خلافات جوهرية حول مصير الأسد في مباحثات لافروف مع العطية

وزير الخارجية الروسي طالب بضرورة رحيل كل القوات الأجنبية من الأراضي السورية

خلافات جوهرية حول مصير الأسد في مباحثات لافروف مع العطية
TT

خلافات جوهرية حول مصير الأسد في مباحثات لافروف مع العطية

خلافات جوهرية حول مصير الأسد في مباحثات لافروف مع العطية

في مباحثاتهما التي جرت لأول مرة في العاصمة الروسية لم يتوصل وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف مع نظيره القطري خالد بن محمد العطية إلى اتفاق حول الموقف من شرعية النظام السوري ممثلا في الرئيس بشار الأسد، وإن كشفا عن إمكانية التقدم على بقية المسارات التي طرحتها لقاءاتهما السابقة تجاه محاولات حلحلة الأزمة السورية.
وعلى الرغم من أن مباحثات الأمس تناولت عددا كبيرا من قضايا العلاقات الثنائية وفي مقدمتها التعاون في مجال الاستثمارات المشتركة وتطوير التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، بما فيها الطاقة والغاز إلى جانب المسائل المتعلقة بالأمن في منطقة الخليج ورؤية الجانبين تجاهها على ضوء الاتفاق الأخير حول ملف البرنامج النووي الإيراني، فإن الاهتمام الأكبر تركز حول الأزمة السورية.
وكان لافروف أكد في مستهل مباحثاته مع العطية اهتمام بلاده بإنشاء تحالف عالمي مضاد للإرهاب تحت رعاية الأمم المتحدة، وإن أشار إلى رغبته في الاستماع إلى نظيره القطري واستيضاح الجوانب المتعلقة بآفاق تشكيل التحالف الإسلامي المضاد للإرهاب بقيادة السعودية. وقال إن المسائل المتعلقة بالإرهاب وارتباطها بتطورات الأزمة السورية كانت في صدارة المسائل التي تطرق إليها النقاش في مباحثات موسكو. وأضاف الوزير الروسي أن الجانبين بحثا مختلف جوانب الأزمة السورية وما يتعلق بتسويتها على ضوء ما جرى التوصل إليه في جنيف وفيينا ونيويورك من اتفاقات ومدى انعكاسات ذلك على تسوية القضايا الأخرى في المنطقة، بما في ذلك العراق واليمن وليبيا.
وفي هذا الصدد أشار لافروف إلى بحث العلاقة بين العراق وتركيا من منظور التدخل التركي في العراق وضرورة تنفيذ ما طالبت به الجامعة العربية حول جلاء القوات التركية من الأراضي العراقية تطبيقا لمبدأ سيادة العراق على كامل أراضيه. ومن هذا المنظور قال لافروف بضرورة رحيل كل القوات الأجنبية من الأراضي السورية بما فيها عناصر الإرهابيين والمتطرفين القادمين من مختلف دول العالم بما فيها روسيا. وكشف عن نقطة الخلاف الجوهرية بين الجانبين، وقال إن المشكلة الأهم تظل في الخلاف بين روسيا وقطر وبلدان أخرى لم يُسَمِها، حول شرعية النظام السوري. واستطرد ليقول إن هذا الخلاف هو ما يحول دون تنفيذ ما جرى الاتفاق حوله في جنيف وما تضمنه البيان الصادر هناك بتاريخ 30 يونيو (حزيران) 2012، والذي ينص على توصيات بضرورة توافق السوريين ومشاركتهم في إجراء الإصلاحات، بما يتفق مع طموحات وتوجهات كل الشعب السوري. وكشف لافروف عن أن رفض الشركاء الغربيين لإقرار هذا البيان في مجلس الأمن بسبب عدم تضمنه طلب تنحية الرئيس السوري، حال دون المضي في تنفيذ بنود إعلان جنيف. ومضى ليقول إن ما جرى بعد ذلك من مناقشات ومشاورات في موسكو والقاهرة وفيينا وعواصم أخرى أسفر عن التوصل إلى اتفاقات حول الإجراءات والخطوات والتدابير الرامية إلى إعادة إحياء عملية جنيف.
وفي حين أعرب لافروف عن دهشته إزاء إصرار الشركاء الغربيين والآخرين على ضرورة رحيل الأسد، قال إن ذلك لم يمنع من التوصل إلى الاتفاق حول ضرورة إجراء المشاورات بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة، وهو ما قال إن موسكو تدعمه وتؤكد ضرورته، وما سمح بصدور قرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى بدء المباحثات بين وفدي الحكومة والمعارضة في يناير (كانون الثاني) من العام المقبل. ونذكر أن الوزير القطري العطية توقف عند هذه النقطة ليقول إن شرعية بشار الأسد نقطة اختلاف جوهرية بين الجانبين.
وقال: «إننا نعلم أن سياسات روسيا تؤيد عدم استخدام القوة لإسقاط الحكومات. لكننا نعلم أيضًا أن روسيا وعدت بمكافحة الإرهاب في المنطقة. وفي تقديرنا، إن بشار الأسد ونظامه أكبر داعم للإرهاب». وأشار إلى ما ارتكبه نظام الأسد في حق شعبه من جرائم تفرض ضرورة الإطاحة به. وكان لافروف أكد في معرض تعليقه على سؤال حول الموقف الأميركي بشأن إمكانية مشاركة الأسد في الانتخابات في سوريا: «إن ذلك لا يخص الأميركيين على الإطلاق، بل يخص السوريين فقط». أما عن تشكيل وفود المعارضة للمباحثات المرتقبة مع وفد الحكومة السورية، فقال لافروف إن الاتفاقات السابقة أقرت تكليف المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بتنسيق تشكيل وفود المعارضة على ضوء كل المشاورات السابقة التي جرت في موسكو والقاهرة والرياض، وبما يكفل توسيع مشاركة كل القوى السياسية السورية.
وحول المسائل المتعلقة بأمن منطقة الخليج، أشار لافروف إلى «أن روسيا الاتحادية ودولة قطر تشغلان مواقف متقاربة إزاء مسألة ضمان الأمن في منطقة الخليج بمشاركة كل الدول الساحلية المطلة عليه»، في حين أضاف أنه أطلع نظيره القطري على «الأفكار الجديدة التي تشكلت لدى موسكو حول مقومات الأمن في منطقة الخليج مع أخذ التطورات الأخيرة في الحسبان ومنها التوصل إلى تسوية الوضع حول البرنامج النووي الإيراني وتفاقم التهديدات الإرهابية بالنسبة لنا جميعا»، على حد تعبيره.
وكان الجانبان تطرقا أيضًا إلى بحث عدد من القضايا الإقليمية والدولية وفي مقدمتها الأوضاع في الشرق الأوسط. وقال العطية بضرورة العمل من أجل حل القضية الفلسطينية في إطار ما سبق وصدر من قرارات دولية تقضي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. أما عن القضايا الثنائية فقد تناولها الوزيران على ضوء ما صدر عن وزارة الخارجية الروسية في بيانها الذي قالت فيه، إن «تعزيز التنسيق بين روسيا وقطر في مجال الطاقة، ولا سيما في سوق الغاز، يكتسب أهمية حيوية في ظروف استمرار التوتر في الأسواق العالمية للطاقة إلى جانب الدعوة إلى تكثيف الاتصالات بين البلدين في المنظمات الدولية المعنية بهذا المجال، بما في ذلك منتدى الدول المصدرة للغاز الذي يتخذ من الدوحة مقرا له، مع ضرورة إيلاء أكبر قدر من الاهتمام بتفعيل طاقات التعاون الروسي القطري من أجل تكثيف التعاملات بين أوساط الأعمال في البلدين، وخصوصا في المجال الاستثماري». وكان الوزير القطري أعرب عن ارتياحه لزيارة موسكو التي قال إنه يصل إليها لأول مرة بعد زيارتين سابقتين لسان بطرسبورغ وسوتشي التي حضر فيها افتتاح الدورة الأوليمبية الشتوية مرافقا لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.