المهاجرون السوريون في إسطنبول أمام خيارين: إما البقاء أو اللجوء إلى أوروبا

فوز حزب العدالة والتنمية دفع البعض للبقاء بسبب سياسة الانفتاح مع اللاجئين

سامر القادري رسام ومصمم غرافيك من دمشق افتتح محلا لبيع كتب في مدينة إسطنبول في يوليو الماضي واجتذبت السوريين وغيرهم من قراء العربية
سامر القادري رسام ومصمم غرافيك من دمشق افتتح محلا لبيع كتب في مدينة إسطنبول في يوليو الماضي واجتذبت السوريين وغيرهم من قراء العربية
TT

المهاجرون السوريون في إسطنبول أمام خيارين: إما البقاء أو اللجوء إلى أوروبا

سامر القادري رسام ومصمم غرافيك من دمشق افتتح محلا لبيع كتب في مدينة إسطنبول في يوليو الماضي واجتذبت السوريين وغيرهم من قراء العربية
سامر القادري رسام ومصمم غرافيك من دمشق افتتح محلا لبيع كتب في مدينة إسطنبول في يوليو الماضي واجتذبت السوريين وغيرهم من قراء العربية

في منزل خشبي من ثلاثة طوابق يقع في زقاق مسدود أعلى تل بأحد أقدم أحياء إسطنبول، افتتحت مكتبة ومقهى عربي يحمل اسم «بيجز» أو صفحات، ليتحول بعدها إلى ملجأ بالمعنى الحرفي للمهاجرين العرب من الشباب، أغلبهم من السوريين، إضافة إلى عراقيين وليبيين ويمنيين ممن هربوا من الاضطرابات في بلادهم ليستقروا هنا.
في المكتبة وفى الحديقة التي تقع خلفها، كثيرا ما تثار نقاشات بحثا عن إجابة لسؤال أصبح يسيطر على حياة السوريين هنا: هل نبقى، أم نرحل عن طريق البحر إلى أوروبا في رحلة محفوفة بالمخاطر؟ أصبح السؤال ملحا في ضوء الصفقة التي أبرمتها تركيا مؤخرا مع الاتحاد الأوروبي بهدف الحد من تدفق الباحثين عن اللجوء في قارة أوروبا.
ونتيجة للأزمة التي تواجهها أوروبا بسبب تدفق نحو 700 ألف لاجئ هذا العام، بدأت برحلة محفوفة بالمخاطر في البحر من تركيا إلى اليونان، تعين على أوروبا طلب المساعدة من تركيا. وفى ضوء الصفقة التي أبرمها مع تركيا، يعرض الاتحاد الأوروبي أكثر من ثلاثة مليارات دولار أميركي كدعم للحكومة التركية لتحسين الظروف المعيشية للاجئين السوريين هناك لبناء مدارس ومستشفيات وغيرها من المرافق، على أمل البقاء والمعيشة في تركيا بشكل دائم. وسافر أربعة من خمسة عملوا لدى القادري عند افتتاحه للمقهى إلى أوروبا، في حين فضل قادري البقاء. ويقول قادري: «أنا هنا لأنني أريد أن أعود إلى سوريا، ربما غدا، وربما بعد عشر سنوات»، مضيفا: «فبعد هذه الحرب الضروس، سوف تحتاج سوريا لمن يعيد إعمارها».
بالنسبة للكثير من السوريين، فإن قرار البقاء في تركيا يعتمد على سماح تركيا لهم بالعمل بشكل قانوني، مما يرفع من أجورهم ويحقق أمنية الكثير من السوريين في الحصول على حق المواطنة. باسل قالي، شاب سوري غادر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بلدته في ضواحي دمشق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، يعمل 13 ساعة يوميا كعامل نظافة ويمسح أرضيات أحد مقاهي إسطنبول مقابل راتب شهري يعادل 280 دولارا أميركيا. وأضاف أنه قد يفكر في البقاء في تركيا في حال وجد عملا بدخل أكبر وتحصّل على حق المواطنة، لكن في ظل الوضع الحالي فإن ما يشغل تفكيره هو الهجرة إلى أوروبا.
شاب سوري آخر في إسطنبول يدعى محمد سيد (20 عاما) يعمل كعامل توصيل في أحد المطاعم، قال إن أباه كان من مؤيدي الثورة في سوريا، وإن الحكومة السورية أعدمته، وإنه تعلم اللغة التركية ويأمل في البقاء هناك شريطة أن تعمل الحكومة التركية على تحسين حياته بأن تسمح له بالعمل بشكل قانوني. أضاف أنه يعاني من التمييز، فالفتيات اللاتي يتعرف عليهن يهربن منه بمجرد أن يعرفن أنه سوري، ورغم ذلك فهو متردد في اللحاق بأصدقائه في أوروبا. وأضاف سيد: «لست مستعدا أن أعيش غريبا مرة ثانية في دولة أخرى وعلى الرغم من حالة النزوح الجماعي، فلا يزال هناك نحو 2.2 مليون لاجئ سوري في تركيا، وهو أكبر عدد من اللاجئين السوريين في دولة بالمنطقة. ففي إسطنبول وحدها يعيش نحو 350 ألف سوري يكتبون تاريخهم في مدينة أضحت منفى لهم، ومع مرور السنين اندمجوا مع نمط الحياة المسعورة بتلك المدينة، وافتتحوا المقاهي، فترى بعضهم يقدم عروضا موسيقية في شوارعها العريضة، وترى آخرين يبرزون جواز سفرهم السوري لاستعطاف المارة طلبا للمساعدة. ربما كانت هذه المرة هي الأولى التي تعج فيها إسطنبول بالمهاجرين بعد استقبالها للمسلمين من اليونان والبلقان، وبعد هجرة الروس من الثورة البلشفية، وكلاهما لجأ إلى إسطنبول.
ويقول السوريون هنا إن الأمل بدأ يحدوهم مؤخرا في تحسن الأحوال في تركيا بسبب فوز حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب إردوغان في الانتخابات البرلمانية التي جرت الشهر الماضي. ويعشق السوريون الرئيس إردوغان بدرجة كبيرة بسبب سياسة الانفتاح مع اللاجئين التي تتبناها تركيا، فقد كانوا متخوفين من فوز أحزاب المعارضة المعادية لوجود الأجانب. والآن، ومن دون انتخابات تعكر السياسة، وفى ضوء تدفق المليارات من الدولارات الأوروبية على الحكومة التركية، يأمل الكثيرون من السوريين هنا أن تنظر حكومة إردوغان إلى احتياجاتهم الأساسية الكثيرة. وفى تقرير صدر مؤخرا، على سبيل المثال، قالت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إن نحو 400 ألف طفل سوري في تركيا لم يدخلوا المدارس.
في مكتبة ومقهى «بيجز»، يعمل محمد كيالي (32 عاما) في التسويق للمكان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقال إنه قد سافر بالفعل إلى أوروبا في السابق، تحديدا السويد عام 2012، غير أنه فضل العودة. وعند سؤاله عن السبب أجاب «بسبب الطقس». وعندما يسأله بعض الناس ممن يفكرون في القيام بنفس الرحلة عن نصيحته، يجيبهم كيالي بأنهم «سوف يندمون». ففي أوروبا، وفق كيالي، وبفضل البرامج الاجتماعية الثرية، «سوف يوفرون لك المعيشة، لكنك لن تجد الحياة، ويقصد فقدان الهوية. وسوف تتغير كثيرا رغما عنك».



ميانمار في مقدمة الدول الأكثر تضرراً من الألغام المضادة للأفراد

مسلّحون من مجموعة معارضة مع عربة مدرّعة غنموها من الجيش في شمال بورما (أ.ب)
مسلّحون من مجموعة معارضة مع عربة مدرّعة غنموها من الجيش في شمال بورما (أ.ب)
TT

ميانمار في مقدمة الدول الأكثر تضرراً من الألغام المضادة للأفراد

مسلّحون من مجموعة معارضة مع عربة مدرّعة غنموها من الجيش في شمال بورما (أ.ب)
مسلّحون من مجموعة معارضة مع عربة مدرّعة غنموها من الجيش في شمال بورما (أ.ب)

تصدرت ميانمار خلال عام 2023 قائمة الدول التي تسببت فيها الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في أكبر عدد من الوفيات والإصابات، وسط زيادة في عدد الضحايا في شتى أنحاء العالم، على ما كشف مرصد الألغام الأرضية، الأربعاء.

تسببت الألغام ومخلفات الحرب من المتفجرات في مقتل أو إصابة ما لا يقل عن 5.757 شخصاً في العام الفائت (مقارنة بـ4.710 ضحايا في عام 2022)، 84 في المائة من بينهم من المدنيين، في نحو خمسين دولة، وفقاً للتقرير السنوي للمنظمة.

وتشمل الحصيلة التي ارتفعت بنسبة 20 في المائة خلال عام واحد، 1983 قتيلاً و3663 جريحاً، يضاف إليهم 111 ضحية أخرى، لا تشير إحصائيات التقرير إلى ما إذا كانوا قد نجوا أم لا.

كما تسببت الألغام المضادة للأفراد وحدها في سقوط 833 ضحية، مقارنة بـ628 في عام 2022.

وتأتي ميانمار في المركز الأول من حيث ضحايا الألغام والقنابل غير المنفجرة (1003)، متقدمة على سوريا (933) التي تصدرت الترتيب خلال السنوات الثلاث الماضية، ثم أفغانستان (651) وأوكرانيا (580)، بحسب ما جاء في التقرير.

وتم زرع العبوات الناسفة في كامل الأراضي في ميانمار التي شهدت عقوداً من الاشتباكات بين الجيش والجماعات المتمردة العرقية.

وازدادت أعمال العنف إثر الانقلاب العسكري في فبراير (شباط) 2021 ضد حكومة أونغ سان سو تشي، ما تسبب في ظهور عشرات الجماعات الجديدة المعادية للمجلس العسكري العائد إلى السلطة.

لم توقّع ميانمار على اتفاقية أوتاوا بشأن حظر وإزالة الألغام المضادة للأفراد، والتي انضمت إليها 164 دولة ومنطقة.

ويشير يشوا موسر بوانغسوان، الذي عمل على إعداد التقرير، إلى أن العدد الإجمالي للضحايا قد يكون أعلى بكثير مما تم الإعلان عنه؛ لأن جمع البيانات الميدانية يعد أمراً مستحيلاً؛ بسبب الاشتباكات، فضلاً عن وجود قيود أخرى.

وأوضح خلال مؤتمر صحافي في بانكوك: «لا يوجد نظام مراقبة طبي في البلاد يمكنه تقديم بيانات رسمية بأي شكل من الأشكال».

وأضاف: «نحن نعلم استناداً إلى الأدلة التي لم يتم التحقق منها أنها هائلة».

ويشير التقرير إلى «زيادة كبيرة» في استخدام الألغام المضادة للأفراد من قبل الجيش في ميانمار، لا سيما بالقرب من أعمدة الهواتف المحمولة وخطوط الأنابيب، والبنية التحتية».

وتقول المجموعة التي أعدت التقرير إنها عثرت على أدلة تثبت أن قوات المجلس العسكري واصلت استخدام المدنيين «لإرشاد» الجنود إلى المناطق الملغومة، على الرغم من أن القانون الدولي يجرّم هذا السلوك.

ويُتهم الجيش في ميانمار بانتظام من قبل القنصليات الغربية والمدافعين عن حقوق الإنسان بارتكاب فظائع وجرائم حرب.

وصادر معارضو المجلس العسكري الألغام «في كل شهر بين يناير (كانون الثاني) 2022 وسبتمبر (أيلول) 2024، في جميع أنحاء البلاد تقريباً»، بحسب التقرير الذي يستند إلى دراسة للصور الفوتوغرافية.

وقالت منظمة «اليونيسيف» في أبريل (نيسان) إن «كل الأطراف» استخدمت الألغام الأرضية «دون تمييز».

وأكدت جماعات متمردة أيضاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنها تزرع ألغاماً.

ومرصد الألغام الأرضية هو القسم البحثي للحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية (ICBL)، وهي شبكة من المنظمات غير الحكومية.

والألغام المضادة للأفراد هي أجهزة متفجرة تستمر في قتل وتشويه الناس بعد فترة طويلة من انتهاء الصراعات والحروب.

وهي مدفونة أو مخبأة في الأرض، وتنفجر عندما يقترب منها شخص ما أو يلامسها.

وعدّت الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية، الأربعاء، قرار الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا «بالألغام المضادة للأفراد غير الدائمة» المجهزة بجهاز تدمير ذاتي أو إبطال ذاتي، لتعزيز دفاعات كييف ضد الغزو الروسي، «كارثياً».

وأوضحت المنظمة، في بيان: «يجب على أوكرانيا أن تعلن بوضوح أنها لا تستطيع قبول هذه الأسلحة ولن تقبلها».