الجزائر: إخضاع بن حاج لإقامة جبرية يومًا واحدًا كل أسبوع

الأمن يمنعه من الذهاب إلى صلاة الجمعة حتى لا يخوض في السياسة

الجزائر: إخضاع بن حاج لإقامة جبرية يومًا واحدًا كل أسبوع
TT

الجزائر: إخضاع بن حاج لإقامة جبرية يومًا واحدًا كل أسبوع

الجزائر: إخضاع بن حاج لإقامة جبرية يومًا واحدًا كل أسبوع

يخضع علي بن حاج، القيادي الإسلامي الجزائري المثير للجدل، لما يشبه إقامة إجبارية تدوم يوما واحدا في الأسبوع، حيث درجت قوات الأمن على منعه من مغادرة بيته يوم الجمعة، للحؤول دون لقائه بالمتعاطفين معه في مسجد بالضاحية الجنوبية للعاصمة.
وتخشى السلطات من تأثير الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة على الشباب، في وقت يشعر فيه النظام بالضعف.
وقد احتجت عائلة ابن حاج لدى اللجنة الاستشارية لحماية حقوق الإنسان، الحكومية، ضد ما اعتبرته خرقا مفضوحا لأدنى حقوق مواطن، يتم سجنه في بيته دون قرار إداري ولا قضائي.
وقال عبد الحميد بن حاج، شقيق القيادي الإسلامي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الشيخ علي يتعرض لمضايقات قاهرة على أيدي رجال أمن بزي مدني، يقفون أمام بيته في كل صباح جمعة باكرا، يترقبون حركته، فإذا خرج ووجدني في انتظاره بسيارتي فإنهم يمنعونه كالعادة من ركوبها حتى لا يلتحق بالمسجد»، موضحا أن هذا الوضع مستمر للأسبوع السادس.
وتظهر صور نشرها القائمون على الصفحة الشخصية لعلي بن حاج، بـ«فيسبوك»، معارك جسدية بينه وبين رجال أمن عندما حاولوا منعه من ركوب سيارة شقيقه، وعندما خارت قواه كان ابن حاج يعود أدراجه فيدخل بيته، إيذانا بتسليمه للأمر الواقع. وذكر شقيقه أن الشرطة لا تحضر معها أمرا من النيابة، يفيد بأنه ممنوع من الخروج إلى المسجد أيام الجمعة، وقال إنه طلب من رئيس اللجنة الاستشارية الحقوقية فاروق قسنطيني التدخل لدى رئيس الجمهورية لرفع التضييق على القيادي الإسلامي، الذي تخشى السلطات من احتكاكه بالمصلين بعد صلاة الجمعة، تفاديا لاحتمال خروجهم في مظاهرات إلى الشارع.
ومن عادة ابن حاج تنظيم حلقة بداخل مسجد الوفاء بالعهد بالعاصمة بعد انتهاء صلاة الجمعة، حيث يلتف حوله العشرات من المصلين ليحدثهم بشأن أحداث سياسية محلية وخارجية جارية. وفي كثير من الأحيان يهاجم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأبرز المسؤولين في الدولة، وهو ما يزعج السلطات. وبينما يكون ابن حاج يخطب في المصلين داخل السجد، يصطف خارجه عدد كبير من رجال الأمن بالزي الرسمي والمدني، يترقبون مظاهرة تنطلق من المسجد. وقد حدث وأن انطلقت مسيرة من المسجد خلال الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، فأوقفتها قوات الأمن بالقنابل المسيلة للدموع، واعتقلت ابن حاج وأنصاره.
وتعاني البلاد حاليا من أزمة مالية حادة بسبب انهيار أسعار النفط، مما دفع الحكومة إلى الإعلان عن برنامج تقشف وزيادة في أسعار المواد الأساسية. ولهذا السبب فهي شديدة الحساسية لأي خطاب ضدها، خصوصا إن كان مصدره شخصا يملك تأثيرا كبيرا على المواطنين، إذ يخشون من إفرازات الأزمة على ظروف معيشتهم.
وقد أصدرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، المستقلة عن الحكومة، بيانا نددت فيه بالمضايقات المستمرة، التي يتعرض لها السيد ابن حاج، الذي تمنعه قوات الأمن منذ عدة أسابيع من أداء صلاة الجمعة في المسجد، بحجة منعه من إدارة حلقات متتالية ومستمرة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.