«سامسونغ» تواجه قانون الاحتكار داخليًا بعد الغرامات الدولية

العملاق الكوري مجبر على بيع أسهم أو تفكيك حيازات

«سامسونغ» تواجه قانون الاحتكار داخليًا بعد الغرامات الدولية
TT

«سامسونغ» تواجه قانون الاحتكار داخليًا بعد الغرامات الدولية

«سامسونغ» تواجه قانون الاحتكار داخليًا بعد الغرامات الدولية

بعد عام من الأزمات والنزاعات الدولية خاصة مع غريمه الأشهر «أبل»، على خلفيات تتعلق بحقوق الملكية الفكرية والابتكار، يواجه عملاق التكنولوجيا الكوري «سامسونغ» الآن أزمة جديدة لكنها داخل دولته الأم، والتي تسعى إلى تفعيل قوانين منع الاحتكار على شركاتها الكبرى.. لكن محللين غربيين يرون أن سيول تسعى من خلف تلك الخطوة إلى تقليص سيطرة الأسرة المالكة على الشركة العملاقة.
ووضعت لجنة المعاملات العادلة التابعة لجهاز التنظيم الإداري بكوريا الجنوبية قواعد امتلاك الشركات التابعة، كمحاولة حكومية لاستهداف الهياكل التي تضعف من قوة الاقتصاد الداخلي. وأمرت اللجنة في بيان لها أمس المجموعة القابضة «سامسونغ»، أكبر الشركات العاملة بالسوق الكورية على خفض أسهم شركتين تابعتين لها «منعا للاحتكار»، حيث سيتم تخفيض حصص «سامسونغ SDI» المتخصصة في إنتاج البطاريات في الشركة الشقيقة «سامسونغ C&T» التزاما بقواعد تنظيمية، على أن يتم بيع الأسهم بقيمة 622 مليون دولار.
في الوقت ذاته، طالبت اللجنة مجموعة «سامسونغ» بتقليص حيازتها من الأسهم، أو تفكيك ثلاث من سلاسل حيازات الأسهم، التي تقول اللجنة إن عملية الدمج الخاصة بها التي تمت في سبتمبر (أيلول) الماضي كان من شأنها أن «عززت من سيطرة الشركة».
ودعت اللجنة إلى أن تتم هذه الإجراءات حتى مارس (آذار) المقبل من خلال خيارين، أحدهما أن تبيع «SDI» حصة قدرها 2.6 في المائة في C&T على أساس سعر الإغلاق يوم الخميس الماضي، أو تفكيك المجموعات الثلاث السابق اندماجها.
ويري مراقبون أن عملاق صناعة التكنولوجيا الكوري «سامسونغ» معرض لانتهاك قانون الاحتكار، والذي سيعرضه لمساءلة قانونية في حالة عدم الاستجابة. ويذكر أن قانون الاحتكار رقم 7315 لسنة 2004 ينص على أن أي شخص يحاول احتكار - منفردا أو مع شخص أو أشخاص آخرين - تجارة أو جزء من تجارة، سيعد مذنبا جنائيا.
وكان الغرض من هذا القانون هو تشجيع المنافسة العادلة والحرة لتشجيع الإبداع وحماية المستهلك والسعي للتنمية المتوازنة للاقتصاد الوطني، من خلال منع كل أشكال استغلال السوق والهيمنة من قبل رجال الأعمال، وتركيز القوة الاقتصادية لدى مؤسسة بعينها، ومنع الممارسات التجارية غير العادلة.
وبحسب محللين، فإن نجاح الولايات المتحدة في سياسات الحد من الاحتكار في السوق المحلية قد شجع دولا أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية لاتخاذ قوانين مماثلة.
وقالت متحدثة باسم مجموعة «سامسونغ SDI» إن «المجموعة ستتخذ الإجراءات لدراسة بيع جزء من حصتها المقدرة 2.6 في المائة في C&T بنحو 5 ملايين سهم، كما ستدرس الشركة تحجيم الأثر المحتمل لبيع الأسهم على سوق المال». وفي الوقت ذاته تمتلك «SDI» 4.7 في المائة حاليا في «C&T»، وكانت تمتلك حصصا في الشركة قبل الدمج.
وتمتلك عائلة لي كون بمجموعة «سامسونغ» (بعد الاندماج في 2014) شبكة معقدة من حيازة الأسهم تصل مجتمعة إلى 70 في المائة من أسهم الشركة الأم والشركات التابعة لها. ووفقا لمحللين بالسوق فإن إجراءات الوكالة «محاولة لإضعاف سيطرة عائلة كون على الكيان الاقتصادي الأكبر في كوريا الجنوبية».
وتشهد «سامسونغ إلكترونيكس»، إحدى الشركات التابعة للمجموعة، والتي تختص بإنتاج الهواتف الذكية، نزاعا قضائيا كبيرا مع ندها الأميركي الأشهر «أبل» بشأن حقوق الملكية في تقليد طريقة وتعليب «آيفون».
في الوقت ذاته شهد العملاق الكوري تراجعا في مبيعات الهواتف الذكية في الربع الثاني بالولايات المتحدة، لتصبح حصته السوقية 27.6 في المائة، مقابل 43.6 في المائة لـ«أبل»، 9.4 في المائة «إل جي»، 4.8 في المائة «موتورلا».
ووفقا لتقرير مؤسسة «ICD» الإحصائية الصادر في أغسطس (آب) الماضي، تصدرت هواتف «سامسونغ» الذكية مقعد القيادة العالمي بحصة 21.4 في المائة خلال الربع الثاني، نتيجة لزيادة المبيعات في الأسواق الناشئة كالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وآسيا والمحيط الهادي، ما عدا اليابان.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.