السعودية تواجه هبوط أسعار النفط بميزانية متحفظة

وسط هبوط أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في 11 عامًا، أعلنت الحكومة السعودية بالأمس عن ميزانية بأسعار نفط متحفظة هي الأكثر تحفظًا منذ ما لا يقل عن عشر سنوات في ميزانية هي الأولى في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
وواجهت السعودية الانخفاض الحالي والتذبذب في أسعار النفط والتي وصلت إلى قاع سعري جديد في 2015 عند مستوى 37 دولارًا للبرميل لكل من سعر خام برنت في لندن وخام غرب تكساس في نيويورك، من خلال تقليص اعتمادها على الإيرادات النفطية وهي الخطوة التي اعتبرها محللون علامة على أن الرياض ستستمر في سياستها النفطية الحالية القائمة على مواصلة إنتاجها النفطي بمعدلات تتجاوز العشرة ملايين برميل يوميًا من أجل تلبية طلبات الزبائن وترك الأسعار لتحددها الأسواق.
وأعلنت وزارة المالية في بيان على موقعها بالأمس بعد إعلان صدور ميزانية السنة المالية 1436-1437 أن السعودية قامت بخفض اعتمادها على الإيرادات النفطية هذا العام بنحو 23 في المائة من الإيرادات في العام الذي سبقه.
وتوقعت السعودية أن تسجل إيرادات فعلية هذا العام 2015 بنحو 608 مليارات ريال سيكون حصة الإيرادات النفطية منها 72 في المائة أي ما يعادل نحو 444.5 مليار ريال. وكانت الإيرادات النفطية الفعلية في العام الماضي 2014 قد تم تقديرها عند 89 في المائة من إجمالي الإيرادات للدولة البالغة 1.05 تريليون ريال أي ما قيمته نحو 934.5 مليار ريال.
ومن المتوقع أن تستمر السعودية في تقليص اعتمادها على النفط في ميزانيتها للسنة القادمة مع الانخفاض الحاد في أسعار النفط والتي اقتربت من أدنى مستوى لها في 11 عامًا.
ويقول الاقتصادي الدكتور جون اسفاكياناكيس لـ«الشرق الأوسط» إنه يتوقع أن تخفض السعودية نسبة اعتمادها على الإيرادات البترولية في العام القادم إلى 70 في المائة استكمالاً لجهودها العام الجاري.
وأضاف اسفاكياناكيس: «يبدو واضحًا من الميزانية المعلنة أن السعودية لن تحيد عن سياستها البترولية وستستمر في إنتاج النفط وتصديره بنفس المعدلات الحالية، إذ إنها أخذت الكثير من الخطوات التي من شأنها تقليل أي تأثير للتذبذبات السعرية للنفط على الاقتصاد السعودي».
وفي المؤتمر الصحافي الذي أعقب إعلان الميزانية بالأمس قال رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية ووزير الصحة خالد الفالح إن السعودية أكثر قدرة من المنتجين الآخرين على الصمود في مواجهة الهبوط الحالي لأسعار النفط متوقعا أن تصبح السوق أكثر استقرارا خلال 2016.
وقال الفالح في مؤتمر صحافي «السعودية أكثر قدرة من غيرها على الانتظار لحين تحقيق هذا التوازن في السوق».
وجاءت تصريحات الفالح متماشية مع سياسة عدم خفض إنتاج النفط التي تتبناها السعودية رغم الهبوط الشديد في أسعار الخام العالمية منذ منتصف 2014. وأضاف: «سياستنا الإنتاجية واضحة.. سنلبي طلب عملائنا ولن نتركهم يعانون من نقص في الطاقة».
وقادت السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم تحولا في سياسة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) العام الماضي برفض الدعوات المنادية لخفض الإنتاج من أجل دعم الأسعار وآثرت بدلا من ذلك الدفاع عن الحصة السوقية.
وأشار الفالح إلى أن هبوط أسعار النفط سيقلل الاستثمارات الجديدة في الإنتاج عالميا وسيحفز الطلب العام القادم. لكنه أضاف: «سنواصل استثمارات النفط والغاز رغم هبوط أسعار الخام».
وقال اسفاكياناكيس إن السعودية أكثر تحفظًا في هذه الميزانية من السنوات الماضية إذ إن هذه هي المرة الأولى التي يتم احتساب سعر النفط في الميزانية بأقل من 50 دولارا منذ أكثر من عشر سنوات. ويتوقع هو أن تكون السعودية قد احتسبت ميزانية العام القادم على أساس سعر لنفط برنت عند 37 دولارًا للبرميل.
وبالنسبة للأسعار التي تم احتساب ميزانية عام 2015 على أساسها قال الاقتصادي اليوناني الأصل إن السعودية من المحتمل أنها احتسبت الميزانية للعام الجاري عند 47 دولارًا لبرميل نفط برنت.
وكان البنك الأهلي التجاري قد توقع في آخر تقاريره الاقتصادية الشهر الماضي أن تسجل أسعار الخام العربي الخفيف العام الجاري متوسطًا سعريًا عند مستوى 55 دولارًا مما يجعل الإيرادات الفعلية عند مستوى 665.3 مليار ريال للعام الجاري.
أما العام القادم فإن البنك الأهلي توقع أن تصل الإيرادات العامة فيه إلى 703 مليارات ريال مع بلوغ العربي الخفيف متوسط سعر 60 دولارًا للبرميل.
وفي السنة المالية القادمة توقعت الحكومة السعودية أن تسجل إيرادات عامة بنحو 513.8 مليار ريال سعودي، وهذا دليل بحد قول اسفاكياناكيس على أن السعودية مستعدة للتغيرات التي طرأت في أسواق النفط والانخفاض المحتمل للأسعار نظرًا لاستمرار تشبع الأسواق بالنفط الخام واحتمالية زيادة إيران من صادراتها النفطية مع رفع الحظر عن نفطها.
وكانت أسعار النفط قد فقدت 60 في المائة من قيمتها هذا العام وأصبحت تتداول عند 37 دولارا للبرميل في الأيام الأخيرة. وكان الكثير من وزراء دول أوبك قد أبدوا تفاؤلهم بصعود الأسعار في العام القادم إذ إنه لا يوجد أمامها اتجاه سوى الصعود بعد انخفاض إنتاج النفط في الولايات المتحدة بنحو نصف مليون برميل هذا العام.
والسعودية أكبر مُصدر للنفط في العالم بنحو 7.3 مليون برميل يوميًا هذا العام، كما أن إنتاجها من النفط تجاوز 10 ملايين برميل يوميًا في أغلب أشهر 2015. وطاقتها الإنتاجية بحدود 12.5 مليون برميل نفط يوميا. ويشكل النفط نحو 90 في المائة من إيرادات السعودية. ويقول أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن محمد الرمادي لـ«الشرق الأوسط»: «ميزانية عام 2016 تعكس نظرة بعيدة المدى بالنسبة للحكومة السعودية فيما يتعلق بسياستها النفطية فسواء قررت أوبك والدول خارجها خفض الإنتاج في العام القادم أو لا، فإن السعودية ستستمر في الإنفاق العام وستتحوط من خلال اعتماد سعر نفط في الميزانية منخفض ومقارب للأسعار الحالية للسوق».
وأضاف الرمادي: «اعتماد سعر نفطي في العام القادم قريب على الأسعار الحالية في السوق يعكس البرغماتية التي وصلت إليها صناعة القرار في السعودية على مستوى السياسات النفطية».
وأجبر تراجع أسعار النفط الحالي لأدنى مستويات منذ عام 2008 الكثير من دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إلى مراجعة سياسات إنفاقها الحكومي للعام القادم وأصبحت غالبية الدول في المنظمة أكثر تحفظًا باعتمادها ميزانيات لعام 2016 محسوبة على أساس أسعار نفط تحت 50 دولارًا للبرميل.
وبسبب هذه الأسعار المتدنية أعلنت تسع دول بما فيهم السعودية والعراق وإيران والكويت من أصل ثلاث عشرة دولة أعضاء في أوبك عجزًا في موازنات العام القادم إذ يستحيل لبعض الدول الاستمرار في الإنفاق في ظل تداول أسعار النفط عند مستويات تتراوح حول 36 دولارًا للبرميل.