اختلافات أحوال مسلمي أميركا عن نظرائهم في أوروبا تقلل فرص نشوء بيئة حاضنة للإرهاب في الولايات المتحدة

على الرغم من الزيادة الملحوظة لأعداد المتطرفين.. واستغلالهم وسائط التواصل الاجتماعي

من الواضح أن مسلمي أميركا «لا يبدون متأثرين بإغراءات (داعش) ودعايته المبنية على الإبادة الجماعية على عكس مسلمي أوروبا» ({نيويورك تايمز})
من الواضح أن مسلمي أميركا «لا يبدون متأثرين بإغراءات (داعش) ودعايته المبنية على الإبادة الجماعية على عكس مسلمي أوروبا» ({نيويورك تايمز})
TT

اختلافات أحوال مسلمي أميركا عن نظرائهم في أوروبا تقلل فرص نشوء بيئة حاضنة للإرهاب في الولايات المتحدة

من الواضح أن مسلمي أميركا «لا يبدون متأثرين بإغراءات (داعش) ودعايته المبنية على الإبادة الجماعية على عكس مسلمي أوروبا» ({نيويورك تايمز})
من الواضح أن مسلمي أميركا «لا يبدون متأثرين بإغراءات (داعش) ودعايته المبنية على الإبادة الجماعية على عكس مسلمي أوروبا» ({نيويورك تايمز})

أثارت المذبحة التي ارتكبها سيد رضوان فاروق وزوجته الباكستانية تشفين مالك، في مدينة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا الأميركية، مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، جدلاً سياسيًا حاميًا حول موقع المسلمين ودورهم في الولايات المتحدة. وكان الطين قد ازداد بلة في أعقاب التصريحات المعادية لهم التي أطلقها المرشح المحافظ دونالد ترامب في سياق حملته الانتخابية الرئاسية. ولكن ثمة من يرى أنه على الرغم من عداء ترامب المكشوف تجاه المسلمين وبالذات في الولايات المتحدة، يبقى ما يسمى «خيار الجهاد» - ولو برز في الآونة الأخيرة - ظاهرة هامشية في أميركا بخلاف الحال في أوروبا.
في أعقاب المجزرة التي ارتكبها الأميركي من أصل باكستاني سيد رضوان فاروق وزوجته الباكستانية تشفين مالك، والتي أودت بحياة 14 من زملائهما في مركز صحي بضواحي مدينة سان برناردينو في جنوب ولاية كاليفورنيا، أعلن المرشح الرئاسي الجمهوري الملياردير دونالد ترامب أنه بات من الواجب النظر إلى جميع المسلمين بشك وريبة. وأردف «علينا أن ننظر في المساجد. ليس لدينا خيار آخر. علينا أن نرى ماذا يحدث هناك لأن شيئا ما يجري». ودعا ترامب أيضًا إلى «فرض حظر شامل وكامل على دخول جميع المسلمين لأراضي الولايات المتحدة إلى أن يتمكن ممثلو بلدنا (أي كبار الساسة وأعضاء الكونغرس) من معرفة ما يجري».
غير أن الحقيقة لا تبدو على هذا المستوى من «الدرامية». فمنذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، قتل 45 شخصًا نتيجة أعمال عنف متصل بمسلمين، ومات نصف هؤلاء الضحايا في حادثتي إطلاق نار: الأولى نفذها طبيب مسلم مجند في الجيش الأميركي بولاية تكساس عام 2009، والثانية الحادثة الأخيرة في سان برناردينو. وفي المقابل، على سبيل المقارنة ليس إلا، سقط في فرنسا، التي تعرضت أخيرًا لموجة من عمليات الإرهاب متصلة بمسلمين 152 شخصًا في عمليات دامية خلال عام 2015 وحده.
من جهة ثانية، أوردت وكالة «رويترز» للأنباء نقلاً عن مصدر في مجلس الشيوخ الفرنسي، أن أكثر من 1400 حركي متشدد فرنسي انضموا إلى منظمات متطرفة ترفع شعارات الإسلام في سوريا أو العراق من أصل 65 مليون نسمة. في حين لم يتخطَ في الولايات المتحدة، التي يناهز عدد سكانها الـ326 مليون نسمة، عدد الأشخاص الذين سافروا أو حاولوا السفر إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش الـ250 شخصا منذ خريف عام 2015.
الدكتور ماثيو ليفيت، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قال خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن «مشهد المتشددين المتلبسين لبوس الإسلام في الولايات المتحدة يختلف كثيرًا عن الواقع الأوروبي». وعزا مشاركة الأميركيين الضئيلة نسبيًا في القتال الدائر في كل من سوريا والعراق إلى عدة عوامل، منها بعد المسافة بين أميركا والشرق الأوسط، «فالولايات المتحدة هي أبعد، والقدرة على السفر من أوروبا إلى الشرق الأوسط أسهل بكثير».
ثم هناك عامل ثانٍ مهم يتجسَّد في حقيقة أن مسلمي أميركا منخرطون بصورة أفضل في مجتمعاتهم مما هم عليه في فرنسا، أو دول أوروبا بشكل عام، حيث يعانون التهميش «ما يخلق في أوروبا ظاهرة اجتماعية مؤهلة أكثر لاعتناق الآيديولوجيات العنفية»، وفق الدكتور ليفيت.
وفي السياق نفسه، أشار الدكتور ليث سعود، الأستاذ المساعد للدراسات الدينية في جامعة دي بول بمدينة شيكاغو ومؤلف كتاب «مقدّمة عن الإسلام في القرن الواحد والعشرين»، خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط» إلى «الفرق الجذري (في التركيبة السكانية) بين الولايات المتحدة وأوروبا: ففي بلد مثل ألمانيا مثلاً، 75 في المائة هم من السكان الأصليين، أما في الولايات المتحدة فالسكان بأجمعهم هم أحفاد المهاجرين، ثم إن أوروبا لم تشهد موجات هجرة إلا في الآونة الأخيرة وتحديدًا خلال السنوات الخمسين إلى المائة سنة الماضية». وأردف سعود «أضف إلى ذلك أن الأميركيين المسلمين أكثر ثراء وأفضل تعليمًا مما هم عليه في أوروبا. وعلى الرغم من أنهم لا يزيدون عن واحد في المائة من سكان الولايات المتحدة، فإنهم يمثلون 10 في المائة من الأطباء، مثلاً، والذين هاجروا خلال العقود الأخيرة إلى الولايات المتحدة حائزون على مستويات علمية متقدمة، بينما يتألف قسم كبير من مجتمع المهاجرين المسلمين إلى أوروبا من طبقة العمال الفقيرة المتحدِّرة من المستعمرات القديمة». ثم إنه من الواضح أيضًا أن مسلمي أميركا «لا يبدون متأثرين بإغراءات (داعش) ودعايته المبنية على الإبادة الجماعية على عكس مسلمي أوروبا». كذلك يلحظ الدكتور سعود عاملاً آخر على جانب من الأهمية هو أن المجتمع المسلم في الولايات المتحدة متعاون للغاية مع إجراءات تطبيق القانون، وإلى أن «نصف الهجمات قد أحُبِطَت نتيجة معلومات تقدّم بها شخص مسلم آخر».
أخيرا، ضمن العوامل المؤثرة مستوى كفاءة الأجهزة الأمنية، وحقًا تعتبر كفاءة وفعالية وكالات الأمن في الولايات المتحدة، على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أحد أهم العوامل التي تفسِّر تدني أعداد المتشددين الإرهابيين الأميركيين المتحدرين من خلفيات مسلمة. وموظفو مكافحة الإرهاب، الذين زيد عددهم بألفي عنصر، ينكبون على ملاحقة كل ما يرتبط أو يشتبه بارتباطه بـ«داعش» في الولايات الأميركية الخمسين. وفي هذا الإطار، يعتبر ليفيت أن قوة الولايات المتحدة تكمن في نظامها التكاملي والإطار القانوني لديها. ويستطرد موضحًا «وعلى الرغم من أن مستوى وكالات مكافحة الإرهاب في أوروبا جيد، فإنه يفتقر إلى الإطار القانوني الصحيح. وكمثال على ذلك تمكن أحد المشتبه بتورطهم في عمليات باريس الدامية من الهرب لأن القانون البلجيكي لم يُجِز شن الهجمات ليلاً».
ولكن، مع أن أعداد المتطرفين من رافعي الإسلام في أميركا تظل منخفضة نسبيًا مقارنة مع أوروبا، تعاني الولايات المتحدة من زيادة ملحوظة النشاط المرتبط بالإرهاب. فوفقا لتقرير «داعش في أميركا» الذي نشرته جامعة جورج واشنطن، في العاصمة الأميركية واشنطن يجري حاليًا النظر والتحقيق في 900 حالة من المتعاطفين مع «داعش» في الولايات الأميركية الخمسين. بالإضافة إلى ذلك، اتهم 71 فردًا بالتعامل مع «داعش» اعتقل 56 منهم خلال عام 2015 وحده، وهو ما يمثل عددًا قياسيا من الاعتقالات المتعلقة بالإرهاب منذ أحداث 11 - 9، وفقا للتقرير. وتختلف أيضًا أوصاف هؤلاء المتطرفين في الولايات المتحدة وخلفياتهم، ذلك أن 40 في المائة منهم اعتنقوا الإسلام حديثًا، كما أن غالبية المتهمين يبلغون نحو الـ26 سنة من العمر، وهم بسوادهم الأعظم من الذكور (86 في المائة منهم رجال). كذلك يتبين من تقرير جامعة جورج واشنطن أن أنشطتهم تتوزّع في 21 ولاية، و51 في المائة منهم سافر أو حاول السفر إلى الخارج، وتورط 27 في المائة منهم في التحضير لشن هجمات على أراضي الولايات المتحدة.
في الولايات المتحدة، كما هو الحال في كثير من الدول الأوروبية، تلعب وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا في الترويج للتطرف وفي حشد المتعاطفين مع «داعش». وكان «برنامج جورج واشنطن حول التطرّف» قد رصد نحو 300 من المتعاطفين مع «داعش»، سواء من الأميركيين أو المقيمين على أراضي الولايات المتحدة، الناشطين على وسائط التواصل الاجتماعي الذين يعملون على نشر دعايات «داعش» وأشباهه من التنظيمات الإرهابية المدعية الإسلام، والتفاعل مع الأفراد الذين يشاركونهم أفكارهم المتطرفة.
وللعلم، فإن بعض أفراد هذا المجتمع قد ينتقل من النظريات من وراء الحواسيب (الكومبيوترات) إلى التنفيذ وينخرط فعليا في الحرب. ولقد أضاف التقرير أن البحث عن الانتماء أو المعنى أو الهوية يعتبر حافزًا أساسيًا لكثيرين من الأميركيين - أو الغربيين بالإجمال - الذين يعتنقون آيديولوجيا التطرف الذي يتستر بالدين لممارسة الإرهاب. ومن ثم، فإن المواقف المتطرّفة للساسة الأميركيين، وبالأخص من المرشحين الرئاسيين من أمثال دونالد ترامب، قد تخدم الدعايات التي ينشرها «داعش» وأمثاله وتعطيها صدقية لا تستحقها، وبخاصة في تعويلها على الانقسامات بين المسلمين وغيرهم من المجتمعات.
ويعتقد الدكتور سعود أن الحزب الجمهوري يعمل حاليًا على بث شعور معادٍ للإسلام بين الناخبين المسيحيين وتبنّي مواقف ضد المهاجرين سعيًا لجذب مزيد من الأصوات لمرشحيه، لكنه يستدرك قائلاً إن «الخطابات النارية والعنصرية تصل بالطبع إلى مسامع المجتمع المسلم في أميركا، إلا أنني لا أظن أن تنفيذها ممكن». وهو يرى أنه ما دامت خطابات ترامب تقتصر على الكلام، سيبقى المجتمع المسلم في الولايات المتحدة في مأمن، وفي هذه الحالة سيجد «داعش» مصاعب في رفع أعداد أتباعه ومؤيديه على الساحة الأميركية.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».