«كما ولدتني اللّدية» عرض فلسطيني يتداخل فيه الشعر والموسيقى

انطلق من مسرح «خشبة» في حيفا ومسرح «عيون» في الجولان

مشهد من المعرض
مشهد من المعرض
TT

«كما ولدتني اللّدية» عرض فلسطيني يتداخل فيه الشعر والموسيقى

مشهد من المعرض
مشهد من المعرض

كان جمهور مركز خليل السكاكيني في مدينة رام الله، قبل أيام، على موعد مع العرض الشعري المسرحي متعدد الوسائط «كما ولدتني اللدّيّة». والعرض يحمل العنوان نفسه لديوان الشاعرة الفلسطينية أسماء عزايزة الصادر، مؤخرًا، عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمّان، وهو أنتج احتفاءً بصدوره، فيما كان جمهور مدينة الناصرة، وبالتحديد مركز محمود درويش، على موعد مع العرض أيضًا، في الثاني عشر من الشهر الحالي.
وحول العرض قالت عزايزة: «هنالك أكثر من سبب للخروج بهذا العرض.. طوال الوقت، وقبل أن يجهز الديوان، كانت تتملكني رغبة بأنّ أُخرج الشعر من الورق، خصوصا أن العالم ذاهب باتجاه قنوات حديثة ومختلفة».
وأضافت: «نحن نحبّ أن نرى ونسمع، وهذا طبيعي وإنساني. نحن نستمتع بحاسة النظر والسمع. لا أعتقد أنه انتقاد للناس كونهم يفضّلون الرؤية والسماع على القراءة أحيانا؟ فهذه حواسنا.. الشعر فيه موسيقى وصورة، لماذا لا نخرجهما منه؟.. الفكرة ليست ترجمة النصّ من خلال الموسيقى والصورة، لكنهما في حوار معه».
وتابعت: «السبب الثاني هو أنني أحب العمل الجماعي.. الشعر والكتابة هما من الفنون الشخصية.. الشعر إنتاج ذاتي ومغلق، ليس كالمسرح والسينما، وهذا فيه إيجابيات وسلبيات.. أحبّ هذا المكان الحميميّ: أن أكتب مسودة لقصيدة وألا يراها أحد، هذه مساحة لن أتنازل عنها، ولكن هنالك متعة كبيرة بأن هنالك أشخاصا يتشاركون أفكارا تشبه أفكارك.. أن أعرف كيف يشعرون تجاه النص، ويعبرون عن الفكرة ذاتها بأدواتهم الفنية الخاصة بهم، فالفكرة ليست ملكي. العرض الذي يتداخل فيه الشعر والموسيقى والغناء وفن الـ(فيديو آرت) في مساحة واحدة على الخشبة، عملت عليه مجموعة من الفنانين والفنانات بتناغم بوسع المكان».
في الجزء الموسيقي الشعري منه تشارك فيه: أسماء عزايزة (شعر) والفنانان علاء عزام (عود وغناء) وهشام أبو جبل (غيتار)، أما الـ«فيديو آرت»، الذي يحمل عنوان «عليك السّلام»، فهو فكرة وإخراج محمد خليل، وتمثيل الفنان صالح بكري، فيما كانت الموسيقى لأكرم حداد، والتصميم الفنّي لنردين سروجي، والتصوير لجورج دبس، والهندسة الصوتية لفراس شحادة، وتصميم الصورة لهاشم عودة، أما مساعدو الإنتاج فهم: جوجو أبو حميد، وإيناس، سعيد وسيّد ريّان.
وفي النصّ الشعريّ، الذي يحمل الاسم ذاته، يزور الإله الكنعاني بعل فلسطين في عام 2015، نازعًا عنه الأثواب التي لبسها في صيرورة تطويره وتحديثه وقولبته الدينية، نقيًا كما ولدته اللّدية.. ويشهد في رحلته هذه سقوط الأسطورة على الزمانكية الآنية، لتصحب النص الشعري مواد بصرية بالحبر الأسود لميساء عزايزة، فيما تولى مهمة التدقيق اللغوي علي مواسي.
ويأتي عرض «كما ولدتني اللدّيّة»، ليقتطع جزءًا من هذه الرحلة، مشكّلاً، بمساعدة المساحات التعبيرية الأخرى كالموسيقى والغناء والـ«فيديو آرت» والسينوغرافيا، فضاء تلقٍ وفهم إضافيين للديوان الشعريّ، فلا تأتي الأشكال الفنية الأخرى لتكون مجرد مرافقٍ فني للنص، بل شريك في استخراج الصورة وإغنائها وبناء الاستعارة معها.
ويشرف على العرض مسرحيًّا: بشار مرقص، سينوغرافيا مجدلة خوري، تصميم غرافيكي رلى حلوة، تصوير فوتوغرافي خلود طنّوس، علاقات عامة رشا حلوة.



زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»

زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»
TT

زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»

زاهر الغافري... «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت»

لا تزال تداعيات الرحيل الصادم للشاعر العماني البارز زاهر الغافري، تتفاعل في أروقة المثقفين العرب وعبر منصات التواصل الاجتماعي، منذ أن غيبه الموت في مستشفى بالمدينة السويدية مالمو أمس (السبت)، مخلفاً وراءه إرثاً إبداعياً متفرداً عبر 12 ديواناً شعرياً تُرجم كثير منها إلى لغات عدة منها الإنجليزية والإسبانية والصينية. ولد الغافري 1956 وتخرج في قسم الفلسفة بجامعة «محمد الخامس» بالرباط وعاش حياته عاشقاً للسفر والترحال، كأن الحياة امرأة جميلة يراقصها، ومن أجلها يتنقل من بلد لآخر، حيث طاب له المقام في المغرب والعراق وباريس ولندن، قبل أن تصبح السويد محطته الأخيرة.

ورغم تعدد الجغرافيا والأمكنة في خريطة العمر، فإن قريته «سرور» بسلطنة عمان، ظلت بمثابة شجرة وارفة الظلال يعود إليها بين الحين والآخر، ملتمساً عبق الذكريات ورائحة الجذور. ومن أبزر أعماله: «أظلاف بيضاء»، و«الصمت يأتي للاعتراف»، و«أزهار في بئر»، و«حياة واحدة، سلالم كثيرة»، و«هذيان نابليون»، و«مدينة آدم». وبدا لافتاً هذا الكم من القصائد التي تشي بأن الموت والرحيل تحولا إلى هاجس يطارد الشاعر في سنواته الأخيرة، نتيجة مرض تليف الكبد الذي عانى منه بقسوة، لكنه هاجس ظل ينطوي على «جمال منتظر»، كما في قوله: «لعلنا سنزداد جمالاً بعد الموت / فنسمع من يقول: انظر كيف تقفز الأسماك من عيونهم / هكذا ننحني لغصن الموت». ويقول في قصيدة أخرى: «ميتٌ في السرير لكنني أرى / لهذا سأتركُ لكم الشعرَ / يكفيني أن أرى تلويحة اليد من أعلى السحابة». ويتساءل في نص ثالث: «هل كان ينبغي أن تمضي كل تلك السنوات / كي أكتشف أنني صيحةٌ عائدة من الموت؟».

وتدفقت منشورات الرثاء واستعادة الذكريات لمبدعين ومثقفين من مختلف الأجيال والبلدان، وقعوا في غرام شاعر أخلص للشعر وحب الحياة، وزهد في الأضواء والصراعات الصغيرة.

وقال الشاعر العماني إبراهيم سعيد إن «زاهر تعامل مع الموت بطريقة شعرية تصعيدية للحدث القادم آنذاك، والذي نعرف الآن أنه هذا اليوم الحزين، وداعاً زاهر الغافري بكل الأناقة التي ودعت ولوحت بها طوال سنوات عمرك الأخيرة وصبرك، وتحملك لألم المرض الذي ظل يلاصق أيامك، والذي كنت تحتال عليه وتراوغه بأسلوبك الفريد...». وعلق الكاتب المصري مهدي مصطفى: «منذ أسابيع تهاتفنا عبر الفضاء الشاسع. صوته الضاحك المفرح يجيء من بعيد كأنه يودعني. لتعد يا زاهر إلى حضن قريتك سرور في عمان، كن طائراً في سماوات قريبة كما اعتدت».

ويستعيد القاص والروائي العراقي المقيم في الدنمارك سلام إبراهيم، بداية قربه الإنساني من الشاعر الراحل قائلاً: «في أمسية أدبية بمدينة مالمو وقع نظري عليه أول مرة. كان ذلك في منتصف تسعينات القرن الماضي. كان يجلس في الصف الأول بوجهه الأسمر كأنه رغيف خبزٍ تعطل قليلاً في التنور، يحملق بعينين ذكيتين متابعاً، وأنا أقدم صديقي المسرحي د. فاضل سوداني ليحاضر عن طقوس المسرح. في الجلسة التي أعقبت المحاضرة أقبل نحوي وعانقني، لم يقدم نفسه، فبقيت حائراً بمَ أناديه، وخاض معي حديثاً متشعباً وغنياً عن الأدب والعراق ونصوصي التي أنشرها في الصحافة العربية». ويضيف إبراهيم قائلاً: «كانت الجلسة محتدمة وبها خليط من مثقفي ومبدعي العراق، وكان (زاهر) شديد الحماس، شديد الإنصات، ظننت أنه عراقي بالرغم من أن لهجته فيها إيقاع لهجة أخرى، لكن ما يرتسم في تقاسيمه السمراء الناصعة كماسةٍ من انفعالات متوهجة، وما يصيب نبرة صوته من تهدج كلما سمع اسم العراق جعلني أتيقن بأنه عراقي».

ويتوجه الكاتب العماني أحمد العلوي إلى الراحل برسالة مؤثرة قائلاً: «أهو بياض الثلج الذي يبعد بحر عمان عنك؟ أم أن مالمو عصية على هتاف البحر لك؟ صورتك أمام الأزرق في عُمان تتجذر في أعيننا، حين يوافيك الحظ، ويعتقك البياض من قيد المسافة، وتأتي كموجة تناثرت هباتها على الشاطئ الذي تلتقط صوراً لك أمامه، وتكتب (من أمام بحر عُمان العظيم) كأنك بها وحدها تؤصّل جذورك في الماء».