الخطاب الجديد لدواعش ليبيا: هيا بنا إلى «مثلث كولومبيا»

يسيطر عليه تجار مخدرات ومتطرفون.. ويقع على حدود الجزائر والنيجر

مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})
مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})
TT

الخطاب الجديد لدواعش ليبيا: هيا بنا إلى «مثلث كولومبيا»

مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})
مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})

بدأت قيادات تنظيم داعش المتطرف في ليبيا التفكير للمرة الأولى في الانتقال إلى المنطقة المعروفة بين مهربي المخدرات والمتطرفين في جنوب غربي البلاد باسم «مثلث كولومبيا»، حين توصل المبعوث الدولي السابق برناردينو ليون، قبل 50 يوما، إلى تشكيل حكومة وفاق وطني في ليبيا التي تضربها الفوضى، وذلك برئاسة فايز السراج، الذي تربطه علاقة قرابة بقيادي له كلمة على قسم مهم من الكتائب والميليشيات الموجودة في كل من طرابلس ومصراتة في شمال غربي البلاد.
لكن العملية توقفت مع توقف محاولات ليون لتنصيب السراج كرئيس لحكومة توافق وطني. إذ أدى ذلك التطور إلى تبديد مخاوف الدواعش من وجود سلطة قوية مدعومة دوليا، خاصة في أوساط الدواعش الذين يتمركزون في مدينة سرت المجاورة لأكبر مخزون نفطي في البلاد، والمقر المفضل للرئيس السابق معمر القذافي.
التحرك المفاجئ والسريع للمبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، مارتن كوبلر، ونجاحه في إعلان التوافق بين عدة أطراف ليبية على تنصيب السراج، مساء يوم الخميس الماضي، أعاد خطة الدواعش الليبيين للابتعاد جنوبا، خوفا من التدخل العسكري الدولي، جوا وبرا خاصة في مدن الشمال، مثل درنة وسرت وطرابلس وصبراتة.
وقبل ثلاثة أيام من إشراف كوبلر على توقيع الاتفاق في بلدة الصخيرات المغربية، بين عدد من الخصوم الليبيين، أجرت قوات أميركية قوامها عشرون جنديا، مجهزة بالعتاد الكامل، عملية إنزال في «قاعدة الوطية» العسكرية التي تخضع لسيطرة كتيبة «أبو بكر الصديق» التابعة للجيش الليبي، وذلك على بعد نحو خمسين كيلومترا من مركز «داعش» في صبراتة المجاورة لطرابلس من ناحية الغرب. وتوجد جيوب أخرى لـ«داعش» داخل العاصمة نفسها.
وقامت الكتيبة الليبية بإجبار الجنود الأميركيين على العودة من حيث أتوا. ويقول أحد مساعدي العقيد العتيري العجمي، آمر كتيبة «أبو بكر الصديق»، في اتصال مع «الشرق الأوسط» عبر الهاتف: «أعتقد أن الإنزال الأميركي كان تصرفا متسرعا من جانب الفريق الأمني للسيد كوبلر». ويرأس الفريق الأمني الأممي الخاص بليبيا الجنرال الإيطالي، باولو سيرا، المكلف من الأمم المتحدة بـ«ملف إرساء الأمن والاستقرار وتدريب الشرطة وإعادة تأهيل الجيش»، ومواجهة الدواعش أيضا.
وفي الجانب الآخر من جبهة سرت، كان من الممكن أن تستمع لشهادات لعائدين من المحاور التي يسيطر عليها التنظيم، تعكس مخاوف الدواعش من الأيام المقبلة، وانتشار لغة جديدة بين عناصره تهدف إلى إقناع المقاتلين بالتحرك إلى الجنوب. ويقول أحد العائدين من خط التماس بين مدينتي سرت وإجدابيا إن دروس وخطب الدواعش تهيئ المنتمين إليه بأنه بداية من عام 2016 سيكون هناك تحرك لقوافلها العسكرية إلى الجنوب.. «السبب وراء هذا أيضا زيادة خبرة الجيش الليبي في اقتناص قادة (داعش) هنا»، كما حدث في الأيام الأخيرة.
ويضيف المقدم عبد العزيز التباوي، المسؤول في حراسة المنشآت النفطية الموجودة جنوب شرقي سرت، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إن الخطاب الشائع بين الدواعش في محيط منطقة الهلال النفطي هنا هو: «هيا بنا إلى (مثلث كولومبيا)»، مشيرا إلى أن هذا المثلث يقع على الحدود الليبية مع كل من النيجر والجزائر، ومعروف أنه يخضع، لهيمنة تجار المخدرات والمتطرفين منذ سنوات، ويصعب على القوات النظامية تحقيق نجاح فيه بسبب تضاريسه الجبلية والرملية.. «معروف من أيام القذافي أنه ملجأ للخارجين عن القانون وللمهربين».
وكان المقدم التباوي يعمل في حراسة المنشآت في محيط مدينة سبها في أقصى جنوب البلاد، قبل أن ينتقل إلى حقول النفط في سرت، قبل شهرين، لحمايتها من «داعش». لكنه يقول إن هذا التنظيم الدموي بدأ يخشى من الهجوم عليه من القوات الدولية، في الأيام الأخيرة. ويضيف أنه توجد طائرات من دون طيار (درون) تتحرك في السماء وتراقب المنطقة، ولا يعرف إن كانت تابعة للقوات المسلحة الليبية بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، أم أنها تابعة لدول أخرى تراقب نشاط المتطرفين في البلاد، أو أنها تابعة للأمم المتحدة التي يقول إن لها طائرات تراقب آبار النفط في الصحراء.
ووفقا لضابط سابق في الجيش الليبي، يدعى سليمان الجابري، كان قريبا من المجموعات المتطرفة في الشمال الأوسط من البلاد، فإنه توجد معلومات لدى قيادات «داعش» في ليبيا عن إمكانية اجتياح مواقعهم «بين عشية وضحاها»، في حال تمكنت حكومة السراج من جمع شمل باقي الفرقاء، والعمل من العاصمة طرابلس. ويضيف الجابري أن قوات «داعش» في سرت لا تزيد على ألف عنصر، لكن لديهم أسلحة وسيارات ومعدات حربية، ويصل إليهم مدد من ميناء المدينة الموجود على البحر المتوسط. ثم يقول إن سبب ظهور «داعش» في سرت بشكل قوي ولافت لنظر العالم، في فترة وجيزة، منذ مطلع هذه السنة، هو أن المدينة تعرضت لنزع سلاح أبنائها في أيام الحرب بين قوات القذافي و«ثوار 17 فبراير»، في إشارة للانتفاضة المسلحة التي دعمها حلف الناتو للإطاحة بالنظام السابق في فبراير (شباط) 2011. وعلى العكس من ذلك تمكن أهالي مدينة درنة، بمساعدة مجموعات مسلحة، من كسر أنياب «داعش» في الأسابيع الماضية.
منذ مقتل القذافي فشل الحكام الجدد في تشكيل سلطة مركزية قوية. وانقسمت البلاد بين جيش وميليشيات وسياسيين يسيطر قسم منهم على الشرق وقسم آخر على الغرب. ومع تزايد هشاشة الحكومة، تمكنت التنظيمات المتطرفة بما فيها «داعش» من التحكم في عدة مدن، وإثارة مخاوف العالم من أن تتحول ليبيا الواقعة على الساحل الجنوبي لأوروبا إلى ملاذ آمن للإرهاب.
وصفق ممثلو عدة دول بحرارة للاتفاق الذي توصل إليه الليبيون في الصخيرات. ولم ينس كوبلر أن يذكِّر بأن مسألة الأمن في ليبيا على رأس أولويات حكومة التوافق. ومن جانبه، تعهد المجتمع الدولي بتقديم الدعم للجيش تحت إمرة السلطة الجديدة. وخرجت تسريبات تقول إن هناك نحو ألف جندي بريطاني جاهزين للمساعدة على فرض الأمن في هذا البلد الذي لم ينعم بالراحة منذ رحيل القذافي. كما أن إيطاليا على استعداد لتوجيه نحو ستة آلاف جندي إلى ليبيا. وستكون الأولوية لهذه القوات هي تدريب العسكريين الليبيين في الجيش والشرطة، واستهداف التنظيم المتطرف.
ويقول أحد شهود العيان ممن فروا من سرت إلى الحدود المصرية منذ يومين، وهو معلم في مدرسة سرت الابتدائية يدعى أحميدة: «الدواعش في سرت عددهم ليس كبيرا، لكن حين يتحركون بسياراتهم يفعلون ذلك بشكل جماعي لإرهاب الناس. هم بضع مئات. وقاموا في الصيف بذبح وسحل العديد من القادة والمحللين والدعاة من أهالي سرت. وحين أعلن ليون عن تشكيل حكومة برئاسة السراج في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدا لنا أنهم شعروا بالخوف من انتقام السكان، في حال استهداف مراكزهم من الجيش».
وبحسب رواية المُعلم أحميدة، قام الدواعش بمحاولة لتحسين معاملتهم للناس ونظموا مهرجانا ترفيهيا في ساحة المدينة وزعوا خلاله هدايا على الأطفال، بينما كان عدد من العناصر يحرسون المداخل والمخارج بالأسلحة الرشاشة وسيارات الدفع الرباعي المحمل عليها مدافع من عيار 14.5. وفي اليوم التالي قام التنظيم بفتح الباب لتعيين دعاة جدد للمساجد التي يسيطر عليها بمرتبات مغرية، وأدخل تعديلات على نظام المحكمة الشرعية التي يديرها. لكنه يوضح أن التنظيم بدا عليه الارتباك خلال الأسبوعين الأخيرين. المرة الأولى حين تمكنت طائرات الجيش الليبي من قصف مواقع له في المدينة، والمرة الثانية عقب توقع اتفاق الصخيرات الأخير وتسمية رئيس المجلس الرئاسي.
يملك السراج، رئيس المجلس الرئاسي وفي الوقت نفسه رئيس الوزراء، علاقات جيدة مع قيادات مقربة من الجيش في المنطقة الشرقية وأخرى مع بعض الميليشيات الموجودة في العاصمة وفي مصراتة وبعض قيادات «فجر ليبيا»، ممن أبدوا استعدادا للمشاركة في محاربة «داعش»، وفقا لنظام معين لا يتعارض مع بنيان الدولة الجديدة، تمهيدا لضم عناصر تلك الميليشيات للسلطات الأمنية أو منحهم وظائف أخرى. ينتمي السراج، وهو مهندس معماري ونائب في البرلمان عن حي الأندلس في طرابلس، لعائلة ليبية عريقة. وفي حال إظهاره قدرة على لم شمل الليبيين ووضع ترتيبات خاصة بالجيش والميليشيات، فإنه يمكنه بمساعدة المجتمع الدولي أن يحد من خطر «داعش»، ولو بإجباره على الهروب إلى الجنوب بعيدا عن المدن التي سيطر عليها التنظيم في الشمال خلال الشهور الـ18 الماضية.
ومن بين الإغراءات التي تجعل «داعش» يفضل الجنوب، وجود أوكار يمكنه الاختباء فيها. يقول أحد القادة العسكريين إن بلدة تراغن في الجنوب تعد بمثابة المركز لـ«مثلث كولومبيا»، وتحيط بها الجبال والكثبان الرملية من جميع الجهات تقريبا. وأطلق المهربون هذا الاسم على المنطقة، بسبب سهولة تحرك شحنات المخدرات فيها عبر الحدود، بعيدا عن أعين سلطات الدول المجاورة، سواء كانت الجزائر أو النيجر، والانطلاق منها إلى مالي، حيث أصبح المثلث في الأعوام الأخيرة ملاذا آمنا للتنظيمات المتطرفة، بما فيها جماعة «بوكو حرام» النيجيرية الموالية لـ«داعش».
وتوجد في المثلث الخطر قبيلتان ليبيتان كبيرتان لهما امتداد في دول الجوار، هما الطوارق (غربا) والتبو (شرقا)، إلا أن النزاع بينهما والاقتتال الذي يتفجر بين أبنائهما بين حين وآخر، يقللان من فرص التصدي للتنظيمات المتطرفة كما حدث في الشهور الماضية حين بدأت قوافل لكل من القيادي الجزائري في تنظيم القاعدة، مختار بلمختار، والقيادي المالي في «داعش»، الملقب بـ«الأنصاري»، تتحرك هناك بحرية.
وتنشط في «مثلث كولومبيا» تجارة المعدات العسكرية والأسلحة والصواريخ التي جرى نهبها من مخازن القذافي. ويضيف القائد العسكري أن هذه منطقة جبلية ووعرة، ومقر جديد لتجمع الدواعش من ليبيا وأفريقيا ومن جنسيات مختلفة.. «التنظيم، خاصة في سرت وفي صبراتة، بدأ يعد نفسه للاتجاه جنوبا، خوفا من أي ضربات دولية وخشية من انتفاضة الأهالي الذين قتل الدواعش أبناءهم».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».