السعودية في مواجهة الإرهاب

حرب طويلة.. جهود متوازية.. وتجربة نجاح رائدة

في 13 نوفمبر عام 1995 أدى تفجير سيارة مفخخة في الرياض لرفع حالة التأهب لتتمركز القوات الامريكية في أبراج الخبر
في 13 نوفمبر عام 1995 أدى تفجير سيارة مفخخة في الرياض لرفع حالة التأهب لتتمركز القوات الامريكية في أبراج الخبر
TT

السعودية في مواجهة الإرهاب

في 13 نوفمبر عام 1995 أدى تفجير سيارة مفخخة في الرياض لرفع حالة التأهب لتتمركز القوات الامريكية في أبراج الخبر
في 13 نوفمبر عام 1995 أدى تفجير سيارة مفخخة في الرياض لرفع حالة التأهب لتتمركز القوات الامريكية في أبراج الخبر

عانت السعودية من الإرهاب وجرائمه كثيرا، وكبدها ذلك خسائر من أرواح أبنائها وشبابها، لكنها واجهته بحزم وقوة، وصبر وإصرار، فهزمته وانتصرت عليه، وأصبحت نموذجا يدرس وتجربة تحتذيها الدول في مكافحة الإرهاب.
اتخذت السعودية في حربها الطويلة مع الإرهاب، جهودا وخططا متوازية لم تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل ترافق معها مشاريع فكرية واجتماعية وتوعوية، ولجان مناصحة واحتواء ورعاية للمغرر بهم من ضحايا جماعات التطرف، كما سنت عددا من التشريعات القانونية، والقضائية التي تسهم في حماية المجتمع من آثار هذه الظاهرة وتقضي عليها.
خلال خطابه بمناسبة عيد الفطر، في أغسطس (آب) الماضي، أكد خادم الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودية، التزام المملكة بمكافحة الإرهاب الدولي، داعيا الأمة الإسلامية لـ«الصمود في وجه دعاة التحريض والتضليل والضلال الذين يسعون لتشويه سمعة الإسلام».
وتأكيدا وإنفاذا لهذا العزم، قرر العاهل السعودي وفي أمر ملكي حازم - مطلع شهر فبراير (شباط) - تجريم كل من يشارك في الأعمال القتالية خارج المملكة من السعوديين، وسن قوانين للمعاقبة بالسجن على من يثبت في حقه المشاركة مع التنظيمات الإرهابية، سواء بالعمل المباشر أو الدعم المادي أو المعنوي.
يأتي هذا القرار بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، وملايين القتلى والجرحى والمهجرين والمشردين والمفقودين السوريين، ومنذ بداية الأزمة السوداء في سوريا، والسعودية تقرع أجراس الخطر، وتنبه العالم لخطر الإهمال والتسويف، خوفا من تحول سوريا لمركز جاذب للإرهابيين بسبب عجز العالم عن حل المشكلة. لكن لم يصغ أحد.
وصل الخطر إلى نسيج المجتمعات العربية ومنها السعودية، واتخذ دعاة التطرف وأنصار الجماعات الدينية الدموية كـ«داعش» و«النصرة» من الساحة السورية مسرحا للتجنيد والتعبئة.
هنا كان الأمر الملكي السعودي الأخير، حازما وحاسما في قطع الطريق على من يريد المتاجرة بعواطف السعوديين تجاه مأساة الشعب السوري، أو حرف قضية السوريين عن مسارها الوطني الإنساني إلى مسار متطرف مغامر، يريد إشعال الحرب الدينية في كل مكان.
خلف هؤلاء المنضوين في جماعتي «داعش» و«النصرة» في سوريا، وأمثالهما في اليمن وأفغانستان والصحراء الكبرى وسيناء مصر، عمق ممتد في المجتمعات من ممولين ومجندين ومروجين للدعاية.
كان لا بد من مواجهة هؤلاء، ليس بالتلميح في فتاوى علماء الدين المناهضين لهذه الجماعات فقط، بل كان لا بد - مع هذا - من وضع مسطرة قانونية واضحة، ورسم خط بيّن على الأرض يعاقب من تعداه.
الأمر الملكي واضح وهو ينص على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على 20 سنة، كل من شارك - كائنا من كان - في القتال الخارجي أو انتمى للجماعات المتطرفة أو دعمها بالتمويل أو الدعاية أو ساهم معها بأي صفة. وإذا كان الفاعل لهذا من القوات العسكرية فتكون العقوبة أغلظ.
ومن أجل رسم خط فاصل للناس على الأرض وجّه الأمر الملكي بتشكيل لجنة حكومية تشترك فيها عدة وزارات مع الادعاء العام وديوان المظالم، تعد قائمة، يعتمدها النظر الملكي، تحدث دوريا بهذه التيارات والجماعات.
السعودية هي صاحبة مبادرة المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وهي صاحبة الجهود المؤثرة على مستوى العالم، من خلال التعاون الأمني الاستخباري، والسياسي، لمكافحة جماعات الإرهاب الديني، بسبب الخوف على استقرار السعودية، وبسبب الخوف على سمعة الإسلام أيضا، وبسبب الخوف على الاستقرار في الإقليم والعالم. السعودية حين تكافح الإرهاب وجماعات التطرف داخليا وخارجيا، فهي تمثل نهجها وتتمثل ذاتها، وليست تناور بورقة الإرهاب كما يفعل غيرها.
ولأجل ذلك، سنت السعودية إجراءات ومشاريع شاملة لمواجهة قوى التطرف على كل المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. فعلى المستوى المحلي حاربت المملكة الإرهاب من خلال خطين متوازيين هما المعالجة الأمنية والمعالجة الوقائية الفكرية.
في مستوى المعالجة الأمنية سجلت السلطات الأمنية إنجازات غير مسبوقة تمثلت في الضربات الاستباقية وإفشال أكثر من 95 في المائة من العمليات الإرهابية، ثم اختراق الدائرة الثانية لأصحاب الفكر الضال، وهم المتعاطفون والممولون للإرهاب الذين لا يقلون خطورة عن المنفذين للعمليات الإرهابية فتم القبض على الكثير منهم.
ولهذا يؤكد كثير من المراقبين، أن تجربة المملكة في مكافحة الإرهاب وكشف المخططات الإرهابية قبل تنفيذها عكست تفوقا غير مسبوق يسجل للسعودية سبقت إليه دولا متقدمة كثيرة عانت من الإرهاب عقودا طويلة.
وفيما يتصل بالمعالجة الوقائية شكلت وزارة الداخلية السعودية (لجنة المناصحة) وهي لجنة شرعية تتكون من العلماء والدعاة والمفكرين بهدف تصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة لدى الموقوفين، فكان إنشاء (مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية) الذي يهدف لكشف الشبهات وتوضيح المنزلقات الفكرية التي يتبناها أصحاب الفكر المنحرف الذي يقود إلى الإرهاب من أجل إعادة الموقوفين إلى رشدهم وتصحيح مفاهيمهم من خلال الاستعانة بعلماء الشريعة والمختصين في العلوم الاجتماعية والنفسية والمثقفين ورجال الأعمال وإتاحة الفرصة لهم لمقابلة هذه الفئة ومناقشتهم بكل حرية والرد على شبهاتهم وانتهاج أسلوب الحوار والإقناع مع بعض أتباع هذا الفكر، وتغيير الكثير من القناعات السابقة لديهم وعرض هذه التراجعات عبر وسائل الإعلام.
وتشكلت المحاور الرئيسة التي انتهجتها المملكة في محاربة الإرهاب على خمسة محاور مهمة، وهي:
- تفنيد حججهم الفكرية.
- محاصرة منافذ التبشير بأفكارهم.
- تجفيف منابع تجنيدهم للأتباع وإغلاق مصادرهم في التمويل.
- تفكيك شبكاتهم القائمة، من خلال المبادرة بعمليات نوعية استباقية لإجهاض خلاياهم النشطة والنائمة.
- الاحتواء الإنساني بإعادة تأهيل المغرر بهم.
ولعل أبرز ما تحقق في هذا السياق تراجع الكثير من المنظرين للفكر التكفيري المنحرف عن فتاواهم التي استندت عليها عناصر الفئة الضالة في القيام بأعمالها الإجرامية وأكدوا أن فتاواهم تلك خاطئة وتراجعوا عنها وأعلنوا توبتهم.
وفي سياق الجهود العلمية والدولية، نظمت المملكة بالتزامن مع المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب حملة التضامن الوطني لمكافحة الإرهاب في مختلف مناطق المملكة دامت أسبوعا كاملا شاركت فيها جميع القطاعات التعليمية والأمنية وهدفت إلى زيادة الوعي العام في دعم التعاون بين أفراد المجتمع السعودي للتصدي للعمليات الإرهابية وتعزيز الانتماء للوطن والدفاع عنه ومكافحة الغلو والتطرف.
وأصدرت المملكة جملة من الأنظمة والتعليمات واللوائح لاستخدام شبكة الإنترنت والاشتراك فيها بهدف مواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني إضافة إلى تنظيم الجهات المعنية دورات تدريبية كثيرة عن موضوع مكافحة جرائم الحاسب الآلي لتنمية معارف العاملين في مجال مكافحة الجرائم التي ترتكب عن طريق الحاسب الآلي وتحديد أنواعها.
ولأجل إعادة تنظيم جمع التبرعات للأعمال الخيرية التي قد تستغل لغير الأعمال المشروعة قامت بإنشاء هيئة أهلية كبرى تتولى الإشراف والتنظيم على جميع الأعمال الإغاثية والخيرية بهدف تنظيم عمل تلك الهيئات حتى لا تذهب هذه الأموال والتبرعات لجماعات إرهابية.
كما يبرز المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي دعت إليه المملكة وعقد بمدينة الرياض أوائل شهر فبراير عام 2005م واحدا من الجهود الدائبة للمملكة في مكافحة هذه الآفة العالمية في إطار دولي وجانب من جوانب عمل المملكة المستمر في محاربة الإرهاب، حيث ترى المملكة دائما أن القضاء على الإرهاب لن يجري إلا بتعاون دولي في استئصال جذوره ومعالجة أسبابه.
وبذلت المملكة جهودها لإنجاح المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب إيمانا منها بأن المؤتمر يمثل عزم الأسرة الدولية للقضاء على الإرهاب.
وعلى مستوى التشريع والقضاء، تم إنشاء محكمة خاصة للنظر في قضايا الإرهاب تحت اسم المحكمة الجزائية المتخصصة، كذلك استحداث دائرة مختصة بهيئة التحقيق والادعاء العام تحت اسم «دائرة قضايا أمن الدولة» لتتولى التعامل مع مثل هذه القضايا وتوفير جميع الضمانات التي توفر للمتهمين في قضايا الإرهاب وتمويله محاكمة عادلة بما في ذلك حقهم في الدفاع عن أنفسهم وتعويض من تثبت براءته منهم.
كما أقر مجلس الوزراء السعودي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي نظام «مكافحة الإرهاب وتمويله»، وهو يعد نظاما إجرائيا أُخذ فيه بمبدأ التوازن بين الأخطار التي تؤول إليها تلك الجرائم، وحماية حقوق الإنسان التي حفظتها وأكدت عليها الشريعة الإسلامية. وحدد النظام - بشكل دقيق - المراد بالجريمة الإرهابية بأنها «كل فعل يقوم به الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غير مباشر، يُقصد به الإخلال بالنظام العام، أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة، أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر، أو تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض مواده، أو الإساءة إلى سمعة الدولة أو مكانتها، أو إلحاق الضرر بأحد مرافق الدولة أو مواردها الطبيعية، أو محاولة إرغام إحدى سلطاتها على القيام بعمل ما أو الامتناع عنه، أو التهديد بتنفيذ أعمال تؤدي إلى المقاصد المذكورة أو التحريض عليها.
كما حدد النظام الإجراءات اللازمة والضمانات الواجبة عند التعامل مع كل من يُشتبه في ارتكابه جريمة إرهابية أو تمويلها، ومن أبرز هذه الإجراءات والضمانات، تخويل وزير الداخلية بإيقاف إجراءات الاتهام تجاه من بادر بالإبلاغ عن إحدى الجرائم الواردة في النظام - قبل البدء في تنفيذها - وتعاون مع السلطات المختصة أثناء التحقيق للقبض على مرتكبيها أو على غيرهم ممن لهم صلة بجريمة مماثلة في النوع أو الخطورة، وخول النظام كذلك وزير الداخلية بالإفراج عن الموقوف أو المحكوم عليه أثناء تنفيذ العقوبة.
جهود السعودية الحثيثة في محاربة الإرهاب، قادت الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2011 إلى التوقيع على اتفاقية تأسيس «مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب» بين السعودية ومنظمة الأمم المتحدة، بمساهمة من المملكة بمبلغ عشرة ملايين دولار للتمويل في تأسيس المركز لتؤكد أن الإرهاب لا دين له ولا يمثل الدين أو المجتمع الذي ينتمي إليه الإرهابيون. وأن المملكة من أوائل الدول تصديا للإرهاب على مختلف الصعد محليا وإقليميا ودوليا قولا وعملا، فضلا عن أنه تأكيد على اهتمام المملكة بالمساهمة في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب كظاهرة خطيرة تتعارض مع جميع القيم والمبادئ الإنسانية والشرائع السماوية.



واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».