرانية في الحد من حرية التعبير ونجاح من تريد كتم أصواتهم في إيجاد السبيل إلى ذلك.
لكن الجائزة في نهاية مطافها كانت سياسية لأن «تاكسي» يخلو من عناصر الفن. لقطة واحدة من «فارس الكُبة» (Knight of Cups) لترنس مالك لا تطيح بالفيلم الإيراني وحده، بل بمعظم ما ورد في مهرجان برلين من أعمال. على ذلك حُرم من الجائزة كما تحرم الأفلام الأميركية غالبًا من جوائز مهرجاني برلين وكان.
الألماني فرنر هرتزوغ قدّم فيلمًا صافيًا بعنوان «ملكة الصحراء» قامت نيكول كيدمان ببطولته لاعبة شخصية غيرترود بل، الرحالة التي جابت صحراء الحجاز خلال الفترة التي كان فيها توماس إدوارد لورنس يحضّر لجولته الداعية إلى استقلال البلاد العربية عن النفوذ العثماني. كلا هذين الفيلمين، «فارس الكُبة» و«ملكة الصحراء»، لم يشهدا العروض الأميركية بعد وهما مؤجلان للشهر الثالث من العام المقبل، أي بعد دورة برلين القادمة في الشهر الثاني منه.
على بعد ثلاثة أشهر منه أقيمت الدورة الثامنة والستون لمهرجان «كان» والفائز بالذهبية كان «ديبان» لجاك أوديار. مرّة أخرى ربت المهرجان على ظهر السينما الفرنسية بمنحها جائزة ذهبية هي الثالثة في غضون السنوات الخمس الأخيرة من بعد «حب» لمايكل هنيكه، 2011 و«اللون الأزرق أكثر دفئًا» لعبد اللطيف قشيش، 2013.
من الأفلام الأكثر استحقاقًا من «ديبان» «سيكاريو» لدنيس فيلينوف و«شباب» للإيطالي باولو سورتينو و«المغتالة» للتايواني سياو سيين هاو. الثلاثة وجدوا طريقهم مؤخرًا إلى قوائم أفضل عشرة للكثير من النقاد حول العالم.
ولم يخل مهرجان فنيسيا من الأفلام المهمّة هذا العام: «فرانكوفونيا» للمخرج الروسي ألكسندر سوخوروف كان يستحق الذهبية لكنها توجهت إلى الفيلم الفنزويلي (الجيد، لا أكثر) «من بعيد» للورنزو فيغاس. أفلام جيدة أخرى مرّت بما تستحقه من اهتمام نقدي من بينها «العصبة» للأرجنتيني بابلو ترابيرو و«بهيموث» للصيني ليانغ زاو كما البريطاني «فتاة دنماركية» لتوم هوبر.

* عربيًا يبقى الوضع على ما هو عليه لدرجة الملل
نعم، في كل سنة هناك أفلام جيدة تستحق الإشادة والاهتمام لكن السينما العربية ككل لم تتقدّم كثيرًا على أصعدة العروض التجارية حول العالم. لننسى العالم، لا وجود لمعظم ما تنتجه في أسواقنا المحلية المضروبة بتجاهل رجال الأعمال من ناحية والظروف الأمنية القاسية من ناحية أخرى.
اخترق فيلم محمد خان السابق «فتاة المصنع» حصار هذا الوضع عندما تم عرضه، تجاريًا في السويد في صيف هذا العام. لكن الغالب من هذه الأفلام خسر الأسواق الأوروبية التي كانت تطلبه قبل رحيل يوسف شاهين وتراجع الاهتمام بالسينمائيين الذين كانت أعمالهم تعرض في باريس لأسابيع طويلة في السبعينات والثمانينات أمثال التونسي رضا الباهي (أنجز فيلمًا جديدًا صوّره في لبنان) والمغربي نبيل عيوش واللبناني (الراحل أيضًا) مارون بغدادي. تلك فترة ذهبية من فترات النشاط السينمائي العربي تنتظر أن تعود لكن الظروف أقوى مما تستطيع مواجهته على صعيد العروض العالمية التي أصبحت أكثر حزمًا فيما يتعلق بقدرة الأعمال، حتى البديلة، إنجاز ما هو مطلوب منها إنجازه على المستوى التجاري.
هذا ما يجعل مهرجان دبي المجال الأكثر كثافة بالنسبة لمعظم ما تحققه السينما العربية من أفلام. وعام 2015 عزز نجاح مهرجان دبي، بعد توقف مهرجان أبوظبي وقبله مهرجان الدوحة، وبسبب صغر حجم مهرجان قرطاج التونسي وابتعاد مهرجان مراكش المغربي عن المنافسة وظروف مهرجان القاهرة المادية التي لا تسمح له باختراق المستحيلات.
على ذلك، تسرّبت أفلام عربية إلى المهرجانات العالمية بوفرة. هنا علينا أن نعي أن عرض فيلم ما خارج المسابقة ليس تمامًا مثل عرضه فيها، كذلك يتوقف الأمر على أي مسابقة. تلك الرسمية تضع المخرج مباشرة أمام التصنيف الدولي الألمع. المسابقات الثانوية تضعه، إذا ما استطاع الوصول إليها، إما كمخرج واعد أو كمخرج فقد وعده.
في برلين شوهد «حب، سرقة ومشكلات أخرى» للفلسطيني مؤيد عليان كما عرض المصري جوزف رزق فيلمه التجريبي «برة في الشارع». «كان» شهد جفافًا عربيًا باستثناء ما عرض في التظاهرات والأسواق من أفلام تبحث عن مشترين. ولم ينقذ الوضع إلا فيلم لبناني قصير بعنوان «أمواج 98» لإيلي داغر الذي كان أول فوز لبناني بذهبية الفيلم القصير في التاريخ، وثاني فيلم عربي يفوز بالذهبية بعد سنوات طويلة مرّت على اقتطاف «وقائع سنوات الجمر» للجزائري محمد لخضر حامينا، سعفة الفيلم الطويل سنة 1975.
والجزائري مرزاق علواش عرض فيلمه الجديد «مدام كوراج» في فينسيا، كذلك فعلت التونسية ليلى بو زيد بعرضها «على حلّة عيني» والمغربي محمد نبيل عبر فيلمه «جواهر الحزن».
وداومت مهرجانات مهمّة، وإن لم تكن كبيرة بحجم الثلاثة المذكورة أعلاه، مثل تورنتو ولوكارنو ومرسيليا ونانت عرض أفلام عربية أخرى، لكن معظمها، للأسف، اكتفى بفعل العرض من دون أن يفتح المهرجان له إمكانية الانتقال إلى المنصّة التي يرغب بها.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.