إردوغان يلوح بحظر «يوتيوب».. وغل يعارضه

رئيس الوزراء التركي يواجه صعوبة في ضبط التسريبات

شرطة مكافحة الشغب التركية تلقي القبض على شابة متظاهرة ضد رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان في إسكيشهير غرب أنقرة أمس (رويترز)
شرطة مكافحة الشغب التركية تلقي القبض على شابة متظاهرة ضد رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان في إسكيشهير غرب أنقرة أمس (رويترز)
TT

إردوغان يلوح بحظر «يوتيوب».. وغل يعارضه

شرطة مكافحة الشغب التركية تلقي القبض على شابة متظاهرة ضد رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان في إسكيشهير غرب أنقرة أمس (رويترز)
شرطة مكافحة الشغب التركية تلقي القبض على شابة متظاهرة ضد رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان في إسكيشهير غرب أنقرة أمس (رويترز)

تقول فاطمة، وهي صحافية تركية، إنها حرمت من مشاهدة برنامجها المفضل الذي تنتظره مساء كل يوم جمعة، لأكثر من 3 أسابيع، نتيجة انهماكها كل مرة في متابعة مسلسل التسريبات، للفضائح التي تستهدف رئيس الحكومة رجب طيب إردوغان، المنهمك في معركة التحضير للانتخابات البلدية في 30 مارس (آذار) الحالي، ومعركة أخرى مع حليفه السابق الداعية فتح الله غولن الذي يتهمه إردوغان بالضلوع في مسلسل التسريبات.
وتشهد ساحة الـ«يوتيوب» أسبوعيا العشرات من التسريبات التي تتفاوت في أهميتها، وإن كان لا يزال أبرزها تسجيل يدعي مسربوه أنه عائد لإردوغان، يطلب فيه من نجله إخفاء أموال بعد مداهمات الشرطة في 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وكان جديد التسجيلات ليل أول من أمس تسجيلا يدعي أصحابه أنه حصل بين إردوغان وصاحب صحيفة «ميلليت» التركية الواسعة الانتشار، يظهر فيه من يفترض بأنه إردوغان يؤنب رجل الأعمال التركي على خلفية تسريبات لمضمون اجتماع حصل في بروكسل بين الاستخبارات التركية وممثلين عن حزب العمال الكردستاني المحظور. ويبدو الشخص المفترض أنه رئيس الحكومة غاضبا جدا وهو يقول لصاحب الصحيفة إن ما حصل خيانة عظمى وإنه يريد المصادر التي أفشت الخبر، ثم ينتهي التسجيل ببكاء صاحب الصحيفة وهو يحاول استرضاء محدثه طالبا موعدا لتوضيح الصورة دون أن يفلح، إذ استمر الطرف الآخر في تأنيبه بشدة.
وواجه إردوغان صعوبة في ضبط هذه التسريبات، رغم أن قانون الرقابة على الإنترنت قد دخل حيز التنفيذ، وهو ما حدا به إلى التهديد بإعادة حجب موقع «يوتيوب» في تركيا. وقال إردوغان في مقابلة تلفزيونية بثت مساء أول من أمس «إننا مصممون على عدم ترك الشعب التركي يتحول إلى عبد لـ(يوتيوب) و(فيسبوك)». وأضاف «سنتخذ الإجراءات اللازمة أيا كانت.. بما فيها الإغلاق».
غير أن الرئيس التركي عبد الله غل استبعد العمل بتهديدات إردوغان. وصرح غل أمام الصحافيين أمس بأن «(يوتيوب) و(فيسبوك) منصتان معترف بهما في العالم أجمع. إن المنع غير وارد». وقالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» إن المنع غير مرجح على الرغم من تهديدات إردوغان، لكنها أشارت إلى إمكانية حجب التسجيلات فقط من خلال حجب روابطها فقط.
وتستعمل هذه المحادثات على نطاق واسع من قبل معارضي إردوغان في حملاتهم الانتخابية، ووزع أنصار حزب الشعب الجمهوري آلاف الأوراق على شكل عملة «اليورو» عليها صورة إردوغان في محاولة للتأثير على شعبيته التي تقول استطلاعات الرأي إنها لا تزال قادرة على إعطائه الفوز بالانتخابات. ويتهم إردوغان جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن النافذة في سلكي الشرطة والقضاء بالوقوف وراء التحقيقات التي تطال المقربين منه من أجل الإطاحة بحزبه عشية الانتخابات البلدية وقبل الانتخابات الرئاسية المقررة في أغسطس (آب) المقبل. كما تأتي فورته على الشبكات الاجتماعية بعد تصويت البرلمان، حيث يملك الأكثرية على قانون يشدد الرقابة على الإنترنت. وأثار ذلك انتقادات داخل تركيا وخارجها بشأن انتهاك حقوق الأفراد. أما غل، الذي نأى مؤخرا بنفسه عن مواقف إردوغان المتشددة، فأدلى بانتقادات لمشروع القانون قبل صدوره بعد تعديلات طفيفة.
من جهة أخرى، أمرت محكمة في اسطنبول أمس بالإفراج عن القائد السابق للجيش التركي الجنرال الكر بشبوغ، الذي كان يقضي حكما بالسجن مدى الحياة بعد إدانته في عام 2013 بالتآمر للإطاحة بالحكومة الإسلامية المحافظة. واعتبرت المحكمة الدستورية التركية أن حقوق الجنرال بشبوغ تعرضت للانتهاك لأن طلباته السابقة بإخلاء سبيله واستئناف محاكمته لم «يتم النظر فيها فعليا».
ورحب ايلكاي سيزر، محامي الجنرال بشبوغ، بقرار المحكمة الذي وصفه بـ«القرار المهم»، موضحا أن موكله سيخرج من سجن سيليفري في الضاحية البعيدة لاسطنبول «في الساعات المقبلة». وفي ختام محاكمتين مدويتين في 2012 و2013، حكم على مئات الضباط وبينهم الجنرال بشبوغ وعدد من ضباط في مراتب عالية جدا، بعقوبات قاسية بالسجن بتهمة التآمر ضد الحكومة. وندد العسكريون المحكومون بهذه الأحكام، معلنين أن الأدلة التي استخدمتها المحكمة قد تم التلاعب بها.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».