الكرملين ينفي مناقشة بوتين مصير الأسد مع كيري

سوريا بين التسريبات والتسريبات المضادة

الكرملين ينفي مناقشة بوتين مصير الأسد مع كيري
TT

الكرملين ينفي مناقشة بوتين مصير الأسد مع كيري

الكرملين ينفي مناقشة بوتين مصير الأسد مع كيري

نفت مصادر الكرملين ما نشرته بعض المصادر ومنها وكالة «بلومبرغ» الألمانية حول أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناقش خلال مباحثاته الأخيرة مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد ومشاركته في الانتخابات المرتقبة في عام 2017. وقال ديمتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين: «إن ما قيل حول أن الرئيس بوتين أكد ضرورة مشاركة الرئيس الأسد في الانتخابات المقبلة وأن الأسد سيفوز في هذه الانتخابات ليس صحيحًا». وتابع بيسكوف أن «اللقاء مع وزير الخارجية الأميركي تناول آفاق التسوية السياسية في سوريا والعملية المتعددة المراحل لهذه التسوية».
كانت موسكو وصفت هذه المباحثات بأنها المباحثات التي طالت لما يزيد على ثلاث ساعات ولم تغير العالم، لكنها أسفرت عن تقريب المواقف. وقالت وكالة أنباء «تاس» إن الجانب الأميركي أعرب في غضون هذه المباحثات عن استعداد واشنطن للعمل بالتعاون مع روسيا الاتحادية لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، وإن نتائج المباحثات حول الأزمة السورية التي جرت في فيينا سوف يجري تأكيدها بقرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي. وفي تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط» أعربت مصادر دبلوماسية روسية رفيعة المستوى في موسكو عن دهشتها إزاء تكرار تداول ونشر ما يسمى بـ«التسريبات والتسريبات المضادة» حول موقف روسيا من الأزمة السورية. وقالت هذه المصادر إن موسكو الرسمية غير معنية بكل ما يتردد بهذا الشأن «انطلاقا من تمسكها بثوابت موقفها الذي أعلنت عنه غير مرة».
هذا، وكانت وكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية شبه الرسمية قد نشرت أمس أخبارًا نقلا عن وسائل إعلام لم تكشف عنها حول ما دار في اللقاء الأخير بين بوتين وكيري. وأوردت الوكالة «التسريبات» التي تقول إن «مباحثات الرئيس بوتين ووزير الخارجية الأميركي في موسكو، في 15 ديسمبر (كانون الأول) تناولت انتخابات يجب أن تجري في سوريا في عام 2017، وإن بوتين شدد على ضرورة أن يشارك الرئيس السوري الحالي بشار الأسد في الانتخابات القادمة»، في حين أن «كيري قال إن الأسد يجب أن يغادر مسرح السياسة».
وحول ما ورد، وصفت المصادر الدبلوماسية الروسية الرسمية بـ«العبثية» هذه التصريحات وغيرها مثل التي نسبتها وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إلى مصادر غربية حول أن «موسكو تضغط بشدة على المعارضة السورية والدول الداعمة لها بسحب عبارة (مرحلة انتقالية)، بـ(من دون الرئيس السوري بشار الأسد)، من أسس التفاوض المرتقب بين النظام والمعارضة في المرحلة المقبلة».
وعادت المصادر الروسية إلى تأكيد تفسيرها المعروف القائل بأن كل الوثائق التي أسفرت عنها اجتماعات جنيف وفيينا ونيويورك، ومنها «إعلان جنيف» الصادر في 30 يونيو (حزيران) 2012 و«اتفاق فيينا» الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى مصير الأسد. أما عن أن يكون بوتين شدد على ضرورة مشاركة الأسد في انتخابات 2017 فقالت إنه «مجاف للحقائق» على حد تعبير هذه المصادر.
وأضافت المصادر أن ذلك يعنى أن الرئيس الروسي استبق نتائج المشاورات بين وفدى المعارضة والحكومة السورية بأحكام ليست من صلاحياته، وهو الذي سبق وأكد في أكثر من مناسبة أن «مصير الأسد يظل رهن إرادة الشعب السوري» ولا أحد يملك الحق في إملاء إرادته في مثل هذه القضايا.
جدير بالإشارة أن الرئيس الروسي كان قد كشف أخيرًا في معرض حديثه في فيلم تسجيلي ظهر تحت عنوان «النظام العالمي» عن موقفه من الأزمة الروسية بقوله: «إن روسيا لا تجد صعوبة في التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد والولايات المتحدة الأميركية على نحو سواء». وأردف أنه تحدث عن ذلك مع الرئيس باراك أوباما أخيرًا ومع «الأصدقاء من السعودية والبلدان العربية الأخرى». أما عن أسباب هذه السهولة فقال بوتين: «نحن نخادع ولا نغير موقفنا».
من جهة ثانية، كانت وكالة أنباء «سبوتنيك» قد نقلت أيضًا مقال الكاتب الصحافي الأميركي سيمور هيرش، المعروف بتعاطفه مع الأسد، في مطبوعة «لندن ريفيو أوف بوكس»، وجاء فيه أن «غالبية مسؤولي هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية لا يوافقون الرئيس أوباما على ضرورة رحيل الأسد، ولا يرون في سوريا معارضين معتدلين قادرين على إسقاط الأسد، وأن جهاز المخابرات التابع لوزارة الدفاع الأميركية وهيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية في عام 2013 أعدا تقريرًا يقول إن سقوط الأسد سيؤدي إلى الفوضى واحتمال استيلاء المتطرفين على السلطة في سوريا». وعلى الأثر باشر الجانبان (هيئة الأركان ومخابرات وزارة الدفاع) العمل والتنسيق مع المخابرات الروسية والإسرائيلية والألمانية دفاعًا عن رئيس النظام السوري ونظامه.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.