العراق: ركود ثقافي نتيجة التقشف الحكومي ورحيل وجوه ثقافية

مثقفون قادوا مظاهرات شعبية في مختلف المحافظات ضد الفساد

مظاهرات العراق قادها مثقفون
مظاهرات العراق قادها مثقفون
TT

العراق: ركود ثقافي نتيجة التقشف الحكومي ورحيل وجوه ثقافية

مظاهرات العراق قادها مثقفون
مظاهرات العراق قادها مثقفون

لم يتفق المثقفون في العراق على أهم حدث ثقافي حصل في عام 2015، فمعظم الأحداث - بحسب رأيهم - مرت مرور الكرام، أو أنها لم تأخذ صداها الذي ينتظرونه مقابل سبات طويل وركود تمر به الثقافة العراقية، نتيجة التقشف الحكومي الكبير وعجز ميزانية الدولة، كما أن هذه السنة شهدت رحيل عدد من أبرز الأسماء الثقافية، ومنهم الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، والناقد خضير ميري، وشيخ الخطاطين مهدي الجبوري، وآخرون.
ويشكل انطلاق المظاهرات الشعبية العارمة التي غطت معظم المحافظات العراقية، ومشاركة الشباب فيها، خصوصا المثقفين، حدثا مهما بالنسبة لكثيرين، باعتبارها خطوة لأجل التصحيح والقضاء على الفساد والمحاصصة المستشرية في البلاد.
يقول الناشط المدني جاسم الحلفي: «أهم حدث هذا العام هو المظاهرات الشعبية الكبرى التي انطلقت أواسط هذه السنة، وشكل فيها الشباب والمثقفين حضورا لافتا بتطلعاتهم إلى دولة مدنية والرافضين للطائفية والانقسام والمتصدين للفساد والمفسدين والداعين إلى إعادة البناء السياسي من بناء على أساس المحاصصة إلى بناء على أساس المواطنة، ببعدها الوطني، كونها امتدت على جميع المحافظات العراقية، عدا المحافظات التي يسيطر عليها (داعش)، ورفع علم العراق في تلك المظاهرات في تأكيد على رمزية الدولة». وأيده الإعلامي والكاتب عماد جاسم قائلا: «المظاهرات الشعبية التي عمت البلاد تعد الحدث الأبرز ثقافيًا وإعلاميًا، لأن أصل أي تغيير في البلاد تقوده النخب المثقفة فيه، ونحن مستمرون حتى تحقيق مطالب ساحات التحرير في كل أنحاء العراق».
أما الإعلامي والكاتب يحيى محمد فقال في حديثه: «ربما كان أهم حدث ثقافي هو رحيل الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد، وكذلك شيخ الخطاطين العراقيين مهدي الجبوري في 18 - 11 – 2015 بعد صراع طويل مع المرض، والفنان الكبير وضاح الورد أحد أهم رواد الفن التشكيلي في العراق».
ويضيف: «ما يمكن أن نعده من الأحداث الإيجابية في عام 2015 هو حصول الباحث العراقي الشاب حسام كصاي حسين على المركز الأول لجائزة الشباب العربي لعام 2015، والبالغة قيمتها عشرة آلاف دولار.. وهذه الجائزة يعلنها سنويا معهد البحوث والدراسات العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، ويخصصها للشباب الباحثين من الدول العربية، وكان موضوع الجائزة هذا العام (التطرف والإرهاب وآليات مقاومتهما الفكرية في الوطن العربي)». ويرى الدكتور حامد الراوي، المستشار الثقافي لوزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، أن «أهم حدث ثقافي حصل بعد جدب طويل هو إطلاق جائزة الإبداع الثقافي في الوزارة بشكلها المختلف والإصرار على إدخال عنصر التنافس للحصول على الجوائز العربية».
في حين وجد الإعلامي ونقيب النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين، عدنان حسين، أن أي حدث ثقافي مميز لم يشهده العراق، في وقت كان المثقفون والفنانون وعموم الجمهور يطمحون إلى إنشاء دار سينما أو صالة مسرح جديدة تضفي إلى أيامهم بعض الحضور والعودة إلى أيام الفن والثقافة السابقين، لكن أيا من ذلك لم توفره وزارة الثقافة، عدا ما يحسب لها من محاولة محاسبة بعض الطارئين والمفسدين فيها من مديري عموم وغيرهم من الموظفين. ويعتقد الإعلامي طه جزاع أن «فوز الأديبة ناصرة السعدون بجائزة (كتارا) للرواية العربية عن روايتها المنشورة (دوامة الرحيل)، وفوز ميسلون هادي عن روايتها غير المنشورة (العرش والجدول)، هما الحدثان البارزان في عام 2015، وكذلك إعلان (اليونيسكو) انضمام بغداد إلى شبكة المدن الإبداعية في حقل الأدب، وصدور رواية الشاب رسلي المالكي (الانهيار) التي تعد فتحا عراقيا جديدا في مجال الفن الروائي البوليسي بمفهومه الحديث، وأخيرا فوز الدكتور شفيق مهدي بجائزة اتصالات لكتاب الطفل الإماراتية عن عمله (بغلة القاضي) الصادر عن دار البراق لثقافة الطفل».
بدوره اعتبر الكاتب علي العلاق أن إقامة «مهرجان المتنبي» في محافظة واسط هي أهم حدث ثقافي حصل في نهاية عام 2015. بينما يرى الأديب محسن الذهبي أن رحيل الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد هو الحدث الأكبر في العراق.
وتقول الفنانة ثناء المختار إن «التظاهرات الشعبية كانت الحدث الأبرز، وكذلك اختيار مؤسسة عالمية أستاذا من محافظة ذي قار ضمن قائمة أفضل علماء العالم، وهو حسين طوكان رئيس قسم هندسة الطب الحياتي بجامعة ذي قار».
أما الإعلامية سما الأمير فقد ركزت على صدور الكتاب الأول لشبكة «نيريج» الاستقصائية في ثقافة الاستقصاء الصحافي في يونيو (حزيران) 2015، هو الحدث الأبرز في العراق ثقافيا وإعلاميا، وتابعت تقول: «قامت شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية (نيريج)، وهي الشبكة الأولى والرائدة في مجال العمل الاستقصائي بالعراق، بإصدار كتابها الأول عن صحافة الاستقصاء الذي حمل عنوان (بوابة الاستقصاء الصحافي)، وهو يستعرض أسس العمل الاستقصائي ومتطلباته وميزات الصحافة الاستقصائية، وأهم مفاصل ثقافة الاستقصاء الصحافي». الصحافية منى سعيد قالت: «مساهمة الفنان نصير شمة بالعزف في باريس بمسرح الأولمبياد هو الحدث الأهم لعام 2015، وكذلك مشاركة خمسة أفلام عراقية بـ(مهرجان دبي السينمائي)، والاكتشافات الجديدة من قبل بعثة أميركية للتنقيب عن الآثار في العراق».



«قلق السرد»... فلسطين روائياً

«قلق السرد»... فلسطين روائياً
TT

«قلق السرد»... فلسطين روائياً

«قلق السرد»... فلسطين روائياً

صدر في الشارقة عن الدائرة الثقافية كتاب نقدي جديد للروائي والناقد السوري نبيل سليمان، هو «قلق السرد»، وبذلك يبلغ عدد مؤلفات نبيل سليمان الروائية والنقدية ستين كتاباً. وفي مقدمة الكتاب الجديد نقرأ:

«يتعلق قلق السرد بالشكل، وليس فقط بالمحتوى أو المضمون. والرواية - إذن – قد تورثنا القلق بفعل وفضل الشكل، وليس فقط بمادتها الحكائية أو أحداثها أو حمولتها من الأزمات والأحوال النفسية أو من التاريخ. وهنا يتوحد الحديث عن قلق السرد بتوتره، ومن تجلياته: الجمل القصيرة، الإيقاع اللاهث، علامات الاعتراض والمقاطعة. ولا ننس انثيال السرد في هيئة سبيكة لغوية، تخلو من علامات الترقيم، وتتكسّر فيها أية علامات أو مؤشرات أو حواجز تنظم السرد. ومن الأمثلة البديعة لذلك في غُرر الحداثة الروائية الرائدة أذكّر برواية (نجمة أغسطس – 1974) لصنع الله إبراهيم، ورواية (ألف ليلة وليلتان – 1977) لهاني الراهب (1939 – 2000).

يثير العجائبي والغرائبي والخارق، يثير الفانتاستيك من قلق السرد ما يثير. وقد يورث ذلك قلقاً في البناء الروائي، فهل مثل هذا القلق مذمّة بالضرورة؟ وماذا أيضاً عن القلق اللغوي الذي يعانق تعدد اللغات الروائية: هل هو ضرورة أو مذمّة؟».

يحاول هذا الكتاب تشغيل الأسئلة والأفكار السابقة في قراءة مائة وست وأربعين رواية، فيبدأ باستكشاف ما في الجغرافيا الروائية من مولّدات القلق السردي، بعامة، قبل أن يخصص القول في روايات توزعت فضاءاتها وتشظت وتفاعلت من العراق والهند والصين إلى بيروت. ولئن كان ذلك يميل بالقول إلى المحمول السردي، فلعل الفصل التالي يميل، على العكس، بالقول إلى الشكل؛ إذ يتقرى فعل الموسيقى والنحت، فعل الفنون في السرد الروائي. وهذا ما سيتعمق ويتواصل في الفصلين التاليين. ففي فصل «في الفن الروائي»، يمضي تقصّي قلق السرد إلى ما للصوفية في الرواية، وإلى الكتابة المشتركة للرواية، فإلى ما بين الشعر والرواية، فإلى شكل النوفيللا. وفي الفصل الذي يلي يتحدد القول بما بين السيرة والرواية من استبطانٍ لقلق التجنّس بهما، وهذا من قلق السرد في الصميم.

من الكتاب:

«لأن لقلق الهوية الفلسطينية شأناً خاصاً، أفردتُ له فصلاً خاصاً لتجلياته في قلق السرد الروائي الفلسطيني. وبذا، بقي لأهجاس مجتمعاتنا المعاصرة فصل أخير، يتعدد في تعبيراته الروائية قلق السرد بين العبودية والضحك والهزيمة والمياه والمرأة المشبوحة بين عالمين والمفصل الزمني الحاد المتمثل في رأس السنة، كل سنة.

ولعل من المهم أن أشير إلى أن تحديد روايات بعينها لكل فصل، لا يعني أنْ ليس فيها ما يخاطب فصلاً آخر. فهذه رواية (يصحو الحرير) مثلاً تنادي الفصل الأول بفضائها المترامي بين مدن الجزائر ووهران وبشار وندرومة وإستانبول والشام (دمشق) وإسكندرون. لكن شخصية الفنانة التشكيلية حروف الزين، وهي الشخصية المحورية، مالت بالرواية إلى فصل (في الفن الروائي). ومثلها رواية (تصحيح وضع) التي يترامى فضاؤها بين ديترويت والرياض والدمام وأبوظبي ودبي وعدن. فقد مال ما في الرواية من أهجاس المجتمعات... إلى الفصل الأخير (أهجاس المجتمعات الروائية). وكذا الأمر في روايات (ملك اللصوص) و(كتيبة سوداء) و(فاكهة للغربان) حيث رجحت كفّة التاريخ على كفّة الجغرافيا، إن صح التعبير. أما روايتا (سماء القدس السابعة) و(قناع بلون السماء) فما لهما من الامتياز الفني ينادي فصل (في الفن الروائي)، وإن كان قلق الهوية الفلسطينية فيهما قد رجح كفّة فصل (فلسطين روائياً)».