المرأة السعودية.. ووثبة الانتخابات البلدية

نجاح سيدات الشورى.. هل يحفزهن على إثبات جدارتهن؟

المرأة السعودية.. ووثبة الانتخابات البلدية
TT

المرأة السعودية.. ووثبة الانتخابات البلدية

المرأة السعودية.. ووثبة الانتخابات البلدية

وليس أخيرًا، دخلت المرأة السعودية في مسار جديد كان التوقع فيه أن تظفر بالوجود الذي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وإن كانت التوقعات أن يكون عدد المقاعد التي حملتها إليها أصوات الناخبين والناخبات أقل، لكنها نجحت في تحريك صورة ظلت محدودة الإطارات، يتنازعها كثير من الأمور بين العادات والتقاليد وأمور شتى.
عوامل عدة ساهمت في إزالة بعض التعتيم الذي ظل مناهضًا لظهور المرأة السعودية في مسارات مدنية وتشريعية، لكن وإن حضرت، تظل الصراعات حول المرأة نشيطة في المجتمع السعودي، مما يجعل الأمل أن تساهم مثل هذه النتائج وتحقيق الحضور النسائي في تحييد تلك الصراعات إلى مستوى العمل التنموي الوطني الكبير الذي ينتظر البلاد.

المرأة السعودية تعيش في حالة تصالح واقعيًا، ولديها الأمل البعيد، وتتوق إلى تحقيقه عبر الطرق والأنظمة السعودية، التي حملتها - مؤخرًا ومنذ سنوات - إلى مراحل مختلفة من العمل السياسي من خلال مجلس الشورى، وفتح مجالات التوظيف الواسعة خلافًا لما كانت عليه في عقود ماضية، واليوم يتجلى ذلك من بوابة المجالس البلدية.
جعلت المرأة السعودية من الانتخابات البلدية حدثًا عالميًا، تناقلته وسائل الإعلام بمختلف أطيافها وتوجهاتها، صورتها كانت البارزة في مجمل الحضور الانتخابي، وكذلك مشهد الختام بعد إعلان أسماء المرشحين والمرشحات الفائزين والفائزات، في دورة ثالثة كانت وسائل الإعلام منجذبة كثيرًا للأولى قبل عشرة أعوام، وأقل حضورًا للثانية، وأكثر تميزًا في الدورة الثالثة، إن صحت تسميتها بدورة دخول المرأة ناخبة ومرشحة.
أمران كانا نقطة اللفت في الانتخابات - وإن بدا فاترًا - مقارنة بنسبة الإقبال بين من قيد اسمه ناخبا، التي تجاوزت 47 في المائة.. أولى تلك النقاط اللافتة هي في الدخول التاريخي للمرأة، والعدد الكبير الذي لم يكن متوقعًا لدى طيف من المتفائلين، إضافة إلى الصلاحيات الواسعة الممنوحة للمجالس البلدية في الحلة الجديدة.
المجالس البلدية التي لا يمكن أن تصل إلى مرحلة مزايا مجلس الشورى حتمًا، لكنها أكثر المجالس التشريعية في ملامسة الواقع، وتلمس احتياجات المجتمعات المحلية، التي غالبًا ما تغلب على تفاصيلها الصغيرة فرصة تقويض المطالبات الكبرى، ويستطيع الفرد ذكرًا أو أنثى تلمسها من خلال ملامسته المعيشة.
وعلى خلاف الوجه الجديد للانتخابات البلدية في دورتها الثالثة، اتخذت النساء المرشحات طرقهن في الحملات الانتخابية مستفيدات من التطور التقني والوهج الدائم لمنصات التواصل الاجتماعي، خلافًا للطريقة الرجالية التي انحصر غالبها في تكوين مقرات لإبراز برامجهم الانتخابية، واستطعن جذب بعض الأصوات من خلال هذه الأساليب الإلكترونية.
على الصعيد النسائي، وجدت عشرون سعودية (من بين 979 مرشحة) فرصتهن في الدخول بقوة نحو المقاعد البلدية، في كل بلدية من بلديات المملكة، وهذا العدد مرشح للازدياد، إذ سيكون هناك ثلث متبقٍ سيكون تحت تصرف الحكومة السعودية، إذا بلغ مجموع الفائزين والفائزات عبر الاقتراع 2106 مرشحين ومرشحات.
تأمل النساء في طريقهن الجديد بالدخول في عالم التشريع إلى تحقيق الطموحات، بعد أن أثبتن سيدات في مجلس الشورى وجودهن، وحملن ملفات عدة إلى طاولة النقاش، منها ما تمت الموافقة عليه، وأخرى كانت المعارضة ضدها، لكنها كانت تعبر عن حراك كبير في مسيرة النساء في السعودية، بل وكانت هي العنوان الأبرز في وسائل الإعلام الأجنبية، نظرا للدخول الكبير في المجال، رغم أصوات تعارض الحضور النسائي لاعتبارات دينية وأخرى تمس العادات والتقاليد.
ما يميز النسوة في أسلوب التعبئة قبل أيام من الاقتراع الكبير الذي شارك فيه ما يزيد على 700 ألف ناخب وناخبة، عن نظيرها الرجل، هو دخولها الكبير بمساعدات نسائية خالصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كانت ترغب في أن يكون الصوت مسموعًا، وهي في حال عدم تحقق أي إنجاز ترى النسبة الكبرى منهن أن منحها حق الحضور ناخبة ومرشحة يعد إنجازًا يضاف في طريق المرأة الطويل نحو الطموح الغالب على السواد الأكبر.
الإشادات العالمية التي حظيت بها المرأة نظير مشاركتها، كانت وستكون حتمًا مساهمة في تغيير النظرة التي كانت تحيطها الهالة الإعلامية الغربية عن المرأة في المملكة، وبالنظر إلى الأرقام التي أفرزتها عملية الاقتراع، يتضح مشاركة 82 في المائة من النساء الناخبات في عملية الاقتراع، بمشاركة تجاوزت 106 آلاف امرأة من أصل أكثر من 130 ألف ناخبة مسجلة.
جديع القحطاني، رئيس ومتحدث اللجنة التنفيذية للانتخابات البلدية، أكد أن مشاركة السعوديات ناخبات بلغ 24 في المائة، من إجمالي الناخبين الجدد المسجلين في هذه، مصرحا من موقعه الرسمي بأنهم كانوا يتمنون أن تكون المشاركة أكبر، لكنها وفق الحضور الأول لهذا الاستحقاق تعطي الأمل في مستقبل مختلف.

* ثقافة نيل الاستحقاق
الناخبة أشواق الجعيد، قالت إنها على علم بعدم فاعلية المجالس البلدية في الدورتين السابقتين، لكن سبب تسجيلها في قيد الناخبين هو المساهمة في الاستحقاق الأهم في نظرها، بضرورة وصول امرأة على الأقل في مجلس مدينتها، معبرة عن سعادتها بوصول أكثر من سيدة من خلال الصناديق الانتخابية، مؤكدة، لـ«الشرق الأوسط»، أن الدعاية الانتخابية عبر شبكة التواصل الاجتماعي (تويتر) جعلت صوتها يصل إلى من تراها في نظرها تستحق الوصول نظير أهدافها الانتخابية.
وقالت الجعيد، إنها تلقت اتصالات قبل الاقتراع من قبل إحدى المرشحات بعد أن تأكدت من تسجيلها في دائرتها الانتخابية، معبرة عن سعادتها لتنامي هذه الثقافة الانتخابية التي تعبر عن انطلاقة فعلية نحو العمل المدني النسائي، مشددة على أنه لن يحقق للمرأة وجودها سوى المرأة نفسها، من خلال إثبات العمل دون الالتفات إلى الأصوات التي تنادي بتحييد السيدات عن العمل المشرع لها من قِبل الدولة.
بالأمس تجلت النساء في السعودية، لتعبر أصواتهن عباب البحار، ولتكون الرسالة الأكثر وضوحًا أن البلاد تتغير، وقودها في ذلك الدعم السياسي، ووعي شامل جاب أركان الشارع السعودي، في وقت كان التوقع أن يكون الإقبال على ترشيح النساء ضعيفًا أو معدومًا، فكانت النتائج المعلنة بالأمس تثبت أن المشاركة الأولى أثمرت نتائجها الجيدة خصوصًا بين النساء.
حضورها الصامت الراضي سابقًا، مع إنجازات متتالية فردية وجماعية، جعل الرؤية السياسية محققة واقعًا، وإن كانت النساء الحاضرات، ناخبات ومرشحات، استطعن إثبات الحضور حتى في المناطق والمدن ذات الزخم القبلي الذي غالبًا ما يستجيب لتقاليده، لكن المرأة هي واحدة في حضورها وتميزها، وإن كانت خارج الحدود.

* نساء «الشورى» دافع للمشاركة
ورأت الأكاديمية السعودية، الدكتورة ميساء الحكمي، أن دخول المرأة مجلس الشورى ساهم في تغيير الصورة المتشائمة في قدرة النساء على التغيير وإثبات القدرة على تحمل الأعباء في الشؤون العامة، وأضافت، في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن التغيير ومشاركة الرجال في دعم المرأة في هذه الانتخابات يعطي مؤشرًا آخر على قبول المشاركة النسائية.
وتمنت الحكمي من المرشحات الفائزات في عموم السعودية، أن يفعلن الدور المنوط بهن في الاتجاه الصحيح للعمل، لأن هذه خطوة من خطوات كثيرة في طريق المرأة نحو الحضور الريادي في المجتمع، وأن هذا المكسب الذي ساهم فيه الرجال لدخول المرأة إلى المجالس البلدية سيقوض كل ما يثار حول قدرة المرأة في تحقيق العمل المجتمعي.

* 3 يناير مرحلة العمل
السعوديات الفائزات سيبدأن العمل عبر المجالس البلدية ومعهن الرجال حتمًا، في الثالث من يناير (كانون الثاني) المقبل، وستكون أمامهن والمجالس البلدية صلاحيات أوسع للمجالس التي ظلت لدورتين ماضيتين أقل من الطموح الشعبي، من خلال إقرار الخطط والبرامج البلدية ذات الصلة بتنفيذ المشروعات البلدية المعتمدة في الميزانية، ومشروعات التشغيل والصيانة، والمشروعات التطويرية والاستثمارية، وكذلك الدراسة والرأي حول المخططات الهيكلية والسكنية، ومشروعات نزع الملكية للمنفعة العامة، وشروط وضوابط البناء، بجانب نظم استخدام الأراضي والخدمات البلدية والرسوم والغرامات البلدية، وكذلك متابعة الشروط والمعايير المتعلقة بالصحة العامة.
وتبرز مزايا أعضاء المجالس البلدية في حضور الجلسات المقررة لمرة واحدة في الأسبوع، تبلغ معها مخصصات الجلسة الواحدة قيمة كبرى لا تتجاوز (ألفي ريال)، وغيرها من البدائل المالية الأخرى، لكنها ذات ثقل تنموي لما سيتحمله المرشح أمام ناخبيه في ضوء الصلاحيات الجديدة والمتجددة لتحقيق التنمية على النطاق الصغير.
الدولة السعودية تتغير من يوم إلى آخر، يترافق معها الاهتمام بمجالات التعليم والعمل والتدريب، الذي تشارك فيه المرأة، فالنساء السعوديات بعد مجلس الشورى في رحلة مميزة بدأت قبل أكثر من عامين.. وجودها في الشورى يشكل 20 في المائة من أعضاء المجلس، فكان فاتحة التاريخ حين تم تعيين ثلاثين سيدة بعضوية كاملة داخل المجلس، فشكلت خلال عامين منذ دخولها لقاعة المجلس الذهبي في عام 2013 حضورًا بارزًا على صعيد كثير من الملفات، وحاولت تلك (الكوتة) النسائية في حيزها أداء كثير على شتى اللجان العاملة.
وسيحمل العام الجديد تغيرات كثيرة ستشهدها البلاد، خصوصًا بعد ورش عمل شاملة تضج بها العاصمة الرياض، من أجل تحقيق تنمية متطورة، لم تغفل بلا شك حضور المرأة في المشاركة والنقاش، وكذلك ظهورها في أوراق الخطط المستهدفة للقطاعات كافة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.